إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قصه موسى والخضر واسرارها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصه موسى والخضر واسرارها

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
    أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس السابع من سورة الكهف ، ونحن الآن في القصة الثالثة ؛ قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر عليهما السلام ، وقبل الدخول في تفصيلات هذه القصة أريد أن أقدم لها ببضع حقائق تعين على فهمها .

    حقائق بين يدي قصة موسى مع الخضر :
    الحقيقة الأولى : علم الحقيقة وعلم الشريعة :
    الحقيقة الأولى : أنه لما عرض الله على الإنسان الأمانة قبلها ، ومعنى قبلها أي أنه كلف بمعرفة الله ، والسير على أمره ، والتقرب منه ليسعد في الدنيا والآخرة ، وحينما قبل الأمانة منحه الله إرادة حره ، وعقلاً مفكراً ، ونصب له آيات في أرجاء الكون ، وأنزل له الكتاب ، أي أنزل له التشريع ، والتشريع ضوابط في العلاقات بين العبد وربه ، وبين العبد والعبد ، وقد نزلت هذه الشرائع تباعاً على أنبياء الله ورسله .
    فسيدنا موسى عالم بالشريعة يعرف الحلال والحرام ، ما يجوز ، وما لا يجوز ، ما ينبغي ، وما لا ينبغي ، والأمر والنهي ، والحق والباطل ، والخير والشر .
    الحقيقة الثانية : وجوب انضباط أفعال العباد بالشرع :
    يجب أن تضبط أفعال العباد بالشريعة ، وسيدنا موسى نبيٌ عظيم ، ورسول كريم من أولي العزم ، وهو أعلم علماء الأرض في وقته في الشريعة ، لكن الله سبحانه وتعالى يتصرف في الكون ، ويتصرف مع عباده تصرفاً لا يعلم حكمته إلا الله ، أي لا يعلم سر القضاء والقدر إلا الله ، فسر التصرفات الإلهية ، وحكمة الأفعال الإلهية علم مستقل قائم بذاته ، فقد آتى الله سيدنا الخضر ، وهو نبي في رأي معظم العلماء عليه السلام ، من لدنه علماً ، فكأن هذه القصة لقاء عظيم رائع ، بين قطب عظيم من أقطاب الشريعة ، وقطب عظيم آخر من أقطاب الحقيقة ، فنحن مع سيدنا موسى مع قطب من أقطاب الشريعة ، ونحن مع سيدنا الخضر قطب من أقطاب الحقيقة .
    والشريعة والحقيقة التقتا ، ومن خلال هذا اللقاء العظيم تتضح بعض الحقائق المهمة التي نحن جميعاً في أمس الحاجة إليها ، ومن لقاء قطبي الشريعة بالحقيقة تتضح بعض أسرار القضاء والقدر ، ومنها نعرف معنى قوله تعالى :
    ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾
    (سورة البقرة : 216)
    كأن ملخص هذه القصة تلك الآية : ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾
    يجب أن تضبط أفعال العباد بالشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل تفسر بالحقيقة .
    ويجب أن تكون أفعال العباد وفق الحلال ، والمباح ، والمندوب ، والأمر ، ويجب أن تبتعد عن المكروه ، والمحرم ، هناك شريعة دقيقة جداً ، فيها حكم كل شيء ، كل حركة ، وكل سكنة ، وكل تصرف ، وأية علاقة تضبطها الشريعة ، لكن أفعال الله عز وجل علم التصرفات الإلهية ، وسر القضاء والقدر ، فعلم الحقيقة يكشف لنا جانباً منه .
    ففي لقاء هذين النبيين العظيمين لقاء سيدنا موسى مع سيدنا الخضر تتضح حقائق كثيرة من علم الحقيقة .
    سبب ورود قصة موسى مع الخضر :

