الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم،
أمــا بــعـــــــــد:
فالقُرآن الكريم هو أعظم كتاب في الوجود، وله فضائِل عديدة، ولقراءتهِ أجور كثيرة، ولحافظهِ فضلٌ وميزة يَقْدُمُ بها على غيرهِ،
أنزلهُ ربنا تباركَ وتعَالىَ عِصمَةً لِمَنِ اعتَصمَ بهِ، وَهُدًى لِمَنِ اهتَدَى بهِ، وغِنًى لِمَنِ استَغنَى بهِ، وحِرزًا مِنَ النَّارِ لِمَنِ اتَّبعَهُ، ونُورًا لِمَنِ استَنَارَ بهِ،
وشفاء لِمَا في الصُّدُور، وَهُدًى ورَحمَة لِلمُؤمِنِين.
أَمَـرَ اللَّهُ خَـلْـقَـــهُ أن يُؤمِنُوا بهِ، وَيَعمَلُوا بِمُحكَمِهِ؛ فيُحِلُّوا حَلالَهُ، ويُحرِّمُوا حَرامَهُ، ويُؤمِنُوا بِمُتَشَابههِ، وَيَعتَبِرُوا بِأَمثَالهِ،
ثُمَّ وعَدَهُم علَى تِلَاوَتهِ والعَمَلِ بهِ النَّجَاة مِنَ النَّار، وَالدّخُول إلى الجنَّة.
ذلِك فضلُ اللهِ على عِبادهِ المُتمَسِّكينَ بهِ، والعَامِلينَ بهِ في حَياتِهمُ الدُّنيا.
ولقد اهتَّم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالقرآن غايَةَ الاهتمَام، وكذلك كان دَأْب صحابته والتابعين لهم بإحسان؛
لأنَّه نَزَل ليحكُم الحياة في كلِّ شئونها، وليكون مِنهاجاً تسيرُ عليه الأمَّة.
فالقرآن هو كتابُ الله الخالِد، وحُجَّتهُ البالغة على الناس جميعا، ختم الله به الكُتب السماوية، وأنزله هدايًة ورحمًة للعالمين،
وضَمَّنهُ مِنهاجًا كاملًا وشريعة تامَّة لحياة المسلمين، قال تعالى:
{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} الإسراء: 9.
وقَد وصَفَ اللهُ القرآن بأوصافٍ عديدةٍ هي أسمَاء لهُ، تَدُلّ على عظيمِ فضلهِ وعُلوِّ منزلته:
1- وَصَفَهُ الله بأنَّه رُوحٌ، والــرُّوحُ بهَا الحيَاة، قال تعالى:.......................
{وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} الشورى: 52.
2- و وَصَفَهُ بأنَّهُ نُـــــورٌ، والنُّــورُ بهِ الإبْصَــار، قال تعالى:........................
{قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴿١٥﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ..﴿١٦﴾} المائدة.
3- و وصَفَهُ بأنَّهُ الْهـَــــــادِي إلى أفضَلِ طريق، قال تعالى:..........................
{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء: 9.
4- و وَصَفَهُ بأنَّهُ شِــفـَــــــــاءٌ ورَشَـــــــــــاد، قال تعالى:.........................................
{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ} فصلت: 44.
5- وهو كـِتـَــابُ الْـحـَــقِّ الَّذي لا يُعرَض لهُ البَاطِل قَـطّ، قال تعالى:......
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} الإسراء: 105.
وقال سبحانه: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴿٤١﴾ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴿٤٢﴾} فصلت.
فعندما ننظرُ إلى الوصف الأساسي الرئيسي الذي ذَكَرهُ الله عزَّ وجلَّ عن هذا القرآن وعن طبيعة ارتباطه في الحياة وعن طبيعة دوره في هذه الدنيا؛
نجد قول الله عزَّ وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}؛
فلبيان أثر القرآن في هذه الحياة؛ وصَفَ الله عزَّ وجلَّ القرآن بأنه روح، ولا قيمة للأجساد بلا أرواح؛
فالقرآن هو روح هذه الحياة، وبدونه تَفْسَد الحياة، وبدونه تضِّل وتموت القلوب، وتنطمِس البصائر، وتَفْسَد النَّفوس، نسأل الله عز وجل السلامة.
