إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

خبيب بن عدي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • خبيب بن عدي



    خبيب بن عديّ

    والآن..

    افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال..

    وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان..

    تعالوا، خفاقا وثقالا..

    تعالوا مسرعين، وخاشعين..

    وأقبلوا، لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..!!
    تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟؟
    أجل كانت دروسا..

    وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير..

    ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية..

    أستاذ لوفاتكم مشهده، فقد فاتكم خير كثير، جدّ كثير..

    الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد..

    الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد..

    وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور، وظننتم بالأديان والايمان ظنّ السّوء..

    تعالوا بغروركم..!

    تعالوا وانظروا أية عزة، وأية منعة، وأي ثبات، وأيّ مضاء.. وأي فداء، وأي ولاء..

    وبكلمة واحدة، أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!!

    أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟

    انه موضوع درسنا اليوم، يا كلّ بني الانسان...!

    هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع، وهو الدرس، وهو الاستاذ..

    اسمه خبيب بن عديّ.

    احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا.

    واحفظوه وانشدوه، فانه شرف لكل انسان.. من كل دين، ومن كل مذهب، ومن كل جنس، وفي كل زمان..!!

    انه من أوس المدينة وأنصارها.

    تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم، وآمن بالله رب العالمين.
    كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريّان الضمير.
    كان كما وصفه حسّان بن ثابت:

    صقرا توسّط في الأنصار منصبه

    سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب

    ولما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما.

    وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.

    وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!!

    وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد..

    وكان خبيب عابدا، وناسكا، يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين..

    هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل، ويصوم الناهر، ويقدّس لله رب العالمين..

    وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها، واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.

    وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم..

    وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه:

    " انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..

    وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..

    وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..

    واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار..

    ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.

    والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.

    وانتظروا بما يأمر..

    فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..

    اللهم أخبر عنا نبيك"..
    وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا..

    ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا.

    فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه..
    واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم، وبرطوهما بها..

    ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه..

    واستشهد حيث أراد..

    وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!!

    وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام.

    وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها..

    ودوّى في الآذان اسم خبيب..

    وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد.

    وسارعوا الى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم.

    وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين..!!

    وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا..
    أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين.

    وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر، ويلاشي الهول.

    كان الله معه.. وكان هو مع الله..

    كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..!

    دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم لكييبصروا عجبا..

    " والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه..

    وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة..

    ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا"..!!
    أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت:

    ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا..

    قال يا مريم أنّى لك هذا

    قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب)..

    وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه.

    ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه، وأنزل عليه سكينته ورحمته.
    وراحوا يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!

    أجل، كان ايما خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا..

    كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه..

    واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه..

    وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..

    وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات...
    وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي..

    ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم:

    " والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة"..!!

    ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال:

    " اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا"..

    ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:

    ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي

    وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك على أوصال شلو ممزّع
    ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب..

    ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوا فوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.

    وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!!

    لم يغمض عينيه، ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.

    وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه.

    وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له:

    " أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك"..؟؟

    وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح، في قاتليه:

    " والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة"..



    نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..! نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان، وكان لم يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"..!!
    كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها، فتناوشه في جنون ووحشية..

    وقريبا من المشهد كانت تحومطيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة..

    ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت، وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى.

    وفجأة طارت تشق الفضاء، وتمضي بعيدا.. بعيدا..
    لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب، فخدلت أن تقترب منه أو تناله بسوء..!!

    مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة.
    وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية..

    وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..!!
    كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا، قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى ربه العظيم قائلا:
    " اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"..

    واستجاب الله دعاءه..

    فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة..

    وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..

    ومن فوره دعا المقداد بن عمرو، والزبير بن العوّام..

    فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا.

    وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب.
    ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.

    ولعل ذلك أحرى به وأجدر، حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير الحياة، بطلا.. فوق الصليب..!!!




    خبيب بن عديّ - بطل.. فوق الصليب..!!

    منقول
    التعديل الأخير تم بواسطة يمامة المسجد; الساعة 20-02-2009, 03:31 PM.



  • #2
    رد: رجاتل حول الرسول عليه السلام//خبيب بن عدي//

    جزاك الله خيرا
    " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "
    إن كـان تـابـع أحمـدٍ متـوهِّباً * * * فـأنـا المقـرُّ بـأننـي وهَّـابـي
    أنفي الشـريك عـن الإله فليس لي * * * ربٌّ سـوى المتفـرِّد الـوهَّـابِ
    لا قبـةٌ تُــرجـى ولا وثنٌ ولا * * * قبـرٌ لـه سبـب مـن الأسبـابِ
    كـلا ولا شجـرٌ ولا حجـرٌ ولا * * * عيـنٌ ولا نصـبٌ من الأنصابِ

    تعليق


    • #3
      رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

      وجزاكم ربي خيرا مثله


      تعليق


      • #4
        رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

        جزاكم الله خيرا

        تعليق


        • #5
          رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

          وجزاك ربي خيرا مثله اختي "ام يوسف السلفية"

