إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾[آل عمران:102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾[النساء:1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71] .. أما بعد ..
فصل في معنى الترتيل الذي هو الفهم والتدبر والتقصير:
قال الله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً ﴾[المزمل:4]، وقوله سبحانه: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾[الفرقان:32]، قال ابن كثير: (أي اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره)[تفسير ابن كثر لآية سورة المزمل]، وقال رحمه الله: (قال قتادة: بيناه تبيينا، وقال ابن زيد: وفسرناه تفسيرا)[ تفسير ابن كثر لآية سورة الفرقان]..
- قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة، فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها)[رواه مسلم:733]، وفي هذا أن الترتيل بمعنى التطويل والتأني في القراءة ..
- قال عبد الله بن عمرو: (يقال للقارئ يوم القيامة: اقرأ، واقرأ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا)[وورد هذا النص عنه مرفوعاً: أخرجه أحمد (2/192)، والترمذي (2914)، وأبو داود (1464)، وابن أبي شيبة (10/498)، والحاكم (1/552)؛ من طريق عاصم عن زر عنه. وقال علي الحلبي: سنده حسن] ..
- وقال حذيفة: (إذا قرأتم القرآن؛ فاقرؤوه بحزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه، ورتلوه ترتيلاً)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ84ـحة] ..
وقد نزل القرآن لتتدبر آياته وتفهم معانيه:
- قال الله تعالى: ﴿ كَتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكِ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ﴾[ص:29] ..
- وقال تعالى: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُنَ الْقُرْآنَ ﴾[النساء:82] ..
- وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الذِّينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً ﴾[الأنفال:2] ..
- وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ﴾[المائدة:83] ..
- وقال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾[الحشر:21] ..
وكان سلفنا الصالح رضي الله عنهم يتدبرون معاني آي القرآن ويهتمون بها أيما اهتمام، فقد قرأ رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ... ﴾، حتى إذا بلغ: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾[التكوير:5]؛ قال عمر: "بهذا جرى الحديث")[ الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ88ـحة] ..
- وقال بهز بن حكيم: (صليت خلف زرارة بن أوفى، فقرأ: ﴿ فَإِذَا نُقِرَ بِالنَّاقُورْ ﴾[المدثر:8]، فخر ميتا، فكنت ممن حمله)[ الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ88ـحة] ..
- وقال أبو الربيع إدريس الخولاني: (كان أبو بكر البصري قد أوتي الحزن وحسن الصوت، وقراءته تقع على القلب من فضله، وكان يأتي إلى الليث بن سعد فيقرأ عنده، ويبكي الليث وأصحابه، ويقول الليث: لقد جعل الله لقراءته سلطانا على الأعين)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ88ـحة] ..
- وروى مالك قال: (قيل لزيد بن ثابت: كيف ترى في قراءة القرآن في سبع؟ فقال: حسن، ولأن أقرأه في نصف شهر أو عشرين أحب إلي، وسلني لم ذلك؟ قال: فإني أسألك؟ قال: كي أتدبره وأقف عليه)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ89ـحة] ..
فصل في بيان معنى التغني بالقرآن:
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه ذا الصوت الحسن الندي، فقال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة ! لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود)[صحيح مسلم:793]، وحث صلوات الله وسلامه عليه على التغني بالقرآن فقال: (تعلموا كتاب الله و تعاهدوه، و تغنوا به، فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل)[صحيح الجامع:2964]، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما أذن الله لشيء، ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن. وفي رواية: كما يأذن لنبي يتغنى بالقرآن)[صحيح مسلم:792]، وقد اختلف المفسرون في معنى التغني إلى ثلاثة أقوال:
1-الجهر بالقراءة: قال أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي: (يتغنى؛ إذا أعلى صوته) وزعم أن رجلاً قال لآخر: (غن يا ابن أخي)! يقول: (سل حاجتك وارفع صوتك)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ93ـحة]، ودليل ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أذن الله لشيء، ما أذن لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن، يجهر به)[صحيح مسلم:792]، والأذن بمعنى الاستماع، كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾[الانشقاق:2]، قال ابن كثبر في التفسير: (أي استمعت لربها وأطاعت) ..
