السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
استعينوا بالله واصبروا
24-محرم-1432هـ 30-ديسمبر-2010
استعينوا بالله واصبروا
24-محرم-1432هـ 30-ديسمبر-2010
كتبه/ إيهاب الشريف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا شطر آية وردت في سورة الأعراف في سياق حوار بين بني إسرائيل ونبيهم موسى -عليه السلام- حينما شكوا إليه ظلم فرعون وطغيانه، وامتداد فترة الاستضعاف وطولها، ولنسُق الآية من أولها: (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ . قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:127-129).
عجيب والله هذا الكتاب! وما حواه من وجوه الإعجاز، ومن صلاحيته لكل زمان ومكان!
تأمل فيما يقوله هؤلاء المجرمون في وصف موسى -عليه السلام- وقومه: (لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)، وتالله إنهم -"فرعون وقومه"- هم المفسدون.
مَنْ المفسد؟! هل موسى -عليه السلام- الذي يدعو إلى توحيد الله -عز وجل- وتحكيم شرعه وكتابه، وإزالة الطواغيت، وعلى رأسهم فرعون -لعنه الله-، وتحطيم كل صور الأصنام التي تعبد من دون الله، ومحاربة المنكرات، ونشر الفضيلة ومحاصرة الرذيلة، وما يترتب على ذلك من حَل لكل مشكلات المجتمع المصري حين ذاك وآن ذي؟!
وكذا يفعل أتباع موسى -عليه السلام- الملتزمون بالإسلام.. يتمسكون في أنفسهم، ويحاولون نشره في الناس، وقبل ذلك في بيوتاتهم، ونسائهم، وأولادهم، وقومهم!
لكن الملأ في كل وقت وحين لا يحبون ذلك ولا يرضونه؛ لأنهم يرونه زعزعة لسلطانهم، وتهديدًا بزوال كراسيهم وسيادتهم؛ ولذا أضمروا ما أضمروا من العداوة لموسى -عليه السلام- وقومه، ثم صرح رأس الطواغيت بذلك فقال: (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ)!
فماذا كان الرد من موسى -عليه السلام- أمام هذا التصريح الرئاسي من ذلك الطاغية.. ذاك الطاغية الذي لديه الاستعداد التام للتضحية بكل شيء ليبقى في مكانه متحكمًا متسلطًا على قومه.. لديه الاستعداد ليقتل ويسفك الدماء.. ليهتك الأعراض.. ليودع من يشاء في غياهب السجون (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29)، المهم هو، وإن كلفه ذلك ما كلفه أيضًا، وإن ضحى بشعبه كله، بل وبلده.
هذا هو المنطق الفرعوني على مر العصور الأزمنة!
ماذا كان رد موسى -عليه السلام- أمام هذه الشكوى مِن قومه، وأمام هذا الطاغية مع طول ما لاقى هو وقومه من فرعون وملئه؟
ماذا يكون الجواب لقلة مؤمنة مقابل كثرة متحكمة تمتلك جيشًا وجندًا وإدارات وأعوانًا.. ؟!
ما العمل في طول مدى الظلم وغياب الحكم الإسلامي، وإيذاء أهل الدعوة إلى الوحي المنزل وغيرهم؛ حتى ممن قد يتغاضى عن الكثير من مبادئه لكسب ود الملأ ورضاه عنه وهيهات؟!
استمعوا معشر المستضعفين وتعلموا فإن في تلمس وصايا الأنبياء والبحث عنها والحرص على التمسك بها الخير كل الخير.. وإن الارتباط بالقرآن والعمل به والصدور عنه حل لما نعانيه من حال مشابه لحال هؤلاء المسلمين المستضعفين إبان مدة حكم فرعون -لعنه الله-.
