الحمد لله رب العالمين الذي أنزل الكتاب المبين على عبده ورسوله الصادق الأمين , فشرح به صدور عباده المتقين الغر الميامين , وأشهد أن لا أله الله وحده لا شريك له , ولا ولد له ولا ند له , واحد في ذاته أحد في أفعاله متفرد بصفاته ,ليس كمثله شئ وهو السميع البصير, إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه , يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل , حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أنتهي إليه بصره من خلقه ,
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه , سيد الأولين والآخرين , وخاتم الأنبياء والمرسلين , والمبعوث رحمة للعالمين
أما بعد ,,,
أحبتي في الله
نحن اليوم على موعد مع رجل من طراز فريد , نحن مع الرجل الذي عاين طائر الفاقه يحوم حول حب الإيثار فألقى له ذلكم الرجل حب الحب على روض الرضا واستلقى على فراش الفقر آمناً مطمئناً فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة وتركه هنالك ثم علا على أفنان وأغصان شجرة الصدق ليغرد لهذا الرجل بأغلى وأعلى المدح وهو يتلوا في حقه قول ربه " وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) "
يا ترى من هو ذلك الرجل ؟؟؟
إنه صاحب النبي في الحضر والأسفار , ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار , وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار , والممدوح في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كل الأخيار وعامة الأبرار .
إنه فضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه: " ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) " الحديد 10
تجرد من الأموال والأعراض، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض، صار للمحن هدفاً، وللبلاء غرضاً، وزهد فيما عز له جوهراً كان أو عرضاً، تفرد بالحق، عن الالتفات إلى الخلق .
إنه السابق إلى التصديق , إنه الملقب بالعتيق , إنه المؤيد من الله بالتوفيق
إنـــــــــه ..................... أبو بكر الصديق " رضي الله عنه وأرضاه "
إنه الرجل الأمة
نعم إنه رجل بأمة فقد روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر "
اسمه ونسبه :
اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
واسم أمه:أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة.
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال: أحدهما ما روي عن عائشة انها سئلت: لِمَ سُمي أبو بكر عتيقاً؟ فقالت: نظر إليه رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عتيق الله من النار.
والثاني: أنه اسم سمّته به أمه، قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه - قاله الليث بن سعد.
وقال ابن قتيبة لقبّه النبي. صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي. صلى الله عليه وسلم صِدّيقاً وقال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا.
وكان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء: " الصديق " .
اسماءزوجاته :
الاولي : قتيلة بنت عبد العزي بن عبد الله . انجبت له عبد اللهواسماء .
الثانية : ام رومان بنت عامر بن عويمر . انجبت له عبد الرحمن وعائشة .
الثالثة : اسماء بنت عميس . انجبت له محمداالرابعة : حبيبة بنت خارجة بنزيد . انجبت له ام كلثوم بعد وفاته .
أسماء أولاده :
وكان له من الولد: عبد الله، وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة، وعبد الرحمن، وعائشة - أمهما أم رومان - ومحمد، وأمه أسماء بنت عُميس، وأم كلثوم. وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على " خارجة " فتزوج ابنته.
فأما عبد الله: فانه شهد الطائف.
وأما أسماء: فتزوجها الزبير فولدت له عدةً ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة.
وأما عبد الرحمن: فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم.
وأما محمد: فكان من نساك قريش، إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار، ثم ولاه علي بن أبي طالب مصر فقتله هناك صاحب معاوية.
وأما أم كلثوم: فتزوجها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
ذكر صفته :
كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفاً خفيف العارضين معروق الوجه ناتيء الجبهة أجنى لايستمسك، إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم. عن أنس قال: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم.
وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم، أبيض.
