إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القرآن يعظم التراحم والتكافل الاجتماعي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القرآن يعظم التراحم والتكافل الاجتماعي

    القرآن يعظم التراحم والتكافل الاجتماعي

    اعتنى القرآن الكريم أيَّما اعتناء بالتكافل الاجتماعي، واعتبره قيمة حضارية عظيمة جليلة في الأمة الإسلامية، سبق بها المدنيات والقوانين الوضعية المتحضرة، هذا إضافة لكونها عبادة مالية روحية شعورية مجزية الأجر لفاعلها في دنياه وأخراه.حيث حثَّ في العديد من آياته على ضرورة التراحم والتعاطف مع الفئات المستضعفة في المجتمع، من فقراء ومساكين وأيتام وغيرهم، ودعا لإكرامهم وتقديم يد العون والمساعدة لهم بما لا يقدح في كبريائهم ومشاعرهم."والعجيب أن القرآن اتَّبع في ذلك أساليب مبدعة بليغة في البيان، معجزة في نظمها ورصفها، بلغت شأوًا بعيدًا في ميزان الفصاحة، وسأقف مع بعض آي الذكر الحكيم وقفة تدبر وتأمل، أحاول بالإشارة والعبارة بيان قيمة التكافل من خلال لفتات بلاغية وبيانية لا تُحاكَى ولا تُجارَى في مضمار البلاغة.قال تعالى: ﴿ كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 17، 18].جاءت الآية الكريمة في سياق الحديث عن الكفرة المتجبرين الطغاة المعاندين الذين أفسدوا في الأرض؛ كقوم عاد ذات العماد، وثمود الذين قطعوا الصخر من الوادي، وفرعون الذي بنى الأبنية العظيمة، لكن الحق سبحانه لم يذكر مثالبهم العقدية، وشنائعهم الشركية، كعباده الأصنام، وعدم التصديق بالبعث وبالرسل، وإنما اكتفى هنا بذكر مثالب اجتماعية -إن جاز التعبير - استحقوا بها الذم الكبير والتعنيف الشديد، وهي تعبِّرُ عن مدى القسوة التي أصيبتْ بها قلوبهم؛ فلا رحمة فيها ولا شفقة، وهذه المثالب هي:عدم إكرام اليتيم، وعدم الحضِّ على إطعام المسكين.وهو يدل على أهمية هذه القضايا وجلالة شأنها، وعناية الإسلام بالألفة واللُّحمة ومنظومة العَلاقات في المجتمع الإسلامي، وضرورة الالتفات لهذه الطبقة الضعيفة أو المستضعفة في المجتمع، ولا شكَّ أن الإسلام في ذلك قد تربَّع على عرش الأخلاق والقيم الحضارية، سابقًا جميعَ النظم والقوانين والتشريعات الأرضية التي تتشدَّقُ بالأخلاق.وانظر معي إلى لفظة ﴿ تُكْرِمُونَ ﴾، حيث لم يقل سبحانه مثلاً: (لا تنفقون، لا تطعمون) أو غيرها من الألفاظ المشابهة، وإنما عبَّر بالإكرام؛ وفي ذلك حكمة وسر.والسرُّ – والله أعلم –: أن الإكرام عامٌّ وشامل للمادي، والمعنوي، والنفسي، والمالي.بمعنى: أن اليتيم الذي فقَدَ والدَه فانكسرت نفسه، قد يكون ذا مال فلا يحتاج منَّا النفقةَ والإطعام والكسوة؛ أي: (الماديات)، وإن احتاجها فهو يحتاج إلى ما هو أهم من ذلك، يحتاج للمسةٍ حانية، ونظرة رحيمة، ومشاعرَ فياضةٍ تجاهه، يحتاج للانتظام في حياة اجتماعية تخفف عنه هموم وأحزان فقْدِ الحبيب، ولتعويض النقص الذي لقيه من فقد الأب الحاني، وهذا كله من الإكرام، بل من أجلِّ وأفضل أنواع الإكرام.في المقابل تأمل في ﴿ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الفجر: 18]؛ أي: لا يحض بعضكم بعضًا على إطعام المسكين، والمسكين هو من أسكنه وأقعده الفقر والحاجة.