2-الاستغناء بالقرآن عن غيره: قال سفيان مفسراً: (يستغني به)[صحيح البخاري:5024]، وهكذا فسره أبو عبيده، فقال: (هو من الاستغناء)، وقد جاء في اللغة: يتغنى؛ بمعنى: يستغني؛ قال الناظم:
وكنت امرءاً زمناً بالعراق *** عفيف المناخ طويل التغني
- وروى الكسائي عن امرأة من العرب وقد سئلت عن أعنز عجاف في بيتها فقالت: (نتغنى بها).
- وروى ابن وهب في موطئه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! تعلموا! إن الأيدي ثلاثة: يد الله العليا، ويد المعطي الوسطى، ويد المعطى السفلى، فتغنوا ولو بجرم الحشف، اللهم هل بلغت؟)؛ ثلاثاً [قال علي الحلبي: في سنده انقطاع][الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ93-93ـحة] ..
3-تحسين الصوت: ودليل ذلك أن أنساً رضي الله عنه سئل: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (كان يمد مداً، ثم قرأ: ﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ ؛ يمد ﴿ بِسْمِ اللهِ ﴾، ويمد ﴿ الرَّحْمنِ ﴾، ويمد ﴿ الرَّحِيمِ ﴾)[صحيح البخاري:5046] ..
- وقال عبد الله بن مغفل: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على ناقته وهي تسير وهو يقرأ من سورة الفتح قراءةً لينةً، يقرأ وهو يرجع)[صحيح البخاري:7540]، والترجيع: ترديد الصوت، أي ترديد بعض الآيات مثل آيات التخويف خوفاً وتخشعاً ..
وعليه نقول: إذا كان التغني يحتمل كل هذه المعاني؛ وجب حمل التغني على جميع هذه المعاني، فنجهر بالقرآن بحسن صوت؛ ونستغني عن غيره في ذلك ..
فصل في الخلاف المذكور في تحسين الصوت:
والخلاف الذي أُحْدِثَ إنما هو في تحسين الصوت بقراءة القرآن بتعلم ألحان الغناء !! .. قال الإمام الطرطوشي رحمه الله: (فأما أصحاب الألحان؛ فإنما حدثوا في القرن الرابع؛ منهم: محمد بن سعيد صاحب الألحان، والكرماني، والهيثم، وأبان .. وكانوا مهجورين)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ85ـحة] ..
والواجب في جميع المسائل ردها إلى أصولها، فقراءة القرآن عبادة، والأصل في العبادات التحريم والمنع .. أي: أن جميع الأعمال التعبدية محرمة إلا ما دل الدليل عليه، قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله في منظومته الفقهية:
وليس مشروعاً من الأمور *** غير الذي في شرعنا مذكور
وكذلك كيفية أداء هذه العبادة توقيفية، ولا يجوز أداء أي عبادة إلا بدليل شرعي، وقد رأى سلفنا الصالح من الصحابة الكرام رضي الله عنهم وتابعيهم بإحسان تحريم قراءة القرآن بالألحان،
قال سلمان: (خطبنا علي يوماً ... ) فذكر خطبة طويلة، وذكر فيها فتنةً قربها، وقال فيها: ( ... تضيع حقوق الرحمن، ويتغنى بالقرآن ذو الطرب والألحان)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ85ـحة] ..
- وقال كعب: (ليقرأن القرآن أقوام هم أحسن صوتاً فيه من العازفات بعزفهن، ومن حُداة الإبل لإبلهم؛ لا ينظر الله إليهم يوم القيامة)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ84ـحة] ..
- قال الإمام مالك: (ولا تعجبني القراءة بالألحان، ولا أحبها في رمضان ولا في غيره؛ لأنه يشبه الغناء، ويُضْحَكُ بالقرآن، فيقال: فلان أقرأ من فلان)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ83ـحة] ..
- وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (سمعت أبي وقد سئل عن القراءة بالألحان؟ فقال: محدث)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ84ـحة][المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - ج:1، ص:164] ..
