بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
سأتحدث بإذن الله عن القرآن ،
أسأل الله تعالى أن يخلقنا بأخلاق القرآن ،
وأن يؤدبنا بآداب القرآن .
نريد أن نتعرف على القرآن ؟
كيف وصل إلينا القرآن ؟
كيف وصل إلينا المصحف الإمام الذي نراه الآن بين أعيننا وأمامنا ؟
هذا يسمى بالمصحف الإمام ، كيف وصل إلينا ؟
وقبل ذلك أقول : مصدرية القرآن دليل على إعجازه وتعجيزه .
كلام الحق سبحانه ليس له مثيل ، ليس هناك قوة على ظهر الأرض تستطيع أن تتحدى القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى .
فمصدرية القرآن دليل إعجازه وتعجيزه ، القرآن مصدر للبلاغة ، مصدر للغة ، مصدر الاعتقاد ، مصدر للتعبد ، مصدر للتشريع ، مصدر الأخلاق ، مصدر الهدى والهداية ، الدستور الكامل المتكمل الذي أنزله الله عز وجل ليسعد به البشر وليس المسلمين فحسب ، ليسعد به البشر في الدنيا والآخرة ؛ وذلك تحدى الله بهذا القرآن أهل البلاغة في مكة ابتداءً ، وأهل الأرض انتهاءً في كل زمان ومكان ، قالوا : بأن هذا القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم فتحداهم عز وجل أن يأتوا بقرآن مثله قال الله سبحانه وتعالى :
{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ }
[ الطور : ٣٣ ، ٣٤ ] .
يقولون : محمد صلى الله عليه وسلم تقوله ، أي : أتى به من عند نفسه ! فاليأتوا بقرآن مثل هذا الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إن كانوا صادقين في زعمهم ودعواهم ، فعجزوا فخفف التحدي . نقول لهم : لا تأتوا بالقرآن كله ، نريد عشر سور فقط
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } [ هود : ١٣ ] .
أنتم تدعون أن محمداً افترى القرآن ، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، فعجزوا فخفف التحدي إلى أقل صوره ودرجاته . نريد سورة واحدة فقط ، سورة مثل سورة الكوثر أو الإخلاص ، آيات قليلة ، ثلاث آيات في الكوثر ، فعجزوا
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : ٢٣ ] .
فلما عجزوا نزل قول الله سبحانه وتعالى :
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ الإسراء : ٨٨ ] .
فمصدرية القرآن دليل إعجازه وتعجيزه .
اجتمع المسلمون من السادة الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد رضي الله عنه وكان سيداً في قومه وكان شاعراً بليغاً ، أديباً فصيحاً ، اجتمع مع سادة الشرك وقال لهم : إن الناس ستقبل علينا في الحج - لقد اقترب موسم الحج وكان الناس يحجون قبل الإسلام ، يعظمون البيت ويحجون البيت حتى قبل الإسلام ، فقال : نريد أن نجلس ونتفق على كلمة واحدة نقولها في حق محمد وفي حق قرآنه - لا تفضحونا وسط الوفود القادمة - قالوا : نريد أن نتفق على قول واحد في شأن محمد وما يتلوه من القرآن ، فقالوا : نقول : ساحر ، قال : والله ما هو بساحر ، قالوا : نقول : كاهن ، قال : والله ما هو بكاهن ، قالوا : نقول : مجنون ، قال : والله ما هو بمجنون ، ماذا نقول ؟ لا هو شاعر ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون ، قالوا : نقول : كذاب ، قال : والله ماهو بكذاب - انتبهوا ، هذه شهادة خصم عنيد جدًّا للنبي صلى الله عليه وسلم والحق ما شهدت به الأعداء - الأخنس بن شريق وأبو جهل خلا يوما فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ، أسألك بالاة والعزى ، أمحمد صادق أم كاذب ؟ فقال أبو جهل : ويحك يا أخنس والله إن محمداً لصادق - لماذا إذن يا مجرم وأنت تعرف أن محمداً لصادق - فنزل قول الله تعالى :
{ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : ٣٣ ] .
هنا مصداقية النبي صلى الله عليه وسلم لكنه الكبر
{ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : ٣٥ - ٣٧ ] .
قالوا : تقول كاهن ، لا ليس بكاهن ، ساحر ، ليس بساحر ، مجنون ، ليس بمجنون ، كذاب ، ليس بكذاب .. الوليد نفسه الذي قال حينما سمع القرآن ، قال قولته الجميلة الخالدة ، قال : والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة - أتعرفون ما معنى الطلاوة ؟ الطلاوة هي الرونق والجمال الفائق - وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق - أي كثير الماء - وإنه ليعلو ولا يعلى - وهذا هو النطق الصحيح للفظة ، لا يصح أن تقول : إنه لا يعلو .. خطأ شائع ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، شهادة مشرك بليغ فصيح للقرآن ، قال له : وماذا تقول ؟ قال : اتركوني أفكر وأرى أقرب الأقوال ، ثم خرج عليهم وقال : أقرب الأقوال أن نقول : إنه ساحر . فنزل القرآن :
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا(١١)وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا(١٢)وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣)وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا(١٤)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(١٥)كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا(١٦)سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا(١٧)إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(١٩)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(٢٠)ثُمَّ نَظَرَ(٢١)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(٢٢)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(٢٣)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(٢٦)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(٢٧)لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } [ المدثر : ١١-٢٩] .
