د. سالم عبد الله المحمود ، و الشيخ عبد المجيد الزنداني قال تعالي: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرهما ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما} (النساء: 56). و قال تعالي: { و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} (محمد: 15). فهل هناك فارق بين الجلد و الأمعاء في الإحساس بالألم كما يفهم من الآيتين؟ أولا: الحقائق العلمية المتعلقة بالجلد من ناحية الإحساس بالألم: كان الاعتقاد السائد منذ عدة قرون أن الجسم كله حساس للآلام و لم يكن معروفا أن هناك أعصاب متخصصة في جسم الإنسان لنقل أنواع الآلام المختلفة. و لكن العلم الحديث اكتشف أن هناك ما يقرب من خمسة عشر مركزا لمختلف أنواع الإحساس العصبي. و قد قسم علماء الطب الإحساس إلي ثلاث مجموعات: إحساس سطحي، إحساس عميق، و إحساس مركب. يختص الإحساس السطحي باللمس و الألم و الحرارة ، أما الإحساس العميق فيختص بالعضلات و المفاصل. و قد أثبت التشريح أن الأعصاب الخاصة بالألم و الحرارة متقاربة جدا وتقع نهايات الأعصاب الخاصة بالإحساس بالألم في منطقة الجلد بكثافة عالية. فالجلد هو أهم أجزاء جسم الإنسان إحساسا بالألم، نظرا لأنه الجزء الأغنى بنهايات الأعصاب الناقلة للألم و الحرارة.درجات الحروق و أنواعها: يوجد حروق من الدرجة الأولي، و حروق من الدرجة الثانية ، و تنقسم كل منها إلي حروق سطحية و حروق عميقة، ثم حروق من الدرجة الثالثة. في هذه الحروق الأخيرة نجد أن طبقة الجلد تصاب بكاملها، و ربما تصل الإصابة إلي العضلات أو العظام، و يفقد الجلد مرونته و يصبح قاسيا جافا. و في هذه الحالة فإن المصاب لا يحس بالألم كثيرا لأن نهايات الأعصاب تكون قد تلفت بسبب الاحتراق.ثانيا: الأحشاء و عذاب يوم القيامة:كشف علم التشريح أن الأمعاء تتركب من ثلاث طبقات رئيسية هي: الطبقة الخارجية: و هي الطبقة المصلية، و هي عبارة عن غشاء رقيق رطب بما يفرزه من سائل مصلي..، الطبقة الوسطى: و هي الطبقة العضلية ، و الطبقة الداخلية و تسمي بالطبقة المخاطية، و التي تنقسم بدورها إلي عدة طبقات. و يتجلى في هذا التركيب الإبداع الإلهي الذي جعل الأمعاء من الداخل في حماية من المؤثرات الداخلة إليها التي يمكن أن تحدث آلاما منها آلام الإحساس بالحرارة. أما تجويف البطن فهو مبطن بالبريتون الذي يبلغ حجمه 20400 سم مكعب و يساوي نفس حجم الجلد الخارجي للجسم . و تشبه متلقيات الألم (Receptors) و الوحدات الحسية الأخرى الموجودة في الأحشاء ، تلك الموجودة في الجلد، مع الاختلاف في درجة توزيعها. ما الأحشاء فلا يوجد بها إلا عدد قليل من الأعضاء الحسية للحرارة و اللمس. لذا فعندما عندما يخدر جدار البطن بمخدر موضعي، و يفتح البطن و تمسك الأمعاء أو حتى تقطع، لا ينتج عن ذلك أي انزعاج أو إحساس بالألم. و لكن عندما تقطع الأمعاء بسبب شرب الماء الحميم (ماء حار شديد الغليان) الذي ينفذ منها إلي التجويف البريتوني المحيط بالأحشاء (البريتوني) و الغني بالأعصاب الحساسة فإن العذاب بحرارة الحميم يبلغ أشده. فتقطيع الأمعاء هدفه الوصول إلي الطبقة الخارجية من البريتون التي بها العصب المغذي للحس (Nerve Supply) . وجه الإعجاز في الآيات:بين الله تعالي أن الجلد هو محل الألم و العذاب، و هو وسيلة إحساس الكافرين بعذاب النار، و ذلك في قوله تعالي: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} . فحين ينضج هذا الجلد و يحترق و يفقد وظيفته و يتلاشى الإحساس بالألم، يستبدل بجلد جديد مكتمل التركيب و الوظيفة، و هذا هو ما أثبته العلم الحديث من أن الجلد به نهايات عصبية هي مراكز الإحساس بالألم و الحرارة ، و التي إذا احترقت كما بينا في حالة الحرائق من الدرجة الثالثة، فإن الإحساس بالألم يتلاشى. كما كشف العلم الحديث أن هذه النهايات العصبية لا توجد بكثافة إلا في الجلد، و ما عرفت هذه الحقيقة إلا بعد اختراع المجهر و تقدم علم التشريح و لكن القرآن الكريم أشار إلي هذه الحقائق منذ أربعة عشر قرنا.
أما السبب في تهديد الكفار بالعذاب بماء حميم {و سقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم} (محمد: 15). فقد اتضح السبب الآن مع تقدم العلم الحديث من أن الأمعاء لا تتأثر بالحرارة، و لكنها إذا قطعت خرج منها الماء الحميم إلي البريتون الجداري، الذي يغذي بنفس نوعية الأعصاب التي تغذي الجلد . أما العذاب عن طريق الجلد فيختلف لاختلاف طبيعة الجلد، فلا يكون الإحساس بالعذاب في الجلد إذا نضج إلا بتجديد جلد جديد. هذه الحقائق التي اكتشفها العلم الحديث كما ذكرنا، قالها القرآن الكريم منذ 14 قرنا، لأن القرآن هو كلام الخالق العليم، الذي يعلم دقائق تركيب الإنسان و أسراره
تعليق