قال موسى -عليه السلام- لقومه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، يا سبحان الله.. ! كم من الناس اليوم يشتكي ويُرد عليه بنفس الرد فيقول: "إلى متى؟ مفيش فايدة.. ولا أمل في التغيير! حتى متى نصبر؟ وماذا جلب لنا الصبر"؟! وهذا دليل على الخواء الإيماني وضعف التربية العلمية والارتباط بالقرآن والسنة، والتأمل في قصص وسير الأنبياء والسابقين من السلف الصالحين.
إخواني: الاستعانة طلب العون.. وطلب العون لا يكون إلا مع عمل وبذل، وإلا لو كان الإنسان فارغًا فلم يستعين؟
إذ هؤلاء يعلمون ويبذلون ويخططون، ويربون ويعلمون، وللهم يحملون، وللنصر يتشوقون، وعلى حال الأمة يتحرقون، ثم وقبل وأثناء ذلك كله بربهم يستعينون، وعلى مشاق الطريق وصعابه وآلامه يصبرون، ليس ينامون ويتكاسلون ولما كُلفوا به في مرحلتهم الحالية يتركون، ثم بعد ذلك يئنون ويشتكون، وعلى ذلك يقتصرون!
كلا.. إنه الشغل بالإسلام وبذل ما أتيح من أسباب لنصرة دين الله -تعالى- وتتبع وتلمس خطى الأنبياء وتعاليمهم، وعلى رأسهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك كله نطلب المعونة مِن الله -تعالى-، ونصبر ونتحمل ما نلاقي في سبيل ذلك، وإن طالت فترات حكم الطغاة.. وإن كان ما كان من مواجهات واعتداءات.. لا نستطيل الطريق.. بل (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا).
قضيتنا رابحة -والله-.. بذا صرح نبينا -صلى الله عليه وسلم- لخباب لما أتاه يشتكي ما لاقى من المشركين: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو لَنَا؟! فكان رده: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
كن على يقين وأنت تحمل همَّ هذا الدين وتتحرك له، وتتحرق على حال المسلمين وتتشوق للنصر والتمكين للحق وأهله.
كن على يقين أنك على الحق المبين طالما كنت متبعًا للنهج الأول؛ نهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتفهم الدين كما فهموه، وتتحرك له مثل ما تحركوا.. (وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، لماذا كل هذا الاهتمام بالمعتركات السياسية؟! حتى أثر ذلك لدى بعض الدعوات على الهدف الأصلي؛ وهو تعبيد الناس لربهم -سبحانه وتعالى-.. وصارت الوسائل غايات عند البعض الآخر، فكان التنازل المهين عن بعض ثوابت هذا الدين والتهاون بها، وتمييع بعض القضايا؛ كي تحقق بعض المكاسب! ثم نفاجأ بأن أهل الباطل هم هم لا يتركون مبادئهم، ولا يلتفتون عن أهدافهم حتى ولو في مقابل التضحية بمن بذلوا لهم وأرادوا كسب ودهم.. ولا اعتبار عندهم لشيء من ذلك.
وكم يكون الصبر مرًا.. لكن العاقبة حميدة.
ولنلتفت مرة أخرى لقصة موسى -عليه السلام- ورد قومه عليه: (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)؛ فقد أراد فرعون أن يمنع نور الله -عز وجل- أن يشرق على المجتمع! أن يحجب الشريعة أن تحكم.. أن يظل المجتمع مسبحًا بحمده! وصار يذبح الذكور من بني إسرائيل كي لا يخرج ذلك الفتى الذي يكون زوال ملكه على يديه، وكان كذلك يستعبد النساء.. ذل وأي ذل! ومع ذلك كان ما أراد الله -عز وجل-.. وانقلب السحر على الساحر وأشرق نور الله ببعثة موسى -عليه السلام-.
(وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)؛ فالإيذاء إذن مستمر والاستضعاف متواصل، وكان الجواب: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، ومن قبلها قال لهم: (إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)، وهنا يقول: (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ)، إذن الأرض لله وهو الذي يمكِّن لهذا ويزيل الآخر..
