الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول اللَّه ومن ولاه، أما بعد:
فهذه بعض الدروس والفوائد التي استُخلصت من قصة داود عليه السلام:
1- تجليات فضل اللَّه على عباده.
ترادف نعم اللَّه على عباده عامة وعلى أنبيائه وأوليائه خاصة لا ينكره إلا جاحد، وقد خصَّ اللَّه نبيه داود بمزيد من فضله وظهر ذلك واضحًا في المظاهر الآتية:
سخر اللَّه له الجبال والطير تردد معه ذكره وتسبيحه.
ألان في يده الحديد فصار كالعجينة يصنع منه ما يشاء.
يسَّر له تلاوة الزبور، وآتاه الملك فجمع له الخيرين خير الدنيا والآخرة.
أنعم عليه بالقوة في البدن والحكمة في الرأس والعدل في الحكم.
أنعم عليه بالذرية الصالحة: "وورث سليمان داود".
2- الشكر قيد النعمة:
شكر النعمة يمنعها من الزوال ويجلب المزيد، ويمنع النقمة، وبهذا قضى العزيز الحميد، فقال سبحانه: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد {إبراهيم: 7}، وقليل من الناس من يعرف النعمة فيقرُّ بها للمنعم سبحانه ويشكره عليها بوضعها فيما أمر سبحانه، وكان داود عليه السلام من هذا القليل الشاكر، فاستحق من اللَّه الثناء: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور {سبأ: 13}.
3- بنو إسرائيل لم يشكروا نعمة اللَّه عليهم:
لم يشكر اليهود نعمة اللَّه عليهم بإنزال التوارة، فحرفوها وبدلوها ولم يعملوا بما فيها، ولم يشكروا نعمة اللَّه عليهم بتتابع الأنبياء فيهم، فآذوا أنبياء اللَّه حال حياتهم وبعد مماتهم، ومنهم من قتلوه، ومن ذلك ما فعلوه مع نبي اللَّه داود عليه السلام وهو المبجل فيهم، فوصفوه بالثائر السفاح الذي يحب سفك الدماء وإقامة الملك على جماجم البشر، وإن شئت التفاصيل فراجع العهد القديم، سفر الملوك الثاني الفصول من (5- 20)، وكذلك ما نسبوا إلى نبيهم داود زورًا وبهتانًا أن داود عليه السلام قد رأى امرأة جاره وهي تغتسل فأحبَّها حبًا شديدًا، فأرسل زوجها في إحدى المعارك، وأمر القائد أن يجعله في المقدمة لعله يقتل فيتزوج امرأته، وتوراة اليهود التي كتبوها بأيديهم- وليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى- تمتلئ بهذه السفاهات التي أنزه سمع القارئ وبصره عنها.
فهم لم يتركوا نبيّا إلا أساءوا إليه، بل لم يسلم اللَّه سبحانه وتعالى من افتراءاتهم، فتعالى اللَّه عما يقولون علوًا كبيرًا.
ومن هنا فقد حذرنا اللَّه أن نكون مثلهم، وذكر ذلك في كتابه الكريم تصريحًا وتلميحًا.
4- أفضل ما أكل الإنسان من عمل يده:
هذا أيضًا مما تعلمناه من قصة داود عليه السلام، فعلى الرغم من كونه خليفة في الأرض وملكًا على أمة امتد ملكها، إلا أنه كان يأكل من عمل يده: وألنا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدر في السرد، فكان عليه السلام يصنع الدروع ويبيعها ويأكل من ثمنها.
وفي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم : "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". وهكذا الأنبياء والصالحون، فمنهم من كان يرعى الغنم، ومنهم من كان نجارًا؛ كزكريا عليه السلام، ومنهم من عمل بالنجارة زمنًا مثل نوح عليه السلام، ومنهم من عمل بالتجارة فكان يبيع ويشتري في الأسواق، وكبار الصحابة رضي اللَّه عنهم كان الواحد منهم يعمل بيده ويحمل على ظهره ليكتسب قوته ويتصدق من عمل يده، فقد أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى العمل وكسب القوت، حتى ولو كان العمل في الاحتطاب، فلا غضاضة في ذلك، فهذا خيرٌ من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم متواترة في ذلك، وأعمال الصحابة كذلك شاهدة على ذلك، فكانوا يتناوبون فيما بينهم في سماع النبي صلى الله عليه وسلم والجلوس عنده وفي طلب الرزق، ومن عجب أن يخفى ذلك على كثير من شبابنا ممن يدعون طلب العلم ويتخذونه حرفة لهم، حتى أصبحوا عالة على غيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5- من المعجزات المحسوسة أن ألان اللَّه الحديد لداود عليه السلام فجعله مطاوعًا له يشكله كما يشاء، وهذه آية من آيات اللَّه الكونية ودليل على قدرة اللَّه سبحانه، فهو الذي جعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم، وجعل الماء سلاحًا أغرق فرعون، ونجا موسى، وألان الحديد لداود، وهكذا فلله جنود السماوات والأرض يفعل ما يشاء ويختار؛ ولكن أكثر الناس يجهلون هذه الحقيقة.