    ورد في بعض الأحاديث الشريفة عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ ؟ قَالَ مُوسَى : لَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى : بَلَى عَبْدُنَا خَضِرٌ ، فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَيْهِ ، فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً ، وَقِيلَ لَهُ : إِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ ، وَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ ، فَقَالَ لِمُوسَى فَتَاهُ : ﴿ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ﴾
    ﴿ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ﴾فَوَجَدَا خَضِرًا فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ ))
    [متفق عليه]
    سيدنا موسى نبي مرسل ، ومادام نبياً مرسلاً فهو بالبديهة أعلم علماء الأرض ، فما كان من هذا النبي العظيم إلا أن قال : أنا أعلم علماء الأرض ، فأوحى الله إليه ما أوحى . ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾
    ليس أعلم منك مطلقاً ، أعلم منك في علم الحقيقة ، وأنت أعلم منه في علم الشريعة ، ينبغي أن تقول : أنا في هذا العلم ، قد علمني ربي ، هذا ما ورد في بعض الأحاديث أن الله عز وجل أراد أن يُعلمه ، وأن يُعَلمه أن في الأرض عبداً صالحاً آتاه الله رحمة من لدنه ، وعلمه من لدنه علما هو أعلم منك .
    فما كان من هذا النبي العظيم إلا أن سأل الله عز وجل : يا رب ، كيف ألتقي به حتى أتعلم منه ؟
    بداية القصة : خروج موسى مع فتاه طلبًا للقاء الخضر :
    الآن بدأت القصة :
    ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ﴾
    فتاه ؛ أي فتى صاحب سيدنا موسى ، ليتعلم منه ، وليخدمه ، فكان في الوقت نفسه خادماً ومتعلماً . ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾
    لا أبرح أسير إلى أن أصل إلى مكان حدده الله عز وجل ، حينما أوحى الله إلى سيدنا موسى قال : يا موسى تلتقي مع الخضر ، مع هذا العبد الصالح في مجمع البحرين ، وما دام الله عز وجل قد أخبر سيدنا موسى أن هذا العبد الصالح يراه في مجمع البحرين ، عندئذٍ قال هذا النبي العظيم : لا أبرح ، أمشي ، وأبحث ، وأسير . ﴿ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ﴾
    وإن لم أبلغ هذا المجمع : ﴿ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾
    سأسير حقباً طويلة ، سنوات وسنوات ، إلى أن ألتقي بهذا العبد الصالح . من دلالات خروج موسى للقاء الخضر : فضل العلم :

    انظروا أيها الإخوة ، كم هو ثمين هذا العلم في نظر هذا النبي العظيم ، أحدنا يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم لسبب تافه جداً ، يقول : عندي موسم ، أو زارني ضيف ، فهو لسبب تافه يصرف نفسه عن حضور مجالس العلم التي هي مجالس الذكر .
    وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يذكرون الله فيه إلا غشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، وما اجتمع قوم في مجلس فلم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة .
    ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾
    وكانت علامة هذا المكان فيما أوحى الله لهذا النبي العظيم أن يفتقدا حوتاً لهما كانا قد أعداه للطعام ، إذا افتقداه في مكان ما ، فهذا المكان مكان اللقاء بالعبد الصالح .
    معنى : مَجْمَعَ البَحْرِيْنِ
    ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا ﴾
    المعنى الأول :
    يعني مجمع البحرين . المعنى الثاني :
    وبعضهم قال : مجمع البحرين يعني اجتماع بحري الشريعة والحقيقة ، هذا وجه من وجوه التسمية ، اجتماع بحري الشريعة والحقيقة . ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾
    كانا قد أعدا حوتاً ، وجهزاه للطعام ، ووضعاه في حقيبة إن صح التعبير ، ووضع هذا الحوت في مجمع البحرين ، وفي بعض الأقوال غير الثابتة أن مجمع البحرين مكان التقاء البحر الأحمر ، والبحر الأبيض المتوسط ، فهما مجمع البحرين . ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ﴾
    نسي سيدنا موسى أن يتفقد الحوت ، ورأى فتاه من الحوت منظراً عجيباً نسي أن يخبر سيده موسى ، هذا الحوت . ﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾
    معنى : فَاتَّخََذَ سَبِيلَهُ فِي البَحْرِ سَرَبًا
    المعنى الأول :
    قال بعض المفسرين : " هذا الحوت وقع في البحر " . المعنى الثاني :
    وقال بعضهم : " كانت معجزة أن عادت له الحياة فسقط في البحر ، وعاش فيه ، رأى الفتى الذي رافق سيدنا موسى هذا المنظر فالحوت ، فإما أنه وقع في البحر ، أو أنه عادت له الحياة فوثب في البحر ". ﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾
    وقد تكون عودة الحياة إلى الحوت ، ووثوبه إلى مياه البحر أيضاً علامة من علامات اللقاء مع العبد الصالح . ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا ﴾
    أنساهما الله عز وجل سقوط الحوت في البحر . من استنباطات الآية :
    الاستنباط الأول : إعداد الزاد للسفر :
    لذلك استنبط العلماء أنه يجوز ، بل يندب لمن أراد السفر أن يعد الزاد ، وليس في إعداد الزاد تناقضاً مع التوكل ، اعقل وتوكل ، واستنبط العلماء أيضاً وجوب الرحلة في طلب العلم ، كيف أن هذا النبي العظيم قال :
    ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً ﴾
    أراد أن يصل ، أن يسافر من أجل لقاء هذا النبي العظيم . ﴿ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾
    الاستنباط الثاني : المشقة في طلب العلم :
    يعني تعبا ، تعبنا أين الطعام يا فتى ؟ عندئذ تذكر هذا الفتى أن الحوت الذي قد أعداه للطعام سقط في البحر . ﴿ فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً ﴾
    كيف اتخذ الحوت سبيله في البحر سربا ؟!!!
    ليس في الآية قرينة على أن الحياة قد عادت له ، لكن هناك آية تالية تشير من طرف خفي إلى أن هناك شيئاً عجيباً ، كيف وقع هذا الحوت في البحر ، من هنا استنبط العلماء أنه ربما عادت الحياة إلى الحوت بعد شيِّه ، ووثب في البحر .
    قال الغلام :