حياته قبل الإسلام :
لقد كان رضي الله عنه قبل الإسلام من سادة قريش ومن خير شبابها وكان مثل النبي صلى الله عله وسلم ولم يكن يسهر في نادياً من نوادي قريش مع الشباب ولم يشرب الخمر أبداً لا في الجاهلية ولا في الإسلام وكان كريما حيياً جواداً خلوقاً وقد قيل فيه كما قيل في النبي " فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق .... الحديث " والحديث مخرج بطوله في صحيح البخاري
إسلامه رضي الله عنه :
كان أبو بكر رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له فيه كبوة إلا أبا بكر فإنه ما تردد فيه " والحديث من باب الأمانة العلمية في سنده ضعف ولكن يشهد له ما رواه أبو نعيم في الحلية وبن عساكر بسند حسن من حديث بن عباس رضي الله عنهما قال " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما كلمت أحداً في الإسلام إلا أبى علي وراجعني الكلام إلا بن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شئ إلا قبله واستقام عليه " وهذه شهادة من النبي أن أبا بكر كان أكثر الناس استقامة على دين الله
أبو بكر حول الرسول :
لقد كان النبي أحب الناس إلى أبي بكر بل ولقد كان أبي بكر من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن عمرو بن العاص قال : " فَأَتَيْتُهُ أي - النبي- فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ
" رواه البخري في صحيحه وغيره
كانت الصديقة وأبيها أحب الناس إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم
وحين الهجرة من مكة إلى المدينة خرج الجميع إلى المدينة إلا أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم
وقد روى البخاري عن محمد بن الحنفية – بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه قال " قُلْتُ لِأَبِي, أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
"
وهذه شهادة من علي رضي الله عنه وأرضاه أن خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو الصديق رضي الله عنه .
ولقد كان وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغير إذا أغضب أحد أبي بكر ولو كان عمر ففي الحديث الذي رواه البخاري وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ – أي خاصم أو دخل في خصومة - فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ – أي النبي صلى الله عليه وسلم - يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا لَا فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا
"
هذه هي مكانة الصديق في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة " وقال الالباني في المشكاة حديث صحيح
فوالله ما ارتقى الصديق رضي الله عنه هذا المرتقى وما بلغ هذه المكانة إلا بعدما تم إيمانه واستلقى على عرش اليقين يقيه حين لم يدع سبيل من سبل الخير إلا وأسرع إليها كالريح المرسلة
ففي الحديث الذي رواه البخاري في الادب المفرد ومسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال "فمن تبع منكم اليوم جنازة." قال أبو بكر رضي الله عنه: انا. قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟" قال أبو بكر رضي الله عنه. أنا. قال "فمن عاد منكم اليوم مريضا." قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في أمريء، إلا دخل الجنة".
ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان في وجوده أو في غير وجوده ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ – أي أنهما ليسا موجودان في هذا المجلس - وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ "
ما هذا الجمال وما هذا الجلال وما هذه الشهادة التي شهدها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى للصديق وللفاروق رضي الله عنهما
ويدل هذا الحديث أن أبا بكر قد تم إيمانه وقد تم تصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم
بل ولقد صدقه لأبعد من ذلك وذلك يوم الإسراء ولقد كان شعاره إذا تأزمت الأمور وتشككت الصدور " إن كان قد قال فقد صدق "
قالها يوم الإسراء ولم يتردد فيها ولم يتهته فيها ولم يتلعثم فيها فلقد قال حين أخبر عن حادثة الإسراء " إن كان محمد قال ذلك فقد صدق "
وها هو في صلح الحديبية كان مثالاً في الصدق واليقين فقد حدث ما حدث من الشروط الجائرة والظالمة
فحين قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم " ألست نبي الله حقا؟ قال: (بلى). قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: (بلى). قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري). قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: (بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام). قال: قلت: لا، قال: (فإنك آتيه ومطوف به). قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقا، قال بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق؟ قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به، قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا . " والحديث مخرج بطوله في صحيح البخاري
أرئيتم الفارق هذا هو الفارق الذي جعل الصديق هو خير الأمة بعد نبيها
نعم نحن نحب الفاروق ولكن يأبى الله ورسوله أن يتقدم أحد على الصديق فلقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغضب حين أراد عمر في مرض النبي أن يتقدم ليصلي بالناس إماماً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأبى الله ورسوله لا يتقدم أحد على صديق الأمة " رضي الله عنه وأرضاه .
ونراه في الهجرة قد فاض حنانه وقد فاض حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم نراه يمشي أمام النبي تارة وخلف النبي تارة وعن يمينه تارة وعن يساره تارة فحين سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك , فقال يا رسول الله إن مشيت خلفك خفت أن تؤتى من أمامك , وإن مشيت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك " والحديث رواه البيهقي مرسل ولكن له شواهد ترقيه إلى مرتبة الحسن
عن أنس بن مالك، قال: لما كان ليلة الغار، قال أبو بكر: يارسول الله دعني، فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك، قال: ادخل، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه فكلما رأى جحراً جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقى جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: " اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة " . فأوحى الله تعالى إليه: " إن الله قد استجاب لك " .