6- ومن الفوائد ما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه اللَّه، فقال في تفسير قوله تعالى: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية، هذه الآية تمنع من حكم الحاكم بعلمه؛ لأن الحكام لو مكنُّوا أن يحكموا بعلمهم لم يشأ أحدهم إذا أراد أن يحفظ وليه ويهلك عدوه إلا ادعى عليه فيما حكم به، ونحو ذلك؛ روى عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر رضي اللَّه عنه قال: لو رأيت رجلاً على حدٍ من حدود اللَّه ما أخذته حتى يشهد على ذلك غيري.
وروى أن امرأة جاءت إلى عمر رضي اللَّه عنه فقالت له: احكم لي على فلان بكذا فإنك تعلم ما لي عنده، فقال لها: إن أردت أن أشهد لك فنعم، وأما الحكم فلا.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد. انتهى مختصرًا.
وأقول: قد ازدان القضاء الإسلامي بدرر ناصعات من النزاهة والعدل واحترام حقوق الآخرين حتى ولو كانوا غير مسلمين، وذلك مما يضيق المجال عن ذكره، وأكتفي بهذا القدر، وأسأل اللَّه أن ينفعني بما كتبت، وأن ينفعك بما تقرأ، وأن يرزقنا الثبات على الحق والدين حتى يأتينا اليقين، وإلى لقاء استودعكم اللَّه، والسلام عليكم ورحمة اللَّه.
فهذه بعض الدروس والفوائد التي استُخلصت من قصة داود عليه السلام:
1- تجليات فضل اللَّه على عباده.
ترادف نعم اللَّه على عباده عامة وعلى أنبيائه وأوليائه خاصة لا ينكره إلا جاحد، وقد خصَّ اللَّه نبيه داود بمزيد من فضله وظهر ذلك واضحًا في المظاهر الآتية:
سخر اللَّه له الجبال والطير تردد معه ذكره وتسبيحه.
ألان في يده الحديد فصار كالعجينة يصنع منه ما يشاء.
يسَّر له تلاوة الزبور، وآتاه الملك فجمع له الخيرين خير الدنيا والآخرة.
أنعم عليه بالقوة في البدن والحكمة في الرأس والعدل في الحكم.
أنعم عليه بالذرية الصالحة: "وورث سليمان داود".
2- الشكر قيد النعمة:
شكر النعمة يمنعها من الزوال ويجلب المزيد، ويمنع النقمة، وبهذا قضى العزيز الحميد، فقال سبحانه: وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد {إبراهيم: 7}، وقليل من الناس من يعرف النعمة فيقرُّ بها للمنعم سبحانه ويشكره عليها بوضعها فيما أمر سبحانه، وكان داود عليه السلام من هذا القليل الشاكر، فاستحق من اللَّه الثناء: اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور {سبأ: 13}.
3- بنو إسرائيل لم يشكروا نعمة اللَّه عليهم:
لم يشكر اليهود نعمة اللَّه عليهم بإنزال التوارة، فحرفوها وبدلوها ولم يعملوا بما فيها، ولم يشكروا نعمة اللَّه عليهم بتتابع الأنبياء فيهم، فآذوا أنبياء اللَّه حال حياتهم وبعد مماتهم، ومنهم من قتلوه، ومن ذلك ما فعلوه مع نبي اللَّه داود عليه السلام وهو المبجل فيهم، فوصفوه بالثائر السفاح الذي يحب سفك الدماء وإقامة الملك على جماجم البشر، وإن شئت التفاصيل فراجع العهد القديم، سفر الملوك الثاني الفصول من (5- 20)، وكذلك ما نسبوا إلى نبيهم داود زورًا وبهتانًا أن داود عليه السلام قد رأى امرأة جاره وهي تغتسل فأحبَّها حبًا شديدًا، فأرسل زوجها في إحدى المعارك، وأمر القائد أن يجعله في المقدمة لعله يقتل فيتزوج امرأته، وتوراة اليهود التي كتبوها بأيديهم- وليست التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى- تمتلئ بهذه السفاهات التي أنزه سمع القارئ وبصره عنها.
