السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
آيات أمثلة الحياة الدنيا
هناك عدة آيات كما يلي
1 ـ قال _تعالى_: " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " " يونس " 24 " .
2 ـ قال _تعالى_: " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا " (الكهف 45) .
3 ـ قال _تعالى_:
" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "(الحديد 21) .
الدروس والعبر المستفادة من الآيات :
1 ـ مجرد تأمل اسم الحياة الدنيا يوحي بحقيقة معناها ، فاسمها " الدنيا " سواء قيل في معنى ذلك :
أ ـ إنها أولى وستعقبها أخرى .
ب ـ إنها فانية وهناك دار باقية .
ج ـ إنها في المنزلة الدنية .
فكل هذه الأمور موجودة في الحياة الدنيا حقيقة فهي أولى من حيث الزمن وستعقبها أخرى وهي فانية ، وهي كذلك دنية المنزلة .
2 ـ في الأمثلة التي ذكرها الله نلاحظ أن الفناء أصل فيها لا ينفك عنها ، فمثلاً :
نزول الماء من السماء له بداية ونهاية .
الغيث وتكونه ونزول الأمطار فيه له بداية ونهاية .
النبات واخضراره ثم اصفراره له بداية ونهاية .
وكذلك الحياة الدنيا ركبها الله على الفناء ولها بداية ونهاية .
3 ـ في الأمثلة المذكورة يغتر الإنسان بذلك المنظر الخلاب ، والخضرة البهية والروض الباسم فهي أشياء تدعو للاغترار؛ لأن الأرض أخذت زينتها وزخرفها وازينت ، وكذلك الحياة الدنيا لها من البهرج والزينة والمنظر ما يدعو للاغترار حتى فسر بعض أهل العلم قوله _تعالى_: " وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ " بأنها الدنيا .
4 ـ قد تلبس الأرض ثوباً أخضر فيه من كل أنواع الزينة والأعشاب والأزهار الطبيعية وجدوال الماء فأشجار تتعانق في العلو ، وأعشاب تتسابق في فرش الأرض بمنظر يزيل الهم حتى يصل الأمر إلى أن الحقائق التي عند بعض الناس قد تتزعزع فيظن المسكين أن هذا المنظر لا فناء له ، فمتى يفنى منظر بهذه الصورة، وكيف ؟ ! كما قال الله عن بعض المخدوعين: " وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " فتبدلت حتى حقيقة الفناء التي يؤمن بها الجميع لكن لم تتبدل تلك الحقيقة إلا لمؤثر أكبر، وهو شدة ما رأى مما يبهر العقل من ذلك المنظر .
وكذلك الدنيا قد تقبل على شخص وتنفتح عليه حتى يظن أنها لن تدبر ، بل وكيف تدبر ؟! وفي النهاية يتبين أنها غرور وخداع لا يملك منها شيء .
5 ـ الأمثلة المذكورة فيها سرعة تغير حال الأرض من الاخضرار إلى الاصفرار إلى الحطام الذي تذروه الرياح.
وكذلك الحياة الدنيا تتغير من حال إلى حال، وتتبدل من سرور إلى حزن في مدة وجيزة قد تفوق تبدل الأرض، فسبحان العليم الخبير .
6 ـ الأمثلة المذكورة فيها شدة تبدل الأرض لما أذن الله بتبدلها حتى " كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ " فبالأمس تلك الخضراء الفاتنة ، واليوم حصيداً هشيماً بالية لا تشابه الماضي في لون ولا وصف .
وكذلك الحياة الدنيا إذا أدبرت عن شخص وولت ما كأنها يوماً من الأيام كانت بين يديه يفعل فيها ما يشاء ويملك منها ما يريد ، فعجباً كيف يركن لها ؟ ويطمئن بها ؟! وهي بهذه الصفة .
7 ـ الأمثلة السابقة في كتاب الله نلاحظ فيها قصر مدة ذلك الروض الأخضر، فما هي إلا أيام أو بالأصح شهور ما بين خضرته وتحطمه .
وكذلك الحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة سواء كان المراد أن عمر الشخص فيها قصير أو كان المراد عمرها بذاتها .
8 ـ الأمثلة نلاحظ فيها تنوع المتاع فيها والملذات ويؤخذ هذا من قوله _تعالى_: "مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ " أي: أخرج الله بذلك الماء أنواع النباتات والأشجار التي يأكل منها الناس والحيوانات، فكم ياترى أنواع ذلك المتاع والأشجار؟!!