وهو الذي يرفع هذا ويخفض ذاك (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:26)، ولكن لا يعني ذلك المحاباة والمجاملة، بل لله سنن لا تحابي أحدًا.. فمن أخذ بها سهل وصوله إلى الثمرة والنتيجة.. وهو ما ذكرناه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)، خذوا دينكم بقوة واستعينوا بالله على ذلك، وما تيسر لكم فعلمتموه وما عجزتم عنه فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو ما نريده خاصة في هذه المرحلة: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة:63).
واجتهدوا في العمل من أجل الدين، ومع ذلك وقبله وبعده (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)، وليترسخ في قلوبكم أن الأرض لله يورثها من يشاء (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173).
فلم الوهن؟ ولم الحرص -وفقط- على طرق أبواب بعينها والتركيز على ذلك وإهمال المتاح والمتيسر؟!
ولنتذكر دومًا أن (الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، إذن لنبحث في نفوسنا.. في ذواتنا وذوينا عن معاني التقوى؛ إن تحققها وسيلة وسبب لزوال الظلم والطغيان وعودة الشرع مرة ثانية محكمًا معظمًا.. العاقبة للمتقين دنيا وأخرى.. مع البذل والتضحية: إما النصر وإما الشهادة.. في الآخرة الجنة، ونعم المآل. ثم وإن كان الاستخلاف.. فهل إمكاناتنا تتوافق مع حاجات الأمة وتعطشها الشديد للإسلام؟
لو حكم الإسلام وساد فكم عدد العلماء والدعاة وطلاب العلم الذين تحتاجهم الأمة لتعليم الناس أمور دينهم؟! هذا المليار الموجود الآن بل يزيد.. هل يتناسب مع طاقات الدعاة والدعوة وحاجاتها؟ كلا والله كم في المليون من عالم؟ وكم يحتاج هذا العدد من العلماء؟ ولا تمكين أبدًا بدون علم وفقه لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لا قيام للأمة إلا بذلك، ثم تأتي عوامل أخرى وأسباب تتلوها في المنزلة والمكانة.. فكيف إذن تسفه جهود الدعاة إذا انشغلوا بتعليم الناس الدين واجتهدوا في دعوتهم إلى الله -عز وجل- وأن يدخلوا في السلم كافة؟ وهل هذا يتعارض مع ما يفعله البعض الآخر من وسائل مشروعة لخدمة الدين؟
وهل ما نفعله إلا طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه؟
وإلا فالمعترض على ذلك ماذا يقول عن قول الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.. ) (القصص:7)، وقد جاءت بعد ذكر ما يفعله فرعون من ظلم وطغيان، وما يستلزمه ذلك من حل سريع بإهلاك فرعون مثلاً.. لكن الله -تعالى- يعلمنا قضية الأسباب والبذل والتدرج وغيرها من السنن الكونية، كان هلاك فرعون من أول هذه الآية: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ.. ) أي أن موسى -عليه السلام- يُربى لفرعون! وهل ينتظر الناس كل ذلك؟!
هذه سنن الله.. حتى يتربى موسى ويشب ويبعث ثم يرسل لفرعون، وتكون المواجهات والتغيير -بإذن الله-.. فهل إذا قلنا: نربي الناس أو نربي أطفالنا من الآن ليزال الظلم والطغيان على أيديهم نكون مقصرين؟!
هل إذا فعلنا ما قدرنا عليه نلام؟!
نجتهد في الأسباب المتاحة، والأمر لله -تعالى-.. أهلَكَ فرعون أم أبقاه؟ فله الحكمة في كل ما يفعل -سبحانه-.
