أدب التعامل مع الفرح والحزن
مَن ادَّعى الفرح الدائم، والسعادة المقيمة، فهو إما كاذب،
أو غافل عن أنه من الممكن أن يكون من الذين
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم:
( حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه ).
ومَن ادَّعى الحزن الدائم، والهمَّ المقيم، فهو إما جاحد،
أو ناكر لنعمٍ من الممكن أن تزول، إن لم يقيِّدها بشكرها:
{ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
[إبراهيم: 7].
والمسلم يجب أن يَعِي كُنْه الفرح والحزن، وأنهما نابعان من فهمه
لما يُصِيبه به الله - تعالى - من نعمٍ وابتلاءات، وعليه أيضًا أن يتفكَّر
في قوله - تعالى -:
{ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ
مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ *
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }
[الحديد: 22، 23].
من صفات عباد الرحمن أنهم:
{ لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا }
[الفرقان: 67]،
وأظن أن عدم الإسراف يتسع معناه ليَشمَل عدم الإسراف
في تقدير الحالة التي هو عليها من فرح أو حزن؛
فالوسطية في الأمور كلها خير.
ومن الصفات المحمودة أيضًا أن يُرجِع الإنسانُ الفرحَ الذي يعيشه إلى توفيق الله - تعالى - ورحمته به،
وأن يُرجِع الحزن الذى أصابه إلى ذنوبه، وأن الله - تعالى - ابتلاه بها؛ ليخلصه من عذاب الآخرة،
الذي لا يقارن به عذاب الدنيا، أو أنه ابتلاء سيُجَازِيه الله - تعالى - على صبره عليه،
برفعِه درجة من درجات الجنة، أو أنه - سبحانه - يعدُّه لمكان،
لم يكن بحالتِه قبل الابتلاء يستحقه أو يَقدِر عليه.
فحياة الإنسان لا بد أن يكون فيها من الحزن ومن الفرح،
وما عليه إلا التعامل المهذَّب في كل حالاته؛
فالشكر هو قيد النعم، والرد المهذَّب منه لما أنعم الله عليه،
ولا يقل: إنها من عندي، أو إنها من عملي؛
وليذكر قوله - تعالى -:
{ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
[الزمر: 49].
والرد المهذَّب في الحزن أيضًا أن يكون صابرًا كصبر الكرام لا اللئام،
وأن يعرف أن للصابر جزاء لا يُعَادِله جزاء، وأن الله بشَّره بقوله - تعالى -:
{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }
[البقرة: 156، 157].
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال:
عجبًا لأمرِ المؤمنِ . إن أمرَه كلَّه خيرٌ . وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ . إن أصابته سراءُ شكرَ . فكان خيرًا له . وإن أصابته ضراءُ صبر . فكان خيرًا له
الراوي: صهيب بن سنان الرومي القرشي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2999
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فنجد أن من علامة الإيمان - كما جاء في الحديث الشريف - الشكرَ في النعم،
والصبرَ على الابتلاءات والمصائب.
لم تُخلَق الدنيا للتنعم، ولكنها دار اختبار وابتلاء،
وربما كانت بعضُ النعم ابتلاءات لا يدركها الإنسان،
قال - تعالى -:
{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً }
[الأنبياء: 35]؛
فالشر واضح، والصبر عليه قد يكون يسيرًا، مقارنة باعتبار الخير ابتلاء إن لم يشكر الله عليه،
وكما قال سيدنا عمر بن الخطاب: "بُلِينا بالضرَّاء فصبرنا، وبُلِينا بالسرَّاء فلم نشكر".
ليتنا نَعِي لِما خُلِقت الحياة، وليس الأمر بالصعب معرفته؛
فقد قال الله - تعالى -:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
[الذاريات: 56]؛
فما علينا إلا أن نتعلم معنى العبادة، وكيف نكون عبادًا لله - تعالى - كما أرادنا أن نكون،
وفى سنة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم - وسيرته،
وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده - ما يجعلنا نَحتَذِي بهم، ونتخذهم قدوة؛
لنفوز بالدار الآخرة، وإن واجهنا الصعاب والآلام في الدنيا؛
فسِلعة الله غالية، وتستحق منا الكثير.
وهذه دعوة للاعتدال في التعبير عن مشاعرنا؛
فهي وإن كانت من الفطرة التي خلقنا الله عليها،
إلا أنه - تعالى - وضَّح لنا كيف يكون الاعتدال في التعامل مع هذه المشاعر،
والتأدب مع الله - تعالى -
في تقبُّلنا لما قدَّره علينا أو لنا - هو واجب شرعًا لمن أراد الفوز بجنته - سبحانه وتعالى
تعليق