وكذلك الحياة الدنيا فيها من أنواع المتاع والملذات ما لا يحصى ويدرك، ومع ذلك كما أن متاع ذلك المطر له أجل وسيفنى ويتحطم فكذلك متاع وملذات الحياة الدنيا؛ لأنها ممثلة بها .
9 ـ من خلال الأمثلة نلاحظ أن الله لم يخرج بذلك المطر نباتاً مباشرة هكذا ، وإنما تكون الغيث ثم نزل الماء من السماء ثم اختلط بالأرض ثم بقي مدة ثم أخرجت الأرض نباتها، ففي ذلك من تعاقب المراحل ما يظهر ويعلم .
وكذلك الحياة الدنيا فيها من العناء والتعب الشيء الكثير، بل إن قيل لا يأتي شيء أبداً إلا بعناء يناسبه كان القول صحيحاً .
10 ـ الأمثلة خاصة آية سورة يونس دلت على وجوب بذل الأسباب الممكنة ، فأهل ذلك البستان حرثوا وزرعوا وبذروا وعملوا وجدوا، ولذلك قال الله عن أهلها: " وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " فسبب ذلك أنهم عرفوا مقدار العمل الذي بذلوه وفعلاً تم لهم ما أرادوا قبل أن يأتيها أمر الله _سبحانه_ .
وكذلك الحياة الدنيا تعمر بأفعال أهلها وأعمالهم وجدهم ، أما بدون عمل ولا كدح فقدح في العقل .
11 ـ الله شبه الدنيا بالغيث ، ومعلوم أن الغيث فيه رعد وبرق وصواعق وعواصف وغرق ، وفيه مطر ونبات ونفع .
وكذلك الدنيا فيها من الخير الشيء الكثير ومن ضد ذلك ما يثبت به حكمة الله _سبحانه وتعالى_ .
12 ـ الأصل في الحياة الدنيا عدم الاستقرار والتبدل كما في المثال الذي ذكره الله في الروض الأخضر، فالأصل أنه لا يبقى على حاله، بل التبدل هو الأصل الأصيل .
وهذا إذا فقه خرج حب الحياة الدنيا من قلب المسلم العارف بحقيقتها .
13 ـ الأمثلة المذكورة تربي في النفس المؤمنة قصر الأمل ، وهو مطلب شرعي دل عليه قوله _صلى الله عليه وسلم_: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه الترمذي .
فدنيا لا تستقر على حال ولا تستمر عند شخص وقصيرة المدة وركبت على التعب والنصب تجعل الشخص المؤمن قصير الأمل فيها .
14 ـ دلت الأمثلة أن كل ما كان من شيء حسن في الحياة الدنيا غير عبادة الله فهو من زينتها وزخرفها ، ولفظ الزينة والزخرف يوحي بالزوال؛لأنه ليس من ذات الشيء بل زائد عنه
15 ـ دلت الأمثلة المذكورة في الآيات أن الحياة الدنيا تخدع من يركض وراءها، فانظر كيف خدعتهم في زينتها حتى أن أهلها ظنوا " أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " وفي ليلة واحدة أنكرتهم وتبدلت لهم بوجه آخر لا مقارنة بينه وبين السابق، فمن بعد ذلك يطمئن لها ويرضى بها؟!
16 ـ تلك الآيات تجعل المسلم يعرف مع من يتعامل، فهو يتعامل مع " فان، زائل، زينة، زخرف، هشيم، تذروه الرياح".
وهذه هي حقيقة الحياة الدنيا، فمعرفة ذلك يعطي المسلم تصوراً في طبيعة التعامل مع الطرف الآخر، فلا يحزن لفوات شيء منه ولا يتبع نفسه لحصول آخر.
17 ـ الأمثلة المذكورة تجعل المسلم يعرف كيف يتعامل مع الحياة الدنيا، فيتعامل معها كما يتعامل مع أي زينة أخرى.
18 ـ تصوير تلك الأمثلة للحياة الدنيا بصفاتها وتغريرها يخرج من قلب المؤمن الحب لأجلها والبغض لأجلها، وهذا الأمر من أصول العقيدة فيجعل المحبة خالصة لله وفي الله وبغضه أيضاً لله وحده – سبحانه-.
19 ـ الأمثلة تربي النفس على التفكر والتدبر وقياس الأمور بعضها على بعض، ولذلك ختم الله الآيات بقوله – تعالى-: "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
منقول
بسم الله الرحمن الرحيم
آيات أمثلة الحياة الدنيا
هناك عدة آيات كما يلي
1 ـ قال _تعالى_: " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " " يونس " 24 " .
