![](https://archive.org/download/14163396954/14163396954.gif)
![](http://upload.vb4egy.com/uploads/13784929942.gif)
سر مناجاة يونس عليه السلام
إن مناجاة سيدنا يونس - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - هي من أعظم أنواع المناجاة وأروعها، ومن أبلغ الوسائل لإستجابة الدعاء وقبوله.
تتلخص قصته المشهورة بأنه - عليه السلام - قد أُلقي به الى البحر، فالتقمه الحوت، وغشيته امواج البحر الهائجة، واسدل الليل البهيم ستاره المظلم عليه. فداهمته الرهبة والخوف من كل مكان وانقطعت امامه اسباب الرجاء وانسدت ابواب الامل.. واذا بمناجاته الرقيقة وتضرعه الخالص الزكي:
(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
(الأنبياء:87)
يصبح له في تلك الحالة واسطة نجاة ووسيلة خلاص.
وسـر هذه المناجاة العظيم هو:
إن الأسباب المادية قد هوت كلياً في ذلك الوضع المرعب، وسقطت فلم تحرك ساكناً ولم تترك أثراً، ذلك لأن الذي يستطيع أن ينقذه من تلك الحالة، ليس إلاّ ذلك الذي تنفذ قدرتُه في الحوت،
وتهيمن على البحر وتستولي على الليل وجو السماء؛
حيث أن كلا من الليل الحالك والبحر الهائج والحوت الهائل قد اتفق على الانقضاض عليه، فلا ينجيه سبب، ولا يخلصه أحد، ولايوصله الى ساحل السلامة بأمان، الاّ من بيده مقاليد الليل وزمام البحر والحوت معاً،ومَن يسخّر كل شئ تحت امره.. حتى لو كان الخلق اجمعين تحت خدمته عليه السلام ورهن اشارته في ذلك الموقف الرهيب، ما كانوا ينفعونه بشئ!.
أجل لاتعلق بالاسباب.. فما أن رأى عليه السلام بعين اليقين ألاّ ملجأ له من امره تعالى إلاّ اللواذ الى كنف مسبب الاسباب، انكشف له سرُّ الأحدية من خلال نور التوحيد الساطع، حتى سخرتْ له تلك المناجاةُ الخالصة الليل والبحر والحوت معاً
بل تحوّل له بنور التوحيد الخالص بطنُ الحوت المظلم الى مايشبه جوف غواصة أمينة هادئة تسير تحت البحر، واصبح ذلك البحر الهائج بالامواج المتلاطمة مايشبه المتنزه الآمن الهادئ، وانقشعت الغيوم عن وجه السماء - بتلك المناجاة - وكشف القمر عن وجهه المنير كأنه مصباح وضئ يتدلى فوق رأسه..
وهكذا غدت تلك المخلوقات التي كانت تهدده وترعبه من كل صوب وتضيق عليه الخناق، غدت الآن تسفر له عن وجه الصداقة، وتتقرب اليه بالود والحنان، حتى خرج الى شاطئ السلامة وشاهد لطف الرب الرحيم تحت شجرة اليقطين.
فلننظر بنور تلك المناجاة إلى أنفسنا.. فنحن في وضع مخيف
ومرعب أضعاف أضعاف ما كان فيه سيدنا يونس عليه السلام، حيث أن:
ومرعب أضعاف أضعاف ما كان فيه سيدنا يونس عليه السلام، حيث أن:
ليلنا الذي يخيم علينا، هو المستقبل.. فمستقبلنا إذا نظرنا إليه بنظر الغفلة يبدو مظلماً مخيفاً، بل هو أحلك ظلاماً وعتامة من الليل الذي كان فيه سيدنا يونس عليه السلام بمائة مرة..
وبحرنا، هو بحر الكرة الارضية، فكل موجة من أمواج هذا البحر المتلاطم تحمل آلاف الجنائز، فهو إذًا بحر مرعب رهيب بمائة ضعف رهبة البحر الذي ألقي فيه عليه السلام.
وحوتنا، هو ما نحمله من نفس أمارة بالسوء، فهي حوت يريد ان يلتقم حياتنا الأبدية ويمحقها. هذا الحوت أشد ضراوة من الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس عليه السلام؛
إذ كان يمكنه أن يقضي على حياة أمدها مائة سنة، بينما حوتنا نحن يحاول افناء مئات الملايين من سني حياة خالدة هنيئة رغيدة
فما دامت حقيقة وضعنا هذه، فما علينا إذاً إلاّ الاقتداء بسيدنا يونس عليه السلام والسير على هديه، متوكلين ومتوجهين إليه بقلوبـنا وجـوارحنـا، ملتجـئين إليه سبحانه قائلين:
(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )
مدركين بعين اليقين أن قد ائتمر علينا - بسبب غفلتنا وضلالنا - مستقبلُنا الذي يرتقبنا، ودنيانا التي تضمنا، ونفوسُنا الأمارة بالسوء التي بين جنبينا، موقنين كذلك أنه لايقدر أن يدفع عنا مخاوف المستقبل وأوهامه،
ولايزيل عنا أهوال الدنيا ومصائبها، ولايبعد عنا أضرار النفس الأمارة بالسوء ودسائسها، إلامن كان المستقبل تحت أمره، والدنيا تحت حكمه، وأنفسنا تحت ادارته .