ويقول الصديق في رواية البراء بن عازب في الصحيحين في يوم الهجرة " انْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي قَالَ نَعَمْ فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنْ الْغُبَارِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالْأُخْرَى فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ "
يا الله ما هذا الحنان وماهذ الحب وما هذا الجلال " فشرب حتى رضيت "
ولننتقل إلى يوم من أصعب الأيام التي مرت على الأمة بل هو أصعب الأيام التي مرت على الأمة وهو اليوم الذي نام فيه المصطفى على فراش الموت ولقد ذكرنا تفاصيل ذلك اليوم في الحلقة السابقة .
في هذا اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم طاشت العقول وضاقت الصدور وعم الذهول لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ وَوَاللّهِ لَيَرْجِعَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى ، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَات
قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر ٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللّهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا ، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا . قَالَ ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } . قَالَ فَوَاَللّهِ لَكَأَنّ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ قَالَ وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا ، فَعَقِرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مَاتَ . "
لقد كان بليغا عاقلا متزن ملهم مفهم عالما تقيا نقيا محب لله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
أبو بكر وعطاؤه للاسلام :
لما مات رسول الله اجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ
فَتَكَلّمَ أَبُو بَكْر ٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي ؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي ؛ الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللّهُ بِالذّلّ وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللّهُ بِالْبَلَاءِ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِذَا عَصَيْتُ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ . قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمْ اللّهُ .
قال علي رضى الله عنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في امرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضيناه لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر.
وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر اصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال السوق قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وعن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر الخلافة قال أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم افرضوا لخليفة رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما يغنيه فقالوا نعم برداه إذا اخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضي الله عنه رضيت.
ولما ولي استعمل عمر على الحج ثم حج أبو بكر من قابل ثم اعتمر في رحب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبهْ لا تقم ثم التزمه وقبّل بين عيني أبي قحافة جعل أبو قحافة يبكي فرحا بقدومه وجاء والي مكة عتاب بن أسيد و سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه فقالوا السلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله. صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فاحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبه لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله.
وقال هل من أحد يتشكى ظلامة؟ فما أتاه أحد فاثنى الناس على واليهم.
جهاد أبى بكر :
لقد دخل الناس فى دين الله أفواجًا، وقلَّ عدد المشركين الذين يعبدون الأصنام، وطهرت الجزيرة العربية من الشر، لكن بعض الذين دخلوا فى الإسلام كان منهم ضعاف الإيمان، ولم يكن الإيمان قد استقر فى قلوبهم، وقد دخله بعضهم طمعًا فى الأراضى والأموال.
وكانت وفاة الرسول فرصة لهؤلاء وأولئك لكى يظهروا ما أخفوه خلال الفترة الماضية، ولكى يعلنوا ردتهم عن الدين الحنيف، فماذا يفعل الصديق، والخلافة فى أول عهدها ؟!
إن هناك جماعة منعت الزكاة، وأخرى ارتدت، بل ادعى بعض الناس منهم النبوة !
جيش أسامة:
لقد كان على أبى بكر -رضى الله عنه- أن يواجه هؤلاء جميعًا. وليس هذا فقط بل كان عليه أن يؤمِّن حدود الدولة الإسلامية ضد الأعداء الخارجيين، وكان الرسول ( قد أعدَّ لذلك جيشًا بقيادة أسامة بن زيد، ولكنه ( مات قبل أن يبرح الجيش المدينة، وظل أسامة بجيشه على حدود المدينة ينتظر الأوامر!
وراح الجميع يفكرون فى مواجهة أعداء الأمة الإسلامية الوليدة!
وكان رأى بعض المسلمين أن توجه كل الجهود إلى محاربة المرتدين، وأن يؤجل إنفاذ جيش أسامة لمحاربة الروم إلى ما بعد القضاء على المرتدين، وأن يتفرغ أبو بكر لذلك، ولكن أبا بكر وقف شامخًا راسخًا، يؤكد العزم على قتالهم جميعًا فى كل الجبهات
فلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
" [متفق عليه]
قام الصحابة للصديق وقالوا له فلتأجل بعث اسامة ويصر أن يتم بعث أسامة قائلا: "والله لو ظننت أن السباع تخطفنى لأنفذت بعث أسامة كما أمر الرسول " [ابن كثير].
