مضمون الصلة بين العبد وربه من خلال القرآن الكريم
لا شك أن الصلة بين العبد وربه موجودة وقائمة حقيقة , ذلك أن الله هو خالق الإنسان والممد له في وجوده وبقائه سواء اعترف وشعر ورضي أم أنكر وسخط وغفل .
وهذه الصلة لها جوانب متعددة :
أولاً ـ فهي اعتراف بالخالق
خالق الإنسان والكون والمبدع للسنن التي يخضع لها الإنسان والكون . وينطوي هذا الاعتراف على الشعور بأنه في قبضة الله وفي ملكه وأن كل ما يجري من سنن وأسباب هو بيد الله وإرادته .
قال تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونٍُ} يس:82
وقال أيضاً: { قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} الأحزاب:(17)
ثانياً ـ الاعتراف بعظيم قدرة الله وعظيم سلطانه
وقوته وينطوي هذا الاعتراف على تعظيم الله وإكباره وتقديسه والشعور بالخضوع له والخوف منه والالتجاء إليه والطاعة لأمره والرضى بحكمه والتسليم له, قال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء:(65)
ثالثاً ـ الاعتراف بنعم الله على الإنسان
ومقابلة ذلك يحمد الله على صفاته الحميدة ويشكره على نعمه التي أسبغها ويسبغها عليه بلا انقطاع ويشكره على ما منحه من خلافة الأرض وما سخر له في السماوات والأرض .
قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الجاثية:(12)
وقال أيضاً : { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} لقمان:(20)
رابعاً ـ الشعور والترقب لرحمة الله تعالى
المبسوطة لمخلوقاته والممنوحة لعباده رجاء نوالها والأمل في شمولها له بما يقدمه في سبيل الوصول إليها من أعمال صالحة تقربه من الله ومن رحمته .
قال تعالى: { قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر:(53)
خامساً ـ الشعور بالمسؤولية أمام الله خالقه ومالك أمره والحاكم عليه وعلى مصيره .
قال تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} الصافات:(24)
وقال أيضاً: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} الإسراء:(36)
سادساً ـ التوجه إلى الله بالسؤال والدعاء والاستغفار
والتوبة إليه فهو السميع المجيب , وحصر السؤال والدعاء به سبحانه لأن الله لا يرضى أن يشرك في ملكه واختصاصه أحد فقال تعالى : { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} الجن:(18)
سابعاً ـ حب الله تعالى وابتغاء مرضاته
لأنه مصدر الوجود ومصدر النعم ومصدر الرحمة العامة في الكون فالمسلم الذي تتقوى صلته بالله تعالى يحبه حباً يفوق حبه لكل ما في الكون .
قال الله تعالى موجهاً الإنسان إلى أن يجعل هذا الحب فوق كل حب .
{ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} التوبة:(24)
ثامناً ـ ومن أعظم معاني الصلة بين الإنسان وبين الله التفكر في آيات الله
وتذكره في النفس واستحضار صفاته لأن ذكر الإنسان لله في قلبه ونفسه وتصوره لعظمته وقدرته ورحمته هو تذكر واستحضار لموقع الإنسان من الكون ومن الله الخالق له وللكون فقال تعالى :
{ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} آل عمران:(191)
* أهم المصادر والمراجع:
ـ الإيمان والحياة: للدكتور يوسف القرضاوي.
ـ التخويف من النار: لابن رجب الحنبلي.
منقول
[ الكلم الطيب]
تعليق