يقول الحق سبحانه وتعالى
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ ...التوبه﴿40﴾
إِلاَّ تَنصُرُوهُ ...... فعل مضارع........ زمنه هو الزمن الحالي
ولكن الحق يتبع المضارع..... بفعل ماضٍ هو..... فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ
فهل يكون الشرط حاضراً ومستقبلاً ..........والجواب ماضياً؟
إن المعنى...... إلا تنصروه فسينصره الله....... بدليل أنه قد نصره قبل ذلك
وهذا ليس جواب شرط......... وإنما دليل الجواب
فحين يكون دليل الجواب ماضياً..... فهو أدل على الوثوق من حدوث الجواب
فحين دعاهم الله لينفروا..... فتثاقلوا
أوضح لهم سبحانه.... أتظنون أن جهادكم هو الذي سينصر محمداً وينصر دعوته؟
لا....
لأنه سبحانه قادر على نصره..... والدليل على ذلك أن الله قد نصره من قبل في مواطن كثيرة...
وأهم موطن هو النصر في الهجرة
وقد نصره برجل واحد هو أبو بكر على قريش وكل كفار مكة
وكذلك نصره في بدر بجنود لم تروها
إذن....فسابقة النصر من الله لرسوله سابقة ماضية
وعلى ذلك فليست هي الجواب..... بل هي دليل الجواب
ونرى في قوله تعالى.... * إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ *
أن نصر الله له ثلاثة أزمنة
فـ إِذْ ..... تكررت ثلاث مرات
فسبحانه يقول * إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا *
أي..... أننا أمام ثلاثة أزمنة
زمن الإخراج..
وزمن الغار...
والزمن الذي قال فيه رسول الله صل الله عليه وسلم لأبي بكر
* لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا *
وقد جاء النصر في هذه الأزمنة الثلاثة
ساعة الإخراج من مكة
وساعة دخل سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم مع أبي بكر إلى الغار
وساعة حديثه مع أبي بكر
ولسائل أن يسأل......هل أخرج الكفار رسول الله من مكة..... أم أن الله هو الذي أخرجه؟
والجواب .....إن عناد قومه وتآمرهم عليه وتعنُّتهم أمام دعوته
كل ذلك اضطره إلى الخروج
ولكن الحق أراد بهذا الخروج هدفاً آخر غير الذي أراده الكفار
فهم أرادوا قتله وحين خرج ظنوا أن دعوته سوف تختنق بالعزل عن الناس فأخرجه الله لتنساح الدعوة
وأوضح لهم سبحانه.....أنتم تريدون إخراج محمد بتعنتكم معه
وأنا لن أمكنكم من أن تخرجوه مخذولاً
وسأخرجه أنا مدعوماً بالأنصار
وقالوا... إن الهجرة توأم البعثة
أي.... أن البعثة المحمدية جاءت ومعها الهجرة
بدليل .... أن رسول الله صل الله عليه وسلم حينما أخذته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها إلى ورقة بن نوفل بعد ما حدث له في غار حراء قال له ورقة
ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك
قال ورقة بن نوفل ذلك لرسول الله قبل أن يتثبت من النبوة
فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: أمُخْرجيَّ هم؟
قال ورقة بن نوفل... نعم لم يأت رجل بمثل ما جئت به إلا عُودِي
إذن... فالهجرة كانت مقررة مع تكليف رسول الله صل الله عليه وسلم بالرسالة.. لماذا؟
لأنه صل الله عليه وسلم كان أول من أعلن على مسامع سادة قريش رسالة الحق والتوحيد.
ففكرة الهجرة مسبقة مع البعثة
ولأن البعثة هي الصيحة التي دوَّت في آذان سادة قريش وهم سادة الجزيرة
ولو صاحها في آذان قوم ليسوا من سادة العرب لقالوا
استضعف قوماً فصاح فيهم.... ولكن صيحة البلاغ جاءت في آذان سادة الجزيرة العربية كلها
فانطلقوا في تعذيب المسلمين ليقضوا على هذه الدعوة
وشاء الله سبحانه وتعالى ألا ينصره بقريش في مكة
لأن قريشاً ألفَتْ السيادة على العرب
فإذا جاء رسول لهداية الناس عامة إلى الإسلام لقال من أرسِلَ فيهم
لقد تعصبتْ له قريش لتسود الدنيا كما سادت الجزيرة العربية
فأراد الحق سبحانه أن يوضح لنا
لقد كانت الصيحة الأولى في آذان سادة العرب
ولا بد أن يكون نصر الإسلام والانسياح الديني لا من هذه البلدة بل من بلد آخر
حتى لا يقال..... إن العصبية لمحمد هي التي خلقت الإيمان برسالة محمد صل الله عليه وسلم.
ولكن الإيمان برسالة محمد ....هو الذي خلق العصبية لمحمد صل الله عليه وسلم
ويلاحظ في أمر الهجرة أن فعلها هاجر
وهذا يدلنا على أن رسول الله صل الله عليه وسلم.... لم يهجر مكة
وإنما هاجر..... والمهاجرة مفاعلة من جانبين... فكأن قومه أعنتوه فخرج
والإخراج نفسه فيه نصر
لأن رسول الله صل الله عليه وسلم خرج وحده من بيته
الذي أحاط به شباب أقوياء من كل قبائل العرب ليضربوه ضربة رجل واحد وينثر عليهم التراب فتغشى أبصارهم
وكان أبو بكر رضي الله عنه ينتظره في الخارج
وكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يثبت لهم أنهم لن ينالوا من محمد
لا بتآمر خفي ...ولا بتساند علني.... وهذا نصر من الله
ولكى لا اطيل عليكم نكمل باقى الدرس فى الغد ان شاء الله اذا كان فى العمر باقيه
تعليق