البيان المعتبر لما في قصة "موسى وفرعون" من العظات والعبر
استنباط من القرآن لمآل الفرعون "الأمريكان" رأس الكفر والطغيان
إنَّ الحمد لله، نَحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أمَّا بعد:
على المسلم أن يقرأ كتاب الله، الذي لا تنقضي عجائبُه، قراءة تدبُّر حتَّى يكون له مع قصص القرآن - على سبيل التَّمثيل - وقفات للعِظة والاعتِبار، فالمسلم وهو يتعبَّد تلاوةً بآيات الفُرقان تستوقِفُه هذه القصَّة العجيبة، بل هي من أعجَب القصص كما قال ابن كثير في تفسيره - الإحالة: ج 2/ص408، مكتبة النور العلمية، بيروت 1416 هـ/ 1995م - والتي تكرَّرت للبيان في سبْع وعشرين موضعًا من سور القُرآن الكريم، أحيانًا بالإجمال وأُخرى بالتفصيل.
أليست هذه القصَّة العجيبة جديرةً بهذه الوقفات المتواضِعة، وبتنزيلها في كلِّ زمان ومكان؛ تطبيقًا لما قاله أهل العلم: "العبرة بعموم اللَّفظ لا بِخصوص السبب"؛ لذلك كتبت هذه الخواطر، وإن كنتُ قد ركبت بها المخاطر، فلا أملك إلا أن أقول ابتداءً: ما كان فيها من صوابٍ فمن الله وحْدَه، وما كان فيها من زلل وخطل فمنِّي ومن الشيطان.
العناصر الأساسية للمحاضرة:
* قصَّة موسى وفرْعون كاملة بجزئيَّاتِها وحيثيَّاتها.
قال - تعالى - في هذه القصَّة: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ * وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 49، 50].
* أريدُ من خلال هذه السُّطور أن نقف على واقع المسلمين اليوم مع الفِرعون الجديد "أمريكا" رأس الكفر والطغيان، هذه بتلك، نقطة بأخرى، وأن ننزِّل آيَ القرآن على واقعنا المعيش تنزيلاً.
بداية المعاناة:
* يعيد المشهد الدامي في قصَّة موسى وفرعون نفسه في الأعوام الأخيرة، بين الأمريكان والمسلمين في العالم، الأمريكان يقتلون المسلمين ويذبحونَهم في كلِّ مكان، إذا لاحتْ فيهم إرْهاصات التَّفاعُل مع الإسْلام بالتطبيق والامتثال التعبدي الخالص، وتَجريد العبوديَّة لله الواحد القهَّار الخالق، وذلك بالاعتِماد على قوتهم العسكريَّة، وترسانتهم من الأسلحة والجند، وأعوانهم وأذنابهم من كلِّ بقعة من أرجاء المعمورة.
والسبب في ارتِكاب هذه المجازر في حقِّ هؤلاء الأبرياء هو: بحوث الباحثين وتنبُّؤاتُهم، واستِماع رؤوس الكفْر الأمريكان لمنجِّميها بتكهُّناتهم لكوْن نهاية أمريكا المحتومة وحضارتها - حضارة السَّراب - ستكون على أيدي الممثِّلين للإسلام ديانةً وتطبيقًا.
وعليه؛ يرى هذا العدو أنَّ الإسلام هو الخطر الأخضر، الذي يعتبره المنظِّرون للسياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة أهم من الخطر الأحمر، والغرب دومًا يلعب على إذلال الشعوب الإسلاميَّة، مع الحفاظ على حالة الغفلة التي استُؤْنِفت بعد خروج الاحتِلال من بلدانهم, بعد النكبات والنَّكسات والهزائم، وروى القرآن الحالة عن الفرعون الأصلي: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54] [1].