    ﴿ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً ﴾
    كيف اتخذ الحوت سبيله في البحر عجبًا ؟!!!
    واتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا ، هناك شيء عجيب ، وخارق للعادة ، أن حوتاً مشوياً ، أي سمكةً مشويةً تعود لها الحياة ، وتثب في البحر ، والله أعلم ما إذا كانت الحياة قد عادت لها أو لم تعد ، لكن الشيء الثابت أن الحوت قد اتخذ سبيله في البحر ، عندئذ عرف سيدنا موسى أن هذا المكان الذي نسيا فيه الحوت هو مجمع البحرين ، وهو مكان اللقاء المنتظر .
    ﴿ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ﴾
    فقدان الحوت أمارة مكان اللقاء :
    ذلك ما كنا نبتغي من هذا السفر الطويل ، وهذا هو الهدف ، لأن المكان الذي افتقدنا فيه الحوت هو مكان اللقاء كما أخبره الله بالوحي .
    ﴿ قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصاً ﴾
    بعد أن قطعا يوماً وليلة بعيداً عن مجمع البحرين ، وعن مكان سقوط الحوت في البحر ، ارتدا ، وعكفا راجعين إلى مكان افتقاد الحوت ، لأن هذا المكان هو مكان اللقاء المنتظر الذي يحرص عليه سيدنا موسى عليه وعلى نبيناً أفضل الصلاة والسلام ، وكما وعده الله عز وجل ، وكما أوحى إليه في هذا المكان مكان افتقاد الحوت ، مجمع البحرين .
    ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا ﴾
    العبودية أعلى مرتبة للإنسان :

    أعلى مرتبة ينالها الإنسان في الحياة الدنيا أن يكون عبداً لله ، وأن تتحقق فيه العبودية لله عز وجل ، والعبودية معرفة يقينية ، تفضي إلى طاعة طوعية ، تنتهي إلى سعادة أبدية ، معرفة يقينية ، فطاعة طوعية ، فسعادة أبدية . ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً ﴾
    كيف تكسب العلم ؟
    العلم يكتسب بالمدارسة ، والمطالعة ، وحضور مجالس العلم ، والتأمل ، والتفكر ، فإذا حاز الإنسان العلم بالأسباب فهذا العلم الذي نعرفه جميعاً ، أما العلم الذي يحوزه الإنسان من دون أسباب أرضية هو العلم اللدني ، فهذا العبد الصالح ، آتاه الله رحمة من عنده ، وعلمه من لدنه علما .
    هل الخضر عليه السلام نبيُّ ؟