فقال الصحابة إن كان لا بد فاختر قائداً أخر , فقال الصديق ايختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً على الجيش وأعزله أنا .
ثم قام ليمشي بجوار اسامة ليبذل له النصئح الغالية وكان اسامة على حصانه وأبوبكر بجواره يمشي على الارض فقال له المربى المهذب اسامة بن زيد يا خليفة رسول الله إما أن اترجل – يعني امشي على الارض – وإما أن تركب , فقال الصديق رضى الله عنه وماذا على أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله , ثم قال الصديق لاسامة " لا تغدرو ولا تخونوا , ولا تحرقوا نخلا ًولا تقطعوا شجرة مثمرة , ولا تقتلوا طفلاً , ولا شيخ كبير , ولا امرءة , ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا للأكل , وستمرون على أقواما في الصوامع تفرغوا للعبادة فدعوهم , ثم قال انطلقوا بسم الله
وأعد أبو بكر رضى الله عنه إحدى عشرة حملة عسكرية، كان من أشهرها: حملة خالد بن الوليد، وحملة العلاء بن الحضرمى.
هذا هو الجزء الاول من سيرة الصديق
وانتظروا الجزء الثاني في القريب العاجل في نفس الموضوع
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه , سيد الأولين والآخرين , وخاتم الأنبياء والمرسلين , والمبعوث رحمة للعالمين
أما بعد ,,,
أحبتي في الله
نحن اليوم على موعد مع رجل من طراز فريد , نحن مع الرجل الذي عاين طائر الفاقه يحوم حول حب الإيثار فألقى له ذلكم الرجل حب الحب على روض الرضا واستلقى على فراش الفقر آمناً مطمئناً فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة وتركه هنالك ثم علا على أفنان وأغصان شجرة الصدق ليغرد لهذا الرجل بأغلى وأعلى المدح وهو يتلوا في حقه قول ربه " وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21) "
يا ترى من هو ذلك الرجل ؟؟؟
إنه صاحب النبي في الحضر والأسفار , ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار , وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار , والممدوح في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كل الأخيار وعامة الأبرار .
إنه فضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه: " ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ) " الحديد 10
تجرد من الأموال والأعراض، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض، صار للمحن هدفاً، وللبلاء غرضاً، وزهد فيما عز له جوهراً كان أو عرضاً، تفرد بالحق، عن الالتفات إلى الخلق .
إنه السابق إلى التصديق , إنه الملقب بالعتيق , إنه المؤيد من الله بالتوفيق
إنـــــــــه ..................... أبو بكر الصديق " رضي الله عنه وأرضاه "
إنه الرجل الأمة
نعم إنه رجل بأمة فقد روى الإمام أحمد في مسنده بسند حسن من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح إيمان أبي بكر "
اسمه ونسبه :
اسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي.
واسم أمه:أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر، ماتت مسلمة.
وفي تسميته بعتيق ثلاثة أقوال: أحدهما ما روي عن عائشة انها سئلت: لِمَ سُمي أبو بكر عتيقاً؟ فقالت: نظر إليه رسول الله. صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عتيق الله من النار.
والثاني: أنه اسم سمّته به أمه، قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سمي به لجمال وجهه - قاله الليث بن سعد.
وقال ابن قتيبة لقبّه النبي. صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه سماه النبي. صلى الله عليه وسلم صِدّيقاً وقال: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، أبو بكر الصديق لا يلبث إلا قليلا.
وكان علي بن أبي طالب يحلف بالله أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء: " الصديق " .
اسماءزوجاته :
الاولي : قتيلة بنت عبد العزي بن عبد الله . انجبت له عبد اللهواسماء .
الثانية : ام رومان بنت عامر بن عويمر . انجبت له عبد الرحمن وعائشة .
الثالثة : اسماء بنت عميس . انجبت له محمداالرابعة : حبيبة بنت خارجة بنزيد . انجبت له ام كلثوم بعد وفاته .
أسماء أولاده :
وكان له من الولد: عبد الله، وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة، وعبد الرحمن، وعائشة - أمهما أم رومان - ومحمد، وأمه أسماء بنت عُميس، وأم كلثوم. وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد، وكان أبو بكر لما هاجر إلى المدينة نزل على " خارجة " فتزوج ابنته.
فأما عبد الله: فانه شهد الطائف.
وأما أسماء: فتزوجها الزبير فولدت له عدةً ثم طلقها، فكانت مع ابنها عبد الله إلى أن قتل وعاشت مائة سنة.
