الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين
و على آله و صحبه أجمعين
و على آله و صحبه أجمعين
~ الإرادة ... وبداية التغيير ~
بيَّن سبحانه وتعالى للناس طريقَ الهداية وطريق الضلال والغَواية، وقد ظهر ذلك في آيات كثيرة؛ منها قوله - تعالى -: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، وقوله: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ﴾ [الإنسان: 3]، وقوله: ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [الليل: 8]، وهذه هي الهداية العامة التي بمعنى الدلالة والبيان.
ومن رحمة الله بعباده أنه لم يقفِ الأمر على هذا البيان، بل حفز الخلق ببيان ما في طريق الهداية من فضل وراحة بال في الدُّنيا ونعيم مقيم في الآخرة؛ ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، وقال سبحانه: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، إلى غير ذلك من الآيات.
وبيَّن سبحانه ما في طريق الغواية من خزي في الدنيا والآخرة؛ ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124 - 126].
هذان هما الطريقان اللذان لا ثالث لهما: طريق الهداية أو طريق الضلال والغَواية، وعلى الإنسان بعد ذلك أن يختار دون إجبار، وهذا الاختيار يحتاج إلى إرادة، ولا سيما إذا وقع اختيارُه على طريق الهداية، هذا الطريق الذي قد يعرفه كثير من الناس، ولكن لا يسْعَون في الوصول إليه؛ لأن أنفسَهم ركنت إلى رغباتها وشهواتها، فانعدمت إرادتُهم، ومن ثم شَلَّت حركتهم فما استطاعوا مضيًّا في هذا الطريق، ومن هنا يُمكن أن نقول: إنَّ البداية الحقيقية للتغيير الفعَّال هي إرادة التغيير من طالب الهداية نفسه، وهذا ليس بمستغرب؛ لأن كثيرًا من الناس لا يريد التغيير، بل لا يفكر في هذا الأمر أبدًا، فإذا قلت له: اسلُك طريقَ الهدى، أدِّ الصلاة، أدِّ حقوقَ الله، أَدِّ حقوقَ العباد، ارجع إلى ربك... قال لك: ربنا يهديني؛ أي: إنه ليس عنده فكرة التغيير نفسها، وذلك ما أكَّده القرآن في قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 46]؛ لذا كانت الإرادة فريضة واجبة في العبادات لا تقبل العبادة بغيرها، وهذه الإرادة هي النية؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))؛ (متفق عليه)، من أجل ذلك قال العلماء: "نية المرء أبلغ من عمله، وأن العبدَ يبلغ بنيَّته ما لا يبلغه بعمله"، فالنية الصالحة توصل العبد للمراتب العالية والمنازل السامية ما لا يستطيعه بعمله؛ فالنية أبلغ من العمل، فإذا اقْتَرَنا فهُما نور على نور؛ يهدي الله لنوره من يشاء؛ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فأما النية فهي رأسُ الأمر وعمودُه وأساسه وأصله الذي يُبنى عليه، فإنَّها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها، يبنى عليها، ويصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعَدَمِها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة"؛ (إعلام الموقعين: 4/199).
~ ومما يستدل على قاعدة الإرادة أو (نية المرء أبلغ من عمله):
1- ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يروي عن ربه - عزَّ وجلَّ - أنه قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هَمَّ بها وعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها، كَتَبَها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة)).
2- حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "كنا مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزاة فقال: ((إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض))، وفي رواية: ((إلا شركوكم في الأجر))؛ [رواه مسلم].
3- حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من سأل الله - تعالى - الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))؛ [رواه مسلم].
4- حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالمٍ، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلقْ إلى أرض كذا وكذا، فإنَّ بها أُناسًا يعبدون الله فاعبُدِ الله معهم، ولا ترجعْ إلى أرضك؛ فإنها سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبلاً بقَلبه إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قطُّ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضَيْن فإلى أيهما كان أقرب فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة))؛ (رواه مسلم)، وهذا حديث عظيم جليل المكانة، وهو دليلٌ قاطع على صحة هذه القاعدة: "نية المرء أبلغ من عمله"، وأنَّ إرادة التغيير بداية التغيير، وهذا ما أكَّد عليه القرآن الكريم في قوله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53]، وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
::::::::::::::::::::
"وإنَّما يَجيء التغيير من الناس، والتيسير من الله".
فالأُمَّة التي تريد صلاحًا لنفسها ولغيرها هي الأُمَّة التي وقفت على بداية الطريق، وهي الأمة التي تنال التيسيرَ من الله؛ ليصلح لَها أمورَها كُلَّها في الدنيا والآخرة، أما الأمة المستغرقة في الآمال والأحلام دون إرادةٍ وعزيمةٍ يُتَرْجَمان إلى عمل، فهي أمة مُتواكلة لن تصل أبدًا؛ لأنَّها عرفت أن السماء لم تُمطر ذهبًا، ورغم ذلك ظلت تنتظر وتنظر نُزولَ الخير دون جهد وجهاد، ونسيت هذه الأمةُ السنةَ الكونية في كون الله أنَّ الثمرة لا تُجنَى إلا بعد رمي البذرة، فكيف ينتظر الزُّرَاع المحصول من أرض جرداء لا زَرْعَ فيها ولا ماء، مِنْ أرضٍ خالية من الحب والبذر.
إنَّ الكائنات في كون الله عَرَفَت هذه السُّنَّة، سُنَّةَ الجني بعد البذر، فسَعَتْ في أرض الله، وحَقَّقت "فامشوا في مناكبها" (البذر)، حتى يأتي "وكلوا من رزقه" (الجني)؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو أنكم تتوكلون على الله حَقَّ توكُّله، لرزقكم كما يرزقُ الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا))؛ (رواه الترمذي)، وقال: "حديث حسن وصححه الألباني".