إلى آخر الآيات ٠
هذه نزلت في حق الوليد ليعلم الحق تماماً ، لكنه الكبر والعناد والإعراض (١)
(١) انظر : الحاكم في المستدرك (٢ / ٥٠٧) وصححه ووافقه الذهبي ، والنيسابوري في أسباب النزول ص ٣٨١ .
فالقرآن أنزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم في بيئة برع أهلها في البلاغة والبيان ، فهم أساطيل اللغة وأصحاب فصاحة وقول ، فأنزل الله القرآن ليتحداهم ، وهذا هو أرجح الأقوال في فواتح السور التي بدأت بالحروف المقطعة ((ألم)) إلى آخره ، فأرجح الأقوال في هذا أن الله عز وجل يريد أن يقول أو أن يعلم أو أن يخبر المشركين أن القرآن الذي يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو من جنس لغتكم التي تتكلمون بها ، وأحرفكم التي تتحدثون بها ، ومع ذلك فلن تستطيعوا ولو اجتمع معكم أهل الأرض بل وأهل الجن أن تأتوا بقرآن مثله ؛ لأنه كلام الله المعجز .
فمصدرية القرآن دليل على إعجازه .
الأصمعي شاعر العراق البليغ والأديب والنحوي المشهور سمع يوماً أعرابية ترعى الغنم سمعها تقول شعراً فأعجب ببلاغتها وفصاحتها فاقترب منها وقال لها : قاتلك الله ، ما أفصحك .. ما هذه الفصاحة فقالت له : ويحك وما هذه الفصاحة إلى قول الله تعالى :
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص : ٧ ] .
قالت يا هذا ، آية واحدة اشتملت على أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين - انتبه هذه ترعى الغنم - والله لو أتيت بكثير ممن يتطاولون الآن على القرآن وقلت له : بين لي الخبرين من الآية ؟ والله لا يستطيع أن يبينهما - آية واحدة اشتملت على أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين - قمة البلاغة - هذا القرآن أيضاً من مصادره أو من أوجه أعجازه :
من أوجه إعجاز القرآن :
أنه لا يخلق من كثرة التكرار والتردد - يعني أنت حضرتك تقرأ الفاتحة من يوم أن من عليك ربنا بالصلاة ، قرأت الفاتحة كم مرة - قرأت الفاتحة كثيراً - وهذا مصدر ووجه من أعظم أوجه إعجاز القرآن ، تعال اليوم وائتِ بأعظم قصة أديب على وجه الأرض ، أتحداك إن قرأتها ثلاث مرات .. سوف تقرأها مرة وممكن ثاني مرة لكن ثالث مرة لا ، رابع مرة مستحيل - ستمل ولا تستطيع - لكن اقرأ القرآن ، من كم سنة وأنت تقرأ الفاتحة ، وتسمع الفاتحة كم مرة ؟ وقرأت القرآن كم مرة ؟ ومع ذلك لا تشعر أبداً بأن هذا القرآن قد بلي وقد خَلِق من كثرة قراءته أو ترداده أو تكراره لا ، بل كل ما قرأت بحضور القلب زادت حلاوة القرآن في جوفك وقابك ..
أحياناً تقرأ القرآن تشعر بلذة وحلاوة لم تشعر بها من قبل مع أنك قرأت نفس السورة ، وأحياناً تسمع القرآن تشعر بلذة وحلاوة لم تشعر بها من قبل مع أنك سمعت هذه السورة أكثر من مرة ! لماذا ؟ لأنك تسمع بقلب حاضر
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ ق : ٣٧ ] .
تشعر بلذه وحلاوة متجددة للقرآن .
أيضاً من أوجه إعجاز هذا القرآن الكريم : أنه كتاب
{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : ٤٢ ] .
، لماذا ؟ لأنه
{ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : ٤٢ ] .
، ليس هناك معلومة ذكرها القرآن إلا وأثبتت الأيام صدقها ، كل الاكتشافات العلمية الحديثة تؤكد لنا الآن أن القرآن الكريم كلام الله - انتبهوا نحن لسنا ننتظر نظريات علمية لنصدق بكلام البشر كلام رب البشر ، لا - انتبهوا ؛ لأن هذا اسلوب جديد نلوي به أعناق الآيات وأعناق النصوص ، لكي نصدق بالآية نظرية علمية .. إطلاقاً . فنحن لا ننتظر النظريات العلمية لنصدق بكلام البشر كلام رب البشر ، وإنما ظهرت نظرية علمية وقد تكلم عنها القرآن قبل ذلك ، فالمؤمن يزداد إيماناً ، والمحب لله يزداد حباً ، والمحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد أتباعاً وحباً ، لكنه أبدا لا ينتظر هذا ليبدأ به التصديق لكلام الله وكلام رسوله ، أبداً
انظر هكذا إلى كثير من النظريات العلمية اليوم من سنوات قليلة فقط ، لم يكتشف العلماء والعلم الحديث إلا من سنوات قليلة ، أن الجبال لها سن مدبب كالوتد في باطن الأرض ، لم تكتشف هذه القضية العلمية الهائلة إلا في السنوات القليلة الماضية ، قالوا : له سن مدبب في باطن الأرض ، ممدود في القشرة الظاهرة الصلبة ، وبعد هذه القشرة مادة لزجة ممدود فيها سن الجبل كالوتد - أترى الوتد ، لابد أن تضع له سن مدبب حتى يقبل أن يطرق عليه ليسير في باطن الأرض كذلك الجبل ، هذه النظرية وهذه القضية لم تكتشف إلا من سنوات قليلة ، مع أن القرآن قد تكلم عنها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ، قال الله جل وعلا :
{ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [ النبأ : ٧ ] .