    هناك إشارات ، ودلالات كثيرة يقينية على أن سيدنا الخضر عليه السلام نبي ، إما أنه نبي مرسل ، أو غير مرسل ، هذا موضوع خلافي ، وبعض العلماء يظنونه ولياً ، فهو بين أن يكون ولياً ، أو نبياً مرسلاً ، أو نبياً غير مرسل ، هناك قرائن ستأتي بعد قليل تبين أن هذا الإنسان العبد الصالح كان نبياً . ﴿ فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى ﴾
    مِن آداب طالب العلم : التواضع والأدب مع الشيخ :
    بأدب جم ، نبيٌ مرسل ، ومع ذلك يتأدب مع من أعلمه الله أنه أعلم منه ، وفوق كل ذي علمٍ عليم ، والأدب مع من يعلمك من لوازم التعليم ، وقد قال بعض العلماء لبعض الطلبة : يا بني نحن إلى أدبك أحوج منا إلى علمك .
    ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ ﴾
    الاستفهام فيه أدب ؟ هل تسمح لي بالتعلم ، الاستفهام فيه أدب ، ولم يقل : أنا سأتبعك ، فيجب أن تعلمني . ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً﴾
    فقال سيدنا الخضر :
    ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾
    لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
    يبدو أن سيدنا الخضر يعلم أن سيدنا موسى لا يصبر عليه ، وأنه عالم بالشريعة ، وأن الأفعال التي سوف يفعلها هذا العبد الصالح ربما لا تفسر في ضوء الشريعة ، هل في الشريعة أمر أن تقتل غلاماً بلا سبب **، حاشا لله ، هذا لا يتوافق مع الشريعة ، فقال له :
    ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾

    علمك الشرعي لا يسمح لك بتفسير أعمالي ، ومزاجك العصبي لا يسمح لك بالصبر .
    ورد في بعض الكتب عن الشيخ محي الدين أن سيدنا الخضر قد أعد لهذا النبي العظيم ألف مسألة ، فلما كانت الثالثة فقد سيدنا موسى صبره ، عندها قال عليه الصلاة والسلام :
    (( يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ))
    [البخاري ومسلم عن أبي بن كعب]
    ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾
    لم يقل : إنك لن تستطيع معي كمال الصبر ، بل قال : صبرا ، على التنكير ، أي ولا تستطيع حتى الجزء البسيط من الصبر ، ثم بيّن العلة :
    ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾
    بيان علة عدم صبر موسى :
    يتناقض العمل في ظاهره مع الشريعة ، وأنت عالم بالشريعة ، وأنا عالم بالحقيقة ، هناك تناقض بيني وبينك .
    ﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾
    ما كان من هذا النبي الكريم إلا أن أظهر الجلد ، والصبر ، والعزيمة على متابعة هذا العبد الصالح كي يتعلم منه ، فقال : ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً﴾
    انظر إلى الأدب مع الله عز وجل ، الاستثناء ، إن شاء الله . من استنباطات الآية : الصبر على طلب العلم :
    استنبط العلماء من هذه القصة أنه ينبغي على الذي يحضر مجالس العلم أن يصبر ، وألا يعترض ، وأن يتأدب .
    ﴿وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي﴾
    شرط الخضر في قبول اتباع موسى له :
    شرط :
    ﴿ فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً﴾
    انظر واسكت ، اتبعني ولا تعترض ، ولا تبادر بالسؤال ، فأنا سأخبرك عن كل شيء . ﴿ فَانْطَلَقَا ﴾
    انطلقا ليعرفا الحقيقة ، وبعضهم قال : انطلقا من عقال المادة . ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾
    خبرُ ركوبِ موسى مع الخضر السفينةَ :
    تروي بعض الكتب أنهما ركبا في سفينة لمساكين ، لأناس فقراء ، وأن عصفورين وقفا على طرف السفينة ، وغمسا منقاريهما في الماء غمستين ، فقال الخضر لسيدنا موسى : ما علمي وعلمك في علم الله إلا كهاتين النقرتين في البحر ، أي بماذا يرجع هذا العصفور إذا غمس منقاره في البحر ؟ ما علمي وعلمك في جانب علم الله عز وجل ، إلا كهاتين النقرتين في البحر .
    ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ﴾
    من استنباطات الآية : جواز ركوب البحر :
    واستنبط العلماء من هذه الآية جواز ركوب البحر .
    خرق الخضر للسفينة وإنكار موسى عليه :
    خرقها ، أي أمسك بقدوم ، وقلع من جدار السفينة لوحاً خشبياً ، وهذا عمل غير منطقي ، وغير معقول ، بالإضافة إلى أن صاحب السفينة رفض أن يأخذ منهما أجرة نوالاً ، أركبهما ضيافة بلا نوال ، وفوق هذا العمل الطيب ، والضيافة الكريمة جاء الخضر عليه السلام ، وأمسك قدوماً ، وكسر أحد ألواح السفينة ، واقتلعه ، فقد سيدنا موسى صوابه ، وقال :
    ﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾
    هذا عمل غير صحيح ، ماذا فعل معك صاحب السفينة ؟ أهكذا تكافئه على عمله الطيب ؟ استنبط العلماء هنا أن سيدنا موسى لم يقل هذا بدافع من حرص على حياته ، لا ، نسي نفسه قال : ﴿ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا ﴾
    هذا العمل لا يمكن أن يقبل ، دعاك إنسان مسكين فقير إلى ركوب السفينة بلا مقابل ، وهو يكتسب من هذه السفينة ، ثم تخرقها له . ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً﴾
    إمراً أي فظيعاً ، غريباً ، غير مقبول ، قال : ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾
    تذكير الخضر موسى بعدم صبره وشرطه عليه :
    لقد قلت لك : إنك لن تستطيع معي صبرا ، لأن الأعمال التي أعملها ، ليست خاضعة لعلم الشريعة ، إنما هي خاضعة لعلم الحقيقة ، أنت عالم بالشريعة ، وأنا عالم بالحقيقة .
    تذكر الوعد ، والاتفاق ، والعهد حين قال له الخضر عليه السلام :
    ﴿ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ﴾
    هنا قال : أنا تسرعت ، ومعك الحق . ﴿ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً ﴾
    هذا أول درس ، شيءٌ عجيب ، تركب سفينة بلا نوال ، بلا مقابل ، ودعاك أصحابها المساكين إلى ضيافة كريمة ، ثم تقابل هذا الإحسان بالإساءة . ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ ﴾

