بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين ، اللهم آمين .
أصبح أفضل عوام المسلمين حالاً من له ورد من حزب يومي من القرآن ، وأكثرهم تدينا من يتفضل بسماع القرآن من قارئه المفضل في فضلة وقته أثناء التنقل أو غيره .
إن انفصالنا الوجداني والعملي عن منهجنا القرآن الكريم إنعكس بشكل خطيرعلى مناحي حياتنا المختلفة ، في زمن أكثر ما نكون حاجة فيه إلى هديه وتقويمه !
كل ذلك في فترات حياتنا الطويلة الممتدة بعقودٍ مضت مفرطين بهذا الكنز غافلين عنه ،لازمين غيره من أقوال المتقدمين أو المتأخرين في ألطف الحالات ، أو لازمين الروايات والمسلسلات في أدنى الحالات وأشنعها !
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ماكان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية :
( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) (16)، إلا أربع سنين !!
(سورة الحديد )
إن خطورة ما آلت إليه أحوال المسلمين عامة وأحوالنا خاصة ، ينبثق من جهلنا بضرورة دينية ودنيوية ، لا صلاح لشؤوننا بعيدا عنها .. ألا وهي تدبر القرآن والعمل به !
ما انفك تدبر القرآن أن يصبح علماً حصرياً يختص به العلماء والدارسون ، في وقت تجاهل فيه عامة المسلمين أنه ضرورة دينية مكلف بها كل مسلم ومسلمة على إختلاف مستوياتهم ووعيهم وفكرهم ومستوياتهم العلمية ،، فالتدبر وظيفة الأمة المسلمة ومهمة المجتمع المسلم وشغل الشخصية المسلمة الشاغل !
ويكمن عجب العجاب في أن يحل هذا الحال ، في زمن تيسرت فيه وسائل التلاوة والحفظ والتفسير والتدارس والتدبر ، فما زاد ذلك الزاهدين به إلا زهدا وما زاد الغافلين عنه إلا غفلة، بدلاً من أن تكون تلك الوسائل حافزا ومعينا ودافعا يرفع الهمم ويحث على بذل الطاقات في أوضاع أكثر يسرا وتشويقا للزوم القرآن والإشتغال به. قال الله تعالى ﷻ قبل ١٤٠٠عام من الزمان : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (17) سورة القمر
لم يكن حين نزول الآية الكريمة مصاحف مجّمعة، ولا تطبيقات ذكية ، ولا قنوات فضائية ، إلا أنها كان هناك قلوب حية، وصدور مشروحة ، تعرف أين الصالح لها فتقبل عليه إقبال الجائع على الطعام وإقبال المريض على الدواء وإقبال العطشان على الماء !
أهملنا القرآن فأهملتنا بركته وحظوظه التي لايعرفها إلا أهله ، الذين هم أهل الله وخاصته والذين جعلوه وما به من البينات والهدى همهم ، فكفاهم الله ما أهمهم من أمر دنياهم وآخرتهم !
قال تعالى : (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (29) سورة ص
نعم هو مُبارك في ذاته ، مبَارك لحياة وأحوال العالمين به والمتعلمين له والعاملين به ! أنه المنهج القويم لعبور الصراط المستقيم والهدي المبين ، الذي لم يغفل عن شأن ديني أو دنيوي إلا وأظهره ، وبينه وأحكم حكمه . أشحنا بظهورنا عنه فغابت التذكرة، وانتفت الموعظة فاستثنينا من قوله تعالى ( أولوا الألباب )
نعم فهو لأولي الألباب حصرا فما أعرض عنه ذو لب سليم وقلب حي معافى !
وقال الله ﷻ : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (24) سورة الحديد
فحريٌ بنا أن يرجع كل منا إلى قلبه فيتفقده أمقفول هو أم منشرح ، ويهرع إلى استصلاحه وإحياءه بمالا تحيا بغيره الأفئدة !
إن القرآن الكريم صديق كنز أو كنز صديق ، إن لزمته أعطاك من أسراره ومعانيه ومفاتحيه وبركته ، وإن هجرته فما هجرت إلا نفسك ، وما قصرت إلا في استجلاب صلاح أمرك وأسباب سعادتك ، فلا يستقيم لك منطق ولا يعتدل لك فكر ولا يتضح لك منهج ولا يسدد لك سلوك !
إن الصديق الكنز العلاقة معه حساسه جدا، فلا يقبل منك بفضلة وقتك ، وسهوة فكرك ، وغفلة قلبك ، بل لا يقبل منك إلا أن تقبل عليه بكليتك ، قال الله تعالى (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (2) سورة الأنبياء
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال ( لا تهذوا القرآن هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم آخر السورة ) والدقل : الرديء من التمر .
لنتعاهد القرآن إذن تلاوة وحفظا ، تفسيرا وتدبرا ، علما و(عملاً ) .
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعل كتابك ووحيك إلى نبيك شفيعاً لنا وحجة لنا لا علينا وارزقنا فهمه وحفظه والعمل به .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أ. ندى السجان
تعليق