هل مرت بذهنك هذه الأسئلة؟
أنا أقرأ القرآن وأقرأ كتب التفسير ولا أدرك هذا المعنى العظيم الذى يتحدث العلماء عنه فى آيات القرآن؟
عندى يقين تام بأن القرآن معجز لكن لا أدرى أين هذا الاعجاز؟
لا أجد لذة عند قراءة القرآن ولا أدرى لما؟
هل يمكن أن يحكمنا القرآن فى كل قضايانا الإجتماعبة والاقتصادية والامنية والسياسية والاعلامية وغير ذلك؟
فهناك الحل
تدبر القرآن
كلنا يعلم أن تدبر القرآن من أعظم مقاصد نزول القرآن الكريم وأنه الطريق الأقصر لصلاح القلب وزكاة النفس والتلذذ بكلام الله
قال تعالى : "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص:29
فما معنى تدبر القرآن ؟
تدبر القرآن هو التفكر والتأمل فى آيات القرآن من أجل فهمه وإدراك معانيه وحكمه والمراد منه
وقد يطلق على العمل لأنه ثمرته وللتلازم القوي بينهم
وهذا الفهم الحق الذى لابد منه نوعان:
* فهم ذهنى معرفى
*فهم قلبى إيمانى
والفهم الثانى هو الغاية والاول إنما هو وسيلة
قال الحسن البصرى -رحمه الله- :
"العلم علمان: علم فى القلب فذاك العلم النافع, وعلم على اللسان فتلك حجة الله على خلقه"
فإن قلت : فكيف نحقيق ذلك؟
فالجواب يكون بمعرفة هذه القواعد وتطبيقها
القاعدة الاولى
لابد من اليقين التام أن الانسان مع القرآن حى وبدونه ميت, مبصر وبدونه أعمى, وهتدى وبدونه ضال
فأقرئي بقلبك هذه الآيات
"كَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا" الشورى:52
"أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ" الرعد:19
"قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۖ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ" يونس:108
أعيدى قراءتها مرة أخرى
القاعدة الثانية
الأصل فى خطاب القرآن أنه موجه للقلب
القلب أمره جلل وهو سر من أسرار الله فى الأرض ويكفى ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
" ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ . ألا وهِيَ القَلبُ" صحيح مسلم
ومما يبين أن القلب هو المخاطب بدءا بالقرآن أمور منها:
أن القرآن نزل أولا على القلب
قال تعالى: "وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ" الشعراء192:195
كثرة تكرار لفظ القلب والصدر والفؤاد فى القرآن
أن أعظم أثر للقرآن إنما هو فى القلب
فأعظم ما يحدثه الإقبال على القرآن هو حياة القلب وصلاحه, وأعظم داء يصاب به المعرض عن القرآن هو موت القلب وقسوته
ولذا إقتصرت الذكرى على من كان له قلب أو إجتهد فى إحضار قلبه مع القرآن
كما قال تعالى
"إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ" ق:37
أن المقصود الأعظم من تلاوة القرآن هو تدبر القلب له
قال تعالى: "كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ" ص:29
القاعدة الثالثة
كيف نقرأ القرآن؟
من عظيم شأن القرآن عند الذى تكلم به سبحانه أن كيفية القراءة لم تترك بنا بل جاء القرآن بالكيفية التى تكون عليها القراءة
ومن ذلك قوله تعالى : "وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا" الإسراء:106
والمكث عدم العجلة عند القراءة
وقال تعالى: " وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا" المزمل:4
قال ابن عباس: يقرأ آيتين ثلاثة ثم يقطع , لا يهذرم ,وقال مجاهد : ترسل فيه ترسلا
وقد امتثل النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر وكذالك الصحابة رضوان الله عليهم فأثر فيهم وظهر على أفعالهم وإتخذوه عملا
القاعدة الرابعة
بأى القرآن نبدأ؟
هذه مسألة كبيرة القدر جدا, ويجب علينا هنا أن نتبع منهج الذين قال الله فيهم
"مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ" الفتح:29
ومنهج النبي -صلى الله عليه وسلم- فى تعليم أصحابه القرآن هو
تعليم الإيمان أولا قبل تعليم الأحكام
وهى داخلة ضمن القاعدة المشهورة عند السلف فى التعليم
العالم الربانى هو الذى يربى الناس بصغار العلم قبل كباره
عن عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما- قال
"لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد -صلى الله عليه وسلم- فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدرى ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغى أن يقف عنده منه"
فإن سألت : ما الإيمان الذي نتعلمه قبل الأحكام؟
فالجواب : هو أول ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه وهو أوئل ما نزل من القرآن وهو جزء المفصل وذلك بالتفكير فى هذه الآيات التى غرست الإيمان كالجبال فى قلوب الصحابة رضوان الله عليهم