- هذا ما فعله تمامًا فرعون مع بني إسرائيل، يومَ أُخْبِر أنَّه سيولد منهم رجل تكون نِهاية الفرعون على يديْه، لم يَجد من حلٍّ سوى قتْل الصبية الذُّكور، فذبح وقتل حتَّى أُخْبِر أنَّ هذا ليس بحل؛ فقد أفْنى قومَه بذلك، فغيَّر مخطَّطه إلى قتلهم عامًا دون آخر، فشاءت حكمة الله - تعالى - أن يُولد هارون - عليه السلام - في عام الرَّاحة، وبالمعجزة يولد النَّبي الرَّسول موسى - عليه السلام - في العام الموالي.
الفرعون: القوَّة العظمى والدَّولة الكبرى التي أوْشك النَّاس أن يسجُدوا لها، سجودَ إكْبار وانبِهار، فهي الدَّولة نصف القارة التي ادَّعت الربوبيَّة، وتعبَّدت بني البشر لهذا الزمان، وهي تردِّد قولَ فرْعون،كما حكاه القرآن: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: 24]؛ لذلك تسعى جادَّة لقطْع كلِّ رؤوسٍ أيْنعت، وإطْفاء مصابيح استنارت وأنارت، فتمكَّنت من بعض ذلك بحروب دامية، كتِلْك التي قادتها - بالتَّعاون مع العالم - ضدَّ الاتِّحاد السوفيتي سابقًا واليابان، إلى أبعد الحدود، وكل الدول التي تخشى أن تشكِّل لها خطورة في قابل الأيام؛ كالصين وأفغانستان وباكستان، والعراق وإيران.
وما فعل فرعون موسى ببني إسرائيل من التَّجويع والتَّقتيل، ومصادرة أمْوال الأغنِياء وتصْليبِهم وسفْك دمائِهم، ما فعل ذلك إلا ليستبْقِي الهالة التي حصل عليْها من ادِّعائه الربوبيَّة، والسُّلطة التي تمكَّن منها؛ {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الزخرف: 51].
وكأن الأمريكان يقولون بلسان الحال والمقال معًا: أليس لي ملك العالم، أنا القوَّة التي لا تُقْهَر، وجيشي لا يُهْزَم، خيراتِي غير متناهية، أحتلُّ المراتب الأولى في احتياطات الثَّروات والمعادن والغذاء، حقول القمح والذُّرة عندي شاسعة فاقت الخيال، بل عدتُ اليوم أستعمِلها لتحصيل الطاقة، وموتوا أنتم - يا سكان العالم - غيظًا وموتوا جوعًا، مساعداتِي لكم رهينةٌ بِخنوعِكم وانصِياعِكم لقراراتِي وتنفيذ مُخطَّطاتي.
سحرة فرعون أمريكا: هم القنوات الأمريكيَّة الإعلاميَّة، وصحفها التي فاقت أعدادُها الخيال، وتنوَّعت تخصُّصاتُها، من سياسيَّة وثقافيَّة، وإخباريَّة ووثائقيَّة، وشهوانيَّة.
والتي تجتمع على القصْد الذي أشار إليه القرآن الكريم في الآية المباركة؛ {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء: 83]؛ لحصول البشارة، أو للخوف وأسبابه، أمَّا المسلم فما عليه إلا أن يتمثَّل ببقية الآية؛ {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].
وهؤلاء السَّحرة الجُدُد لا يعملون ولا يَخدمون الفِرْعون الجديد أمريكا - ولو أنَّهم تحت حكمه وإمرته - بدون مقابل، فهم يتقاضَون أموالاً طائلة لتحريك سِحْرهم وإعْماله، وإلْقاء أفاعيهم وحبالهم، هذا بالإضافة إلى الحظْوة التي تكون لهم عند الفرعون إذا ما حقَّقوا انتِصارًا، الانتصار الذي لا نشكُّ - نحن المسلمين - أنَّه وهم منهم وخيال، بدليل قصَّة موسى وفرعون، وإنَّما نعتقد ذلك يقينًا؛ فالحقُّ تكون له الغلبة في النِّهاية.
