«كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ»
مدح الله نفسه بهذا الوصف المتضمن قدرته جل في علاه، وأنه لا يقع شيء في العالم إلا بإذنه، فهو كل يوم في شأن؛ يخفض ويرفع، يعطي ويمنع، يقبض ويبسط، يولي ويخلع، يضحك ويبكي، يميت ويحيي، يهدي ويضل، يعافي ويبتلي.
كل يوم هو في شأن؛ يعطي فقيرا، يهدي حائرا، يشفي مريضا، يرد غائبا، يرشد ضالا، يشبع جائعا، يسقي ظمآن.
كل يوم هو في شأن؛ يسحق طاغيا، يمزق باغيا، يكبت فاجرا، يهزم كافرا، يخذل عدوا، يرد معتديا، ينصر وليا،
يحفظ صالحا، ينجد ملهوفا، يجيب داعيا، يحمي مظلوما، يعطي سائلا، يمنح نائلا، يجبر كسيرا، يعين مسكينا، يرحم ميتا، يعافي مصابا، يدحض باطلا، ينصر حقا.
كل يوم هو في شأن؛ ينزل الغيث، يسوق الغمام، يجري الريح، يسخر البحر، يزيد العابدين، يوفق الصالحين، يدل المجتهدين، ينصر المجاهدين، يؤمن الخائفين، يتوب على التائبين، يغفر للمستغفرين.
كل يوم هو شأن؛ يولج الليل في النهار، يرسل البرق يكاد يذهب بالأبصار، يجري السفن في البحار، يحوط المسافرين من الأخطار.
كل يوم هو في شأن؛ يكشف كربا، يزيل خطبا، يغفر ذنبا، يحل ويبرم، يقدم ويؤخر، يثيب الطائع،
يحلم على المقصر، يتجاوز عن المسيء، يستر المذنب، يمهل العاصي.
كل يوم هو في شأن؛ يفلق الحب والنوى، يعلم ما في الأرحام، يكتب الآجال، يحصي الأعمال، ينزل الأرزاق، يفك القيود،
يطلق الأسرى، يكلأ من في البر والبحر، يرعى المسافرين، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
كل يوم هو في شأن؛ يطلع على ما في السرائر، يعلم ما في الضمائر، يجيب المضطر، ينقذ من المخاطر، يعصم من المهالك، يهدي من الغي، يبصر من العمى، يرشد من الحيرة.
كل يوم هو في شأن؛ يعزل ولاة، يخلع ملوكا، يهلك دولا، يبيد شعوبا، يأخذ المتكبرين، يقصم المتجبرين.
وإن من ينظر في الكون نظرة المتبصر ويتفكر في المخلوقات وما يقع في الأرض من أعمال وحوادث يعجب من عظمة الملك الواحد الأحد وسعة اطلاعه وبالغ علمه، جل في علاه، فكل حركة معلومة، وكل لفظة محسوبة، وكل نقطة أو ورقة أو ثمرة محصية، عالم هائل من الحياة والموت، والغنى والفقر، والصلاح والفساد، والسلم والحرب، والهداية والغواية، والصحة والمرض،
كل ذلك بإذن الملك الحق الذي لا تخفى عليه خافية من أعمال هذه الخليقة، فلا يلتبس عليه أمر، ولا تختلف عليه لغة، ولا يعزب عن علمه شيء، ولا تفوته حركة، ولا تند عن علمه كائنة، وقد وسع علمه كل شيء، وقد عم فضله وانتشر إحسانه.
إن العالم شركة صاخبة من البناء والنتاج والتزاوج والتولد والاتفاق والاختلاف والسلم والحرب، تصالح وتقاتل، تآلف وتباين، بيع وشراء، حل وترحال، يقظة ونوم، حياة وموت، لكن المذهل أن ذلك بعلم الأحد الصمد وبتقديره وتدبيره واطلاعه، جل في علاه! ملائكة تكتب وسجلات تحصي وأقلام تخط ودواوين محفوظة، والرقيب الحسيب على ذلك كله عالم الغيب والشهادة الذي لا تخفى عليه خافية.
د. عائض القرني
تعليق