النبذة : لله سبحانه وتعالى الحجةُ البالغةُ على خلقه، الحجةُ البالغة القويةُ الدامغة، التامةُ الكاملة، ليس فيها نقصٌ، وهي واضحةٌ ليس بها غموض، تدمغ المجادل، وقد أعطاها الله من شاء من عباده، وهذه الحجةُ البالغة آيات بينات، تارةً تكونُ مثلاً، وتارةً تكونُ بالاستفهام، وتارةً تكونُ بأدلةٍ مرئيةٍ مسموعةٍ مشاهدةٍ، وهكذا من المناقشات التي حفلت بها الآيات.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن أصدقَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد- صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله:
لربنا -سبحانه وتعالى - الحجةُ البالغةُ على خلقه قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ سورة الأنعام149، الحجةُ البالغة القويةُ الدامغة، التامةُ الكاملة، ليس فيها نقصٌ، وهي واضحةٌ ليس بها غموض، تدمغ المجادل، وقد أتاه الله -سبحانه وتعالى - من أتاها من عباده، ومن هؤلاء إبراهيمُ -عليه السلام- كما قال اللهُ – عزوجل: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ سورة الأنعام83، وهذه الحجةُ البالغة في كتاب الله - سبحانه وتعالى - آياتٍ بينات
لربنا -سبحانه وتعالى - الحجةُ البالغةُ على خلقه قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ سورة الأنعام 149، الحجةُ البالغة القويةُ الدامغة، التامةُ الكاملة، ليس فيها نقصٌ، وهي واضحةٌ ليس بها غموض، تدمغ المجادل، وقد أتاه الله -سبحانه وتعالى - من أتاها من عباده، ومن هؤلاء إبراهيمُ -عليه السلام- كما قال اللهُ – عزوجل: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ سورة الأنعام83، وهذه الحجةُ البالغة في كتاب الله - سبحانه وتعالى - آياتٍ بينات
، هي آيات بينات تارةً تكونُ مثلاً، وتارةً تكونُ بالاستفهام، وتارةً تكونُ بأدلةٍ مرئيةٍ مسموعةٍ مشاهدةٍ، وهكذا من المناقشات التي حفلت بها الآيات، كما قال - سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ سورة القصص51، وصلنا بعضهُ ببعض، وعداً ووعيداً، وترغيباً وترهيباً، وقصصاً وأمثلة، ومواعظ ونصائح، وهذه الحُجج التي ذكرها ربنا - سبحانه وتعالى - في كتابه من تتبعها عَلِمَ عِلم اليقين أن الله -سبحانه وتعالى – واحدٌ أحدٌ فردٌ صمد لا شريك له.
أمثلة على حجج الله على خلقه.
ولذلك كانت هذه الحجج تأتي على نفوس المشركين فتحدث فيها ما تحدث، فروى الإمام البخاري -رحمه الله - عن جبير بن مطعمٍ - رضي الله عنه -قال سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأُ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ سورة الطور35-37، قال: كاد قلبي أن يطير، فقد انزعج انزعاجاً عظيماً، لما سمعَ هذه الآيات؛ لأن فيها دمغاً لقلوب المشركين، فإنه يقولُ لهم: أنتم الآن موجودون فمن الذي أوجدكم ؟! هل أوجدتم أنفسكم بأنفسِكم ؟!هل أنتم الخالقون لأنفسكم؟! أم أنكم خلقتم من العدم، ووجدتم هكذا؟! أم أنه لابد لكم من موجد؟! فقال: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ سورة الطور35، من العدم جاءوا هكذا ؟! أم هم الخالقونَ لأنفسهم ؟! وإذا كانوا هم الخالقون لأنفسهم فهل خلقوا السماوات والأرضِ أيضاً، ولذلكَ قال: أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ سورة الطور35-36، فإذا كان مستحيلاً أن يوجدوا من العدم، ولا يقولُ بهذا عاقل، وأنهم لم يخلقوا أنفسهم، فضلاً عن يخلقوا السماوات والأرض، فإذاً لابد لهم من خالقٍ أوجدهم، فهذا الخالقُ هو المستحِقُ بالعبادة، وحده لا شريك له، ولذلك كانت الآيات تترا على المشركين قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ سورة المؤمنون84-89، وهكذا كانت هذه الأدلة مناقشةً لهم في هذه المسألة مسألة الإلحاد، ولكل ملحدٍ في كلِ وقتٍ ومكان، تأملوا حُجةَ الله تعالى في مناقشة اليهود والنصارى، لما ادعوا إبراهيم -عليه السلام- فقيل: إنَّ نصارى وفد نجران ويهود المدينة، حضروا عند النبي - صلى الله عليه وسلم – فادعى اليهود ادعت إبراهيم، ادعوه لأنفسهم، وقالوا إبراهيم يهودي، وادعى النصارى ادعوا إبراهيم لأنفسهم، وقالوا إبراهيم نصراني، وإبراهيم -عليه السلام -محبوب - من أهل الأديان، فقال الله -سبحانه وتعالى-يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ سورة آل عمران65، يا أيها اليهود ما نزلت التوراة على موسى إلا بعد إبراهيم وإبراهيم قبل موسى بمدة، وهذه التوراة هي كتاب اليهود، يا أيها النصارى ما أنزل الإنجيل إلا بعد إبراهيم بمدة طويلة، وهذا الإنجيل كتاب النصارى وعيسى نبيهم وهو بعد إبراهيم بمدة طويلة، فكيف يكون إبراهيمُ نصرانياً، فحاجهم بالتاريخ الذي يعرفونه، وهو أمرٌ متفق عليه، فكان ذلك في غاية الإفحام.