والقرآن عجيب في أسلوبه؛ فقد عبَّر بـ (الحض)، ولم يقل مثلاً: (لا تطعمون).إن هذه الصيغة من المبالغة في ذم هؤلاء مما لا يخفى؛ حيث اعتبر سبحانه عدم الحض مذمة كبيرة وشنيعة عظيمة، فكيف بمن لا يُطعِم أصلاً؟!أَضِفْ إلى الإشارة اللطيفة في الآية: المفترض على من لم يقدر على إطعام المسكين، فعليه أن يحثَّ عليه ويحرض المجتمع على ذلك، وإلا كان مقصرًا مفرطًا.فانظر إلى رفعة قيم الإسلام، ومكانة هذه الطبقة في تشريعاته ونظمه!ثم لاحظ معي: إضافة لفظة (طعام) إلى (مسكين) والإضافة تفيد تلازم المضاف والمضاف إليه، وتفيد – مما تفيد - ملكيةَ المضاف إليه للمضاف، فإذا قلت: ثوب زيد، دلَّ ذلك على ملكية زيد للثوب، والثوب حق له، فكذلك هنا، كأنه يريد القول: إن الطعام والإطعام حقٌّ للمسكين لا تَفضُّل من الغني، وهو – أي المسكين – شريك للغني في ماله، مالك له كملكية الغني!وهذا إضافة إلى إفادته لاستحقاق المسكين للإطعام، ففيه قطع للمنِّ من قِبَل المعطي أو المنفق ((لا يدخل الجنة منَّان)) صححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في السلسلة الصحيحة، المجلد الثاني: رقم: 673، فالمال مالُ الله، والإنسان مُستخلَفٌ فيه.ولهذه الآية نظائر كثيرة في الكتاب العزيز، فانظر - مثلاً - إلى قول الحق سبحانه وتعالى:﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 1 - 7]؛ حيث ذكر في مطلع صفات المكذب بدين الله: (دعَّ اليتيم) أي: دفعَه وزجره، والقسوة عليه، وعدم الحث والحض على إطعام المسكين، وأخَّر عنها صفتي السهو عن الصلاة والرياء – وهو الشرك الخفي – مع خطورتهما وشناعتهما في العقيدة؟!يقول محمد عبده – رحمه الله –: "وفيه حثٌّ للمصدِّقين بالدين على إغاثة الفقراء ولو بجمع المال من غيرهم، وهي طريقة الجمعيات الخيرية، فأصلها ثابت في الكتاب بهذه الآية"؛ تفسير جزء عم: 166.واقرأ أيضًا: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].حيث ذكر في سياق حديثه عن المؤمنين المحسنين صفاتٍ افتتحها بالإعطاء – الإنفاق بعمومه – وقدَّمها على التقوى والتصديق بالدين مع أهميتهما التي لا تنكر! وهو شيء عجيب، ونظم بديع، فقد عكس الترتيب المعروف والمألوف، فالترتيب الطبيعي – ظاهرًا - هو: أن الإنسان يصدق أولاً بدين الله ثم يَتْبَعُ ذلك بالتقوى بعد الرقي في سلم الإيمان، ثم تأتي الأفعال الصالحة والتي تعبِّر عن صدق الإيمان وصدق صاحبه، ومنها ما يتصل بالمجتمع كالإنفاق والبذل، ولكن الترتيب هنا انعكس، مشيرًا إلى أهمية العبادات الاجتماعية (المالية وغيرها) والتي تفيد المجتمع ولا تعود على صاحبها بالنفع فحسب، وكذلك الحال في صفات المكذبين، حيث قدَّم البخل (مرضًا اجتماعيًّا) على التكذيب (مرض عقدي) فتدبره.