فهم لم يتركوا نبيّا إلا أساءوا إليه، بل لم يسلم اللَّه سبحانه وتعالى من افتراءاتهم، فتعالى اللَّه عما يقولون علوًا كبيرًا.
ومن هنا فقد حذرنا اللَّه أن نكون مثلهم، وذكر ذلك في كتابه الكريم تصريحًا وتلميحًا.
4- أفضل ما أكل الإنسان من عمل يده:
هذا أيضًا مما تعلمناه من قصة داود عليه السلام، فعلى الرغم من كونه خليفة في الأرض وملكًا على أمة امتد ملكها، إلا أنه كان يأكل من عمل يده: وألنا له الحديد (10) أن اعمل سابغات وقدر في السرد، فكان عليه السلام يصنع الدروع ويبيعها ويأكل من ثمنها.
وفي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم : "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبيَّ اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده". وهكذا الأنبياء والصالحون، فمنهم من كان يرعى الغنم، ومنهم من كان نجارًا؛ كزكريا عليه السلام، ومنهم من عمل بالنجارة زمنًا مثل نوح عليه السلام، ومنهم من عمل بالتجارة فكان يبيع ويشتري في الأسواق، وكبار الصحابة رضي اللَّه عنهم كان الواحد منهم يعمل بيده ويحمل على ظهره ليكتسب قوته ويتصدق من عمل يده، فقد أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى العمل وكسب القوت، حتى ولو كان العمل في الاحتطاب، فلا غضاضة في ذلك، فهذا خيرٌ من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم متواترة في ذلك، وأعمال الصحابة كذلك شاهدة على ذلك، فكانوا يتناوبون فيما بينهم في سماع النبي صلى الله عليه وسلم والجلوس عنده وفي طلب الرزق، ومن عجب أن يخفى ذلك على كثير من شبابنا ممن يدعون طلب العلم ويتخذونه حرفة لهم، حتى أصبحوا عالة على غيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
5- من المعجزات المحسوسة أن ألان اللَّه الحديد لداود عليه السلام فجعله مطاوعًا له يشكله كما يشاء، وهذه آية من آيات اللَّه الكونية ودليل على قدرة اللَّه سبحانه، فهو الذي جعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم، وجعل الماء سلاحًا أغرق فرعون، ونجا موسى، وألان الحديد لداود، وهكذا فلله جنود السماوات والأرض يفعل ما يشاء ويختار؛ ولكن أكثر الناس يجهلون هذه الحقيقة.
6- ومن الفوائد ما ذكره الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه اللَّه، فقال في تفسير قوله تعالى: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض الآية، هذه الآية تمنع من حكم الحاكم بعلمه؛ لأن الحكام لو مكنُّوا أن يحكموا بعلمهم لم يشأ أحدهم إذا أراد أن يحفظ وليه ويهلك عدوه إلا ادعى عليه فيما حكم به، ونحو ذلك؛ روى عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر رضي اللَّه عنه قال: لو رأيت رجلاً على حدٍ من حدود اللَّه ما أخذته حتى يشهد على ذلك غيري.
وروى أن امرأة جاءت إلى عمر رضي اللَّه عنه فقالت له: احكم لي على فلان بكذا فإنك تعلم ما لي عنده، فقال لها: إن أردت أن أشهد لك فنعم، وأما الحكم فلا.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد. انتهى مختصرًا.
وأقول: قد ازدان القضاء الإسلامي بدرر ناصعات من النزاهة والعدل واحترام حقوق الآخرين حتى ولو كانوا غير مسلمين، وذلك مما يضيق المجال عن ذكره، وأكتفي بهذا القدر، وأسأل اللَّه أن ينفعني بما كتبت، وأن ينفعك بما تقرأ، وأن يرزقنا الثبات على الحق والدين حتى يأتينا اليقين، وإلى لقاء استودعكم اللَّه، والسلام عليكم ورحمة اللَّه.
تعليق