- وعن يعقوب الهاشمي، قال: سمعت أبي أنه سأل أبا عبد الله عن القراءة بالألحان، فقال: (هو بدعة ومحدث، قلت: تكرهه يا أبا عبد الله -أي: الإمام أحمد-؟ قال: نعم، أكرهه، إلا ما كان من طبع، كما كان أبو موسى، فأما من يتعلمه بالألحان فمكروه. قلت: إن محمد بن سعيد الترمذي [صاحب الألحان وليس صاحب الحدبث] ذكر أنه قرأ ليحيى بن سعيد، فقال: صدقت، كان قرأ له، وقال: قراءة القرآن بالألحان مكروه )[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر][المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - ج:1، ص:164] ..
- وعن عبد الرحمن المتطبب، يقول: قلت لأبي عبد الله في قراءة الألحان؟ فقال: (يا أبا الفضل، اتخذوه أغاني، اتخذوه أغاني، لا تسمع من هؤلاء)[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر][المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - ج:2، ص:80] ..
- وروى الربيع بن سليمان الجيزي عن الشافعي أنه كره القراءة بالألحان [الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ90ـحة] ..فكرهها جمهور المذاهب الفقهية ..
- وقال إبراهيم النخعي: (كانوا يكرهون القراءة بالتطريب، وكانوا إذا قرؤوا القرآن؛ قرؤوه حدراً مرسلاً بحزن)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ84ـحة] ..
- وقال محمد بن سيرين: (أصوات القرآن محدثة)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ84ـحة] ..
- وكان محمد بن الهيثم، يقول: (لأن أسمع الغناء أحب إلي من أن أسمع قراءة الألحان)[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] ..
- قال الإمام ابن رجب رحمه الله: (قراءة القرآن بالألحان، بأصوات الغناء وأوزانه وإيقاعاته، على طريقة أصحاب الموسيقى، فرخص فيه بعض المتقدمين إذا قصد الاستعانة على إيصال معاني القرآن إلى القلوب للتحزين والتشويق والتخويف والترقيق.
وأنكر ذلك أكثر العلماء، ومنهم من حكاه إجماعاً ولم يثبت فيه نزاعاً، منهم أبو عبيد وغيره من الأئمة.
وفي الحقيقة هذه الألحان المبتدعة المطربة تهيج الطباع، وتلهي عن تدبّر ما يحصل له من الاستماع حتى يصير التلذذ بنجرد سماع النغمات الموزونة والأصوات المطربة، وذلك يمنع المقصود من تدبر معاني القرآن.
وإنما وردت السنة بتحسين الصوت بالقرآن، لا بقراءة الألحان، وبينهما بون بعيد)[نزهة الأسماع في مسألة السماع] ..
- وقال القرطبي رحمه الله في حين تكلم عن حرمة القرآن قال: (ومن حرمته ألا يقعر في قراءته كفعل هؤلاء الهمزيين المبتدعين والمتنطعين في إبراز الكلام من تلك الأفواه المنتنة تكلفا فإن ذلك محدث ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق)[تفسير القرطبي:1/29] ..
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما ما أحدث بعدهم من تكلف القراءة على ألحان الغناء فهذا ينهى عنه عند جمهور العلماء، لأنه بدعة، ولأن ذلك فيه تشبيه القرآن بالغناء، ولأن ذلك يورث أن يبقى قلب القارئ مصروفاً إلى وزن اللفظ بميزان الغناء، لا يتدبره ولا يعقله، وأن يبقى المستمعون يصغون إليه لأجل الصوت الملحن كما يصغى للغناء، لا لأجل استماع القرآن، وفهمه، وتدبره، والانتفاع به، والله سبحانه أعلم)[جامع المسائل - تحقيق محمد عزير شمس:3/301] ..
- وقال في موضع آخر: (قراءة القرآن بصفة التلحين الذي يشبه تلحين الغناء مكروه مبتدع، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من الأئمة) [المستدرك على مجموع الفتاوى 3/105] ..
- وقال كذلك في موضع آخر: (ومع هذا فلا يسوغ أن يقرأ القرآن بألحان الغناء ولا أن يقرن به من الألحان ما يقرن بالغناء من الآلات وغيره)[الاستقامة:1/246] ..
- قال ابن القيم رحمه الله: (وكل من له علم بأحوال السلف، يعلم قطعاً أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى المتكلفة، التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى للّه من أن يقرؤوا بها، ويسوّغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن، ويقرؤونه بشجىً تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه، ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له)[زاد المعاد 1/493] ..