وأما عبد الرحمن: فشهد يوم بدر مع المشركين ثم أسلم.
وأما محمد: فكان من نساك قريش، إلا أنه أعان على عثمان يوم الدار، ثم ولاه علي بن أبي طالب مصر فقتله هناك صاحب معاوية.
وأما أم كلثوم: فتزوجها طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.
ذكر صفته :
كان أبو بكر رضي الله عنه نحيفاً خفيف العارضين معروق الوجه ناتيء الجبهة أجنى لايستمسك، إزاره يسترخي عن حقويه، عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم. عن أنس قال: كان أبو بكر يخضب بالحناء والكتم.
وعن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلاً نحيفاً خفيف اللحم، أبيض.
حياته قبل الإسلام :
لقد كان رضي الله عنه قبل الإسلام من سادة قريش ومن خير شبابها وكان مثل النبي صلى الله عله وسلم ولم يكن يسهر في نادياً من نوادي قريش مع الشباب ولم يشرب الخمر أبداً لا في الجاهلية ولا في الإسلام وكان كريما حيياً جواداً خلوقاً وقد قيل فيه كما قيل في النبي " فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق .... الحديث " والحديث مخرج بطوله في صحيح البخاري
إسلامه رضي الله عنه :
كان أبو بكر رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال وقال النبي صلى الله عليه وسلم " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له فيه كبوة إلا أبا بكر فإنه ما تردد فيه " والحديث من باب الأمانة العلمية في سنده ضعف ولكن يشهد له ما رواه أبو نعيم في الحلية وبن عساكر بسند حسن من حديث بن عباس رضي الله عنهما قال " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما كلمت أحداً في الإسلام إلا أبى علي وراجعني الكلام إلا بن أبي قحافة فإني لم أكلمه في شئ إلا قبله واستقام عليه " وهذه شهادة من النبي أن أبا بكر كان أكثر الناس استقامة على دين الله
إذا تذكَّرتَ شجواً من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبيَّ وأوفاها بما حملا
الثانيَ التالي المحمودَ مشهده ... وأول الناس حقاً صدّق الرُّسلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... إلا النبيَّ وأوفاها بما حملا
الثانيَ التالي المحمودَ مشهده ... وأول الناس حقاً صدّق الرُّسلا
أبو بكر حول الرسول :
لقد كان النبي أحب الناس إلى أبي بكر بل ولقد كان أبي بكر من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أن عمرو بن العاص قال : " فَأَتَيْتُهُ أي - النبي- فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ
" رواه البخري في صحيحه وغيره
كانت الصديقة وأبيها أحب الناس إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم
وحين الهجرة من مكة إلى المدينة خرج الجميع إلى المدينة إلا أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم
وقد روى البخاري عن محمد بن الحنفية – بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه قال " قُلْتُ لِأَبِي, أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ ثُمَّ أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
"
وهذه شهادة من علي رضي الله عنه وأرضاه أن خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو الصديق رضي الله عنه .
ولقد كان وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغير إذا أغضب أحد أبي بكر ولو كان عمر ففي الحديث الذي رواه البخاري وغيره من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ – أي خاصم أو دخل في خصومة - فَسَلَّمَ وَقَالَ إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الْخَطَّابِ شَيْءٌ فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ فَقَالَ – أي النبي صلى الله عليه وسلم - يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلَاثًا ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا لَا فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا
"
هذه هي مكانة الصديق في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بسند صحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمن بن عوف في الجنة وسعد بن أبي وقاص في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة " وقال الالباني في المشكاة حديث صحيح
فوالله ما ارتقى الصديق رضي الله عنه هذا المرتقى وما بلغ هذه المكانة إلا بعدما تم إيمانه واستلقى على عرش اليقين يقيه حين لم يدع سبيل من سبل الخير إلا وأسرع إليها كالريح المرسلة
ففي الحديث الذي رواه البخاري في الادب المفرد ومسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال "فمن تبع منكم اليوم جنازة." قال أبو بكر رضي الله عنه: انا. قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا ؟" قال أبو بكر رضي الله عنه. أنا. قال "فمن عاد منكم اليوم مريضا." قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتمعن في أمريء، إلا دخل الجنة".
ولقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان في وجوده أو في غير وجوده ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ – أي أنهما ليسا موجودان في هذا المجلس - وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ "
ما هذا الجمال وما هذا الجلال وما هذه الشهادة التي شهدها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى للصديق وللفاروق رضي الله عنهما
ويدل هذا الحديث أن أبا بكر قد تم إيمانه وقد تم تصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم
بل ولقد صدقه لأبعد من ذلك وذلك يوم الإسراء ولقد كان شعاره إذا تأزمت الأمور وتشككت الصدور " إن كان قد قال فقد صدق "
قالها يوم الإسراء ولم يتردد فيها ولم يتهته فيها ولم يتلعثم فيها فلقد قال حين أخبر عن حادثة الإسراء " إن كان محمد قال ذلك فقد صدق "
وها هو في صلح الحديبية كان مثالاً في الصدق واليقين فقد حدث ما حدث من الشروط الجائرة والظالمة
فحين قال عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم " ألست نبي الله حقا؟ قال: (بلى). قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: (بلى). قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: (إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري). قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: (بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام). قال: قلت: لا، قال: (فإنك آتيه ومطوف به). قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقا، قال بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل، إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق؟ قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به، قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا . " والحديث مخرج بطوله في صحيح البخاري
أرئيتم الفارق هذا هو الفارق الذي جعل الصديق هو خير الأمة بعد نبيها
نعم نحن نحب الفاروق ولكن يأبى الله ورسوله أن يتقدم أحد على الصديق فلقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغضب حين أراد عمر في مرض النبي أن يتقدم ليصلي بالناس إماماً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأبى الله ورسوله لا يتقدم أحد على صديق الأمة " رضي الله عنه وأرضاه .
ونراه في الهجرة قد فاض حنانه وقد فاض حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم نراه يمشي أمام النبي تارة وخلف النبي تارة وعن يمينه تارة وعن يساره تارة فحين سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك , فقال يا رسول الله إن مشيت خلفك خفت أن تؤتى من أمامك , وإن مشيت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك " والحديث رواه البيهقي مرسل ولكن له شواهد ترقيه إلى مرتبة الحسن
عن أنس بن مالك، قال: لما كان ليلة الغار، قال أبو بكر: يارسول الله دعني، فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك، قال: ادخل، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه فكلما رأى جحراً جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقى جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: " اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة " . فأوحى الله تعالى إليه: " إن الله قد استجاب لك " .
ويقول الصديق في رواية البراء بن عازب في الصحيحين في يوم الهجرة " انْطَلَقْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ فَقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي قَالَ نَعَمْ فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنْ الْغُبَارِ ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالْأُخْرَى فَحَلَبَ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ "
يا الله ما هذا الحنان وماهذ الحب وما هذا الجلال " فشرب حتى رضيت "
ولننتقل إلى يوم من أصعب الأيام التي مرت على الأمة بل هو أصعب الأيام التي مرت على الأمة وهو اليوم الذي نام فيه المصطفى على فراش الموت ولقد ذكرنا تفاصيل ذلك اليوم في الحلقة السابقة .
في هذا اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم طاشت العقول وضاقت الصدور وعم الذهول لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ وَوَاللّهِ لَيَرْجِعَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى ، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَات
قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْر ٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللّهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا ، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا . قَالَ ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يَنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } . قَالَ فَوَاَللّهِ لَكَأَنّ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ قَالَ وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا ، فَعَقِرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مَاتَ . "
لقد كان بليغا عاقلا متزن ملهم مفهم عالما تقيا نقيا محب لله ورسوله ويحبه الله ورسوله .
أبو بكر وعطاؤه للاسلام :
لما مات رسول الله اجْتَمَعَتْ الْأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَذَهَبَ عُمَرُ يَتَكَلَّمُ فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْتُ كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا وَلَكِنَّا الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ عُمَرُ بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ
فَتَكَلّمَ أَبُو بَكْر ٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي ؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي ؛ الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللّهُ بِالذّلّ وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللّهُ بِالْبَلَاءِ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِذَا عَصَيْتُ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ . قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمُكُمْ اللّهُ .
قال علي رضى الله عنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في امرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضيناه لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر.
وعن عطاء بن السائب قال لما استخلف أبو بكر اصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر وأبو عبيدة فقالا له أين تريد يا خليفة رسول الله قال السوق قالا تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين قال فمن أين أطعم عيالي قالا له انطلق حتى نفرض لك شيئا فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وعن حميد بن هلال قال لما ولي أبو بكر الخلافة قال أصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلم افرضوا لخليفة رسول الله. صلى الله عليه وسلم ما يغنيه فقالوا نعم برداه إذا اخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف فقال أبو بكر رضي الله عنه رضيت.
