الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،
أما بعد..
فـيـــــا...
عبـاد الله سـابقـوا إلى جنـات ... عرضها كعرض الأرض والسماوات
عبـاد الله.. احـذروا!
فتنبَّـهوا وتنـزَّهوا عن حب الحياة الدنيا وسعيكم للفوز بالملذات
عبـاد الله تنبَّهـوا؛
فما هي إلا حياة تحلو بزيفها الزائل وزينتها بكل العثرات!
عـِبــادَ اللَّـــه..
تحلُو الحياةَ في الدنيا بزينتهـا ... لكلِّ من ذاق فيـها الملذَّات
والنفس تهوى سعادةً بنشوتها ... تعلو أمانيها لسحُبٍ باسقِات
فالكلُّ في دنيا الحياة مُسارعٌ ... وكم يُضنية صِراعٌ ومُسابقات
جُبِلَتْ فيها النفوسُ على مَرَامٍ ... بأهواءٍ؛ دَنيِّة تلكَ المَرَامَـات
******************************
فكَمْ من نفسٍ حَارَتْ بين هواها ... وشيطان يُكبِّلُها بالعقبات
إذا لم تسمو وتعلو بالمطالبِ ... تَنَـزُّهَاً عن غيِّهَا لتبلُغ الغايات
مسارعةً بالامتثالِ لربها تَرومُ ... للعلياءِ هاجِرةً أيامَ حَظٍّ فانِيَات
فَلنْ ترقى بأيِّ حَالٍ، وبالشَّقَاءِ ... مُعذَّبَة مابين زلَّاتٍ ومَذَلَّات
******************************
وكم من نفس سعِدَت واطمَأنت ... راجِعة لبَارِئهَا، وبالرَحمات
من ربها الرحمن نَالتْ سَعادةً ... في الدَّارينِ، وفَازَتْ بالجنَّـات
لَمَّا رَأَتْ وتيقَّنَتْ أنَّ الحياةَ تَزوُّدٌ ... في دُنيا الفناء، وبالطَّاعات
سَارَعَت وبالخيرَاتِ تَسَابَقَت ... تُمْسِي وتُصبِحُ تحيا مُتسَابِقات
******************************
فَهُبُّوا عِبادّ اللهِ مُسَارِعِـينَ هيَّا ... سَابِقُـوا إلى مَغفِرةٍ وجنَّـات
أعَدَّهَا الرَّحمنُ للمُتسَابقين عَرضُها ... كعرضِ الأرضِ والسمَاوات
جعلنا الله وإياكم من السابقين وفي أعلى عليين من أهل الجنات
والآن يا من تحبون الله ورسوله
هيا معا نتدبر هذه الآيات ووعد الله لعباده ببشريات أنعم علينا بها سبحانه منزل الرحمات
فقد قال الله تعالى:
{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا
ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة: 100
وقال الله تعالى:
{ أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } المؤمنون:61
وقال الله تعالى:
{ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } فاطر: 32
وقال الله تعالى:
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } الواقعة: 10
فمن هم السابقون؟
وماذا يفعلون؟
وما هو جزاؤهم عند الله؟
يبين لنا ذلك ربنا وتبارك وتعالى في مواضع كثيرة من آي الذكر الحكيم، منها هذه الآية الكريمة، فتعالوا معا يا أهل الخيرات نتدبرها:
{سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
الحديد - الآية 21
تأملوا معي قوله تعالى: (سَـابِقُــوا...)
هذا أمر منه سبحانه للمؤمنين بالمسابقة والإسراع..
فالتسابق والمسابقة والسباق هنا ليس لكسب اللهو واللعب والتفاخر والتكاثر؛ إنما السباق إلى هدف يعلو وأفق يسمو ليوصل العبد إلى ذلك المُلك العريض:
( جَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )
نعم هو سباق؛
بكل ما في طاقة الإنسان، يتدرب عليه ويبذل طاقتة بأقصى ما لديه من جهد، وفي أثناء السباق يضع المتسابق أمام عينيه أمران:
الخير القريب جدا منه، وكذلك الشر القريب منه،
ولهذا كان أمر الله تعالى للمؤمنين: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ...)،
فهذا هو الخير القريب للعبد، دلَّنا عليه الله برحمته، وحثَّنا على المبادرة والإسراع إلى الخيرات، وذلك يكون بالسعي بأسباب المغفرة،
من التوبة النصوح، والاستغفار النافع، والبعد عن الذنوب ومظانّها، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على ما يرضي الله على الدوام
فالحرص على ما يرضي الله تعالى على الدوام يوجب التسابق، والتسابق والسباق إلى المغفرة والجنات أدعى إلى ملازمة الحرص على مرضات الله تعالى.
ومازلنا نتأمل قوله تعالى: (سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فهذه الآية سبقتها الآية رقم: 20،
تبدأ بقوله تعالى:
{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ...}
في هذه الآية يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب،
وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو القلوب، والغفلة عن ذكر الله وعمَّا أمامهم من الوعد والوعيد، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله، ومعرفته ومحبته،
وقد أشغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدي.
وتنتهي الآية بقوله تعالى:
{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }
فالحياة الدنيا وما اشتملت عليه من هذه الشهوات:
زِينَــةٌ: بالتزين في اللباس والطعام والشراب، والمراكب والدور والقصور والجاه، وغير ذلك.............................
وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ: كلّ واحد من أهل الدنيا يريد مفاخرة الآخر، وأن يكون هو الغالب في أمورها، والذي له الشهرة في أحوالها
وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ: كلٌّ يريد أن يكون هو الكاثر لغيره في المال والولد.......................................
فهذه الشهوات ما هي إلا مَتَــاعٌ يغتَّر به صاحبه،
متـاع زائل لا يقدم عليه ولا يتشبع به إلا من خُدِع بزخرفه، واغتَّر بمظهره،
بخلاف من عرف الدنيا وحقيقتها، فجعلها معبرا ولم يجعلها مستقرا، فنافس فيما يقربه إلى الله، واتخذ الوسائل التي توصله إلى الله،
وإذا رأى من يكاثره وينافسه بالأموال والأولاد، نافسه بالأعمال الصالحة، فهذا كله مما يدعو إلى الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة،
ولذلك فقد أمرنا الله سبحانه في الآية التي تليها بقوله تعالى: (سَـابِقُــوا...)
هيا معا يا أهل الخيرات؛ نجدد نوايانا بإخلاص لله تعالى
ونعاهده سبحانه جلَّ وعلا بأن نمتثل لأمره ونبدأ التسابق والسباق والمسابقة إلى مغفرته سبحانه وإلى الجنات التي وعد عباده الصالحين
جعلني الله وإياكم من عباده الصالحين السابقين المسارعين بالخيرات
ورزقنا وإياكم الإخلاص في القول وفي العمل
وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
المراجع:
تفسير الإمام السعدي رحمه الله
تعليق