    قصة قتل الخضر للغلام :
    تذكر الكتب أنه كان هناك غلمان يلعبون ، وبينهم غلام جميل جداً ، نظيف وهادئ ، فأخذه الخضر ، وذبحه ذبح النعاج ، فتفرق الأطفال من حوله ، وفزعوا ، عندئذ اشتد لسيدنا موسى الغضب وقال :
    ﴿ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾
    إنكار موسى على الخضر قتلَه للغلام :
    لا بد أن يكون القتل قصاصاً ، نفسٌ بنفسٍ ، هذه جريمة ، ماذا فعل معك هذا الغلام ؟
    ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾
    مخالفة موسى لشرطه وتذكير الخض ر له به :
    هذه مرة ثانية ، خرجت عن صوابك مرة ثانية ، تذكر هذا النبي العظيم أنه خالف العهد ، وخالف الاتفاق .
    ﴿ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً ﴾
    ليس لي عذر في المرة الثالثة . ﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ ﴾
    دخول موسى مع الخضر القرية وطلبهما الاستضافة :
    كانا جائعين جداً ، وقال العلماء : يجوز لصاحب الحاجة أن يطالب بما يسدها .
    ﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ﴾
    كانوا أهل قرية بخلاء لؤماء .
    ﴿ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا ﴾
    امتناع أهل القرية من ضيافة الخضر وموسى :
    امتنعوا عن إطعامهم ، نظر سيدنا موسى والخضر عليهما السلام إلى جدار عظيم كاد يتداعى .
    ﴿ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ ﴾
    إقامة الخضر للجدار المائل وطلب موسى منه أخذ الأجر :
    فشمرا عن ساعد الجد ، وبنيا هذا الجدار ، هذا موقف غريب ، في الموقفين الأولين ، عمل منكر ، أما هنا فقد رفض أهل القرية اللؤماء ، البخلاء الأشحاء أن يطعمونا الطعام ، وتبني لهم جداراً بلا مقابل ، ما هذا التناقض ؟ كأن الله عز وجل يريد أن يقول لنا : تصرفات الله عز وجل لها حكمة بالغة ، لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع ، قال : نحن جائعون :
    ﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾
    فنشتري طعاماً فنأكل .
    ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾
    هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
    قال بعض العلماء : مقابلة الإساءة بالإحسان وارد في علم الشريعة ، فلماذا خالفت يا موسى شريعتك ؟ لماذا اعترضت عليه ؟ ولقد بنيت الجدار رداً على الإساءة ، قتل غلام بغير نفسٍ هذا خلاف علم الشريعة ، وخرق سفينة مقابل ضيافة كريمةً ، فهذا خلاف علم الشريعة ، ولكن أن نرد على الإساءة بالإحسان فهذا من علم الشريعة .
    ألم تسقِ للمرأتين في مدين بلا مقابل ؟ كيف تلومني على بناء هذا الجدار ؟ لأن أهل هذه القرية أساؤوا إلينا ، وأنت نفسك سقيت لامرأتين في مدين من دون مقابل .
    ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ﴾
    مواقف موسى مع الخضر :
    ثلاثة مواقف ، خرق سفينة ، وقتل غلامٍ ، وبناء جدارٍ .

