حياة الصَّحابة مليئة بمواقف التَّضْحية والفداء، والبذل والعطاء، من أجل نصرة دين الله، وهذه نماذج من تضحياتهم إنفاقهم فى سبيل الله .
أبو بكر الصِّديق رضي الله عنه:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله. فبكى أبو بكر رضي الله عنه، فقلت في نفسي: ما يُبكي هذا الشيخ؟ إن يكن الله خيَّر عبدًا بين الدُّنيا وبين ما عنده، فاختار ما عند الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا. قال: يا أبا بكر لا تبك، إنَّ أمَنَّ النَّاس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متَّخذًا خليلًا من أمتي، لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخوَّة الإسلام ومودَّته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر) (1) .
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب، يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق، فوافق ذلك عندي مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكرٍ إن سبقته يومًا، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكرٍ بكلِّ ما عنده، فقال: يا أبا بكرٍ ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسبقه إلى شيءٍ أبدًا)) (2) .
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أنَّ عمر بن الخطَّاب أصاب أرضًا بخيبر، فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنِّي أصبت أرضًا بخيبر، لم أصب مالًا قطُّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: إن شئت حبست أصلها وتصدَّقت بها. قال: فتصدَّق بها عمر: أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدَّق بها في الفقراء، وفي القُرْبى، وفي الرِّقاب، وفي سبيل الله، وابن السَّبيل، والضَّيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير مُتَمَوِّلٍ) قال: فحدَّثت به ابن سيرين، فقال: غير مُتَأَثِّلٍ مالًا)
(3) .
أبو طلحة رضي الله عنه:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: ((كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنَّ الله -تبارك وتعالى- يقول: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ ، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحَاء، وإنَّها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه)) تابعه رَوْحٌ. وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل، عن مالك: ((رايح))
عثمان بن عفان رضي الله عنه:
كان عثمان رضي الله عنه من الأغنياء الذين أغناهم الله عز وجل، وكان صاحب تجارة وأموال طائلة، ولكنه استخدم هذه الأموال في طاعة الله عز وجل وابتغاء مرضاته وما عنده، وصار سبَّاقا لكل خير ينفق ولا يخشى الفقر، ومما أنفقه رضي الله عنه من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي:
1- بئر رومة
عندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة". وقال صلى الله عليه وسلم: "من حفر بئر رومة فله الجنة".
وقد كانت رومة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم لا يشرب منه أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تبيعها بعين في الجنة؟" فقال: يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: "نعم"، قال: قد جعلتها للمسلمين، وقيل: كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل
2- توسعة المسجد النبوي
بعد أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة، فصار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي صلى الله عليه وسلم التي يصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، وينطلقوا منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها، ولذلك ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي صلى الله عليه وسلم من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟" فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من صلب ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد, ووسع على المسلمين رضي الله عنه وأرضاه
3- العسرة وعثمانها المعطاء
عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحيل إلى غزوة تبوك حث الصحابة الأغنياء على البذل لتجهيز جيش العسرة الذي أعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لغزو الروم، فأنفق الأموال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلٌّ على حسب طاقته وجهده، أما عثمان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها
تعليق