كيف وصل إلينا القرآن ؟
القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر ، في ليلة من ليالي رمضان ، وبعد ذلك أنزل الله القرآن منجماً - أي مفرقاً - على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الحوادث والوقائع ، القرآن نزل ليربّي ، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فينزل القرآن ليجيب على مدار ثلاثة وعشرين عاماً ، ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب ، اتخذ له مجموعة من الصحابة من كُتَّاب الوحي مثل : (( زيد بن ثابت ، أبي بن كعب ، عبد الله بن مسعود وغيرهم )) .
زيد بن ثابت الذي ترجم له الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان (( باب كاتب النبي )) (٢)
(٢) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب كاتب النبي (٤) ، فتح الباري (٩ / ٢٧) .
سمى البخاري زيد بن ثابت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة فقيهة جداً ، ورحم الله علماءنا حينما قالوا : فقه البخاري في تراجمه . الترجمة في ذاتها عند البخاري مليئة فقه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يجمع كتبة الوحي ويأمرهم أن يكتبوا هذه الآية في هذه السورة وهكذا ، وظل القرآن في الصدور هذه هي المرحلة الأولى ، الصحابة كانوا إذا سمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظوه ، كان كثير من الصحابة قد أتاه الله قلباً واعياً إذا سمع القرآن حفظه ، ونحن ما زلنا نرى والحمد لله في هذه الأمة هذه الكرامة ، والمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لانه لا يوجد معجزة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنه ليحزنني جداً عندما يأتي بعض إخواننا من طلاب العلم ويقدموا طفلا من أطفالنا ونراه يقول : الطفل المعجزة - هذا خطأ - المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء ، وكرامات الأولياء من معجزات الأنبياء ، بمعنى أن الكرامة للولي أنما هي في الأصل معجزة للنبي الذي أخبر بذلك .
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن كثير من كرامات الأولياء ، أخبر عن أويس القرني وهو سيد التابعين كما قال صلى الله عليه وسلم عنه وعن غيره ، هذه الكرامة عندما تحدث لولي من أولياء الله في الأمة إنما هي في الأصل معجزة الصادق صلى الله عليه وسلم - انتبهوا - فما زلنا نرى في الأمة أطفالاً يحفظون القرآن في سن الخامسة ،
يقول فضيلة الشيخ محمد حسان :
أنا كنت في قطر وأحضروا لي طفلاً سنه خمس سنوات سوري اختبرته بنفسي يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، سنه خمس سنوات ولم يكتمل ، بدأت معه من سورة الفاتحة حتى الناس ، بقيت ليلة كان وزير الأوقاف مستضيفنا في بيته وأحضروا هذا الطفل بدأت معه من الفاتحة إلى الناس ، آيات سريعة ما شاء الله ، والله ما تلعثم ، سألته تحفظ كم من الحديث وهو في سن الخمس سنوات قال : أحفظ أربعة آلاف حديث . والله قلت له : اقرأ واخترت له بعض الأحاديث المتفق عليها من كتاب اللؤلؤ والمرجان ؛ لأنه حافظ اللؤلؤ والمرجان ، ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، طفل لم يكتمل الخمس سنوات يحفظ القرآن بفضل الله ، جده رجل من العلماء ، كيف اكتشفه ؟ سنه سنتين أو قليل ذاهب إلى المحل ليشتري البسكويت فوجد صاحب المحل يفتح الراديو على أغنية لأم كلثوم ، رجع الطفل البيت يقول نفس الأغنية كما سمعها ، سألوه من أين جئت بهذا الكلام ؟ قال : سمعته في المحل ، فأخذه جده من هذا السن وبدأ يحفظه القرآن ، يقول والده : كان جده إذا قرأ عليه السورة يحفظها
{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ الحديد : ٢١ ] .
لكن أريد أن أقول إن كان هذا طفل في زماننا ، أتستكثر على زمن النبوة أن يسمع صحابي آية من رسول الله فيحفظها عن ظهر قلب ؛ لأن هذه في المرحلة الأولى من مراحل حفظ القرآن ، ألا وهي مرحلة الصدور - وعى الصحابة القرآن في صدورهم ، كثير من الصحابة بفضل الله عز وجل .
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه جبريل بالقرآن ويقرئ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ويقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على كتبة الوحي .