2 ـ قال _تعالى_: " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا " (الكهف 45) .
3 ـ قال _تعالى_:
" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "(الحديد 21) .
الدروس والعبر المستفادة من الآيات :
1 ـ مجرد تأمل اسم الحياة الدنيا يوحي بحقيقة معناها ، فاسمها " الدنيا " سواء قيل في معنى ذلك :
أ ـ إنها أولى وستعقبها أخرى .
ب ـ إنها فانية وهناك دار باقية .
ج ـ إنها في المنزلة الدنية .
فكل هذه الأمور موجودة في الحياة الدنيا حقيقة فهي أولى من حيث الزمن وستعقبها أخرى وهي فانية ، وهي كذلك دنية المنزلة .
2 ـ في الأمثلة التي ذكرها الله نلاحظ أن الفناء أصل فيها لا ينفك عنها ، فمثلاً :
نزول الماء من السماء له بداية ونهاية .
الغيث وتكونه ونزول الأمطار فيه له بداية ونهاية .
النبات واخضراره ثم اصفراره له بداية ونهاية .
وكذلك الحياة الدنيا ركبها الله على الفناء ولها بداية ونهاية .
3 ـ في الأمثلة المذكورة يغتر الإنسان بذلك المنظر الخلاب ، والخضرة البهية والروض الباسم فهي أشياء تدعو للاغترار؛ لأن الأرض أخذت زينتها وزخرفها وازينت ، وكذلك الحياة الدنيا لها من البهرج والزينة والمنظر ما يدعو للاغترار حتى فسر بعض أهل العلم قوله _تعالى_: " وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ " بأنها الدنيا .
4 ـ قد تلبس الأرض ثوباً أخضر فيه من كل أنواع الزينة والأعشاب والأزهار الطبيعية وجدوال الماء فأشجار تتعانق في العلو ، وأعشاب تتسابق في فرش الأرض بمنظر يزيل الهم حتى يصل الأمر إلى أن الحقائق التي عند بعض الناس قد تتزعزع فيظن المسكين أن هذا المنظر لا فناء له ، فمتى يفنى منظر بهذه الصورة، وكيف ؟ ! كما قال الله عن بعض المخدوعين: " وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " فتبدلت حتى حقيقة الفناء التي يؤمن بها الجميع لكن لم تتبدل تلك الحقيقة إلا لمؤثر أكبر، وهو شدة ما رأى مما يبهر العقل من ذلك المنظر .
وكذلك الدنيا قد تقبل على شخص وتنفتح عليه حتى يظن أنها لن تدبر ، بل وكيف تدبر ؟! وفي النهاية يتبين أنها غرور وخداع لا يملك منها شيء .
5 ـ الأمثلة المذكورة فيها سرعة تغير حال الأرض من الاخضرار إلى الاصفرار إلى الحطام الذي تذروه الرياح.
وكذلك الحياة الدنيا تتغير من حال إلى حال، وتتبدل من سرور إلى حزن في مدة وجيزة قد تفوق تبدل الأرض، فسبحان العليم الخبير .
6 ـ الأمثلة المذكورة فيها شدة تبدل الأرض لما أذن الله بتبدلها حتى " كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ " فبالأمس تلك الخضراء الفاتنة ، واليوم حصيداً هشيماً بالية لا تشابه الماضي في لون ولا وصف .
وكذلك الحياة الدنيا إذا أدبرت عن شخص وولت ما كأنها يوماً من الأيام كانت بين يديه يفعل فيها ما يشاء ويملك منها ما يريد ، فعجباً كيف يركن لها ؟ ويطمئن بها ؟! وهي بهذه الصفة .
7 ـ الأمثلة السابقة في كتاب الله نلاحظ فيها قصر مدة ذلك الروض الأخضر، فما هي إلا أيام أو بالأصح شهور ما بين خضرته وتحطمه .
وكذلك الحياة الدنيا مهما طالت فهي قصيرة سواء كان المراد أن عمر الشخص فيها قصير أو كان المراد عمرها بذاتها .
8 ـ الأمثلة نلاحظ فيها تنوع المتاع فيها والملذات ويؤخذ هذا من قوله _تعالى_: "مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ " أي: أخرج الله بذلك الماء أنواع النباتات والأشجار التي يأكل منها الناس والحيوانات، فكم ياترى أنواع ذلك المتاع والأشجار؟!!