وكذلك قال الله عز وجل في الآية ذاتها {وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} أي: نوراً يُبدِّدِ الظُلمات.
فإنَّه لا قيمة للأجساد بلا أرواح؛ لأنَّها لا يكون فيها حياة،
كما أنَّه لا قيمة للحياة ولا للقوة إذا لم يكن هناك نور تستضيء به.
وصِفَاتُ اللهِ للقرآن تَدُلُّ على عظيمِ فضلهِ وعُلوِّ منزلته وأهميته للناس جميعًا إلى يوم الساعة؛
فالقُرآن هوَ مَنْهَجٌ كَامِلٌ وشريعةٌ تامَّةٌ لِحيَاةِ المُسلمِين.
ومَادُمنا نحيَا على ظهر الأرض في هذه الدنيا، باقِين إلى حينٍ بإذنِ اللهِ ربِّ الْعَالَمِين؛ فَـلـَــنْ تكونَ حياتُنـا حيـــاةً إلّا بالـقُـــرآن.
إنَّ أهمّية القرآن في حياة الناس جميعًا تَـكْـمـُـــــنُ في الهداية لهم؛
الهداية إلى العقائد الصحيحة، والعبادات الحقة،
الهداية إلى الأخلاق الكريمة، والتعاملات الإنسانية السليمة،
الهداية إلى التشريعات العادلة؛ ببناء المجتمع الفاضل، وتنظيم الدولة القوية.
والمسلمين لو جدَّدوا إيمانهم بأهمية هذا الكتاب الكريم، وكانوا جادِّين في الالتزامِ والطَّاعةِ لما فيهِ من أوامر وتوجيهات إِلَـٰهَيـَّـة حكيمة؛
فإنَّهم يجدون ما يحتاجون إليه من حياة روحية طاهرة، وقوة سياسية وحربية، وثروة وحضارة، ونِعَمٌ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَىَ؛ قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ} الأعراف: 96.
هنا يُخبر تعالى عن قلّة إيمان أهل القرى الذين أُرسِلَ فيهم الرُسل، وكيف أهلكهم الله عقابا لكفرهم.
فلو آمنوا بقلوبهم إيمانًا صادقًا صدَّقَتهُ الأعمال، واتقَوا ربَّهم ظاهرًا وباطنًا بترك جميع ما حرَّم اللّه؛ لفتح عليهم بركات السماء والأرض،
فأرسل السماء عليهم مِدرارا، وأنبت لهم من الأرض ما بهِ يعيشون وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش من غير عَناء ولا تعب، ولا كَدٍّ ولا نَصَب.
فإذا أرادَ المُسلِمون الخيَر والصَّلاح والعِزّة لأنفسهم وأمُّتهم؛ فعليهم اتِّباع هَدْي نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم وصحابته الكِرام رضي الله عنهم؛
في حفظ القرآن وفهمه والعمل بما فيه؛ لأنَّه لَنْ يُصْلِــحَ آخِرَ هَــذِهِ الأُمَّــة إلَّا بمَا صَـلَــحَ بهِ أوَّلها.
إنَّ المُسلم لا يستغني عن القرآن؛ فبهِ حياة قلبه ونور بصره وهداية طريقه.
وكُلّ شيء في حياة المسلم مُرتبطٌ بهذا الكتابِ العظيم؛ مِنْهُ يستَمِدّ عقيدته، وبه يعرف عبادته وما يُرضي ربَّه،
وفيه ما يحتاج إليه من التوجيهات والإرشادات في الأخلاق والمعاملات.