المرحلة الأولى : كانت مرحلة الصدور ، النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه جبريل يقرأ ، ويقرأ سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الصحابة منهم من يحفظ من أول مرة ، وظل القرآن محفوظاً في الصدور وفي بعظ الرقاع والجلود والأخشاب والرقاع والعظام والجريد وهكذا ، إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن لم يجمع في مصحف واحد ولا في صحف مجتمعة بل كان في الصدور . جائت أول موقعة وهي موقعة اليمامة كانت سنة إحدى عشرة هجرية ، كانت بين المسلمين ومسيلمة الكذاب ، موقعة اليمامة قتل فيها كثير من القُرَّاء حفظة كتاب الله ، فجاء سيدنا عمر الفاروق الملهم رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال : يا خليفة رسول الله ، اجمع كتاب الله عز وجل فإني أخشى أن يضيع بضياع القُرَّاء ، فقال أبو بكر ، كيف أفعل شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أترون الإتباع ، أترون الإتبعاع أيها الأفاضل وأيتها الفاضلات ، كيف لي أن أفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، فظل عمر الملهم الفاروق الذي أظهر الله الحق على لسانه وقلبه ، ظل يراجع أبا بكر ، اجمع كتاب الله ، يقول الصديق حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر ، فنادى زيد بن ثابت - رضي الله عن زيد - وقال له : يا زيد ، والحديث في البخاري وغيره (٣) - انتبهوا- إنك رجل شاب قدم الرجولة - زيد في ريعان شبابه لكنه رجل - إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك - أترون هذا التعديل ... أترون هذه المناقب - إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك فتتبع القرآن فاجمعه - انظروا إلى زيد الرجل الشاب العاقل غير المتهم ماذا يقول ؟ قال : فوالله لو كلفني نقل حبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ،
(٣) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ( ٤٩٨٩ ) .
فجمعت القرآن في صحف فظلت هذه الصحف عند أبي بكر رضي الله عنه ثم انتقلت إلى عمر رضي الله عنه بعد موت الصديق ، ثم انتقلت الصحف إلى حفصة - رضي الله عنها - بعد موت عمر رضي الله عنه هذه هي
المرحلة الثانية : جمع القرآن في صحف وظلت عند حفصة .
المرحلة الثالثة : بدأت عند عثمان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره (٤) رجع سيدنا حذيفة بن اليمان - رضوان الله عليه - إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول له : يا أمير المؤمنين ، أدرك الأمة قبل أن تختلف في كتاب الله كما اختلف اليهود والنصارى . قال : وما ذاك ؟ قال : غزوت أرمينيا وأذربيجان فسمعت الصحابة قد اختلفوا في كتاب الله .
(٤) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ( ٤٩٨٧) ، والترمذي في كتاب تفسير القرآن ، باب (( ومن سورة الأنفال )) (٣١٠٤) .
في رواية البخاري قال حذيفة : فسمعت أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتي أهل الشام بما لم يسمع أهل العراق ، ويقرأ أهل العراق بقراءة عبد الله بن مسعود ، فيأتي أهل العراق بما لم يسمعه أهل الشام ، فاختلفوا وأنتم تعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنما أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف )) (٥)
(٥) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (٤٩٩١) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ( ٨١٩ / ٢٧٢ ) من حديث ابن عباس ، وأخرجه مسلم في المكان السابق ( ٨١٨ / ٢٧٠ ) من حديث حكيم بن حزام .
وكلها ثابتة عن رسول الله مثلاً
{ ييَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [ الحجرات : ٦ ] . (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا )) يأتي صحابي يسمع فتثبتوا لم يسمعها إلا فتبينوا وتكون مصيبة كبيرة .
كانت هناك قبائل من العرب لم يعرفوا أن ينطقوا حرف (( الحاء )) كما هو وارد الآن ، وما زلنا نرى كثيراً من الناس لا يستطيعون أن ينطقوا بعض الحروف (( القاف )) مثلاً تنطق (( جيم )) أقول لك تنطق أجول لك ، وهكذا . فكانت بعض القبائل لا تنطق حرف (( الحاء )) أبداً وإنما ينطقونه (( ع )) فيقرؤون مثلاً قول الله تعالى : { حَتَّى حِينٍ } يقرؤونه (( حتى عين )) فنزل القرآن بهذا اللسان أيضاً للتيسير والتخفيف (( إنما أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف )) .
فكان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبيّ بن كعب ، وكان أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود ، فيأتي أهل الشام بما لم يسمع أهل العراق ويقرأ أهل العراق بما لم يسمع أهل الشام ، فاختلفوا فجاء حذيفة رضوان الله عليه وقال : أدرك الأمة يا أمير المؤمنين قبل أن تختلف في كتاب الله كما اختلف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف - التي كانت قد جمعت في عهد أبي بكر رضي الله عنه لننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت حفصة - رضوان الله عليها - بالصحف وأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت مع مجموعة من الصحابة أن يجمعوا القرآن في مصحف واحد - مجموعة مصاحف لكن في الأصل مصحف واحد سينسخ بعد ذلك منه - أمره أن ينسخ الصحف في مصحف إمام ، ثم أرسل إلى كل أفق من الآفاق بمصحف وأرسل الصحف إلى حفصة ، وأمر بما سوى ذلك الذي جمع في المصحف الإمام أن يحرق ، وبهذا حفظ الله عز وجل القرآن فلم تحذف منه آية ، ولم تسقط منه كلمة ولم يتبدل منه حرف وما تولى الله حفظه لا يضيعه أحد { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : ٩ ] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر :السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
سأتحدث بإذن الله عن القرآن ،
أسأل الله تعالى أن يخلقنا بأخلاق القرآن ،
وأن يؤدبنا بآداب القرآن .
نريد أن نتعرف على القرآن ؟
كيف وصل إلينا القرآن ؟
كيف وصل إلينا المصحف الإمام الذي نراه الآن بين أعيننا وأمامنا ؟
هذا يسمى بالمصحف الإمام ، كيف وصل إلينا ؟
وقبل ذلك أقول : مصدرية القرآن دليل على إعجازه وتعجيزه .