وكذلك الحياة الدنيا فيها من أنواع المتاع والملذات ما لا يحصى ويدرك، ومع ذلك كما أن متاع ذلك المطر له أجل وسيفنى ويتحطم فكذلك متاع وملذات الحياة الدنيا؛ لأنها ممثلة بها .
9 ـ من خلال الأمثلة نلاحظ أن الله لم يخرج بذلك المطر نباتاً مباشرة هكذا ، وإنما تكون الغيث ثم نزل الماء من السماء ثم اختلط بالأرض ثم بقي مدة ثم أخرجت الأرض نباتها، ففي ذلك من تعاقب المراحل ما يظهر ويعلم .
وكذلك الحياة الدنيا فيها من العناء والتعب الشيء الكثير، بل إن قيل لا يأتي شيء أبداً إلا بعناء يناسبه كان القول صحيحاً .
10 ـ الأمثلة خاصة آية سورة يونس دلت على وجوب بذل الأسباب الممكنة ، فأهل ذلك البستان حرثوا وزرعوا وبذروا وعملوا وجدوا، ولذلك قال الله عن أهلها: " وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " فسبب ذلك أنهم عرفوا مقدار العمل الذي بذلوه وفعلاً تم لهم ما أرادوا قبل أن يأتيها أمر الله _سبحانه_ .
وكذلك الحياة الدنيا تعمر بأفعال أهلها وأعمالهم وجدهم ، أما بدون عمل ولا كدح فقدح في العقل .
11 ـ الله شبه الدنيا بالغيث ، ومعلوم أن الغيث فيه رعد وبرق وصواعق وعواصف وغرق ، وفيه مطر ونبات ونفع .
وكذلك الدنيا فيها من الخير الشيء الكثير ومن ضد ذلك ما يثبت به حكمة الله _سبحانه وتعالى_ .
12 ـ الأصل في الحياة الدنيا عدم الاستقرار والتبدل كما في المثال الذي ذكره الله في الروض الأخضر، فالأصل أنه لا يبقى على حاله، بل التبدل هو الأصل الأصيل .
وهذا إذا فقه خرج حب الحياة الدنيا من قلب المسلم العارف بحقيقتها .
13 ـ الأمثلة المذكورة تربي في النفس المؤمنة قصر الأمل ، وهو مطلب شرعي دل عليه قوله _صلى الله عليه وسلم_: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه الترمذي .
فدنيا لا تستقر على حال ولا تستمر عند شخص وقصيرة المدة وركبت على التعب والنصب تجعل الشخص المؤمن قصير الأمل فيها .
14 ـ دلت الأمثلة أن كل ما كان من شيء حسن في الحياة الدنيا غير عبادة الله فهو من زينتها وزخرفها ، ولفظ الزينة والزخرف يوحي بالزوال؛لأنه ليس من ذات الشيء بل زائد عنه
15 ـ دلت الأمثلة المذكورة في الآيات أن الحياة الدنيا تخدع من يركض وراءها، فانظر كيف خدعتهم في زينتها حتى أن أهلها ظنوا " أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا " وفي ليلة واحدة أنكرتهم وتبدلت لهم بوجه آخر لا مقارنة بينه وبين السابق، فمن بعد ذلك يطمئن لها ويرضى بها؟!
16 ـ تلك الآيات تجعل المسلم يعرف مع من يتعامل، فهو يتعامل مع " فان، زائل، زينة، زخرف، هشيم، تذروه الرياح".
وهذه هي حقيقة الحياة الدنيا، فمعرفة ذلك يعطي المسلم تصوراً في طبيعة التعامل مع الطرف الآخر، فلا يحزن لفوات شيء منه ولا يتبع نفسه لحصول آخر.
17 ـ الأمثلة المذكورة تجعل المسلم يعرف كيف يتعامل مع الحياة الدنيا، فيتعامل معها كما يتعامل مع أي زينة أخرى.
18 ـ تصوير تلك الأمثلة للحياة الدنيا بصفاتها وتغريرها يخرج من قلب المؤمن الحب لأجلها والبغض لأجلها، وهذا الأمر من أصول العقيدة فيجعل المحبة خالصة لله وفي الله وبغضه أيضاً لله وحده – سبحانه-.
19 ـ الأمثلة تربي النفس على التفكر والتدبر وقياس الأمور بعضها على بعض، ولذلك ختم الله الآيات بقوله – تعالى-: "لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ".
منقول
تعليق