تأمل الحجة الإلهية عندما يقوم مشركو قريش بعدما غُلبوا في أمر هذا القرآن، وعجزوا عن الإتيان بمثله، ولا بسورة من مثله، ينطلقون ليقولوا: "لقد علمنا من أين أتى هذا القرآن، وهم ينكرون الوحي، إن هناك نجاراً رومياً بمكة شاهدنا محمداً يختلف إليه ويجلس عنده، فإذاً هو الذي علمه هذا النجار الرومي، هو الذي علمه هذا الغلام هذا الصنع الذي كان يصنع، وكان لبعض بطون قريش هو الذي علمه، لقد اكتشفنا المصدر، فقال الله -سبحانه- في كتابه العزيز وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ وهو هذا الغلام يعلمه لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌسورة النحل103،المصدر المزعوم لغته أعجميه وهو رومي، وهذا القرآن جاء بلسانٍ عربيٍ مبين، فكيف يمكن أن يأتي هذا النجار الرومي بهذا القران ليعلمه لهذا النبيّ، وأنتم أصحاب اللسان العربي الفصيح، وأبلغ البشر في وقتهم ما تستطيعون، وقد عجزتم، أفيقدر هذا الرومي الذي ليس على لغتكم، ولا على لغة العرب التي نزل بها القرآن أن يُعلم هذا النبيّ هذا القرآن، والقرآن منه ما هو مكي، ومنه ما هو مدني، وقد نزل على مدى ثلاث وعشرين سنة، فكيف سيكون مصدره ذلك النجار الرومي بمكة، كان من حجة الله البالغة أن بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أُمياً لا يعرفُ قراءةً ولا كتابة الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ سورة الأعراف157، لا يقرأ ولا يكتب، وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ سورة العنكبوت48لا يقرأ ولا يكتب، لو كنت تقرأ وتكتب لقالوا قرأ في ثقافات الأمم السابقة وأتى بهذه الخلطة ونسخ ونقل، لكنَّهم يعلمون جيداً، أنه لا يقرأُ ولا يكتب-عليه الصلاة والسلام- ولذلك كان من أدلة نبوته -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يخالط الكتابَ ولا خط بيمينه شيئاً، فجاءَ هذا بياناً للإعجاز أنَّ الله -سبحانه وتعالى - هو الذي أنزله عليه، حُجة الله البالغة في القرآن.
