من الأسباب المعينة على حفظ القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى أله وصحبه أجمعين أما بعد :
إخوتي الكرام أخواتي الكريمات كثير منا يتمنى حفظ كلام الله عز وجل ، ويتمنى بلوغ المراتب ونيل الفضائل التي يظفر بها كل حافظ لكتاب الله سبحانه ، ولكن البعض يستعظم هذا الأمر ويظنه من المحال ، والحقيقة أن هذا أول العوائق التي تحول بينهم وبين نيل هذا الشرف العظيم ، فمن أزال هذا الحاجز من البداية وبدأ الحفظ بالتوكل على الله لوجد الأمر أسهل مما يظن ويعتقد ، كيف لا؟ وقد الله تبارك وتعالى عن كتابه في كتابه
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}
"القمر : 17" ..
"القمر : 17" ..
وهذا العائق المذكور آنفا عند بعض الناس إما أنه راجع إلى اعتقاد يعتقدونه في نفوسهم منذ الصغر بسبب التربية أو البيئة والظروف التي نشؤوا فيها أو لاطلاعهم على بعض المقالات والدورات التي عنيت بهذا الموضوع فتطرحه في بعض الأحيان بشيء من التعقيد الذي لا يتناسب مع قول الله تبارك وتعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ولهذا نجد أن بعض الناس الذين لديهم رغبة في حفظ كتاب الله تعالى يتراجعون لما يسمعون أو يقرؤون مثلا :
- قبل أن تبدأ في الحفظ بمدة معينة عليك بأكل حفنة من الزبيب مع شرب خل التفاح ..!!
- عليك بحركات تسخينية للدماغ بحل معادلات رياضية وألغاز مستعصية .. !!
- إذا حفظت قدرا معينا توقف قليلا ثم ارسم فراشة بيضاء وشجرة خضراء وسماء زرقاء وبعدها واصل الحفظ !!..
- شهيق عشر مرات زفير عشر مرات كل مرة قبل الشروع في الحفظ وكل مرة تاخذ مدة دقيقتين ... !! (من باب التشبيه)
يعني الله المستعان .. الآن الذي يريد حفظ كتاب الله لما يسمع او يقرأ قائمة كبيرة من الشروط بمثل هذا الشكل المذكور بل اكثر !! هل سيُقبل أو يُدبر ؟؟ طبعا الإجابة معلومة..
بل والأدهى وأمرّ أنه الآن صار هناك من يحاولون إقحام البرمجة اللغوية العصبية ، وجعلها وسيلة من وسائل حفظ القران !! استرخي .. احلم .. تخيل .. !! بل إن خطورة الأمر تكمن في أن هذا العلم الدخيل علينا له جذور وثنية وعقائد مجوسية ، وقد تكلم في حرمته جمع من أهل العلم والتخصص ..!!
وإن حتى شرع الطالب في تطبيق كل ذلك ، لاشك أنه سوف يفتر سريعاً ، لأن هذا فيه مبالغات واضحة ، وفيه تكلف ومشقة ، ويتعارض مع المنهجية الصحيحة ، ولا يتوافق كما قلنا مع قوله سبحانه : " ولقد يسرنا القرآن للذكر" ..
فكلام الله سبحانه وتعالى يسيرٌ حفظه على من يسره الله عليه ، وهو توفيق من الله سبحانه وتعالى للعبد الذي يبذل الاسباب المعينة له على ذلك ، والحمد لله الذي وفقنا لحفظ كتابه في سن مُبكِّرة ، ولم نكن نعلم وقتها شيئا لا عن البرمجة العصبية ولا العظمية ولا الشحمية ، ونسأل الله أن يرزقنا التوفيق فيما بقي وهو الأهم والغاية ألا وهو العمل ثم الدعوة ..
المقصود أحبتي في الله أن الذي يريد حفظ كتاب الله تعالى ما يحتاج إلى حل معادلات رياضية وتمارين بدنية وشرب سوائل وأكل أطعمة معينة وغير ذلك .. كل ما يجب على الطالب هو الإلتزام ببعض القوائد وتطبيق بعض الخطوات المساعدة بإذن الله تعالى ونذكر منها بكل سهولة وبساطة ويسر :
● حب القرآن : من أراد أن يحفظ القرآن فعليه أن يحبه ، ومَن أحب شيئا داوم على ذكره وصحبته ، ومِن محبة القرآن أن تتعرف عليه ، وخير ما يتعرف به الإنسان على القرآن هو من القرآن نفسه ، ومن كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن كلام السلف .. ( هذه إضافة من الدكتور سعد الرفاعي حفظه الله)..