يوم الزينة: موعِد المعركة في قصَّة القرآن، أمَّا اليوم فكل فرعون اعتلى كرسيَّ الولاية في أمريكا له وعود بالسَّفك وتقتيل المسلمين، وزرْع الرُّعب في قلوبِهم، وردِّ الاعتِبار للأمريكان كقوَّة عظمى لا تُقهر - حاشا وكلا - فهو بالنِّسبة لهم يوم الزينة، يوم المعركة والبرهان، فيخوض الفرعون المعركة، ويكون التَّشْريد والتَّجويع والتَّدخُّل في شؤون دول العالم الداخليَّة، ففترة الولاية لأي رئيس منهم، هي بِمثابة يوم الزينة.
أم موسى: تتجسَّد في واقعِنا اليوم في المسلمين الذين عندهم يقينٌ تامٌّ بأنَّ العِزَّة ستعود لا مَحالة إلى الإسلام والمسلمين، فارتاحوا واشتغلوا بالعبادة والذِّكْر والتقرُّب إلى الله - عزَّ وجلَّ - وإنَّما حصل لهم ذلك بقراءتِهم للقُرآن الكريم، القراءة الشرعية بمنهج التلقِّي والعلم والتعلم بمنهج المدارسة، والتَّزكية بمنهج التدبُّر، فيتحصَّل لديهم أخيرًا: الذِّكر ثم التذكُّر ثم الإبصار[2].
وحصل لهؤلاء المؤمنين ما حصل لهم أيضًا بوحْي الله لهم وعملهم بالوحي، حينها ينام الواحد منهم قريرَ العين، واثقًا من نصْر الله، وأنه - سبحانه وتعالى - سيردُّ له الاعتِبار بعد قليل - بعد فترة الابتلاء والاختبار - وهذا من سنن الله في عبادِه؛ ليميزَ الخبيثَ من الطيِّب.
امرأة فرعون: المرأة التي سخَّرها الله لحماية الرسول الكريم موسى - عليه السلام - وهي مؤمنة حيثُ قالت لفرعون وجنودِه، وهي تحمِل بين ذراعيْها الرَّضيع، الذي ساقتْه الأقْدار عبر قناة شقَّت من نهر النيل لسقْي حديقة القصْر - قصر فرعون – المنيف: "قرَّة عين لي ولك، لا تقتلوه"؛ لعلْمِها أنَّ هذا المولود إنَّما خافت عليه أمُّه فألقتْه في اليمِّ، محميًّا بتابوتٍ من الخشب، فمآلُه القتل خشية أن يكون هو الرجُل الذي ستكون نِهاية الفرْعون على يديه.
وشاءتْ قُدرة الله أن يتربَّى عند عدوِّه، تمامًا ما وقع للأمريكان؛ حيث وضعوا قوانين تحميهم وتميزهم عما عداهم، كحقوق الجنسيَّة، وما يتمتَّع به الأمريكي من الحقوق، وما يَحصل عليه من التَّعويضات، في هذا الجو لقي الذين أسْلموا من بني جِلْدتهم، من المفكِّرين، والمنظِّرين الكبار، وعلمائِهم في الطِّبِّ، وشتَّى مشارب العلوم - رغم أنوفهم - لقُوا حمايةً من كيْد الطاغية، وإن كان الفرعون بين الفينة والأخرى يفتح ملفَّ البحث في حقيقة أمرهم ومضايقتهم، تمامًا كما كان يفعلُ الفرعون إذا ما وجد من سلوك موسى - عليه السلام - وهو صغير ما يوحي له بعداوته إيَّاه لقابِل الأيَّام.
الآيات التي أرسلها ويرسِلُها الله دومًا وأبدًا على فرعون الأمريكان، كالآيات التي أرسلها الله على فرعون، من السنين والطوفان، والجراد والقمَّل، والضَّفادع والدم، أمَا سمعنا عن أعاصيرَ ضربت أمريكا، وزلازل وفيضانات، ونقص في الأموال والأنفس وكذا الثَّمرات، وكوارث؟!
