حِكَم وأسرار :
كثيراً ما يقرن الباري - سبحانه وتعالى - بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم، وبين كتابيهما وشريعتيهما.
أولاً: اقتـران نبـوَّة محـمـد صلى الله عليه وسلم ونبــوَّة مـوسى صلى الله عليه وسلم: قـال - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً} [الإسراء: ١ - ٢]، وقال - تعالى -: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [البقرة: 108]، وقال - تعالى -: {يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً} [النساء: 153]، وقال - تعالى -: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164]، وقال - تعالى -: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إذْ قَضَيْنَا إلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [القصص: ٤٤]، وقـال - تعالى -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسْرَائِيلَ} [السجدة: 23]، وقال - تعالـى -: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْـحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: ٣]، وقال - تعالى -: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15].
ثانياً: اقتران كتابيهما: قـال - تعالى -: {وَلَـمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّـمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠١]، وقـال - تعالى -: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إنَّهُ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17]، وقال - تعالى -: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12].
ثالثاً: اقتران اتباعهما: قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً}. [الأحزاب: 69]
وفي السُّنة النبوية:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُنَاساً فِي الْقِسْمَةِ؛ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاساً مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ! فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم! فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»)[1].
ومن حكمة هذا الاقتران:
أن كتابيهما أفضل الكتب، وأن شريعتيهما أكمل الشرائع، وأن نبوَّتيهما أعلى النبوات، أن أتباعهما أكثر المؤمنين، وأن كليهما كانت مهمته شاقة في دكِّ عروش الظلم وحصون الاستبداد ومقاومة الطغيان والإلحاد والخرافة، وتحرير الرقاب والقلوب من استعباد الإنسان للإنسان واستعباد الهوى للنفس؛ فبنو إسرائيل أذلَّهم الحكم الطاغي فأصبحوا لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، والعرب أخذ سلطان القبيلة بنواصيهم واستحوذت العصبية القبلية على نفوسهم فخضع الضعفاء للأقوياء ودان العبيد للسادة[2].
وإن الله - سبحانه - علم أن أجيالاً من هذه الأمة المسلمة ستمر بأدوار كالتي مرَّ فيها بنو إسرائيل، وتقف من دينها وعقيدتها مواقف شبيهة بمواقف بني إسرائيل؛ فعرض عليها مزالقَ الطريق، مصوَّرةً في تاريخ بني إسرائيل؛ لتكون لها عظةً وعبرةً؛ ولترى صورتها في هذه المرآة المرفوعة لها بِيَد الله - سبحانه - قبل الوقوع في تلك المزالق أو اللجاج فيها على مدار الطريق[3].
وكما أن الأنبياء لا تخلو من الابتلاء بالمعاندين، كما حدث لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - فكذا لا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين؛ فقلما انفك وليٌّ أو عالم عن ضروب من الإيذاء، بنحو إخراج من بلدة، وسعاية إلى سلطان، وشهادة عليه حتى بالكفر، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا[4].
يتبع
كثيراً ما يقرن الباري - سبحانه وتعالى - بين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة موسى صلى الله عليه وسلم، وبين كتابيهما وشريعتيهما.
أولاً: اقتـران نبـوَّة محـمـد صلى الله عليه وسلم ونبــوَّة مـوسى صلى الله عليه وسلم: قـال - تعالى -: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْـمَسْجِدِ الْـحَرَامِ إلَى الْـمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً} [الإسراء: ١ - ٢]، وقال - تعالى -: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [البقرة: 108]، وقال - تعالى -: {يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُّبِيناً} [النساء: 153]، وقال - تعالى -: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء: 164]، وقال - تعالى -: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إذْ قَضَيْنَا إلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } [القصص: ٤٤]، وقـال - تعالى -: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسْرَائِيلَ} [السجدة: 23]، وقال - تعالـى -: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِن نَّبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْـحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: ٣]، وقال - تعالى -: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15].
ثانياً: اقتران كتابيهما: قـال - تعالى -: {وَلَـمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّـمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٠١]، وقـال - تعالى -: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إنَّهُ الْـحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17]، وقال - تعالى -: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12].
ثالثاً: اقتران اتباعهما: قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً}. [الأحزاب: 69]
وفي السُّنة النبوية:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: (لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُنَاساً فِي الْقِسْمَةِ؛ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاساً مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ، فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ. قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ! فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم! فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»)[1].
ومن حكمة هذا الاقتران:
أن كتابيهما أفضل الكتب، وأن شريعتيهما أكمل الشرائع، وأن نبوَّتيهما أعلى النبوات، أن أتباعهما أكثر المؤمنين، وأن كليهما كانت مهمته شاقة في دكِّ عروش الظلم وحصون الاستبداد ومقاومة الطغيان والإلحاد والخرافة، وتحرير الرقاب والقلوب من استعباد الإنسان للإنسان واستعباد الهوى للنفس؛ فبنو إسرائيل أذلَّهم الحكم الطاغي فأصبحوا لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، والعرب أخذ سلطان القبيلة بنواصيهم واستحوذت العصبية القبلية على نفوسهم فخضع الضعفاء للأقوياء ودان العبيد للسادة[2].
وإن الله - سبحانه - علم أن أجيالاً من هذه الأمة المسلمة ستمر بأدوار كالتي مرَّ فيها بنو إسرائيل، وتقف من دينها وعقيدتها مواقف شبيهة بمواقف بني إسرائيل؛ فعرض عليها مزالقَ الطريق، مصوَّرةً في تاريخ بني إسرائيل؛ لتكون لها عظةً وعبرةً؛ ولترى صورتها في هذه المرآة المرفوعة لها بِيَد الله - سبحانه - قبل الوقوع في تلك المزالق أو اللجاج فيها على مدار الطريق[3].
وكما أن الأنبياء لا تخلو من الابتلاء بالمعاندين، كما حدث لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - فكذا لا تخلو الأولياء والعلماء عن الابتلاء بالجاهلين؛ فقلما انفك وليٌّ أو عالم عن ضروب من الإيذاء، بنحو إخراج من بلدة، وسعاية إلى سلطان، وشهادة عليه حتى بالكفر، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا[4].
يتبع
تعليق