قصة كشف عمر بن الخطاب عن ساقي أم كلثوم بنت علي
لفضيلة الشيخ / علي حشيش
المصدر / مجلة التوحيد
===
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اتخذها أهل السفور دليلاً شرعيًا للشباب لرؤية بعض جسد المرأة وهم يريدون خِطبتها.
أولا: متن القصة
رُوِيَ عن أبي جعفر قال: "خطب عمر بن الخطاب إلى علي ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها، فقيل له إنه ردك فعاوده، فقال له علي: أبعث بها إليك فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقيها فقالت: أرسل، لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك" وفي رواية "للطمت عينيك".
ثانيا: التخريج
هذه القصة أخرجها سعيد بن منصور في "سننه" (147/1)، وعبد الرزاق في "المصنف (163/6) من طريق سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال: فذكره.
ثالثًا: التحقيق
القصة: واهية وعلتها الانقطاع
1 أبو جعفر أورده الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (311/9) قال: محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر الباقر أمه بنت الحسن بن علي بن أبي طالب.
ثم نقل عن ابن البرقي قوله: "كان مولده (يعني أبا جعفر) سنة ست وخمسين.
2 قال الحافظ في "التقريب" (54/2):
"عمر بن الخطاب بن نُفَيل... القرشي أمير المؤمنين مشهور جم المناقب استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين".
3 بالمقارنة بين تاريخ مولد أبي جعفر، وبين تاريخ وفاة عمر رضي الله عنه نجد أن أبا جعفر ولد بعد موت عمر رضي الله عنه بثلاث وثلاثين سنة من هذا الانقطاع يتبين عدم صحة القصة.
4 فائدة:
قال الإمام النووي في "التقريب" (349/2 تدريب):
"النوع الستون: التواريخ والوفيات: هو فن مهم به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنُظِرَ في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين".
5 وأبو جعفر أورده الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "المراسيل" ترجمه (340) حيث قال:
"محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر".
أخبرنا محمد بن حمويه بن الحسن قال: سمعت أبا طالب يعني: أحمد بن حميد يقول: سألت أحمد بن حنبل عن محمد بن علي، سمع من أم سلمة شيئًا؟
قال: لا يصح أنه سمع.
قلت: فسمع من عائشة؟
فقال: لا!! ماتت عائشة قبل أم سلمة".
ثم قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول:
"أبو جعفر محمد بن علي لم يلق أم سلمة" اه.
قلت: وأم سلمة، قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (617/2):
"هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن المغيرة بن مخزوم المخزومية، أم سلمة، أم المؤمنين، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع وقيل ثلاث، وعاشت بعد ذلك ستين سنة، ماتت سنة اثنتين وستين".
قلت: ولم يصح له السماع من أم سلمة فكيف بعمر رضي الله عنه الذي مات قبل أم سلمة بتسع وثلاثين سنة.
من هذا يتبين أن القصة واهية.
رابعا: طريق آخر
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (163/6) من طريق ابن جريج قال: سمعت الأعمش يقول: خطب عمر فذكر القصة.
خامسًا: التحقيق
الأعمش: هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي. مولاهم أبو محمد الكوفي الأعمش.
نقل الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (197/4) عن الخليلي أنه قال:
"وقول ابن المنادي الذي سلف أن الأعمش أخذ بركاب أبي بكرة الثقفي غلط فاحش لأن الأعمش ولد إما سنة (61) أو سنة (59) على الاختلاف في ذلك وأبو بكرة مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين فكيف يتهيأ أن يأخذ بركاب من مات قبل مولده بعشر سنين أو نحوها". اه
قلت فكيف بعمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي مات سنة ثلاث وعشرين أي قبل مولد الأعمش بثماني وثلاثين سنة.
ولذلك قال الإمام السيوطي في "التدريب" (205/1):
"مرسلات أبي إسحق الهمداني، والأعمش، والتيمي، ويحيى بن أبي كثير شبه لا شيء".
قلت: وهذا الانقطاع شر من مجهول العين ومجهول الحال فهو مردود بالاتفاق بين العلماء وذلك للجهل بحال وعين الراوي المحذوف.
سادسًا: تراجع الشيخ الألباني رحمه الله
لئلا يتقَوّل علينا متقول أو يتوهم واهم بأن القصة صحيحة مغترًا بأن الشيخ الألباني رحمه الله أوردها في السلسلة "الصحيحة" (156/1)، (158/1).
نقول: إن الشيخ الألباني رحمه الله، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء تراجع عن ذلك في السلسلة "الضعيفة" (433/3، 434) حيث قال:
1 (تنبيه): كنت ذكرت في المصدر المذكور يعني "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (156/1) نقلا عن "تلخيص الحبير" لابن حجر العسقلاني (ص291-292) من الطبعة الهندية رواية عبد الرزاق، وسعيد بن منصور وابن أبي عمر، عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم.. القصة، وفيها أن عمر رضي الله عنه كشف عن ساقِها.
2 وقد اعتبرتها يومئذ صحيحة الإسناد، اعتمادًا مني على ابن حجر وهو الحافظ الثقة وقد أفاد أن راويها هو ابن الحنفية، وهو أخو أم كلثوم، وأدرك عمر ودخل عليه.
3 فلما طبع "مصنف عبد الرزاق" بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، ووقفت على إسنادها فيه (10352/10) تبين لي أن في السند إرسالا وانقطاعا، وأن قوله في "التلخيص": ".. ابن الحنفية" خطأ لا أدري سببه، فإنه فى "المصنف": "... عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال:..".
وكذلك هو عند سعيد بن منصور (3 رقم 520) كما ذكر الشيخ الأعظمي.
5 وعليه فراوي القصة ليس ابن الحنفية، لأن كنيته أبو القاسم، وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب كما تقدم؛ لأنه هو الذي يكني بأبي جعفر، وهو الباقر.
وهو من صغار التابعين، روى عن جديه الحسن والحسين وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلا كما في "التهذيب" وغيره.
6 فهو لم يدرك عليا بَلْه عمر، كيف وقد ولد بعد وفاته بأكثر من عشرين سنة، فهو لم يدرك القصة يقينا، فيكون الإسناد منقطعا.
7 فرأيت من الواجب على أداءً للأمانة العلمية أن أهتبل هذه الفرصة وأن أبين للقراء ما تبين لي من الانقطاع. والله تعالى هو المسئول أن يغفر لنا ما زلت به أقلامنا، ونَبَت عن الصواب أفكارنا، إنه خير مسئول". اه.
قلت: هذا هو تراجع الشيخ الألباني رحمه الله سائلا الله المغفرة لأن هذا الأمر عظيم، يحسبه من لا دراية له بهذا العلم هينا.
فكيف بالأحداث الذين لا دراية لهم بهذا الفن من قصاص ووعاظ والذين يستخفون العوام بالقصص الواهية التي عندما نبين ضررها ونكشف عوارها يغضبون ويتألمون وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فلماذا لا يرجعون تائبين مستغفرين متأسين بمحدث الديار الشامية رحمه الله وبما أورده الإمام الذهبي رحمه الله في "الميزان" (97/4) في ترجمة مسروح أبي شهاب نقلا عن ابن أبي حاتم قال: "سألت أبي عن مسروح، وعرضت عليه بعض حديثه فقال: "يحتاج إلى توبة من حديث باطل رواه عن الثوري" قال الذهبي: "إي والله، هذا هو الحق، إن كل من روى حديثا يعلم أنه غير صحيح، فعليه التوبة أو يهتكه". اه.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن
يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {النساء:135}.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً {النساء:135}.
منقول للفائدة
تعليق