الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد.
فهذه وقفات مع سورة عظيمة من سور القرآن _وكل سور القرآن عظيمة_ وهى سورة "آل عمران" وبالطبع لست بصدد تناول السورة تفسيراً ولكنى أريد من خلال قراءة موضوعى هذا أن نستطيع الوقوف على موضوع السورة ونفهمه ومن ثم نعيش مع أجواء السورة ونستطيع تدبر آياتها الكريمات !!
والله أسأل أن يحقق الموضوع فوق ما أرجو وأن ينفعنى ومن يقرأه وأن يجعله فى ميزان الحسنات وأن تكون هذه السلسلة فاتحة لتناول سور قرآنية أُخر.
أولاً::بين يدى السورة .
1_إسمها :-
سورة "آل عمران" لها أكثر من اسم ,
_فإسمها المشهور هو (آل عمران) وورد هذا الإسم فى صحيح مسلم أن النبى _صلى الله عليه وسلم_قال (((يُؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدُمُه سورة البقرة وآل عمران))
وسب تسميتها بسورة (آل عمران):: لأن فيها ذكر قصة آل عمران من بدايتها حيث قال الله تعالى {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }آل عمران33
وجاء فيها بعد ذلك {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }آل عمران35
ولم يرد مثل هذا فى غير هذه السورة فلفظ (عِمْرَانَ) الذى فى سورة "التحريم" يتحدث عن "مريم" فقال تعالى {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ }التحريم12
الجدير بالذكر أن هذه السورة((آل عمران)) هى الوحيدة التى فيها قصة "أم مريم" فقصتها ليست مذكورة حتى فى سورة "مريم"
_وتسمى ((الزهراء)):: فهى وسورة ""البقرة"" تسميان ((الزهرواين)) ففى صحيح مسلم أن النبى _صلى الله عليه وسلم _قال ((اقرءوا الزهرواين البقرة وىل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فِرقان من طير صواف تُحاجان عن أصحابهما))
2_مكية السورة أو مدنيتها :
سورة (آل عمران) مدنية بإتفاق ومواضيع السورة ومحاورها تدل على ذلك ولم أقف على خلاف فى مدنيتها .
3_محور السورة ::
بسبب حجم السورة الكبير فقد تناولت عدداً كبيراً من الموضوعات كما سيأتى , إلا أن محور السورة العام هو ((إثبات وحدانية الله عزوجل ))
والحقيقة أن أكثر سور القرآن تتناول هذا الموضوع من جانب أو آخر ,ولا غرو, فإن أُس الخلاف مع أهل الكتاب أو غيرهم من الكفار هو إبتداءً فى هذه الحقيقة
وأما سبب إهتمام هذه السورة به لأن :: مقصود السورة الأعظم تقرير ((كون عيسى عليه الصلاة والسلام هو عبد الله ورسوله ))
وقد ركزت السورة على (مسألة التوحيد) وما يتعلق بذلك من صفات لله تعالى , بل إن سورة آل عمران هو "السورة الوحيدة التى فصل فيها بين الأحرف المقطعة والحديث عن القرآن الكريم " فقد فُصل بينهما "بالتأكيد على وحدانية الله وعلى أنه الحى القيوم "
فقال تعالى الم{1} اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{2} نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ{3}
بينما فى باقى سور المصحف الشريف التى افتتحت بالحروف المقطعة ::يأتى الحديث عن القرآن الكريم مباشرة بعد الأحرف المقطعة عدا سورة (مريم) _التى تدور حول تنزيه الله تعالى عن الولد_ فلا يوجد فيها عن حديث عن القرآن الكريم بعد الأحرف المقطعة –صراحة_ وإنما تأتى الإشارات إلى القرآن الكريم ضمن السياق .
ويقال هذا فى سورة "العنكبوت" و "الروم" والله أعلم .
يقول الإمام الحافظ "ابن كثير " حول هذه اللطيفة ::
(ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يُذكر فيها الإنتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته وهذا معلوم بالإستقراء))
والدلائل على محور "توحيد الله تعالى " فى السورة كثيرة جداً فقد ذكرت شهادة توحيد الله تعالى فى هذه السورة صراحةً (خمس مرات) وذلك فى قوله تعالى ((اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{2}
وقوله تعالى ((هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{6}
وقوله تعالى ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18}
وقوله تعالى ((إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{62}
وهذا الحشد "لشهادة التوحيد" هو الأكثر فى القرآن الكريم حيث وردت "شهادة التوحيد" صراحة فى باقى سور القرآن الكريم بتكرار أقل من ذلك .
كما أن شهادة التوحيد لم تتكرر مرتين فى آية واحدة فى القرآن الكريم إلا فى سورة "آل عمران" فى آية الشهادة ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18}
كما ذُكر فى سورة آل عمران الأمر بعبادة الله تعالى وأكَدَ بعدم الإشراك به وعدم إتخاذ البشر آلهة !!
فقال تعالى ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ ))
وامتازت السورة الكريمة بهذا , حيث أن الآيات التى دعت إلى عبادة الله تعالى وحده فى باقى القرآن الكريم ليس فيها تأكيده بعدم الإشراك به تعالى .
والحمد لله رب العالمين
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
تعليق