كلام الحق سبحانه ليس له مثيل ، ليس هناك قوة على ظهر الأرض تستطيع أن تتحدى القرآن الذي هو كلام الله سبحانه وتعالى .
فمصدرية القرآن دليل إعجازه وتعجيزه ، القرآن مصدر للبلاغة ، مصدر للغة ، مصدر الاعتقاد ، مصدر للتعبد ، مصدر للتشريع ، مصدر الأخلاق ، مصدر الهدى والهداية ، الدستور الكامل المتكمل الذي أنزله الله عز وجل ليسعد به البشر وليس المسلمين فحسب ، ليسعد به البشر في الدنيا والآخرة ؛ وذلك تحدى الله بهذا القرآن أهل البلاغة في مكة ابتداءً ، وأهل الأرض انتهاءً في كل زمان ومكان ، قالوا : بأن هذا القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم فتحداهم عز وجل أن يأتوا بقرآن مثله قال الله سبحانه وتعالى :
{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ }
[ الطور : ٣٣ ، ٣٤ ] .
يقولون : محمد صلى الله عليه وسلم تقوله ، أي : أتى به من عند نفسه ! فاليأتوا بقرآن مثل هذا الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إن كانوا صادقين في زعمهم ودعواهم ، فعجزوا فخفف التحدي . نقول لهم : لا تأتوا بالقرآن كله ، نريد عشر سور فقط
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ } [ هود : ١٣ ] .
أنتم تدعون أن محمداً افترى القرآن ، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ، فعجزوا فخفف التحدي إلى أقل صوره ودرجاته . نريد سورة واحدة فقط ، سورة مثل سورة الكوثر أو الإخلاص ، آيات قليلة ، ثلاث آيات في الكوثر ، فعجزوا
{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ البقرة : ٢٣ ] .
فلما عجزوا نزل قول الله سبحانه وتعالى :
{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ الإسراء : ٨٨ ] .
فمصدرية القرآن دليل إعجازه وتعجيزه .
اجتمع المسلمون من السادة الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد رضي الله عنه وكان سيداً في قومه وكان شاعراً بليغاً ، أديباً فصيحاً ، اجتمع مع سادة الشرك وقال لهم : إن الناس ستقبل علينا في الحج - لقد اقترب موسم الحج وكان الناس يحجون قبل الإسلام ، يعظمون البيت ويحجون البيت حتى قبل الإسلام ، فقال : نريد أن نجلس ونتفق على كلمة واحدة نقولها في حق محمد وفي حق قرآنه - لا تفضحونا وسط الوفود القادمة - قالوا : نريد أن نتفق على قول واحد في شأن محمد وما يتلوه من القرآن ، فقالوا : نقول : ساحر ، قال : والله ما هو بساحر ، قالوا : نقول : كاهن ، قال : والله ما هو بكاهن ، قالوا : نقول : مجنون ، قال : والله ما هو بمجنون ، ماذا نقول ؟ لا هو شاعر ولا ساحر ولا كاهن ولا مجنون ، قالوا : نقول : كذاب ، قال : والله ماهو بكذاب - انتبهوا ، هذه شهادة خصم عنيد جدًّا للنبي صلى الله عليه وسلم والحق ما شهدت به الأعداء - الأخنس بن شريق وأبو جهل خلا يوما فقال الأخنس لأبي جهل : يا أبا الحكم ، أسألك بالاة والعزى ، أمحمد صادق أم كاذب ؟ فقال أبو جهل : ويحك يا أخنس والله إن محمداً لصادق - لماذا إذن يا مجرم وأنت تعرف أن محمداً لصادق - فنزل قول الله تعالى :
{ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : ٣٣ ] .
هنا مصداقية النبي صلى الله عليه وسلم لكنه الكبر
{ إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : ٣٥ - ٣٧ ] .
قالوا : تقول كاهن ، لا ليس بكاهن ، ساحر ، ليس بساحر ، مجنون ، ليس بمجنون ، كذاب ، ليس بكذاب .. الوليد نفسه الذي قال حينما سمع القرآن ، قال قولته الجميلة الخالدة ، قال : والله إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة - أتعرفون ما معنى الطلاوة ؟ الطلاوة هي الرونق والجمال الفائق - وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق - أي كثير الماء - وإنه ليعلو ولا يعلى - وهذا هو النطق الصحيح للفظة ، لا يصح أن تقول : إنه لا يعلو .. خطأ شائع ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، شهادة مشرك بليغ فصيح للقرآن ، قال له : وماذا تقول ؟ قال : اتركوني أفكر وأرى أقرب الأقوال ، ثم خرج عليهم وقال : أقرب الأقوال أن نقول : إنه ساحر . فنزل القرآن :
{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا(١١)وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا(١٢)وَبَنِينَ شُهُودًا (١٣)وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا(١٤)ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ(١٥)كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا(١٦)سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا(١٧)إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨)فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(١٩)ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ(٢٠)ثُمَّ نَظَرَ(٢١)ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ(٢٢)ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ(٢٣)فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤)إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥)سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(٢٦)وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(٢٧)لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } [ المدثر : ١١-٢٩] .
إلى آخر الآيات ٠
هذه نزلت في حق الوليد ليعلم الحق تماماً ، لكنه الكبر والعناد والإعراض (١)
(١) انظر : الحاكم في المستدرك (٢ / ٥٠٧) وصححه ووافقه الذهبي ، والنيسابوري في أسباب النزول ص ٣٨١ .