    الأول :

    ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً ﴾
    والثاني : ﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً ﴾
    والثالث :
    ﴿ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً ﴾
    ﴿ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرا ً﴾
    ما يقاس على القصص الثلاث الواردة في سورة الكهف :

    استمعوا أيها الإخوة الأكارم ؛ هذه القصص الثلاث ينبغي أن يقاس عليها كل شيءٍ يقع في الأرض . ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾
    ***
    و لرُبَّ نازلةٍ يضيق لها الفتى ذرعاً وعند اللهِ منها المخرجُ
    ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت و كنت أظنها لا تفرجُ
    ***
    كن عن هـمومك معرضاً كـل الأمور إلى القـضا
    و بـشر بـخيرٍ عـاجلٍ تنسى به ما قد مــضى
    فيا رب أمـر مسخــط لك في عواقبه رضــى
    ويا ربما ضاق المضيـق و لا ربما تسع الفضــا
    الله يفعل مـا يشــاء فلا تـكن مـــعترضا
    الله عـودك الجميـــل فقس على ما قد مضـى

    قال : ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ﴾
    تفسيرات وحجج الخضر في أفعاله التي أنكرها موسى عليه :
    إن هؤلاء الناس مساكين ، مع أنهم يملكون سفينة ، ذلك لأنهم عيشون من دخلِها ، وإذا ملك إنسان بيتاً يسكنه فهو مستهلكه .
    ﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾
    حجة إغراق السفينة :
    أردت أن أجعل فيها عيباً .
    ﴿ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً ﴾
    كان الملك يُصادر كل سفينة أعجبته ، ويأخذها غصباً ، فحينما خرقتُها فوّتُ على الملك مصادرتها ، وأبقيتها لأصحابها ، يقتاتون من دخلها ، فما قولك ؟ أين الحمق ، والغضب ؟ هكذا يفعل الله عز وجل .
    أحياناً يلغى إيفاد الطالب إلى أوربا لعلامة واحدة ، فيغضب ، ويزمجر ، جعلتك هذه العلامة تبقى في بلدك ، ويبقى لك دينك ، لا تغضب ، فلكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأحياناً يفسخ عقد الزواج لسبب تافه ، فقد يكون في هذه الزوجة الدمار والشقاء ، لا تغضب إذا جاءت الأمور كما تشتهي ، فقل : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإن جاءت على خلاف ما تشتهي ، فقل : الحمد لله على كل حال .

    ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ﴾
    حجة قتل الغلام :

    كان أبواه متعلقين به تعلقاً شديداً ، وكانا مؤمنين ، فإذا كبر هذا الغلام وصار كافراً ، وتعلق الأب والأم بابنهما الكافر فربما يهلكهما مع هلاكه .
    وهذا يؤكد علم الله بما سيكون ، علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، وعلم الله قديم ، ليس علماً كسبياً كعلم البشر ، فالإنسان بدون شك مخير ، والله يعلم بلا كيف ما في هذا من شك ، وعلم الله لا يؤثر في اختيار الإنسان .
    ﴿ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً﴾