تُرى مَن غيرُ خالق السموات والأرضين يعرف خلجات قلوبنا، ومَن غَيرُه يعلم خفايا صدورنا، ومَن غَيرُه قادر على إنارة المستقبل لنا بخلق الآخرة، ومَن غيرُه يستطيع ان ينقذنا من بين الوف أمواج الدنيا المتلاطمة بالاحداث؟!.
حاش لله وكلا ان يكون لنا منجٍ غيره ومخلّصٍ سواه، فهو الذي لولا إرادته النافذة ولولا أمره المهيمن لما تمكن شئ أينما كان وكيفما كان أن يمد يده ليغيث أحداً بشئ!.
فما دامت هذه حقيقة وضعنا فما علينا إلاّ أن نرفع اكفّ الضراعة إليه سبحانه متوسلين، مستعطفين نظر رحمته الربانية إلينا، اقتداء بسر تلك المناجاة الرائعة التي سخّرت الحوت لسيدنا يونس عليه السلام
كأنه غواصة تسير تحت البحر، وحولت البحر متنزها جميلا، وألبست الليل جلباب النور الوضئ بالبدر الساطع. فنقول: ( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) .
فنلفت بها نظر الرحمة الإلهية إلى مستقبلنا بقولنا: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الظَّالِمِينَ ). ونلفتها الى دنيانا بكلمة: (سُبْحَانَكَ) ونرجوها ان تنظر الى أنفسنا بنظر الرأفة والشفقة بجملة: ( إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )
كي يعم مستقبلنا نور الايمان وضياء بدر القرآن، وينقلب رعب ليلنا ودهشته إلى أمن الأنس وطمأنينة البهجة. ولتنتهي مهمة حياتنا ونختتم وظيفتها بالوصول الى شاطئ الأمن والأمان دخولا في رحاب حقيقة الاسلام،
تلك الحقيقة التي هي سفينة معنوية أعدها القرآن العظيم، فنبحر بها عباب الحياة، فوق أمواج السنين والقرون الحاملة لجنائز لايحصرها العد، ويقذفها الى العدم تبدل الموت والحياة وتناوبهما الدائبين
في دنيانا وأرضنا، فننظر إلى هذا المشهد الرهيب بمنظار نور القرآن الباهر، وإذا هو مناظر متبدلة، متجددة،
يحول تجددها المستمر تلك الوحشة الرهيبة النابعة من هبوب العواصف وحدوث الزلازل للبحر إلى نظر تقطر منه العبرة، ويبعث على التأمل والتفكر في خلق الله. فتستضئ وتتألق ببهجة التجدد ولطافة التجديد. فلا تستطيع عندها نفوسنا الأمارة على قهرنا،
بل نكون نحن الذين نقهرها بما منحنا القرآن الكريم من ذلك السر اللطيف، بل نمتطيها بتلك التربية المنبثقة من القرآن الكريم. فتصبح النفس الأمارة طوع إرادتنا، وتغدو وسيلة نافعة ووساطة خير للفوز بحياة خالدة.
بل نكون نحن الذين نقهرها بما منحنا القرآن الكريم من ذلك السر اللطيف، بل نمتطيها بتلك التربية المنبثقة من القرآن الكريم. فتصبح النفس الأمارة طوع إرادتنا، وتغدو وسيلة نافعة ووساطة خير للفوز بحياة خالدة.
الخلاصــة:
أن الإنسان بما يحمل من ماهية جامعة يتألم من الحمى البسيطة كما يتألم من زلزلة الأرض وهزاتها ويتألم من زلزال الكون العظيم عند قيام الساعة، ويخاف من جرثومة صغيرة كما يخاف من المذنبات الظاهرة
في الأجرام السماوية، ويحب بيته ويأنس به كما يحب الدنيا العظيمة، ويهوى حديقته الصغيرة ويتعلق بها كما يشتاق إلى الجنة الخالدة ويتوق إليها.
في الأجرام السماوية، ويحب بيته ويأنس به كما يحب الدنيا العظيمة، ويهوى حديقته الصغيرة ويتعلق بها كما يشتاق إلى الجنة الخالدة ويتوق إليها.
فما دام أمر الانسان هكذا، فلا معبود له ولا رب ولا مولى ولا منجا ولا ملجأ إلاّ من بيده مقاليد السموات والأرض وزمام الذرات والمجرات، وكل شئ تحت حكمه، طوع أمره..
فلابد أن هذا الإنسان بحاجة ماسة دائماً إلى التوجه إلى بارئه الجليل والتضرع إليه اقتداء بسيدنا يونس عليه السلام. فيقول:
فلابد أن هذا الإنسان بحاجة ماسة دائماً إلى التوجه إلى بارئه الجليل والتضرع إليه اقتداء بسيدنا يونس عليه السلام. فيقول:
(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )
(سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم) ![](https://archive.org/download/14163396953/14163396953.gif)
![](https://archive.org/download/14163396953/14163396953.gif)
تعليق