فالقرآن أنزله الله على قلب النبي صلى الله عليه وسلم في بيئة برع أهلها في البلاغة والبيان ، فهم أساطيل اللغة وأصحاب فصاحة وقول ، فأنزل الله القرآن ليتحداهم ، وهذا هو أرجح الأقوال في فواتح السور التي بدأت بالحروف المقطعة ((ألم)) إلى آخره ، فأرجح الأقوال في هذا أن الله عز وجل يريد أن يقول أو أن يعلم أو أن يخبر المشركين أن القرآن الذي يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو من جنس لغتكم التي تتكلمون بها ، وأحرفكم التي تتحدثون بها ، ومع ذلك فلن تستطيعوا ولو اجتمع معكم أهل الأرض بل وأهل الجن أن تأتوا بقرآن مثله ؛ لأنه كلام الله المعجز .
فمصدرية القرآن دليل على إعجازه .
الأصمعي شاعر العراق البليغ والأديب والنحوي المشهور سمع يوماً أعرابية ترعى الغنم سمعها تقول شعراً فأعجب ببلاغتها وفصاحتها فاقترب منها وقال لها : قاتلك الله ، ما أفصحك .. ما هذه الفصاحة فقالت له : ويحك وما هذه الفصاحة إلى قول الله تعالى :
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ } [ القصص : ٧ ] .
قالت يا هذا ، آية واحدة اشتملت على أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين - انتبه هذه ترعى الغنم - والله لو أتيت بكثير ممن يتطاولون الآن على القرآن وقلت له : بين لي الخبرين من الآية ؟ والله لا يستطيع أن يبينهما - آية واحدة اشتملت على أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين - قمة البلاغة - هذا القرآن أيضاً من مصادره أو من أوجه أعجازه :
من أوجه إعجاز القرآن :
أنه لا يخلق من كثرة التكرار والتردد - يعني أنت حضرتك تقرأ الفاتحة من يوم أن من عليك ربنا بالصلاة ، قرأت الفاتحة كم مرة - قرأت الفاتحة كثيراً - وهذا مصدر ووجه من أعظم أوجه إعجاز القرآن ، تعال اليوم وائتِ بأعظم قصة أديب على وجه الأرض ، أتحداك إن قرأتها ثلاث مرات .. سوف تقرأها مرة وممكن ثاني مرة لكن ثالث مرة لا ، رابع مرة مستحيل - ستمل ولا تستطيع - لكن اقرأ القرآن ، من كم سنة وأنت تقرأ الفاتحة ، وتسمع الفاتحة كم مرة ؟ وقرأت القرآن كم مرة ؟ ومع ذلك لا تشعر أبداً بأن هذا القرآن قد بلي وقد خَلِق من كثرة قراءته أو ترداده أو تكراره لا ، بل كل ما قرأت بحضور القلب زادت حلاوة القرآن في جوفك وقابك ..
أحياناً تقرأ القرآن تشعر بلذة وحلاوة لم تشعر بها من قبل مع أنك قرأت نفس السورة ، وأحياناً تسمع القرآن تشعر بلذة وحلاوة لم تشعر بها من قبل مع أنك سمعت هذه السورة أكثر من مرة ! لماذا ؟ لأنك تسمع بقلب حاضر
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ ق : ٣٧ ] .
تشعر بلذه وحلاوة متجددة للقرآن .
أيضاً من أوجه إعجاز هذا القرآن الكريم : أنه كتاب
{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : ٤٢ ] .
، لماذا ؟ لأنه
{ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : ٤٢ ] .
، ليس هناك معلومة ذكرها القرآن إلا وأثبتت الأيام صدقها ، كل الاكتشافات العلمية الحديثة تؤكد لنا الآن أن القرآن الكريم كلام الله - انتبهوا نحن لسنا ننتظر نظريات علمية لنصدق بكلام البشر كلام رب البشر ، لا - انتبهوا ؛ لأن هذا اسلوب جديد نلوي به أعناق الآيات وأعناق النصوص ، لكي نصدق بالآية نظرية علمية .. إطلاقاً . فنحن لا ننتظر النظريات العلمية لنصدق بكلام البشر كلام رب البشر ، وإنما ظهرت نظرية علمية وقد تكلم عنها القرآن قبل ذلك ، فالمؤمن يزداد إيماناً ، والمحب لله يزداد حباً ، والمحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد أتباعاً وحباً ، لكنه أبدا لا ينتظر هذا ليبدأ به التصديق لكلام الله وكلام رسوله ، أبداً
انظر هكذا إلى كثير من النظريات العلمية اليوم من سنوات قليلة فقط ، لم يكتشف العلماء والعلم الحديث إلا من سنوات قليلة ، أن الجبال لها سن مدبب كالوتد في باطن الأرض ، لم تكتشف هذه القضية العلمية الهائلة إلا في السنوات القليلة الماضية ، قالوا : له سن مدبب في باطن الأرض ، ممدود في القشرة الظاهرة الصلبة ، وبعد هذه القشرة مادة لزجة ممدود فيها سن الجبل كالوتد - أترى الوتد ، لابد أن تضع له سن مدبب حتى يقبل أن يطرق عليه ليسير في باطن الأرض كذلك الجبل ، هذه النظرية وهذه القضية لم تكتشف إلا من سنوات قليلة ، مع أن القرآن قد تكلم عنها منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ، قال الله جل وعلا :
{ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } [ النبأ : ٧ ] .