- وقال رحمه الله: (قالوا [أي المانعون للألحان]: وقد جاء زياد النهدي إلى أنس رضي اللّه عنه مع القراء، فقيل له: إقرأ، فرفع صوته وطرَّب، وكان رفيعَ الصوت، فكشف أنس عن وجهه، وكان على وجهه خِرقة سوداء، وقال: يا هذا! ما هكذا كانوا يفعلون، وكان إذا رأى شيئاً يُنكره، رفع الخِرقة عن وجهه، قالوا: وقد منع النبيُّ صلى الله عليه وسلم المؤذِّن المُطَرِّبَ في أذانه من التطريب، كما روى ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم مؤذِّن يطرِّب، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إن الأذان سهل سمح، فإن كان أذانك سهلا سمحاً، وإلا فلا تؤذن" رواه الدارقطني)[زاد المعاد 1/137] ..
- وقال رحمه الله: ("ليس منا من لم يتغنى بالقرآن"، وفيه وجهان: أحدهما: أنه إخبار بالواقع الذي كلُّنا نفعله، والثاني: أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم)[زاد المعاد 1/493] ..
- وقد بوب الإمام الدارمي في سننه باباً بعنوان: "باب كراهية الألحان في القرآن" وأورد فيه:
({3520} أخبرنا عبد الله بن سعيد عن عبد الله بن إدريس عن الأعمش قال قرأ رجل عند أنس يلحن هذه الألحان فكره ذلك أنس.{3503} حدثنا العباس بن سفيان عن بن علية عن عون عن محمد قال : هذه الألحان في القرآن محدثة.)[سنن الدارمي - باب كراهية الألحان في القرآن] ..
- وقال ابن أبي شيبة رحمه الله في مصنفه: "في التطريب من كرهه" وذكر من كره التطريب والتلحين في القراءة:
({29948} حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا عمران بن عبد الله بن طلحة أن رجلا قرأ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فطرب فأنكر ذلك القاسم وقال: يقول الله تعالى: "وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد".
{29949} حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش أن رجلا قرأ عند أنس فطرب فكره ذلك أنس.
{29950} حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرنا عبد الله بن أبي بكر أن زياد النميري جاء مع القراء إلى أنس بن مالك فقال له اقرأ فرفع صوته وكان رفيع الصوت فكشف أنس عن وجهه الخرقة وكان على وجهه خرقة سوداء فقال: ما هذا ما هكذا كانوا يفعلون وكان إذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه [مصنف ابن أبي شيبة، ج: 6، ص: 119] ..
- وقال أبو عوانة رحمه الله:
({6940} حدثنا الدارمي ثنا حجاج بن نصير ثنا عمارة يعني ابن مهران قال كان الحسن يكره الأصوات بالقرآن هذا التطريب.
{6941} حدثنا الدارمي ثنا الحجاج ثنا عمارة عن ثابت عن أنس أنه كان يكره هذا أيضا)[مسند أبي عوانة، ج:4، ص350-351] ..
- وقال أبو نعيم رحمه الله: (حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي ثنا إبراهيم بن يوسف بن خالد ثنا أحمد ابن أبي الحواري قال سمعت أبا داود الطرسوسي يقول قلت لعبد الله بن المبارك: إنا نقرأ بهذه الألحان فقال: إنما كره لكم منها إنا أدركنا القراء وهم يؤتون تسمع قراءتهم وأنتم تدعون اليوم كما يدعى المغنون)[حلية الأولياء، ج:8، ص: 169] ..
ومن قال أن هذه النقول في لفظ الكلام عن حاله كزيادة حرف أو نقصانه؛ فقد قال الحافظ ابن كثير في مقدمة تفسيره بعد أنّ ذكر كلام السلف في النهي عن قراءة الألحان: "وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه" [تفسير ابن كثير 1/65] ..
- وقال الحافظ ابن حجر حجر العسقلاني: (ومع هذا الاختلاف إذا لم يتخل شيء من الحروف عن مخرجه، فلو تغير قال النووي في "التبيان" أجمعوا على تحريمه؛ ولفظه: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفاً أو أخفاه حرم)[14/240] ..