    أبدلهما الله عز وجل غلاماً مؤمناً طاهراً ، فإذا حدث التعلق به كان التعلق صحيحاً وسليماً .
    ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ﴾
    حجة إقامة الجدار :
    قال : يا عبدي أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ، قال : يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين ، لثقتي بأنك خير حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، قال : يا عبدي أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، وكان أبوهما صالحا ، الأبوة الصالحة تعود بالخير على البنوة الصالحة ، فهذا الأب الصالح استحق أن يطمئن على ولديه اليتيمين ، وأنهما سيأخذان الكنز الذي خبأه لهما تحت الجدار ، وحيث إن الجدار كان على وشك الوقوع جاء هذا العبد الصالح ، وبنى هذا الجدار بلا مقابل .
    ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ﴾
    هنا الدقة : ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ﴾
    دليل نبوة الخضر عليه السلام : وَمَا فَعَلْتُهُ عَن أَمْرِي
    ليس في علم الشريعة كلها أن تقتل غلاماً لعلمك بأنه سيكون كافراً ، من هنا استنبط العلماء أن العبد الصالح سيدنا الخضر هو نبي ، لأن خواطر الأولياء ليست معصومة ، لابد أن الله أوحى إليه بقتلِ هذا الغلام ، ولا يمكن أن يقبل قتلٌ بخاطر ، الولي يأتيه خاطر ، أما النبي فيأتيه الوحي ، فقتل نفس زكية لا يمكن أن يكون بخاطر من ولي ، بل لا بد أن يكون وحياً من نبي ، هذا يؤكد أن سيدنا الخضر نبي من عند الله .
    ﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ ﴾
    الأُولى : تستطيع ، كان متألماً جداً ، أما الثانية هدأت نفسه بعد أن عرف التأويل .
    ﴿ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً﴾
    ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك :
    يجب أن تكون هذه القصص الثلاث في ذهن كل منا ، لأن الإنسان أحياناً يواجه عقبات ، ومشكلات ، وضغوطاً ، أحياناً يحرمه الله الولد ، أو يحرمه الله الذكور ، أو تأتيه زوجة مشاكسة ، أو يكون دخله قليلاً ، لا تخلو حياة المؤمن من عقبات ، وأزمات .
    لذلك جاء في الحديث الشريف : أن الله عز وجل أوحى إلى الدنيا أن تكدري وتمرري ، وتضيقي ، وتشددي ، على أوليائي حتى يحبوا لقائي ، هذا فعل الله عز وجل ، أكرم الأبوين ، وأكرم أصحاب السفينة ، وأكرم الغلامين اليتيمين ، أعماله كلها إكرام .
    لذلك جاء في بعض الأحاديث الشريفة : الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ، وأما هذه القصص الثلاث فهي تفسير للقضاء والقدر .
    قال عليه الصلاة والسلام :
    (( كل شيء بقضاء من الله وقدر ))
    [ ورد في الأثر ]
    والله سبحانه وتعالى لا يقضي إلا بالخير ، قد يكون الخير ظاهراً ، وقد يكون غير ظاهر ، وهنا معنى قوله تعالى : ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾
    (سورة لقمان : 20)
    النعم الظاهرة ؛ هي النعم الظاهرة ، والنعم الباطنة ؛ هي المصائب ، فكم من مصيبة غيرت مجرى حياة الإنسان ، من الضياع إلى الهدى ، ومن الشقاء إلى النعيم ، ومن المعصية إلى الطاعة ، وكم من مصيبة حملت صاحبها على الطاعة . ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
    (سورة الشورى : 30)
    ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عودٍ إلا بما قدمت أيديكم ، ويوم القيامة يكشف الغطاء . ﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
    (سورة ق : 22)
    عندئذٍ تعرف الحقيقة على ما هي عليه ، لو كشف الغطاء لاخترتم الواقع . ﴿ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
    (سورة يونس : 10)
    ما منكم واحد إلا ويعاني بعض المشكلات ، هذه القصة إجابة شافية كل المشكلات التي يعانيها المؤمن ، إنها مشكلات في ظاهرها ، ومعالجات في باطنها ، إنها مشكلات في ظاهرها ، وإكرام إلهي في حقيقتها .
    الشيء الذي يلفت النظر في هذه الآيات أن سيدنا الخضر على علم بالشريعة ، لذلك قال :
    ﴿ قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً ﴾
    وسيدنا موسى على علم بالحقيقة ، ولكنه بالشريعة أعلم ، وسيدنا الخضر بالحقيقة أعلم ، وما هذا اللقاء إلا لقاء بحرين في العلم .
    علم الشريعة ... وعلم الحقيقة ...
    علم الشريعة المنهج الدقيق الذي يجب أن تسير عليه أفعال الإنسان المكلف ، وعلم الحقيقة تفسير لفعل الله عز وجل الذي لا ينطوي إلا على الرحمة ، والعدل ، واللطف ، والخير .
    بقيت قصة أخيرة ، هي قصة ذي القرنين ، وفيها فوائد واستنباطات
    قال صلى الله عليه وسلم((من قال استغفر الله الذي لا اله الا هو الحي القيوم واتوب اليه غفرت ذنوبه وان كان قد فر من الزحف ))رواه الترمذي

  • #2
    رد: قصه موسى والخضر واسرارها

    جزاكم الله خيراً ، لكن فضلاً منكم تذكروا
    مصدر هذا الموضوع

    تعليق

    يعمل...
    X