يا عباد الله منها:
أن منكري البعث الذين قالوا: "أنى يبعث هذه الله"، يعني الأجساد، بعد صارت العظامُ رميماً بالياً، لا يمكن أن تبعث فأقام الله الحجة عليهم فقال: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ سورة يس77 وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا أخذ العظم وفته، قال يستطيع ربك أن يحيي هذا وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ سورة يس78 انظروا إلى الحجة الدامغة قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ سورة يس79، لأن الإحياء والإعادة أسهل من الخلق الأولي من العدم والإيجاد قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ سورة يس79،الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا سورة يس80، فها أنتم ترون كيف يخرج الحي من الميت والميت من الحي، وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً، ما فيها شيء، ما فيها معلم حياة ولا نبات ولا ورقة خضراء، فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ سورة الحج5،انظروا إلى هذا الموسم موسم الأمطار، انظروا إلى هذه الأراضي التي كانت قاحلة قبل نزول المطر، والآن فيها نبتٌ أخضر،وله أزهارٌ صفراء،وحمراء،وألوان زاهية،مثال لإحياء الله الموتى، يريكم الله آياته، يريكم -سبحانه وتعالى- هذه الأدلة الدامغة، لما قالت النصارى المسيح ابن الله، وما هي حجتهم؟ أنه ولد من غير أب إذاً هو ابن الله، فالله أبوه لأنه ولد من غير أب "، فقال الله -سبحانه وتعالى -لهؤلاء النصارى يدمغهم بالحجة مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ سورة المائدة75 مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ ليس الله ولا ابن الله قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ مثله مثل غيره من الرسل الذين مضوا، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ مؤمنه تقية نقيه صدِّيقة عابدة، لكن هُما من البشر كانا يأكلان الطعام فيجوعان،ويحتاجان إلى الطعام، ويكونُ بعد ذلك ما يكونُ مما يلزم بعد الهضم من خروجِ الخارج ،أفيكون هذا إلهاً، أفيليق بالإله أن يأكل، أفيليق بالإلهِ أن يرتضعَ من ثديٍ، أفيليق بالإله أن يكون هناك خارجٌ يخرجُ منه بعد الطعام لزوم الهضم،مالكم كيف تحكمونانظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ،وقد قال الله -سبحانه وتعالى- لهؤلاء في كتابه العزيز: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ سورة آل عمران59،وقد خُلق آدم بلا أب ولا أم،فهل تقولون أن آدم إله لأنه ولد بلا أبوين،أنتم لا تقولون إن آدم إله يا أيها النصارى، مع أنه ليس بلا أب فقط بل بلا أم أيضاً، فإذا كنتم لا تقولون عن آدم إنه نبيّ، وقد خُلق بلا أبوين، فلماذا تقولون عن عيسى إنه إله وقد خلق من أمه، ولم يكن له أب إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ، يا أيها النصارى كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ سورة آل عمران59هذه حجج دامغة في كتاب الله - سبحانه وتعالى-، ولما صار النقاش لليهود الذين جحدوا نبوة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأنكروه كانوا من قبل يستفتحون على العرب،ويهددونهم بنبيِّ سيكونُ من بني إسرائيل يقاتلونهم معه ويهلكونهم، وكانت البعثة النبوية والهجرة بعدها، وفيها هذا النبيُّ من العرب فجحدت بنو إسرائيل، جحد اليهود نبوته بغياً وعدوانًا فقال الله لهم: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ سورة الأحقاف10أنتم يا أيها اليهود مكتوب عندكم صفته في توراتِكم الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ سورة الأعراف157 موصوفاً مبيناً حاله هذه حجة، الثانية: أنَّ بعض بني إسرائيل قد آمن به، وبعض علماء بني إسرائيل قد اتبعه كعبد الله بن سلام أبي يوسف - رضي الله عنه -،ولذلك قال الله لبني إسرائيل أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ سورة الشعراء197 فيؤمن به بعضهم كما حصل، ألا يكفي ذلك شاهداً عليكم يا يهود، ألا تكفي هذه حُجة عليكم، مكتوبٌ وصفه عندكم وبعض علمائِكم قد آمن به، وعلماؤكم عرفوه جميعاً عرفوه جميعاً، كذلك فإنَّ الله -سبحانه وتعالى - ولهُ الحُجةُ البالغة التي يُقيمها على المشركين الذين أشركوا معه آلهة أخرى، فتأتي المناقشة في الآيات لهؤلاء ويقولُ الله لهم: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ سورة سبأ 22-23 يعني: لو كان هناك آلهة مع الله فإما أن يكونوا شركاء له، أو معاونون أو وزراء أو أنَّ لهم شفاعة ومكانة