وقد أجاد ابن القيم رحمه الله في فصل هذا النزاع فقال:
(وفصل النزاع، أن يقال: التطريب والتغنِّي على وجهين:
1- أحدهما: ما اقتضته الطبيعة، وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين ولا تعليم، بل إذا خُلّي وطبعه، واسترسلت طبيعته، جاءت بذلك التطريب والتلحين، فذلك جائز، وإن أعان طبيعتَه بفضلِ تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: "لَو علمتُ أنّكَ تَسمَع لَحَبَّرْتُه لَكَ تحبِيراً"، والحزين ومَن هاجه الطرب، والحبُ والشوق لا يملك من نفسه دفعَ التحزين والتطريب في القراءة، ولكن النفوسَ تقبلُه وتستحليه لموافقته الطبع، وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع لا متطبِّع، وكَلفٌ لا متكلَف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه، وهو التغني الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامعُ، وعلى هذا الوجه تُحمل أدلة أرباب هذا القول كلها.
2- الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعةً من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به، بل لا يحصُل إلا بتكلُّف وتصنُّع وتمرُّن، كما يتعلم أصوات الغِناء بأنواع الألحان البسيطة، والمركبة على إيقاعات مخصوصة، وأوزانٍ مخترعة، لا تحصل إلا بالتعلُم والتكلف، فهذه هي التي كرهها السلفُ، وعابوها، وذمّوها، ومنعوا القراءةَ بها، وأنكروا على من قرأ بها، وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباهُ، ويتبين الصوابُ من غيره)[زاد المعاد:1/482] ..
فصل في بيان أن من قرأ القرآن بالألحان كان مستهزءاً بالقرآن !! ..
وبعد هذا التفصيل يكون التحصيل .. ولتعلم أيها القارئ الكريم أن كل من قرأ القرآن بالألحان كان مستهزءاً بكتاب الله تعالى علم بذلك أو لم يعلم !! ..
- قال الإمام مالك: (ولا تعجبني القراءة بالألحان، ولا أحبها في رمضان ولا في غيره؛ لأنه يشبه الغناء، ويُضْحَكُ بالقرآن، فيقال: فلان أقرأ من فلان)[الحوادث والبدع للإمام الطرطوشي - تحقيق على الحلبي – صفـ83ـحة] ..
- وعن عبد الرحمن المتطبب، يقول: قلت لأبي عبد الله في قراءة الألحان؟ فقال: (يا أبا الفضل، اتخذوه أغاني، اتخذوه أغاني، لا تسمع من هؤلاء)[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر][المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - ج:2، ص:80] ..
فكانوا يرون أن هذا من فحش الأفعال وأنه بدعة محرمة حتى قال محمد بن الهيثم: (لأن أسمع الغناء أحب إلي من أن أسمع قراءة الألحان)[رواه الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] .. لشدة إنكاره على ما يفعلون في كتاب الله، وكان يعد ذلك استهزاءاً به ..
وقد شنع الإمام القرطبي على الذين يقرؤون بالألحان، ووصف أفواهمم بالمنتنة، وسماه محدثاً وقال: (ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه، ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق)[تفسير القرطبي:1/29] ..
ومعلموم أن فعل المحرم أثناء العبادة استخفاف واستهانة بها، وقد أوصله بعض العلماء إلى حد الكفر، كما في مباحثهم فيمن يصلي عامداً بغير وضوء ..
الحديث الفصل في المسألة:
وبعد هذا البيان والتفصيل لا أملك إلا أن أضع بين أيديكم الدليل الفاصل في هذه المسألة وهو ما رواه الصحابي الجليل عابس الغفاري رضي الله عنه قال: ( سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بادروا بالأعمال خصالا ستا: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وقطيعة الرحم، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، ونشوا يتخذون القرآن مزاميرا، يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم، مايقدمونه إلا ليغنيهم)[السلسلة الصحيحة:979]، وفي رواية: (بادروا بالأعمال ستا: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم، واستخفافا بالدم، وقطيعة الرحم، ونشوا يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم ليغنيهم، وإن كان أقلهم فقها)[صحيح الجامع:2812]، وفي رواية: (أخاف عليكم ستا: إمارة السفهاء، وسفك الدم، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، ونشوا يتخذون القرآن مزامير، وكثرة الشرط)[صحيح الجامع:216] ..