كيف وصل إلينا القرآن ؟
القرآن نزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر ، في ليلة من ليالي رمضان ، وبعد ذلك أنزل الله القرآن منجماً - أي مفرقاً - على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الحوادث والوقائع ، القرآن نزل ليربّي ، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فينزل القرآن ليجيب على مدار ثلاثة وعشرين عاماً ، ينزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم لا يكتب ، اتخذ له مجموعة من الصحابة من كُتَّاب الوحي مثل : (( زيد بن ثابت ، أبي بن كعب ، عبد الله بن مسعود وغيرهم )) .
زيد بن ثابت الذي ترجم له الإمام البخاري باباً في صحيحه بعنوان (( باب كاتب النبي )) (٢)
(٢) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب كاتب النبي (٤) ، فتح الباري (٩ / ٢٧) .
سمى البخاري زيد بن ثابت كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة فقيهة جداً ، ورحم الله علماءنا حينما قالوا : فقه البخاري في تراجمه . الترجمة في ذاتها عند البخاري مليئة فقه ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن يجمع كتبة الوحي ويأمرهم أن يكتبوا هذه الآية في هذه السورة وهكذا ، وظل القرآن في الصدور هذه هي المرحلة الأولى ، الصحابة كانوا إذا سمعوا القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظوه ، كان كثير من الصحابة قد أتاه الله قلباً واعياً إذا سمع القرآن حفظه ، ونحن ما زلنا نرى والحمد لله في هذه الأمة هذه الكرامة ، والمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لانه لا يوجد معجزة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنه ليحزنني جداً عندما يأتي بعض إخواننا من طلاب العلم ويقدموا طفلا من أطفالنا ونراه يقول : الطفل المعجزة - هذا خطأ - المعجزات للأنبياء والكرامات للأولياء ، وكرامات الأولياء من معجزات الأنبياء ، بمعنى أن الكرامة للولي أنما هي في الأصل معجزة للنبي الذي أخبر بذلك .
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن كثير من كرامات الأولياء ، أخبر عن أويس القرني وهو سيد التابعين كما قال صلى الله عليه وسلم عنه وعن غيره ، هذه الكرامة عندما تحدث لولي من أولياء الله في الأمة إنما هي في الأصل معجزة الصادق صلى الله عليه وسلم - انتبهوا - فما زلنا نرى في الأمة أطفالاً يحفظون القرآن في سن الخامسة ،
يقول فضيلة الشيخ محمد حسان :
أنا كنت في قطر وأحضروا لي طفلاً سنه خمس سنوات سوري اختبرته بنفسي يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ، سنه خمس سنوات ولم يكتمل ، بدأت معه من سورة الفاتحة حتى الناس ، بقيت ليلة كان وزير الأوقاف مستضيفنا في بيته وأحضروا هذا الطفل بدأت معه من الفاتحة إلى الناس ، آيات سريعة ما شاء الله ، والله ما تلعثم ، سألته تحفظ كم من الحديث وهو في سن الخمس سنوات قال : أحفظ أربعة آلاف حديث . والله قلت له : اقرأ واخترت له بعض الأحاديث المتفق عليها من كتاب اللؤلؤ والمرجان ؛ لأنه حافظ اللؤلؤ والمرجان ، ما شاء الله ولا قوة إلا بالله ، طفل لم يكتمل الخمس سنوات يحفظ القرآن بفضل الله ، جده رجل من العلماء ، كيف اكتشفه ؟ سنه سنتين أو قليل ذاهب إلى المحل ليشتري البسكويت فوجد صاحب المحل يفتح الراديو على أغنية لأم كلثوم ، رجع الطفل البيت يقول نفس الأغنية كما سمعها ، سألوه من أين جئت بهذا الكلام ؟ قال : سمعته في المحل ، فأخذه جده من هذا السن وبدأ يحفظه القرآن ، يقول والده : كان جده إذا قرأ عليه السورة يحفظها
{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ الحديد : ٢١ ] .
لكن أريد أن أقول إن كان هذا طفل في زماننا ، أتستكثر على زمن النبوة أن يسمع صحابي آية من رسول الله فيحفظها عن ظهر قلب ؛ لأن هذه في المرحلة الأولى من مراحل حفظ القرآن ، ألا وهي مرحلة الصدور - وعى الصحابة القرآن في صدورهم ، كثير من الصحابة بفضل الله عز وجل .
كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه جبريل بالقرآن ويقرئ جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ويقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على كتبة الوحي .