ولذا نجد الآيات: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ)، وليس ذلك على الله ببعيد في كل زمان ومكان.. وإذا هلك وأهلك هذا العدو البغيض، وحدث الاستخلاف (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، ألا نسأل أنفسنا كيف سنعمل إذا وسد الأمر إلينا؟
ليتنا نولي هذا الأمر اهتمامًا وبغير إهمال لما هو حالٌ بين أيدينا إذ واجب الوقت أولى بالتقديم، لكن الكلام على ما بعد التقديم لا يتعارض مع ما نحن بصدده من تعبيد الناس لرب العالمين وحمل هم هذا الدين، سيما وقد تكلم الصحابة حول ما بعد التمكين وهم بعد ما زالوا مستضعفين ومحاصرين في مكة كما وقع في بيعة العقبة لما سأل أبو الهيثم بن التيهان -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالاً، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا -يَعْنِي الْعُهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، وَتَدَعَنَا؟.. " (رواه أحمد، وصححه الألباني).
أرأيتم عما يسأل؟ إنه يتكلم عما يكون بعد النصر.. وهم لما بعد يكوِّنوا الدولة ولما يهاجر رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). فهل نعي ذلك؟
وهل نحاول أن نعيش الإسلام في بيوتنا ومجتمعاتنا فيما أتيح لنا ونبذل ما نستطيعه ونتحرق ونتشوق كذلك للتمكين.. ومع ذلك كله نصبر ذلك الصبر، ونستعين بالله -عز وجل- ونوقن أن العاقبة للمتقين؟!
إنها وصايا عظيمة.. ما أحوجنا إليها في هذه الأيام التي اشتبكت فيها المصالح، وتعددت وتنوعت المقاصد والأهداف، وربما اتضح للبعض أنه إنما يبحث عن سراب، ويحاول في يباب! فتأتي هذه التوجيهات؛ لتضع أقدامنا على الطريق الصحيح.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويعيننا، ويعلمنا ويفهمنا القرآن الكريم وسنة نبينا العظيم -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم أعنا ولا تعن علينا وثبتنا وصبرنا ونصرنا على القوم المجرمين
منقول
فى آمان الله ورحمته وبركاته
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا شطر آية وردت في سورة الأعراف في سياق حوار بين بني إسرائيل ونبيهم موسى -عليه السلام- حينما شكوا إليه ظلم فرعون وطغيانه، وامتداد فترة الاستضعاف وطولها، ولنسُق الآية من أولها: (وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ . قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ . قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:127-129).
عجيب والله هذا الكتاب! وما حواه من وجوه الإعجاز، ومن صلاحيته لكل زمان ومكان!
تأمل فيما يقوله هؤلاء المجرمون في وصف موسى -عليه السلام- وقومه: (لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ)، وتالله إنهم -"فرعون وقومه"- هم المفسدون.
مَنْ المفسد؟! هل موسى -عليه السلام- الذي يدعو إلى توحيد الله -عز وجل- وتحكيم شرعه وكتابه، وإزالة الطواغيت، وعلى رأسهم فرعون -لعنه الله-، وتحطيم كل صور الأصنام التي تعبد من دون الله، ومحاربة المنكرات، ونشر الفضيلة ومحاصرة الرذيلة، وما يترتب على ذلك من حَل لكل مشكلات المجتمع المصري حين ذاك وآن ذي؟!
وكذا يفعل أتباع موسى -عليه السلام- الملتزمون بالإسلام.. يتمسكون في أنفسهم، ويحاولون نشره في الناس، وقبل ذلك في بيوتاتهم، ونسائهم، وأولادهم، وقومهم!
لكن الملأ في كل وقت وحين لا يحبون ذلك ولا يرضونه؛ لأنهم يرونه زعزعة لسلطانهم، وتهديدًا بزوال كراسيهم وسيادتهم؛ ولذا أضمروا ما أضمروا من العداوة لموسى -عليه السلام- وقومه، ثم صرح رأس الطواغيت بذلك فقال: (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ)!