فإن قلت قرأنا أوائل ما نزل بل وحفظناه ولم نر أثر ذلك في إيماننا
فأقول لك -يا أخيتى- أننا لم نأخذ القرآن كما أخذه الصحابه كما فى كلام عبد الله بن عمر -رضى الله عنهما- الذي مر بنا
وتأمل معى هذه السور التى هى من أوائل ما نزل من القرآن باتفاق أهل التفسير, تأمليها سورة سورة
1-سورة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" العلق:1
2-سورة " ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ" القلم:1
3-سورة " يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ" المزمل:1
4-سورة " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" المدثر:1
5- سورة" وَالضُّحَىٰ" الضحى:1
وجميع سور المفصل
كم فيها من توحيد لله فى ربوبيته وألوهيته وفى أسمائه وصفاته
فتأملى
وكان السلف يأمرون بأن يؤخذ القرآن كمانزل متدرجا ويحذرون من ضده أشد التحذير لأمور منها:
1- لأن ذلك لا يستطاع أبدا لعظم القرآن وثقله قال تعالى: " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا" المزمل:5
2- لأن أخذه كما نزل يثبت الفؤاد قال تعالى: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلً" الفرقان:32
3- ولأن أخذه متدرجا يوطن النفس على قبول ما يأتي بعد ذلك من الشرائع والحلال والحرام
4- لأن جزء المفصل أيسر في الفهم لأنه محكم ليس فيه متشابه إلا ما ندر
القاعدة الخامسة
مراحل فهم القرآن
المرحلة الاولى
الوقوف على الآثار الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم الصحابة وأئمة التابعين فى الآيات سواء ما يتعلق بفضائل السور أو أسباب النزول أو التفسير
ومن كتب تفسير القرآن بالمأثور تفسير جامع البيان للطبري وتفسير ابن كثير
المرحلة الثانية
إدراك المعنى اللغوى للكلمات الواردة فى الآية ومقارنته بما جاء عن السلف ثم الجمع بينهما لتحديد المعنى الكامل والصحيح للكلمة نفسها
من كتب التفسير اللغوي البلاغي
تفسير البيضاوي وتفسير ابن عاشور ومع الحذر من الزلات العقدية فيها فإن كنت غير ملمة بالمسائل العقدية فابتعدى عنه للسلامة
وتوجد كتب مساعدة مفيدة منها
معجم حروف المعانى للقرآن الكريم لمحمد حسن شريف
ومفردات القرآن للراغب الأصفهانى
أو الصحاح للجوهرى وغيرها
المرحلة الثالثة
معرفة دلالة حروف المعانى التى تربط الكلمات
ومحاضرات الدكتور فاضل السمرائى اللمسات البيانية مفيدة جدا في هذا الباب
المرحلة الرابعة
معرفة دلالة الجملة وما يتعلق بها , كدلالة الجملة الاسمية والفعلية وأثر التقديم والتأخير ونحو ذلك
المرحلة الخامسة
فهم دلالة السياق -السباق واللحاق-
المرحلة السادسة
الاحاطة بالمقصود العام للسورة
من كتب التفسير التى تعنى بالتربية والفوائد والمعنى العام
تفسير تيسبر الكريم الرحمن للعلامة عبد الرحمن السعدى
وكتاب أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري
المرحلة السابعة
جمع الايات الاخرى التي تنزلت فى الموضوع نفسه من القرآن كله ليكتمل المعنى
المرحلة الثامنة
العناية بتدوين أخبار وقصص الأئمة سلفا وخلفا مع القرآن
اليك رابط المصحف الجامع به العديد من التفاسير
" سبحان الله "
ورابط مصحف آيات
" الحمد لله"
القاعدة السادسة
علامات التدبر
البكاء من خشية الله
" وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" المائدة:83
القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة
" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" الأنفال:2
"اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ" الزمر:23
زيادة الإيمان و الفرح والاستبشار
" وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" التوبة:124
السجود تعظيما لله
"قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا* وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩" الإسراء109:107
"إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" مريم:58
فمن وجد واحدة من هذه الصفات -أو أكثر- فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر أما من لم يحصل أيا من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن ولم يصل بعد إلى شئ من كنوزه وذخائره
جمعته من
كتاب فن التدبر في القرآن الكريم للدكتور عصام بن صالح العويد
كتاب المراحل الثمان لطالب فهم القرآن لنفس المؤلف
كتاب مفاتح تدبر القرآن والنجاح فى الحياة للدكتور خالد بن عبد الكريم اللاحم
تعليق