فالتصديق بالحسنى: "هو مصدر الصالحات بلا ريب، وهو مُقدَّم في الترتيب الوجودي على بذل المال في سبيل الحق والرحمة، وعلى اتِّقاء المفاسد والخطايا، ولكنه قدَّم هذين في الذكر عليه للاهتمام بهما؛ ولأنهما الدليلان على تحققه حقيقةً؛ ولأنهما ثمرته الدانية، وكثير من الناس يظن نفسه مُصدِّقًا بفضل الخير على الشر، وأن الخير أولى بالإنسان، ولكن هذا التصديق قد يكون سرابًا في النفس، خيَّله الوهم، وصوَّره التقليد الأعمى، ثم لا يصدر عنه الأثر الذي يليق به، بل تجد صاحبه رديءَ المَلَكة قاسيَ القلب، بعيدًا عن الحق، قريبًا من الباطل، بخيلاً في الخير، مسرفًا في الشر، ولا تجد له مع ذلك كلامًا إلا في الفضيلة وحسن جزائها، والرذيلة وسوء عاقبتها، فهو كما يقول بعض الأدباء: (يُحسن وصف الفضيلة وحروفها تَئِنُ من لوكها بفمه، ووخزها بسن قلمه) "؛ تفسير جزء عم: 105.وهناك لفتة أخرى جميلة جليلة يشير إليها العلامة أبو السعود – رحمه الله – حيث يقول:"ولعل تصدير القسمين بالإعطاء والبخل مع أن كلاًّ منهما أدنى رتبةً مما بعدهما في استتباع التيسير لليسرى والتيسير للعسرى؛ للإيذان بأن كلاًّ منهما أصلٌ فيما ذكر، لا تتمةَ لما بعدهما من التصديق والتقوى والتكذيب والاستغناء"؛ إرشاد العقل السليم: 9 / 167.وفي نفس السورة (الليل) في حديثه عن النار: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل: 17، 18]، وكأنه حصر التقوى المنجية من العذاب في: الإنفاق، والبذل والإعطاء، وهي عبادات مالية اجتماعية.وفي سوره المدثر يقول تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ [المدثر: 42 - 44].عطَفَ إطعام المسكين على عدم أدائهم للصلاة، وهي ركن الإسلام الأصيل بعد الشهادتين!وفي حديثه عمن أوتي كتابه بشماله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الحاقة: 33، 34].ما أعظم هذه القضيةَ التي استحقت أن يعطفها الله على عدم الإيمان بالله العظيم!وإذا كان تاركُ الحض بهذه المنزلة فما ظنك بتارك الفعل، "وفي تخصيص الأمرين بالذكر لما قيل: إن أقبح العقائد الكفر، وأشنع الرذائل البخل وقسوة القلب"؛ أبو السعود. 8 / 26والملاحظ أن الآيات التي أوردتُها كلها من القرآن المكي، وفي هذا ردٌّ على ما تردد على ألسنة البعض من مستشرقين ومستغربين، من أن القرآن المكي – السور المكية – اقتصرت في بحثها على القضايا العقدية فحسب، في إشارة منهم إلى التقليل من شأنها والقدح بالقرآن المكي من حيث خلوُّه عن قضايا المدنية والاجتماعية والحضارية – حاشا لكتاب الله! - وما ذكر فيه الكفاية للرد عليهم وإسكاتهم، فكل ما ورد هو تأسيس وتأصيل لنظام اجتماعي متماسك، وفكر حضاري راقٍ في المنظومة الاجتماعية المتمدنة لدولة ملأت الدنيا عدلاً ونورًا.
    المصدر
    رحمك الله يا أمي
    ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
    وظني بكـَ لايخيبُ

  • #2
    رد: القرآن يعظم التراحم والتكافل الاجتماعي

    بارك الله فيكم ونفع بكم
    محمود خليل الحصري حفص ورش قالون مجود معلم مرتل هنا
    أقرأ القرآن أون لاين
    هنا
    لحفظ القرآن هذا أفضل برنامج محفظ للقرآن أون لاين هنا
    و نرجوا الدخول هنا


    تعليق


    • #3
      رد: القرآن يعظم التراحم والتكافل الاجتماعي

      جزاك الله خيراً أخي الكريم وبارك الله فيك

      تعليق

      يعمل...
      X