خاف موسى في البداية من كيْد فرعون؛ لأنَّه قتل منهم نفسًا، وهو نفسه الخوف الذي يَخافُه اليوم العالم الإسلامي؛ نتيجةَ الذُّنوب التي ارتكبها مع طاغية العصْر الأمريكان، كالاستِدانة منهم، وإثقال كواهل ميزانيَّاتِهم من البنك الدولي، والتبعيَّة الاقتصاديَّة، والصَّفقات التجاريَّة، الشيء الذي جعل الدُّول الإسلاميَّة تَخاف من كيْد الأمريكان، ومن عقوباتهم وحصارهم، وتضييق الخناق عليْهم بأيِّ شكل من الأشكال.
العصا: كانت هي المعجزة التي أيَّد الله - عزَّ وجلَّ - بِها رسالة موسى؛ قال تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [مريم: 17 - 21]، وقوله تعالى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69].
والقرآن هو معجزة الإسلام الذي لا تقوى أيُّ قوَّة أن تصمُدَ أمامه، كعصا موسى؛ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18].
الصِّراع القائم اليوم بين الحقِّ والباطل قصَّته قديمة حديثة، فكما وقع لموسى وفرعون وحاشيته وزبانيتِه في الاجتماع التاريخي، وحلبة الصراع الرَّهيبة، بأصعب الأوقات وأحلك الظروف، إمَّا أن ينتصر موسى - بإذن الله - فينتصر الحقُّ معه، وإمَّا أن تموت العصبة المؤمنة سحقًا من الطَّاغية فرعون الذي لا يرحم.
شاءت حكمة الله أن تظهر حقائق سحرة فرعون ودجاجلتِه، وزيْف قمصانهم في حلبة الصراع، فانتصر الحقُّ بامتياز، بضربة قاضية لفرعون أرْبكت حسابَه، لم ينتصِر موسى فحسب، بل حاز إلى صفِّه مَن كانوا له أعداءً ألدَّاء قبل، فاعتنقوا الإسلام بطواعية واختيار.
سيُعيد التاريخ - يقينًا وعقيدة منَّا، نحن أهلَ الإسلام - هذه القصَّة، حيث الصراع بين الإسلام والمسلمين في صفٍّ, وأمريكا وأذنابِها من الغرْب في الصفِّ الآخر، غير أنَّ المتتبِّع لمشاهد الحلبة في حيرة شديدة من أمره؛ حيث إنَّ المشكلة أنَّ الآخرين فعلاً يلقون ما بأيْمانهم، فقد ألْقَوا اليوم "عوْلَمتهم"، لكنَّنا نحن الذين لا نُلْقِي ما في أيمانِنا!
ويقف المشهد - مع الأسف - عند قوله تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 66، 67]، ثم لا يكتمِل السياق، وتلك مصيبتنا في هذا العصر[3].
مؤمن آل فرعون: هو كل صوت يَخرج من الأعماق يساند الحقَّ، ويتحدث بالحياد، يُخاطب العقل بالحجَّة والدليل والبرهان، مرَّة يكون من أهلهم وذويهم، وغالبًا ما يكون من شعوب العالم المقْهورة، ينصح بثبات وقوَّة عجيبتَين، ويُنادي بأعلى صوتِه يُسْمِعنا كلام العليم المنَّان: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر: 28].
كيف تُقْتل شعوب وأمم، أفرادًا وجماعات، لا لشيء إلا أن يقولوا: ربنا الله، ويدخلوا تَحت مسمَّى الإسلام من قريب أو بعيد؟! الأمر أوضح من أن يفسَّر، ولكنَّهم عن الحقِّ عمون.
[1] مقال نحارب الإرهاب فهل نعرف معناه؟ جريدة السبيل، العدد ،43 ذي الحجة 1429هـ، الموافق 1 دجنبر 2008.
[2] انظر: المشروع الدعوي للدكتور فريد الأنصاري، من كتاب تحت عنوان: مجالس القرآن مدارسات في رسالات الهدى من التلقي إلى البلاغ، وهو كتاب تحت الطبع.
[3] مجالس القرآن، ص: 37.
موقع الألوكة
تعليق