ولما ولي استعمل عمر على الحج ثم حج أبو بكر من قابل ثم اعتمر في رحب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان يحدثهم فقيل له هذا ابنك فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول يا أبهْ لا تقم ثم التزمه وقبّل بين عيني أبي قحافة جعل أبو قحافة يبكي فرحا بقدومه وجاء والي مكة عتاب بن أسيد و سهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه فقالوا السلام عليك يا خليفة رسول الله وصافحوه جميعا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله. صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة يا عتيق هؤلاء الملأ فاحسن صحبتهم فقال أبو بكر يا أبه لا حول ولا قوة إلا بالله طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله.
وقال هل من أحد يتشكى ظلامة؟ فما أتاه أحد فاثنى الناس على واليهم.
جهاد أبى بكر :
لقد دخل الناس فى دين الله أفواجًا، وقلَّ عدد المشركين الذين يعبدون الأصنام، وطهرت الجزيرة العربية من الشر، لكن بعض الذين دخلوا فى الإسلام كان منهم ضعاف الإيمان، ولم يكن الإيمان قد استقر فى قلوبهم، وقد دخله بعضهم طمعًا فى الأراضى والأموال.
وكانت وفاة الرسول فرصة لهؤلاء وأولئك لكى يظهروا ما أخفوه خلال الفترة الماضية، ولكى يعلنوا ردتهم عن الدين الحنيف، فماذا يفعل الصديق، والخلافة فى أول عهدها ؟!
إن هناك جماعة منعت الزكاة، وأخرى ارتدت، بل ادعى بعض الناس منهم النبوة !
جيش أسامة:
لقد كان على أبى بكر -رضى الله عنه- أن يواجه هؤلاء جميعًا. وليس هذا فقط بل كان عليه أن يؤمِّن حدود الدولة الإسلامية ضد الأعداء الخارجيين، وكان الرسول ( قد أعدَّ لذلك جيشًا بقيادة أسامة بن زيد، ولكنه ( مات قبل أن يبرح الجيش المدينة، وظل أسامة بجيشه على حدود المدينة ينتظر الأوامر!
وراح الجميع يفكرون فى مواجهة أعداء الأمة الإسلامية الوليدة!
وكان رأى بعض المسلمين أن توجه كل الجهود إلى محاربة المرتدين، وأن يؤجل إنفاذ جيش أسامة لمحاربة الروم إلى ما بعد القضاء على المرتدين، وأن يتفرغ أبو بكر لذلك، ولكن أبا بكر وقف شامخًا راسخًا، يؤكد العزم على قتالهم جميعًا فى كل الجبهات
فلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ
" [متفق عليه]
قام الصحابة للصديق وقالوا له فلتأجل بعث اسامة ويصر أن يتم بعث أسامة قائلا: "والله لو ظننت أن السباع تخطفنى لأنفذت بعث أسامة كما أمر الرسول " [ابن كثير].
فقال الصحابة إن كان لا بد فاختر قائداً أخر , فقال الصديق ايختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم قائداً على الجيش وأعزله أنا .
ثم قام ليمشي بجوار اسامة ليبذل له النصئح الغالية وكان اسامة على حصانه وأبوبكر بجواره يمشي على الارض فقال له المربى المهذب اسامة بن زيد يا خليفة رسول الله إما أن اترجل – يعني امشي على الارض – وإما أن تركب , فقال الصديق رضى الله عنه وماذا على أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله , ثم قال الصديق لاسامة " لا تغدرو ولا تخونوا , ولا تحرقوا نخلا ًولا تقطعوا شجرة مثمرة , ولا تقتلوا طفلاً , ولا شيخ كبير , ولا امرءة , ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا للأكل , وستمرون على أقواما في الصوامع تفرغوا للعبادة فدعوهم , ثم قال انطلقوا بسم الله
وأعد أبو بكر رضى الله عنه إحدى عشرة حملة عسكرية، كان من أشهرها: حملة خالد بن الوليد، وحملة العلاء بن الحضرمى.
هذا هو الجزء الاول من سيرة الصديق
وانتظروا الجزء الثاني في القريب العاجل في نفس الموضوع
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
تعليق