الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم
وبعد:روى الإمام مسلم فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ
1. الماهر بالقرآن: الحاذق بقراءته، قال النووي: الْحَاذِق الْكَامِل الْحِفْظ الَّذِي لا يَتَوَقَّف وَلا يَشُقّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة بِجَوْدَةِ حِفْظه وَإِتْقَانه.
2. مع السفرة الكرام البررة: مع الملائكة، قال تعالىعنهم: (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ {الإنفطار/10} كِرَامًا كَاتِبِينَ {الإنفطار/11} ))١، وقال سبحانه:(( فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ {عبس/13} مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ {عبس/14} بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {عبس/15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {عبس/16} )).
السَّفَرَةِ هم الملائكة، جمع سافر، والسافِرُ في الأَصل الكاتب؛ سمي به لأَنه يبين الشيء ويوضحه، قال الزجاج: قيل للكاتب سافر وللكتاب سِفْرٌ؛ لأَن معناه أَنه يبين الشيء ويوضحه.[3]
الكرام: جمع الكَريم، وهو الجامع لأَنواع الخير والشرَف والفضائل، والكَريم اسم جامع لكل ما يُحْمَد.
البررة: المطيعون، ورد في القرآن جمع الأبرار والبررة، ونلاحظ أن القرآن الكريم يستعمل الأبرار للناس المكلّفين، ويستعمل البررة للملائكة ،ولم يستعملها للناس أبداً، (( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {عبس/15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {عبس/16} )).لماذا؟ والجواب: الأبرار هي من الصيغ المستخدمة لجموع القَلّة، والناس قليل منهم الأبرار، (قلة نسبية) مصداقاً لقوله تعالى:(( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {يوسف/103} ))، فاستعمل القَلّة النسبية بينما الملائكة كلهم أبرار؛ فاستعمل معهم الجمع الذي يدل على الكثرة (بررة).[4]
والمعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: ((الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ)) أن المتقن للقرآن الكريم تلاوة وحفظا وتدبُّرا وعملا بأحكامه ينال منزلة عظيمة عند الله تعالى تعدل منزلة السفرة الكرام البررة، فهو سفير حامل لكتاب الله تعالى يتعلمه ويتلوه ويعلمه للناس، فيتميز بخصال يحمدها الله تعالى، ويعمل بالقرآن الكريم طاعة لله عز وجل.
3. وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ: وأما الذي يقرأ القرآن الكريم ويتتعتع فيه أي يقرأه مع تردد ضعف في قراءته نتيجة صعوبة النطق مثلا، ويجد مشقة في إتقان التلاوة، مع أنه يجتهد في سبيل التغلب على تلك المشقة، فإن هذا له أجران، أجر تلاوته للقرآن الكريم، وأجر اجتهاده لتحسين أداءه في التلاوة، وهذا من سعة رحمة الله تعالى بعباده.
والمعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ)) أن النبي عليه الصلاة والسلام يبين الثواب لمن اجتهد في تلاوة القرآن الكريم مع الصعوبة التي يجدها بسبب ثقل لسانه، أو عدم تمكنه من القراءة، أو بسبب ضعف قدرته على الحفظ، أو لأي سبب يؤدي إلى تعتعته عند قراءته للقرآن الكريم، فإن هذا له أجران، ولا ينبغي له أن يترك التلاوة لتلك الأسباب بل عليه أن يستمر في اجتهاده، والله تعالى معه، قال عز وجل: (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت/69} )) ، وقد مررت بشاب يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق، ثم انقطعت عنه لمدة سنوات، ولما التقيت به مرة أخرى سمعت منه القرآن الكريم بتلاوة مجودة، وتبين لي أنه حقق ذلك بسبب اجتهاده، ولله الحمد، وبه التوفيق والسداد.
ويستفاد من الحديث أن الماهر بالقرآن أفضل ممن يتعتع في قراءته للقرآن الكريم، وفي كل خير.
تعليق