وحظ وقدر عنده فيشفعون لمن يريدون فإما أن يكونوا شركاء في الملك، وإما أن يكونوا أعوان، وإما أن يكون لهم قدرٌ عنده فيشفعون، وقد تم نفيها جميعاً قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سورة سبأ 22 لم يستقلوا بالملك بل الله الذي استقل به، ثانياً: ليسوا شركاء له في ملكه، ثالثاً: ليسوا له ُأعواناً ولا وزراء ظهير، رابعاً: لا يملكون عنده قدراً يشفعون إذا أرادوا، فكيف تتخذونهم إذاً آلهة معه، كيف تتخذون معه آلهة قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سورة الإسراء42فنفي الشريك مهمٌ جداً في مناقشة المشركين وهم موجودون في كل زمانٍ، ويعبدون مع الله -سبحانه وتعالى- آلهةً أخرى، نفى الله عن الآلهة الملك والشركة والمظاهرة الإعانة والشفاعة، فماذا بقي لهؤلاء من أسباب يعبدون هؤلاء الشركاء لأجلها مع الله أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ *وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْجمادات سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ سورة الأعراف 191- 193، وكذلك نجد أن الله سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز قد ذكر من الحُجج أمثلة، فيها نفي هؤلاء الشركاء، وأنه لا يمكن أن يكون معه شريك بمثلٍ يُقرب للأذهان ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ سورة النحل75، عبد مملوك لا يقدر على شيء، وشخص آخر عنده رزقٌ حسن، وعيشه دار، وينفق منه سراً وجهراً، هل يستوون عندكم يا أيها المشركون سيقولون: لا، فيقال لهم: إذا كان هذا العبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، لا يستوي عندكم مع واحد من البشر، له رزق حسن وقادر على الكسب، ورزقه دار، فكيف يستوي عندكم؟! من هو أقل من العبد المملوك جماد لا يقدر على شيء، ليس مع شخصٍ عنده رزق بل مع الرزاق، كيف يستوون؟! إذا كنتم أنتم تقولون: هذا ليس مثل هذا، فكيف تسوون بعد ذلك بين الله بين هذه الآلهة التي تدعونها وبين الله عزوجل، مثالٌ آخر:وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ سورة النحل76، ستقولون لا يستويان فكيف تسوون إذاً هؤلاء الشركاء بالله - سبحانه وتعالى - ؟! أنتم تقولون العبد العاجز الكَل على مولاه العبء عالة على مولاه ما في فائدة ولا نتيجة منه، أينما يوجهه لا يأتي بخير، لا يُفلح في شيء، لا يستوي مع الآخر، فكيف تسوون إذاً بهؤلاء المشركات مع الله -سبحانه وتعالى- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ سورة المؤمنون91، وهذه مناقشة أخرى للذين يقولون بتعدد الآلهة، وهؤلاء كُثر اليوم في الأرض، كثير من الأمم تعبد عدة آلهة في القديم والحديث، فقال الله:مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍما هي الحجة الدامغة قال: إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، لو كان هناك أكثر من إله فسيختلفون، وسيعلو بعضهم على بعض، ويتغالبون، سيتصارعون، وستختلف إراداتهم، وإذا اختلفت إراداتهم اضطرب أمر العالم، فتأمل: لو كان هذا يُريدُ أن ينزل مطراً، وهذا يُريدُ أن يُمسكه، وهذا يُريدُ أن يُرسل رسولاً، وهذا يُريدُ أن يمنعه، وهذا يُريدُ أن يُمرض فلاناً، وهذا يُريدُ أن يُصحه، وهذا يُريدُ، وهذا يُريدُ عكسه من أمور السماوات والأرض، ماذا ستكون النتيجة ؟! ما هو الوضع ؟! وما هو الحال؟! قال الله تعالى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا سورة الأنبياء22، الذي يُجري الأفلاك واحد، والذي يُدبرُ الأمور واحد، والذي يُقدر الأرزاق واحد، والذي يُحييّ ويُميت واحد، ما بالكم إذاً كيف تحكمون؟! أفلا تذكرون؟! هذه حجج دامغة بالغة يقيمها الله - سبحانه وتعالى- على هؤلاء المنحرفين، ونحن يا عباد الله ينبغي علينا أن نتأمل في كتاب الله؛ لأن هذه الحجج نحن مطلوب منا أن نفهمها لنزداد إيماناً ويقيناً من جهة، ولكي نستطيع أن نُقيمَ الحجةُ على أولئك المنحرفين، وما أكثرهم الآن في الشبكات، والقنوات، والأسفار، يوجدون في أماكن مختلفة نقاشاتهم قائمة، المسلم يحتاج إلى تقوية نفسه بالبراهين القرآنية ليكون قادراً على إقامة الحجة، وهذا أمرٌ قد كُلفنا به ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ سورة النحل125، أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من أهل القرآن، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارضَ اللهم عن صحابته وخلفاءه الميامين، وآله وذريته الطيبين، وأزواجه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
إبراهيم عليه السلام نموذج لمن أتاه الله الحجة.