● إخلاص النية لله : فما كان لله دام واتصل وما كان لغيره انقطع وانفصل .. بمعنى أنه إذا نويت بحفظك وجه الله تبارك وتعالى ، فإنه سبحانه يوفقك لمقصودك ، ويسهله عليك ، ويتقبله منك ، ويبارك لك فيه ، وأما إذا كان الدافع لك من حفظ القرآن هو التفاخر وجلب ثناء الناس أو ابتغاء عرض من الدنيا الزائل ، فإنني أذكرك بحديث الثلاثة الأوائل الذين تسعر بهم النار يوم القيامة ومنهم : (.. ورجل تعلم العلم, وعلمه, وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها, قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته, وقرأت فيك القرآن, قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم, وقرأت القرآن ليقال هو قارئ, فقد قيل, ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) رواه مسلم في صحيحه .
● الإستعانة بالله : فلا توفيق إلا منه سبحانه وتعالى {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}"هود : 88" ..
● صدق العزيمة وقوة الإرادة : وهذا معناه في التوكل على الله والمبادرة إلى الأعمال الصالحة وترك التسويف والتراخي
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران : 159]
(احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)رواه مسلم .. والإرادة إذا وُجدت في الإنسان سواء كان صغيراً أو كبيراً وصاحبها صدق وإخلاص فإنها دافعة له على بلوغ القصد والطلب المراد .. فهناك من حفظ القرآن في سن ما دون العشر..وهناك من حفظه في عمر الستين أو السبعين وهذا موجود ومشاهد إلى يومنا هذا ..
● تحديد الوقت المناسب : وحبذا وقت السَّحَر حيث يكون الذهن في الغالب صافيا وحتى يبارك في حفظك ويشملك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) .
تنبيه : لا نلزمك بهذا الوقت تحديدا وإنما أي وقت تكون فيه ذاكرتك مرتاحة وجاهزة لقبول معلومات جديدة وحفظ جديد وهذا طبعا يختلف من شخص لآخر حسب الظروف ..
● والمكان المناسب : بعيدا عن المشغلات والملهيات التي تشوش على الذهن .. فلا يستقيم أن تحفظ وأنت مشغل التلفاز أو في نزهة أو أمام أناس يتجاذبون أطراف الحديث أو ماشابه ذلك ! فهذا كله ومثله سوف يشغلك عن تحقيق المقصود ..
● والرواية المناسبة : فعندما تختار رواية ورش مثلا فلا تنتقل لغيرها حتى تضطبها وتجيدها وتتمكن منها غاية التمكن ويحسن بك أن تبدأ بالرواية المشهورة عند أهل بلدك ...
● والمصحف المناسب : إذا بدأت حفظك في طبعة معينة فإن صفحات هذه الطبعة سوف تنقش صورتها في ذهنك ومخيلتك فإذا انتقلت لطبعة أخرى مختلفة عنها صار عندك الخلط والتشويش لأن الحفظ يكون بالسمع والنظر معاً ...
● والقدر المناسب من المحفوظ : ولا تحفظ أكثر مما تستوعبه ذاكرتك فتفتر سريعا .. فلأن تحفظ اليسير المتصل الذي تقدر عليه وتستمر على ذلك خير من تحفظ الكثير المنقطع ثم لا تداوم عليه !..
● والمعلم المناسب : للإستظهار عليه والتعرف على قواعد التجويد وأصول الرواية وتجنب اللحن في القراءة وهذا أمرٌ مهم لا عذر لأحد فيه فالحمد لله الآن أي واحد يستطيع التواصل مع المشايخ والقراءة عليهم عن طريق شبكة الانترنت ..
● الضبط والإتقان : فحفظ جزء واحد بإتقان خير من حفظ جميع القرآن بغير إتقان ! لأن الذي يحفظ حفظا منضبطا سوف لن ينساه بسهولة ويتيسر عليه مراجعته واستذكاره ويستطيع استحضار الآيات التي يحتاجها للإستشهاد بها مثلا دون أن يجد صعوبة في ذلك ، بخلاف من يحفظ حفظا عشوائيا وغير متقن فإنه ينسى محفوظه بسرعة ويتعب في مراجعته مع مرور الأيام وأيضا يتعذر عليه استحضاره إذا تطلب الأمر منه ذلك ، ولهذا أنبه إلى أنه من سلبيات الدورات التي تقام في حفظ القرآن في شهر أو شهرين ، أن حافظ القرآن بها ينساه بسرعة كما حفظه بسرعة وتفوته أشياء كثيرة تتأتى مع طول الوقت ، بالإضافة إلى أن هذا ماكان أبدا من طريقة السلف مع حرصهم على الخير وقوة حافظتهم وحسن إسلامهم ! فاحرص على أن يكون ما تحفظه مناسبا لذاكرتك وأكثر من تكراره ومراجعته حتى يثبت في صدرك ويرسخ في قلبك دون استعجال...