- وقد وعَــدَ الله من قرأ القرآن، واتَّبع ما فيه؛ أن لا يضِلَّ في الدنيا ولا يَشقَى في الآخرة، كما قال سبحانه:......................................
{مَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ} طـه:123
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهُما: [ضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أَلَّا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ]، وتلا هذه الآية.
وعنه، أنه قال: [مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ هَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَوَقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سُوءَ الْحِسَابِ]، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ.
- و تـوَعَّـــدَ سُبْحـَــانــهُ لمن لا يهتدي بالقرآن؛ أن يضيع عُمره ومُستقبله ومَصيره، ويسير في ظُلمات الجهل والضَّلالة والضَّياع،
كما قال تعالى:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طـه:124
أي: ومن ترك ديني و تلاوة كتابي و العمل بما فيه؛ فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيِّقة مُشِقَّة، ولا يكون ذلك إلا عذابا.
وفُسِّرت المعيشة الضنك بعذاب القبر وضيقه، يُحصر فيه ويُعذَّب، جزاءً لإعراضه عن ذكر ربه،
وبعض المفسرين، يرى أن المعيشة الضنك، عامَّة في دار الدنيا، بما يُصيب المُعرِض عن ذِكرِ ربه؛ من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذابٌ مُعجَّل،
و في دار البرزخ، و في الدار الآخرة، لإطلاق المعيشة الضنك، وعدم تقييدها.
والكلام عن أهمية القرآن في حياتنا يوضح معنًى واحدًا؛ ألا وهو الإهْتمَام به، بالإعتناء والإكتراث والعناية؛ بما يؤدي إلى تعــاهُـــدِه
ولا يجب أن نغفل أيضًا عن نقيض معنى الإهتمام بالقرآن؛ ألا وهو الإهْمَال، بالإعراض والإبتعاد عنه والترك؛ بما يؤدي إلى هَــجْـــرِه
إذًا؛ فالكلام عن أهمّية القرآن يكون بين نقيضين؛ التـَّـعـَــاهـُـــد والْــهـَــجْــــر.
من هنا، وبهذه المقابلة -بأمر الله- نستعرض معًا مدى أهمية القرآن في حياة المسلم؛
إمَّــا بتعاهده؛ ليتحقق قول الله:
{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} الإسراء: 9.
وإمَّــا بهجره؛ ليتحقق قول الله:
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} طـه:124
من هنا نصل بتوفيق الله وفضله إلى ترسيخ وثبات معنًى هامَّــا بأذهاننا؛
معنًى يوضِّح مدى درجة أهمية أن نحيا بالقرآن.
لِــذَا؛ فترسيخًا لهذا الفهم بالأذهان والقلوب، وذاك من الفِطنةِ وحُسن الإدرَاك،
يجِبُ علينا أن نَنتَبِه ونَتَنَبَّه ونَعِي ونُدرِك تمامًا عاقبة الذي يهجُر القرآن،
ثُمَّ يجِبُ علينا أيضًا أن نفهم ونُدرِك تمامًا جزاء الذي يتعَهَد القرآن.
من هُنا، بتوفيقٍ من الله تعالى، سَيمُنُّ علينا سبحانه بالإدراك التام، ثم العمل على الدوام.
فما أجمل أن نحيا بالقرآن، وما أجمل أن نسعى في كل أوقاتنا لنكون من أهل القرآن، جعلنا الله وإياكم من أهل القرآن وخاصته.
وللحديث بقية، فتابعونا بأمر الله تعالى...
المراجع:
- أخلاق أهل القرآن،(أبو بكر محمد الآجُرِّيّ)
- القرآن والحياة، (علي بن عمر بادحدح)
- الواضح في علوم القرآن/باب: فضل القرآن وأهميته في حياة المسلمين
....(مصطفى ديب البغا، ومحيى الدين ديب مستو)
- موقع طريق الإسلام
- تفسير السعدي
- تفسير الطبري
تعليق