عباد الله:
كان إبراهيم عليه السلام - صاحب حُجة آتاه الله إياه، ناقش بها النمرود وحاجّ بها قومه عباد الكواكب والتماثيل، كسر الأصنام إلا واحداً علق الفأس في رقبته، وأخبرهم أنه أصابته الغيرة، كبيرهم هذا أصابته الغيرة فكسر الصغار فاسألوه، فرجعوا إلى أنفسهم لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ سورة الأنبياء65 كيف تعبدون مالا ينطق
كان إبراهيم عليه السلام - صاحب حُجة آتاه الله إياه، ناقش بها النمرود وحاجّ بها قومه عباد الكواكب والتماثيل، كسر الأصنام إلا واحداً علق الفأس في رقبته، وأخبرهم أنه أصابته الغيرة، كبيرهم هذا أصابته الغيرة فكسر الصغار فاسألوه، فرجعوا إلى أنفسهم لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ سورة الأنبياء 65 كيف تعبدون مالا ينطق
، وكذلك فإنه -عليه السلام - قد حاجَّ النمرود لما قال إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ وأخذ شخصاً وقتله وأخذ شخصاً كان يريد أن يقتله فعفا عنه، وزعم أنَّ هذه إحياء وإماتة، فماذا كانت النتيجة ؟! قال إبراهيم: فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَسورة البقرة258 لا يستطيع وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِسورة الأنعام83،وفي تاريخ هذه الأمة حصل أنَّ الباطني الخبيث الذي ينتسب زوراً إلى فاطمة ويُسمي نفسه الفاطمي"الخليفة الفاطمي"، الذي كان يقول عن نفسه " الحاكم بأمر الله " ثم زعم أنَّه قد ارتقى وصار إلهاً وصار يُلقبُ نفسه " الحاكم بأمره"، هذا الرجل بلغ به الطغيان مثل فرعون، وكان مسكنهُ في مسكن فرعون وديار فرعون، هذا الرجل قتّل من أهل السنة والقضاة والعلماء، وأوجب على الناس أن يقوموا له إذا جاء ذِكره في الخطبة، بل بلغ به الأمر أنَّه جمع قوماً فيهم من أهل العلم، وأمر واحداً أني قرأ آيات، آيات الربوبية، آيات الألوهية، فقرأ هذا المنافق قوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ، وجعل يُشيرُ إلى هذا الخليفة الفاطمي الباطني الخبيث، يقول : فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ يعني : أنت، فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ سورة النساء65الآية، فلما فرغ من القراءة كان حاضراً في المجلس عالم يُقال له: ابن المشجر، وكان رجلاً صالحاً فقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ سورة الحج73، وكان الذباب يحط على قدمي هذا الخبيث والخدم يحاولون أن يهشوا الذباب عنه، والذباب يرجع، فقرأ هذا العالم يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌسورة الحج 73-74فاستطاع بعد ذلك هذا الرجل وقد جاءه مؤمنٌ مستخفٍ من القوم يقول له: انجوا بنفسك سيقتلك الرجل، فركبَ البحر وقدر الله أن يُدركهُ الغرق فيموتُ شهيداً إن شاء الله، فصاحبه المؤمن رآه في النوم بعد ذلك، وكان قد تجهز للحج، وركب البحر، وغرق، فرآه في النوم، فسأله عن حاله، فقال: ما قصر بِنا صاحبُ السفينة أرسى بِنا على باب الجنة.
هذه الآيات البينات هذه حجج القرآن وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ سورة البقرة23هاتوا عشر سور مفتريات بعدما قال هاتوا مثله، فعجزوا عن ذلك، وإبراهيم قال لقومه: إذا كنتم تشركون وأنا أؤمن فمن أحق بالأمن ؟! الذي يعبد عدة آلهة، وإلا الذي يعبدُ إلهاً واحداً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ سورة الأنعام81، ثم قال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ سورة الأنعام82.
اللهم اجعلنا من أهل السُنةِ والتوحيد، اللهم إنا نسألك أن تقيم ملةَ الإسلام في الأرض، وأن تنصرَ أهلها يا رب العالمين، اللهم عجل بفرج المؤمنين، عجل بفرج المؤمنين، عجل بفرج المؤمنين، يا أرحم الراحمين، اللهم أحينا مؤمنين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، ربنا أخرجنا من ذنوبنا كيومِ ولدتنا أُمهاتنا، ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إنَّ عذابها كان غراماً، ربنا أدخلنا الجنة مع الأبرار، وقِنا عذاب النار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، اللهم إنَّا نسألك الفرج لإخواننا المستضعفين اللهم اكشف عنهم الضر، وارفع عنهم البأس، أطعمهم من جوع، وأمنهم من الخوف، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين، اللهم أهلك عدونا، اللهم أهلك عدونا، اللهم أهلك عدونا، واجمع على الحق كلمتنا، اللهم آتنا حُجتنا، وثبتنا في القبر ويوم العرض عليك يا أرحم الرحمين يا رب العالمين، اجعلنا ممن يأتيك بقلبٍ سليم، أمِنا في الأوطان والدور وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
موقع الشيخ " محمد صالح المنجد"
تعليق