● المداومة على المراجعة : خصص أوقات فراغك للمراجعة وحبذا لو تقرأ بمحفوظك أثناء صلاتك فإنه يثبت في صدرك وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته ( تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا(أي تفلتا)من الإبل في عقلها )..
● فهم الآيات المراد حفظها : وهذا أيضا مما يساعدك على الحفظ فحاول أن تطلع على تفسير عام للآيات التي تنوي حفظها كتفسير السعدي رحمه الله فهو طيب وميسر بإذن الله ..
● الصبر والإستمرار : فلابد من الصبر والمصابرة لأن حفظ القرآن من أجَلِّ الأعمال الصالحة التي يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى لذلك عليك أن تجاهد نفسك قدر ما تستطيع حتى تظفر بمطلوبك وتفوز في معركتك مع شياطين الجن والإنس والنفس الأمارة والهوى الذين سوف يحاولون إعاقتك .. قال الله جل وعلا مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا. فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورً } "الإنسان 23-24" .. وأيضا عليك بالإستمرار في حفظك ولو كان قليلا لأن من يحفظ ثم ينقطع مدةً ينسى فيها محفوظه ثم يعود مرة أخرى ويبدأ من جديد وكل مرة نفس الشيء فهذا لن يحفظ القرآن إطلاقا ولو استمر عمره كله على هذه الكيفية وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه : (أحب الأعمالإلىالله: أدومها وإن قل) ..
● تنظيم الوقت : اجعل لك برنامجا تلتزم به يوميا وتُلزم نفسك به كما تلتزم بالطعام والشراب ، فاجعل لك مثلاً وقتا للحفظ ، ووقتا للمراجعة ، ووقتا للورد اليومي ، ووقتا للقراءة على شيخك ، ووقتا للنظر في تفسير ميسر لمعرفة معاني الآيات أو لمشاهدة حلقات تم تنزيلها على شبكة الانترنت في علم التجويد وأصول الرواية التي بدأت حفظك بها وهكذا .. وأما الفوضوية فهي من عوائق الطلب والنجاح لاشك ..
● الإكثار من الدعاء : وبعد أن تقوم بكل هذه الخطوات أكثر من الدعاء لله تبارك وتعالى أن يوفقك ويثبتك ويصبرك ويعينك على حفظ كتابه والعمل به والدعوة إليه وحاشا لله أن يخيب من قصده ورفع أكف الضراعة إليه {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}"غافر : 60" ...
● ( العمل به ) إذا وفقك الله تبارك وتعالى لحفظ كتابه ونيل هذه المنزلة العظيمة فيتوجب عليك أن تزداد عملاً وتطبيقا له أكثر من السابق وتحاول قدر الإمكان التخلق بآدابه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه والوقوف عند حدوده فأنت الآن قدوة لغيرك حامل لكلام الله بين جنبيك فما الفائدة من الحفظ إذا لم يكن المقصود به العمل؟ ورضي الله عن أم المؤمنين عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ماكان منها إلا أجابت قائلة : ( كان خلقه القرآن ).. ورضي الله عن الصحابة لما فطنوا لهذا كانوا أحرص الناس عملاً بالقرآن وتمسكاً به وفهما وتدبرا له بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : ( كنا لا نتجاوز عشر آيات حتى نعلم ما فيها من القول والعمل فتعلمنا العلم والعمل جميعا ) وهذا هو حال المؤمن .. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس ، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان : بم كسينا هذا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن " . السلسلة الصحيحة ..
● ( الدعوة إليه ) فإذا وفقك الله تبارك وتعالى للعلم والعمل فعليك بالدعوة إليه فإن زكاة العلم تعليمه للناس وترغيبهم فيه ولا تقتصر بهذا الخير على نفسك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث المتفق على صحته : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )فبادر إلى دعوة الناس إلى القرآن وحببه إلى نفوسهم وعرفهم بفضائله ومحاسنه وادعهم إلى حفظه وتدبره وفهمه والعمل به والدعوة إليه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) و قال أيضا عليه الصلاة والسلام : ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) .. فإذا عرفت هذا فالزم ..
هذه بعض الأسباب التي تعينك على حفظ القرآن الكريم كتبتها باختصار وإيجاز شديدين أسأل الله أن ينفعكم بها وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته وأن يجعلنا وإياكم ممن يقال له يوم القيامة : (قرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها ) والحمد لله رب العالمين ..
كتبه أخوكم
خالد إسلام البعمراني
تعليق