بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
وبعــــــد..
هل فكرت يوما؟
كيف هو حالك، وأهلك وأحبابك، ينظرون إليك حَيْرَةً وذُهُولًا!! وأنت فى سكراتك؟!
نعم؛ وأنت فى سكراتك!!
إنها لحظات عصيبة لا يعلمها إلا الله سبحانه، ولا يستشعرها إلا من يمر بها عند احتضاره
أمــا نـحــــن ممن كتب الله لهم مواصلة حياتهم إلى حين؛ فهذا هو حالنا:
ننظر بأعيننا إلى المحتضر ولا نستطيع عمل شيئ له!
قد يسرع البعض محاولا إنقاذه.. فقد يحاول الطبيب، وقد يحاول القريب
لكن الجميع لا يستطيع عمل شيئ
كثير منا شاهد هذا الموقف..
أذكر أننى بعد خروجى من المسجد عشية أحد الليالى
شاهدت امرأة يبدو عليها الإعياء -وهي فى حالة دوار- سرعان ما التفَّ حولها عدد من الجيران
مابين ممسك بها، وآخذ بيديها ليقعدها على كرسي، وآخر يحاول التهوية لها..
فذهبت مسرعا إلى صيدلى قريب فأعطانى أقراص قد تخفف عنها، ثم ازداد عدد الناس وجاءت سيارة الإسعاف..
كل ذلك يحدث بسرعة وننظر إليها ونكلمها فلا تجيب ولا تتكلم ولا يبدو منها سوي مظاهر الإعياء الشديد والآلام
حتي أتي أمر الله وفاضت روحها إلى بارئها..
عندئذ تذكرت قول الله تعالى فى سورة الواقعة:
{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ ﴿٨٣﴾ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴿٨٤﴾ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لَّا تُبْصِرُونَ ﴿٨٥﴾ }
وَلكِنْ لَا تُبْصِرُونَ..
سبحان الله العظيم
ننظر إلى المحتضر ونراه جيدا بأعيننا، ولكن لا نبصر!
قال الإمام الشوكانى فى كتابه فتح القدير:
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ فِيهِ ذَلِكَ الَّذِي بَلَغَتْ نَفْسُهُ أَوْ رُوحُهُ الْحُلْقُومَ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَأَنْتُمْ يَا أَهْلَ الْمَيِّتِ فِي تِلْكَ الْحَالِ تَرَوْنَ الْمَيِّتَ قَدْ صَارَ إِلَى أَنْ تَخْرُجَ نَفْسُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَا يُمْكِنُهُمُ الدَّفْعُ عَنْهُ،
وَلَا يَسْتَطِيعُونَ شَيْئًا يَنْفَعُهُ أَوْ يُخَفِّفُ عَنْهُ مَا هُوَ فِيهِ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ أَيْ: بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالرُّؤْيَةِ،
وَقِيلَ: أَرَادَ وَرُسُلُنَا الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ قَبْضَهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لَا تُبْصِرُونَ أَيْ: لَا تُدْرِكُونَ ذَلِكَ لِجَهْلِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ،
أَوْ لَا تُبْصِرُونَ مَلَائِكَةَ الْمَوْتِ الَّذِينَ يَحْضُرُونَ الْمَيِّتَ وَيَتَوَلَّوْنَ قَبْضَهُ. انتهى
وتتوالى الأحداث، وتمضي بنا الأيام والليالي؛ فنرى أحبابنا أمام أعيننا يتوفاهم الله ونحن لا نملك من الأمر شيئا!!
فهذا حالنا معهم!!
فـهـــلَّا اعـتـبـــرنا، وفهمنا جيدا وتدبرنا، ولمثل هذه الساعة عملنا؟!
وهـــــلَّا أعددنا لمثل هذا اليوم أنفسنا ؟!
يا غافلاً عن الحقِّ أَوَلَا تعتبر؟
..
فالموت قريبٌ آتٍ ماذا تنتظر؟!
..
فالموت قريبٌ آتٍ ماذا تنتظر؟!
مازال الأمل موصولا؛
فالرجاء فى الله ليس مقطوعا، والعمل الصالح ممنوحا، وباب التوبة مفتوحا، وقبول الرحمن أملًا مأمولا
واستكمالا للآيات الكريمة قوله تعالى:
{ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴿٨٦﴾ تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿٨٧﴾ فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴿٨٨﴾ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴿٨٩﴾ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ ﴿٩٠﴾ فَسَلَـٰمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ ﴿٩١﴾ وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ٱلضَّالِّينَ ﴿٩٢﴾ فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ ﴿٩٣﴾ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴿٩٤﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ ﴿٩٥﴾
فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ ﴿٩٦﴾ }
قال الإمام السعدي:
أي: فهلا إذا كنتم تزعمون، أنكم غير مبعوثين ولا محاسبين ومجازين ترجعون الروح إلى بدنها (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
وأنتم تقرون أنكم عاجزون عن ردها إلى موضعها،
فحينئذ إما أن تقروا بالحق الذي جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم، وإما أن تعاندوا وتعلم حالكم وسوء مآلكم.
وقد ذكر الله تعالى أحوال الطوائف الثلاث:
المقربين، وأصحاب اليمين، والمكذبين الضالين
في أول السورة في دار القرار
ثم ذكر أحوالهم في آخرها عند الاحتضار والموت،
فقال: فَأَمَّا إِنْ كَانَ (الميت):-
مِنَ الْمُقَرَّبِينَ
وهم الذين أدّوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات
فـــــ لـهــــم
رَوْحٌ.. أي: راحة وطمأنينة، وسرور وبهجة، ونعيم القلب والروح،
وَرَيْحَانٌ.. وهو اسم جامع لكل لذة بدنية، من أنواع المآكل والمشارب وغيرهما،
وَجَنَّةُ نَعِيمٍ.. جامعة للأمرين كليهما، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،
فيبشر المقربون عند الاحتضار بهذه البشارة، التي تكاد تطير منها الأرواح من الفرح والسرور.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ
مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ
وهم الذين أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، وإن حصل منهم التقصير في بعض الحقوق التي لا تخل بتوحيدهم وإيمانهم،
فـيقال لأحدهم:{ سَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ }
أي: سلام حاصل لك من إخوانك أصحاب اليمين أي: يسلمون عليه ويحيونه عند وصوله إليهم ولقائهم له
وَأَمَّا إِنْ كَانَ
مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ
أي: الذين كذَّبوا بالحق وضلّوا عن الهدى.
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
أي: ضيافتهم يوم قدومهم على ربهم تصلية الجحيم التي تحيط بهم، وتصل إلى أفئدتهم، وإذا استغاثوا من شدة العطش والظمأ
{يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}
إِنَّ هَذَا الذي ذكره الله تعالى، من جزاء العباد بأعمالهم، خيرها وشرها، وتفاصيل ذلك
لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ
أي: الذي لا شك فيه ولا مرية، بل هو الحق الثابت الذي لا بد من وقوعه، وقد أشهد الله عباده الأدلة القواطع على ذلك، حتى صار عند أولي الألباب كأنهم ذائقون له مشاهدون له فحمدوا الله تعالى على ما خصَّهم به من هذه النعمة العظيمة، والمنحة الجسيمة.
فسبحان ربنا العظيم، وتعالى وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا.
والحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. انتهى
أسأل الله العلي العظيم لي ولكم حسن الخاتمة، والنجاة من النار والفوز بجنات النعيم
وأسأله جلَّ شأنه أن يهون علينا سكرات الموت، وأن يجعل آخر كلامنا فى الدنيا
لا إله إلا الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
تعليق