ومن رحمة الله بعباده أنه لم يقفِ الأمر على هذا البيان، بل حفز الخلق ببيان ما في طريق الهداية من فضل وراحة بال في الدُّنيا ونعيم مقيم في الآخرة؛ ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38]، وقال سبحانه: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، إلى غير ذلك من الآيات.
وبيَّن سبحانه ما في طريق الغواية من خزي في الدنيا والآخرة؛ ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ [طه: 124 - 126].
هذان هما الطريقان اللذان لا ثالث لهما: طريق الهداية أو طريق الضلال والغَواية، وعلى الإنسان بعد ذلك أن يختار دون إجبار، وهذا الاختيار يحتاج إلى إرادة، ولا سيما إذا وقع اختيارُه على طريق الهداية، هذا الطريق الذي قد يعرفه كثير من الناس، ولكن لا يسْعَون في الوصول إليه؛ لأن أنفسَهم ركنت إلى رغباتها وشهواتها، فانعدمت إرادتُهم، ومن ثم شَلَّت حركتهم فما استطاعوا مضيًّا في هذا الطريق، ومن هنا يُمكن أن نقول: إنَّ البداية الحقيقية للتغيير الفعَّال هي إرادة التغيير من طالب الهداية نفسه، وهذا ليس بمستغرب؛ لأن كثيرًا من الناس لا يريد التغيير، بل لا يفكر في هذا الأمر أبدًا، فإذا قلت له: اسلُك طريقَ الهدى، أدِّ الصلاة، أدِّ حقوقَ الله، أَدِّ حقوقَ العباد، ارجع إلى ربك... قال لك: ربنا يهديني؛ أي: إنه ليس عنده فكرة التغيير نفسها، وذلك ما أكَّده القرآن في قوله - سبحانه -: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 46]؛ لذا كانت الإرادة فريضة واجبة في العبادات لا تقبل العبادة بغيرها، وهذه الإرادة هي النية؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ))؛ (متفق عليه)، من أجل ذلك قال العلماء: "نية المرء أبلغ من عمله، وأن العبدَ يبلغ بنيَّته ما لا يبلغه بعمله"، فالنية الصالحة توصل العبد للمراتب العالية والمنازل السامية ما لا يستطيعه بعمله؛ فالنية أبلغ من العمل، فإذا اقْتَرَنا فهُما نور على نور؛ يهدي الله لنوره من يشاء؛ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فأما النية فهي رأسُ الأمر وعمودُه وأساسه وأصله الذي يُبنى عليه، فإنَّها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها، يبنى عليها، ويصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعَدَمِها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة"؛ (إعلام الموقعين: 4/199).
~ ومما يستدل على قاعدة الإرادة أو (نية المرء أبلغ من عمله):
1- ما رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يروي عن ربه - عزَّ وجلَّ - أنه قال: ((إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هَمَّ بها وعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها، كَتَبَها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة)).
2- حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: "كنا مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزاة فقال: ((إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض))، وفي رواية: ((إلا شركوكم في الأجر))؛ [رواه مسلم].
3- حديث سهل بن حنيف - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من سأل الله - تعالى - الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه))؛ [رواه مسلم].
4- حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب فأتاه، فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالمٍ، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلقْ إلى أرض كذا وكذا، فإنَّ بها أُناسًا يعبدون الله فاعبُدِ الله معهم، ولا ترجعْ إلى أرضك؛ فإنها سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه ملك الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مُقبلاً بقَلبه إلى الله - عزَّ وجلَّ - وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قطُّ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضَيْن فإلى أيهما كان أقرب فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة))؛ (رواه مسلم)، وهذا حديث عظيم جليل المكانة، وهو دليلٌ قاطع على صحة هذه القاعدة: "نية المرء أبلغ من عمله"، وأنَّ إرادة التغيير بداية التغيير، وهذا ما أكَّد عليه القرآن الكريم في قوله - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 53]، وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].
::::::::::::::::::::
"وإنَّما يَجيء التغيير من الناس، والتيسير من الله".
فالأُمَّة التي تريد صلاحًا لنفسها ولغيرها هي الأُمَّة التي وقفت على بداية الطريق، وهي الأمة التي تنال التيسيرَ من الله؛ ليصلح لَها أمورَها كُلَّها في الدنيا والآخرة، أما الأمة المستغرقة في الآمال والأحلام دون إرادةٍ وعزيمةٍ يُتَرْجَمان إلى عمل، فهي أمة مُتواكلة لن تصل أبدًا؛ لأنَّها عرفت أن السماء لم تُمطر ذهبًا، ورغم ذلك ظلت تنتظر وتنظر نُزولَ الخير دون جهد وجهاد، ونسيت هذه الأمةُ السنةَ الكونية في كون الله أنَّ الثمرة لا تُجنَى إلا بعد رمي البذرة، فكيف ينتظر الزُّرَاع المحصول من أرض جرداء لا زَرْعَ فيها ولا ماء، مِنْ أرضٍ خالية من الحب والبذر.
إنَّ الكائنات في كون الله عَرَفَت هذه السُّنَّة، سُنَّةَ الجني بعد البذر، فسَعَتْ في أرض الله، وحَقَّقت "فامشوا في مناكبها" (البذر)، حتى يأتي "وكلوا من رزقه" (الجني)؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو أنكم تتوكلون على الله حَقَّ توكُّله، لرزقكم كما يرزقُ الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا))؛ (رواه الترمذي)، وقال: "حديث حسن وصححه الألباني".
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(الحمدلله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله)
تعليق