فماذا كان الرد من موسى -عليه السلام- أمام هذا التصريح الرئاسي من ذلك الطاغية.. ذاك الطاغية الذي لديه الاستعداد التام للتضحية بكل شيء ليبقى في مكانه متحكمًا متسلطًا على قومه.. لديه الاستعداد ليقتل ويسفك الدماء.. ليهتك الأعراض.. ليودع من يشاء في غياهب السجون (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (الشعراء:29)، المهم هو، وإن كلفه ذلك ما كلفه أيضًا، وإن ضحى بشعبه كله، بل وبلده.
هذا هو المنطق الفرعوني على مر العصور الأزمنة!
ماذا كان رد موسى -عليه السلام- أمام هذه الشكوى مِن قومه، وأمام هذا الطاغية مع طول ما لاقى هو وقومه من فرعون وملئه؟
ماذا يكون الجواب لقلة مؤمنة مقابل كثرة متحكمة تمتلك جيشًا وجندًا وإدارات وأعوانًا.. ؟!
ما العمل في طول مدى الظلم وغياب الحكم الإسلامي، وإيذاء أهل الدعوة إلى الوحي المنزل وغيرهم؛ حتى ممن قد يتغاضى عن الكثير من مبادئه لكسب ود الملأ ورضاه عنه وهيهات؟!
استمعوا معشر المستضعفين وتعلموا فإن في تلمس وصايا الأنبياء والبحث عنها والحرص على التمسك بها الخير كل الخير.. وإن الارتباط بالقرآن والعمل به والصدور عنه حل لما نعانيه من حال مشابه لحال هؤلاء المسلمين المستضعفين إبان مدة حكم فرعون -لعنه الله-.
قال موسى -عليه السلام- لقومه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، يا سبحان الله.. ! كم من الناس اليوم يشتكي ويُرد عليه بنفس الرد فيقول: "إلى متى؟ مفيش فايدة.. ولا أمل في التغيير! حتى متى نصبر؟ وماذا جلب لنا الصبر"؟! وهذا دليل على الخواء الإيماني وضعف التربية العلمية والارتباط بالقرآن والسنة، والتأمل في قصص وسير الأنبياء والسابقين من السلف الصالحين.
إخواني: الاستعانة طلب العون.. وطلب العون لا يكون إلا مع عمل وبذل، وإلا لو كان الإنسان فارغًا فلم يستعين؟
إذ هؤلاء يعلمون ويبذلون ويخططون، ويربون ويعلمون، وللهم يحملون، وللنصر يتشوقون، وعلى حال الأمة يتحرقون، ثم وقبل وأثناء ذلك كله بربهم يستعينون، وعلى مشاق الطريق وصعابه وآلامه يصبرون، ليس ينامون ويتكاسلون ولما كُلفوا به في مرحلتهم الحالية يتركون، ثم بعد ذلك يئنون ويشتكون، وعلى ذلك يقتصرون!
كلا.. إنه الشغل بالإسلام وبذل ما أتيح من أسباب لنصرة دين الله -تعالى- وتتبع وتلمس خطى الأنبياء وتعاليمهم، وعلى رأسهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ومع ذلك كله نطلب المعونة مِن الله -تعالى-، ونصبر ونتحمل ما نلاقي في سبيل ذلك، وإن طالت فترات حكم الطغاة.. وإن كان ما كان من مواجهات واعتداءات.. لا نستطيل الطريق.. بل (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا).
قضيتنا رابحة -والله-.. بذا صرح نبينا -صلى الله عليه وسلم- لخباب لما أتاه يشتكي ما لاقى من المشركين: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو لَنَا؟! فكان رده: (قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) (رواه البخاري).
كن على يقين وأنت تحمل همَّ هذا الدين وتتحرك له، وتتحرق على حال المسلمين وتتشوق للنصر والتمكين للحق وأهله.
