ليس في القرآن أشد غيظا لابليس منها
"قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"
روى الحافظ أبو محمد عبد الغني بن سعيد عن ابن عمر قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الفجر في سفر فقرأ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم قال قرأت بكم ثلث القرآن و ربعه، و روى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أتحب يا جبير إذا خرجت في سفر أن تكون أمثل أصحابك هيئه و أكثرهم زادا» قلت: نعم، قال: « فاقرأ هذه السور الخمس من أول قل يا أيها الكافرون إلى قل أعوذ برب الناس وافتتح قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم».
وقال ابن عباس: ليس في القرآن أشد غيظا لابليس منها لأنها توحيد وبراءة من الشرك .
وقال الأصمعي : كان يقال لـ قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد المقشقشتان... أي أنهما تبرآن من النفاق.
روي في سبب نزول هذه السورة سورة الكافرون أن الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل و الأسود بن عبد المطلب و أمية بن خلف قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تعال حتى نعبد إلهك مدة وتعبد آلهتنا مدة، فيحصل مصلح بيننا وبينك ...فان كان أمرك رشيدا أخذنا منه حظا، وان كان امرنا رشيدا أخذت منه حظا، فنزلت السورة ونزل أيضا "قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُون"[َ(64) الزمر].
وفيها مباحث
1. انه تعالى وصفهم بالكفر مرة وبالجهل مرة، ويقول في ذلك الفخر الرازي رحمه الله :
الجهل كالشجرة، والكفر كالثمرة، فكأن الجهل أصل للضلالات فالكفر و الشرك وان تنوعت أوصافه فهو ثمرة للجهل .
2. قوله تعالى لكم دينكم ولي دين، قال ابن عباس لكم كفركم بالله ولي التوحيد والإخلاص.
3. ليس في هذه السورة رضى بدين المشركين ولا أهل الكتاب، ومن زعم أنه رضي بدين المشركين واحتج بقوله تعالى ? لكم دينكم ولي دين ? فقد افترى على سيد الخلق عليه السلام ونظير هذه الآية:
"وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ"[(41) يونس]، فلا يوجد رضى يفهم من منطوقها، وانما حد بين الكفر والإيمان حد فاصل ... كفر أو إيمان.
4. من فهمنا للآية يتبين أن هناك كفر لا إيمان فيه وإيمان خالص لاكفر فيه، ولا يوجد بينهما جسر ولا رابط ولا مجال للتقارب بين الأديان -على حد زعمهم- فالعقيدة هي القاسم المشترك بين الناس إن توحدت عندهم توحدوا، وان اختلفت اختلفوا، ولا يوجد غيرها.
5. يمر المجتمع الإسلامي بفترة يكون الصفاء فيه غالبا, أو تكون الأغشية هي الغالبة، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجد المنافقون وكان يعرفهم، وكان الصحابة يعرفونهم لصفاء المجتمع وشفافيته التي تظهر النفاق. ولقد استمر الحال إلى أن وصل المجتمع الإسلامي إلى ما وصل إليه من الأغشية والأتربة، حتى لايكاد يُرى إلا الخبيث. وحصل كثير من اللبس والخلط بين الحق والباطل، وكثير من الناس يمارس الباطل على أنه حق وصدق الله العظيم الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
6. المفاصلة واجبة بين الكفر والإيمان، فالذي يدعو إلى التقارب والتوافق إما أن يكون جاهلا لا يعلم ما يقول، وأن جهله هذا سوف يؤتي ثماره؛ ولن تكون ثمرة الجهل إلا الكفر. أو أنه خبيث, فمن رضي بالكفر كفر، ومن رضي بمنكر يراه وان لم يباشره كان في الإثم بمنزلة المباشر, روى أبو داود عن العرس بن عميره الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقال مرة فأنكرها".
=========================
تعليق