أقوال أهل العلم المعاصرين في مسألة قراءة القرآن بمقامات الغناء وحكم تعلمها:
- سئل الشيخ العلامَّة عبد العزيز بن باز رحمه الله: ماذا يقول سماحتكم في قارئ القرآن بواسطة مقامات هي أشبه بالمقامات الغنائية بل هي مأخـوذة منها أفيدونا بذلك جزاكم الله خيرا؟
فأجاب رحمه الله: (لا يجوز للمؤمن أن يقرأ القرآن بألحان الغناء وطريقة المُغنيين بل يجب أن يقرأه كما قرأه سلفنا الصالح من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان، فيقرأه مُرتلاً, مُتحزناً, مُتخشعاً حتى يؤثر في القلوب التي تسمعه وحتى يتأثر هو بذلك. أما أن يقرأه على صفة المغنيين وعلى طريقتهم فهذا لا يجوز)[مجموع فتاوى ومقالات – فتوى رقم:9330] ..
- وعرض سؤال على الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين رحمه الله في تاريخ 05/04/1425هـ: سؤالي هو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالتغني عند تلاوة القرآن الكريم، وأن نحسن أصواتنا به، فأنا أريد أن أتعلم أحد المقامات الصوتية؛ كي أحسن صوتي في تلاوة القرآن الكريم، ولكن هل يمكن أن يستخدم معلمي للمقام آلة العود أو الأورغن كي يعلمني الطبقات الصوتية عن طريق السمع والترديد مع النغمة الصوتية؟ هل يجوز لي ذلك أم لا؟ وهل هنالك وسائل أخرى لتعلم المقامات في حال كان حراما؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب رحمه الله بقوله: جاء في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" رواه البخاري (7527) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وأمر بتحسين الصوت بالقرآن، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صوته حسن استمع إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود"، فقال أبو موسى رضي الله عنه: "لو علمت أنك تستمع إلي لحبرته لك تحبيراً" رواه البخاري (5048)، ومسلم (793)، ولعل ذلك أن الصوت الحسن يكون سبباً في التأثر بسماع القرآن، وقد علم أن الأصوات ليست اكتسابية ولكنها فطرية، فالله تعالى هو الذي يعطي من يشاء ويحرم من يشاء وله في ذلك الحكمة البالغة، وليس للإنسان أن يتكلف ما لا يقدر عليه، وإنما عليه أن يحرص على تحسين صوته بقدر الاستطاعة، وإذا لم يتمكن من تغيير صوته فإنه معذور، فيقرأ قدر ما أعطاه الله. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
- قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله في كتابة بدع القراء:
(التلحين في القراءة، تلحين الغناء والشَّعر. وهو مسقط للعدالة, ومن أسباب رد الشهادة, قَضَاءً. وكان أول حدوث هذه البدعة في القرن الرابع على أيدي الموالي، ومن أغلظ البدع في هذا, تلكم الدعوة الإِلحادية إلى قراءة القرآن, على إيقاعات الأغاني, مصحوبة بالآلات والمزامير. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 40, 42])، ويقول أيضا في نفس الكتاب: (وهذا يدل على أنه محذور كبير وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة رحمهم الله على النهي عنه) ..
- ووجه سؤال إلى مركز الفتوى بموقع إسلام ويب بإشراف الشيخ عبد الله الفقيه: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، هل يجوز تعلم أحد المقامات الصوتية لتحسين الصوت لقراءة القرآن الكريم على وجه حسن جميل ؟ وجزاكم الله خيرا.
فأجاب المركز: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيستحب ترتيل القرآن وتحسين الصوت به لقوله عليه الصلاة والسلام في ما يرويه عنه البراء بن عازب رضي الله عنه: زينوا القرآن بأصواتكم. رواه أبو داود والنسائي، قال القرطبي في تفسيره: وإلى هذا المعنى يرجع قوله عليه السلام: ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن. رواه مسلم أي: ليس منا من لم يحسن صوته.