كن على يقين أنك على الحق المبين طالما كنت متبعًا للنهج الأول؛ نهج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتفهم الدين كما فهموه، وتتحرك له مثل ما تحركوا.. (وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، لماذا كل هذا الاهتمام بالمعتركات السياسية؟! حتى أثر ذلك لدى بعض الدعوات على الهدف الأصلي؛ وهو تعبيد الناس لربهم -سبحانه وتعالى-.. وصارت الوسائل غايات عند البعض الآخر، فكان التنازل المهين عن بعض ثوابت هذا الدين والتهاون بها، وتمييع بعض القضايا؛ كي تحقق بعض المكاسب! ثم نفاجأ بأن أهل الباطل هم هم لا يتركون مبادئهم، ولا يلتفتون عن أهدافهم حتى ولو في مقابل التضحية بمن بذلوا لهم وأرادوا كسب ودهم.. ولا اعتبار عندهم لشيء من ذلك.
وكم يكون الصبر مرًا.. لكن العاقبة حميدة.
ولنلتفت مرة أخرى لقصة موسى -عليه السلام- ورد قومه عليه: (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)؛ فقد أراد فرعون أن يمنع نور الله -عز وجل- أن يشرق على المجتمع! أن يحجب الشريعة أن تحكم.. أن يظل المجتمع مسبحًا بحمده! وصار يذبح الذكور من بني إسرائيل كي لا يخرج ذلك الفتى الذي يكون زوال ملكه على يديه، وكان كذلك يستعبد النساء.. ذل وأي ذل! ومع ذلك كان ما أراد الله -عز وجل-.. وانقلب السحر على الساحر وأشرق نور الله ببعثة موسى -عليه السلام-.
(وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)؛ فالإيذاء إذن مستمر والاستضعاف متواصل، وكان الجواب: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، ومن قبلها قال لهم: (إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)، وهنا يقول: (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ)، إذن الأرض لله وهو الذي يمكِّن لهذا ويزيل الآخر..
وهو الذي يرفع هذا ويخفض ذاك (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:26)، ولكن لا يعني ذلك المحاباة والمجاملة، بل لله سنن لا تحابي أحدًا.. فمن أخذ بها سهل وصوله إلى الثمرة والنتيجة.. وهو ما ذكرناه: (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)، خذوا دينكم بقوة واستعينوا بالله على ذلك، وما تيسر لكم فعلمتموه وما عجزتم عنه فالله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو ما نريده خاصة في هذه المرحلة: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة:63).
واجتهدوا في العمل من أجل الدين، ومع ذلك وقبله وبعده (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)، وليترسخ في قلوبكم أن الأرض لله يورثها من يشاء (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:171-173).
فلم الوهن؟ ولم الحرص -وفقط- على طرق أبواب بعينها والتركيز على ذلك وإهمال المتاح والمتيسر؟!
ولنتذكر دومًا أن (الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، إذن لنبحث في نفوسنا.. في ذواتنا وذوينا عن معاني التقوى؛ إن تحققها وسيلة وسبب لزوال الظلم والطغيان وعودة الشرع مرة ثانية محكمًا معظمًا.. العاقبة للمتقين دنيا وأخرى.. مع البذل والتضحية: إما النصر وإما الشهادة.. في الآخرة الجنة، ونعم المآل. ثم وإن كان الاستخلاف.. فهل إمكاناتنا تتوافق مع حاجات الأمة وتعطشها الشديد للإسلام؟
لو حكم الإسلام وساد فكم عدد العلماء والدعاة وطلاب العلم الذين تحتاجهم الأمة لتعليم الناس أمور دينهم؟! هذا المليار الموجود الآن بل يزيد.. هل يتناسب مع طاقات الدعاة والدعوة وحاجاتها؟ كلا والله كم في المليون من عالم؟ وكم يحتاج هذا العدد من العلماء؟ ولا تمكين أبدًا بدون علم وفقه لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لا قيام للأمة إلا بذلك، ثم تأتي عوامل أخرى وأسباب تتلوها في المنزلة والمكانة.. فكيف إذن تسفه جهود الدعاة إذا انشغلوا بتعليم الناس الدين واجتهدوا في دعوتهم إلى الله -عز وجل- وأن يدخلوا في السلم كافة؟ وهل هذا يتعارض مع ما يفعله البعض الآخر من وسائل مشروعة لخدمة الدين؟
وهل ما نفعله إلا طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه؟
وإلا فالمعترض على ذلك ماذا يقول عن قول الله -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.. ) (القصص:7)، وقد جاءت بعد ذكر ما يفعله فرعون من ظلم وطغيان، وما يستلزمه ذلك من حل سريع بإهلاك فرعون مثلاً.. لكن الله -تعالى- يعلمنا قضية الأسباب والبذل والتدرج وغيرها من السنن الكونية، كان هلاك فرعون من أول هذه الآية: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ.. ) أي أن موسى -عليه السلام- يُربى لفرعون! وهل ينتظر الناس كل ذلك؟!