المرحلة الأولى : كانت مرحلة الصدور ، النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه جبريل يقرأ ، ويقرأ سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الصحابة منهم من يحفظ من أول مرة ، وظل القرآن محفوظاً في الصدور وفي بعظ الرقاع والجلود والأخشاب والرقاع والعظام والجريد وهكذا ، إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن لم يجمع في مصحف واحد ولا في صحف مجتمعة بل كان في الصدور . جائت أول موقعة وهي موقعة اليمامة كانت سنة إحدى عشرة هجرية ، كانت بين المسلمين ومسيلمة الكذاب ، موقعة اليمامة قتل فيها كثير من القُرَّاء حفظة كتاب الله ، فجاء سيدنا عمر الفاروق الملهم رضي الله عنه إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال : يا خليفة رسول الله ، اجمع كتاب الله عز وجل فإني أخشى أن يضيع بضياع القُرَّاء ، فقال أبو بكر ، كيف أفعل شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أترون الإتباع ، أترون الإتبعاع أيها الأفاضل وأيتها الفاضلات ، كيف لي أن أفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ، فظل عمر الملهم الفاروق الذي أظهر الله الحق على لسانه وقلبه ، ظل يراجع أبا بكر ، اجمع كتاب الله ، يقول الصديق حتى شرح الله لذلك صدري ورأيت الذي رأى عمر ، فنادى زيد بن ثابت - رضي الله عن زيد - وقال له : يا زيد ، والحديث في البخاري وغيره (٣) - انتبهوا- إنك رجل شاب قدم الرجولة - زيد في ريعان شبابه لكنه رجل - إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك - أترون هذا التعديل ... أترون هذه المناقب - إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك فتتبع القرآن فاجمعه - انظروا إلى زيد الرجل الشاب العاقل غير المتهم ماذا يقول ؟ قال : فوالله لو كلفني نقل حبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ،
(٣) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ( ٤٩٨٩ ) .
فجمعت القرآن في صحف فظلت هذه الصحف عند أبي بكر رضي الله عنه ثم انتقلت إلى عمر رضي الله عنه بعد موت الصديق ، ثم انتقلت الصحف إلى حفصة - رضي الله عنها - بعد موت عمر رضي الله عنه هذه هي
المرحلة الثانية : جمع القرآن في صحف وظلت عند حفصة .
المرحلة الثالثة : بدأت عند عثمان رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره (٤) رجع سيدنا حذيفة بن اليمان - رضوان الله عليه - إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول له : يا أمير المؤمنين ، أدرك الأمة قبل أن تختلف في كتاب الله كما اختلف اليهود والنصارى . قال : وما ذاك ؟ قال : غزوت أرمينيا وأذربيجان فسمعت الصحابة قد اختلفوا في كتاب الله .
(٤) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ( ٤٩٨٧) ، والترمذي في كتاب تفسير القرآن ، باب (( ومن سورة الأنفال )) (٣١٠٤) .
في رواية البخاري قال حذيفة : فسمعت أهل الشام يقرؤون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتي أهل الشام بما لم يسمع أهل العراق ، ويقرأ أهل العراق بقراءة عبد الله بن مسعود ، فيأتي أهل العراق بما لم يسمعه أهل الشام ، فاختلفوا وأنتم تعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنما أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف )) (٥)
(٥) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب أنزل القرآن على سبعة أحرف (٤٩٩١) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين ، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف ( ٨١٩ / ٢٧٢ ) من حديث ابن عباس ، وأخرجه مسلم في المكان السابق ( ٨١٨ / ٢٧٠ ) من حديث حكيم بن حزام .
وكلها ثابتة عن رسول الله مثلاً
{ ييَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [ الحجرات : ٦ ] . (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتثبتوا )) يأتي صحابي يسمع فتثبتوا لم يسمعها إلا فتبينوا وتكون مصيبة كبيرة .
كانت هناك قبائل من العرب لم يعرفوا أن ينطقوا حرف (( الحاء )) كما هو وارد الآن ، وما زلنا نرى كثيراً من الناس لا يستطيعون أن ينطقوا بعض الحروف (( القاف )) مثلاً تنطق (( جيم )) أقول لك تنطق أجول لك ، وهكذا . فكانت بعض القبائل لا تنطق حرف (( الحاء )) أبداً وإنما ينطقونه (( ع )) فيقرؤون مثلاً قول الله تعالى : { حَتَّى حِينٍ } يقرؤونه (( حتى عين )) فنزل القرآن بهذا اللسان أيضاً للتيسير والتخفيف (( إنما أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف )) .
فكان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبيّ بن كعب ، وكان أهل العراق يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود ، فيأتي أهل الشام بما لم يسمع أهل العراق ويقرأ أهل العراق بما لم يسمع أهل الشام ، فاختلفوا فجاء حذيفة رضوان الله عليه وقال : أدرك الأمة يا أمير المؤمنين قبل أن تختلف في كتاب الله كما اختلف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان رضي الله عنه إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف - التي كانت قد جمعت في عهد أبي بكر رضي الله عنه لننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت حفصة - رضوان الله عليها - بالصحف وأمر عثمان بن عفان زيد بن ثابت مع مجموعة من الصحابة أن يجمعوا القرآن في مصحف واحد - مجموعة مصاحف لكن في الأصل مصحف واحد سينسخ بعد ذلك منه - أمره أن ينسخ الصحف في مصحف إمام ، ثم أرسل إلى كل أفق من الآفاق بمصحف وأرسل الصحف إلى حفصة ، وأمر بما سوى ذلك الذي جمع في المصحف الإمام أن يحرق ، وبهذا حفظ الله عز وجل القرآن فلم تحذف منه آية ، ولم تسقط منه كلمة ولم يتبدل منه حرف وما تولى الله حفظه لا يضيعه أحد { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : ٩ ] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب : الخطب المنبرية
فضيلة الشيخ : محمد حسان
الجزء : التاسع
نقلاً من موضوع : الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
رقم الصفحة : ( ٤٧ - ٥٨ )
الناشر : مكتبة فياض للتجارة والتوزيع
حقوق الطبع محفوظة لعام : ٢٠٠٦ م
تعليق