ولمّا استمع النبي عليه السلام إلى قراءة أبي موسى الأشعري وأعجبته قال له: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود، متفق عليه. وأخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه وزاد فيه: لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا؛ والتحبير: التزيين والتحسين، وعلم المقامات علم مستحدث لا يمت إلى علم القراءات بصلة، بل نشأ في حاضنات المغنين والمغنيات، مضبوطاً بطابع موسيقي يمتاز به صوت معين ومرتبط بآلات اللهو والطرب، كالمقامات الأندلسية والبغدادية وغيرها، فلا يجوز تعلمها أو تعليمها، وتزيين القرآن يكون بالتزام أحكام التلاوة والتجويد، وتحسين الصوت به يكون بضبط مخارج الحروف أداء. ولا يجوز أن يطلق على ذلك مسمى مقام لبدعيته وسوء نشأته.
أما تقليد صوت مقرئ مشهور بحسنه، نطقاً وأداء، فلا مانع منه كما في الفتوى رقم: (35782) والله أعلم.
- وقد استفتي فضيلة شيخنا عثمان بن محمد الخميس على موقعه المنهج: ماهي انواع قراءة القرآن المنهي عن القراءة بها؟
فأجاب حفظه الله بقوله: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن التغني بالقرآن مشروع، وفي ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن". ومنها ما رواه البخاري و مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أذن الله ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن" ومنها: ما رواه أحمد و أبو داود و النسائي و ابن ماجه و الدارمي عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "زينوا القرآن بأصواتكم" ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويتغنى به ويحبره، قال: "لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" رواه البخاري و مسلم.
ولكن لا يتجاوز بالتغني بالقرآن حتى يصير كألحان الأغاني، وقد كره ذلك السلف.
قال النووي رحمه الله: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقرآن ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط ونحوه، فإن خرج حتى زاد حرفاً أو أخفاه حَرُم. قال: وأما القراءة بالألحان فقد كرهها بعضهم؛ لما رأى فيها من خروج عن الخشوع والتدبر المطلوب في القرآن، والذي يتحصل من الأدلة الواردة في مسألة التغني بالقرآن، أنه على وجهين:
أحدهما: ما جاء على مقتضى الفطرة دون تكلف أو تصنع، فهذا جائز شرعًا ومرغَّب فيه، لأن الصوت الحسن أوقع في النفس من غيره، وأدعى للقبول والاستماع إليه.
الثاني: ما كان متكلَّفاً فيه، ولا يحصل إلا بالتعلم، كما يُتعلم الغناء، فهذا هو المنهي عنه شرعًا.
والناظر في أحوال السلف رضي الله عنهم يعلم قطعاً أنهم براء من القراءة بالألحان المتكلفة، ويعلم قطعاً كذلك أما بعض أنواع القراءة الغريبة اليوم مثل ما يسمى بالترقيص ، وهو أن يروم السكت على الساكن ثم ينفر مع الحركة في عدو وهرولة.
وآخر سموه الترعيد، وهو أن يرعد صوته كالذي يرعد من برد وألم، وقد يخلط بشيء من ألحان الغناء.
وآخر يسمى التطريب، وهو أن يترنم بالقرآن ويتنغم به، فيمد في غير مواضع المد، ويزيد في المد على ما ينبغي لأجل التطريب، فيأتي بما لا تجيزه العربية، وآخر يسمى التحزين، وهو أن يترك عادته في التلاوة، ويأتي بالتلاوة على وجه آخر، كأنه حزين يكاد يبكي مع خشوع وخضوع، فهذه يجب تركها وعدم التكلف في تعلمها ويقرأ كما كان يقرأ الصحابة والسلف من غير مزيد تكلف لأنها أقرب للقلب وفيه مزيد أدب مع كتاب الله سبحانه وكلامه. والله اعلم. [الفتاوى الشرعية - الآداب والأخلاق - قراءة القران بالألحان - تاريخ الفتوى:08-09-6] ..
وفي الختام .. لا يسعني إلا أن أحمد الله سبحانه وتعالى وأثني عليه بما هو أهله على أن من علي وأكرمني بجمع هذه الأقوال .. والحمد لله أولاً وآخراً والحمد لله رب العالمين ..
اللهم أرني الحق حقاً وارزقني اتباعه .. وأرني الباطل باطلاً وارزقني اجتنابه .. اللهم إن كان من حق وصواب فمنك وحدك لا شريك لك .. وإن كان من خطأ وزلل فمني ومن الشيطان ..
.
تعليق