هذه سنن الله.. حتى يتربى موسى ويشب ويبعث ثم يرسل لفرعون، وتكون المواجهات والتغيير -بإذن الله-.. فهل إذا قلنا: نربي الناس أو نربي أطفالنا من الآن ليزال الظلم والطغيان على أيديهم نكون مقصرين؟!
هل إذا فعلنا ما قدرنا عليه نلام؟!
نجتهد في الأسباب المتاحة، والأمر لله -تعالى-.. أهلَكَ فرعون أم أبقاه؟ فله الحكمة في كل ما يفعل -سبحانه-.
ولذا نجد الآيات: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ)، وليس ذلك على الله ببعيد في كل زمان ومكان.. وإذا هلك وأهلك هذا العدو البغيض، وحدث الاستخلاف (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، ألا نسأل أنفسنا كيف سنعمل إذا وسد الأمر إلينا؟
ليتنا نولي هذا الأمر اهتمامًا وبغير إهمال لما هو حالٌ بين أيدينا إذ واجب الوقت أولى بالتقديم، لكن الكلام على ما بعد التقديم لا يتعارض مع ما نحن بصدده من تعبيد الناس لرب العالمين وحمل هم هذا الدين، سيما وقد تكلم الصحابة حول ما بعد التمكين وهم بعد ما زالوا مستضعفين ومحاصرين في مكة كما وقع في بيعة العقبة لما سأل أبو الهيثم بن التيهان -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: "إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرِّجَالِ حِبَالاً، وَإِنَّا قَاطِعُوهَا -يَعْنِي الْعُهُودَ- فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ نَحْنُ فَعَلْنَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى قَوْمِكَ، وَتَدَعَنَا؟.. " (رواه أحمد، وصححه الألباني).
أرأيتم عما يسأل؟ إنه يتكلم عما يكون بعد النصر.. وهم لما بعد يكوِّنوا الدولة ولما يهاجر رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). فهل نعي ذلك؟
وهل نحاول أن نعيش الإسلام في بيوتنا ومجتمعاتنا فيما أتيح لنا ونبذل ما نستطيعه ونتحرق ونتشوق كذلك للتمكين.. ومع ذلك كله نصبر ذلك الصبر، ونستعين بالله -عز وجل- ونوقن أن العاقبة للمتقين؟!
إنها وصايا عظيمة.. ما أحوجنا إليها في هذه الأيام التي اشتبكت فيها المصالح، وتعددت وتنوعت المقاصد والأهداف، وربما اتضح للبعض أنه إنما يبحث عن سراب، ويحاول في يباب! فتأتي هذه التوجيهات؛ لتضع أقدامنا على الطريق الصحيح.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويعيننا، ويعلمنا ويفهمنا القرآن الكريم وسنة نبينا العظيم -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم أعنا ولا تعن علينا وثبتنا وصبرنا ونصرنا على القوم المجرمين
منقول
فى آمان الله ورحمته وبركاته
تعليق