          وبارك الله فيك على المرور


          تعليق


          • #6
            رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

            باركِ الله فيكِ
            ونفع بكِ

            وجعل هذا العمل في موزين حسناتكـ
            اللهم آمين



            تعليق


            • #7
              رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

              وجزاك الله بالمثل اخيتي الغالية المؤمنة بالله

              وشكر الله لك المرور العطر


              تعليق


              • #8
                رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

                جزاك الله خيرا



                __________________

                تعليق


                • #9
                  رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

                  وجزاكم الله خيرا مثله


                  تعليق


                  • #10
                    خبيب بن عدي

                    خبيب بن عديّ



                    أفسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال
                    وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان
                    تعالوا, خفاقا وثقالا
                    تعالوا مسرعين, وخاشعين
                    وأقبلوا, لتتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير
                    تقولون: أو كل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير
                    أجل كانت دروسا
                    وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير
                    ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية
                    أستاذ لو فاتكم مشهده, فقد فاتكم خير كثير, جدّ كثير
                    إلينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد
                    إلينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد
                    وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور, وظننتم بالأديان والإيمان ظنّ السّوء
                    تعالوا بغروركم
                    تعالوا وانظروا أية عزة, وأية منعة, وأي ثبات, وأيّ مضاء.. وأي فداء, وأي ولاء
                    وبكلمة واحدة, أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الإيمان بالحق على ذويه المخلصين
                    أترون هذا الجثمان المصلوب
                    انه موضوع درسنا اليوم, يا كلّ بني الإنسان
                    هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع, وهو الدرس, وهو الأستاذ
                    اسمه

                    خبيب بن عديّ
                    احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا
                    واحفظوه وانشدوه, فانه شرف لكل إنسان.. من كل دين, ومن كل مذهب, ومن كل جنس, وفي كل زمان
                    انه من أوس المدينة وأنصارها.
                    تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر إليهم, وآمن بالله رب العالمين
                    كان عذب الروح, شفاف النفس, وثيق الإيمان, ريّان الضمير
                    كان كما وصفه حسّان بن ثابت:
                    صقرا توسّط في الأنصار منصبه
                    سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب
                    ولما رفعت غزوة بدر أعلامها, كان هناك

                    جنديا باسلا, ومقاتلا مقداما
                    وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه إبّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.
                    وبعد انتهاء المعركة, وعودة البقايا المهزومة من قريش إلى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم
                    وحفظوا جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ
                    وعاد المسلمون من بدر إلى المدينة, يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد
                    وكان خبيب عابدا, وناسكا, يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين, وشوق العابدين
                    هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل, ويصوم الناهر, ويقدّس لله رب العالمين..
                    وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش,
                    ويتبيّن ما ترامى إليه من تحرّكاتها, واستعدادها لغزو جديد..
                    فاختار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.
                    وانطلق الركب إلى غايته حتى إذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة,
                    نمي خبرهم إلى حيّ من هذيل يقال لهم بنو حيّان فسارعوا إليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم,
                    وراحوا يتعقبونهم, ويقتفون آثارهم..
                    وكادوا يزيغون عنهم, لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال
                    فتناول بعض هذا النوى وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة, ثم صاح في الذين معه:
                    " انه نوى يثرب, فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..
                    وساروا مع النوى المبثوث على الأرض, حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..
                    وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون, فدعا أصحابه إلى صعود قمة عالية على رأس جبل..
                    واقترب الرماة المائة, وأحاطوا بهم عند سفح الجبل وأحكموا حولهم الحصار..
                    ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا

                    ألا ينالهم منهم سوء.
                    والتفت العشرة إلى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.
                    وانتظروا بما يأمر..
                    فإذا هو يقول:" أما أنا, فوالله لا أنزل في

                    ذمّة مشرك..
                    اللهم أخبر عنا نبيك"..
                    وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد, وأصيب معه سبعة واستشهدوا..
                    ونادوا الباقين, أنّ لهم العهد والميثاق إذا هم نزلوا.
                    فنزل الثلاثة: خبيب بن عديّ وصاحباه..
                    واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم, وربطوهما بها..
                    ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر, فقرر أن يموت حيث مات عاصم وإخوانه..
                    واستشهد حيث أراد..
                    وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين إيمانا, وأبرّهم عهدا, وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!!
                    وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما, ولكنه كان شديد الإحكام.
                    وقادهما الرماة البغاة إلى مكة, حيث باعوهما لمشركيها..
                    ودوّى في الآذان اسم خبيب..
                    وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر, تذكّروا ذلك الاسم جيّدا, وحرّك في صدورهم الأحقاد.
                    وسارعوا إلى شرائه. ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة بدر آباءهم وزعماءهم.
                    وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم, ليس منه وحده, بل ومن جميع المسلمين..!!
                    وضع قوم آخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا..
                    أسلم خبيب قلبه, وأمره , ومصيره لله رب العالمين.
                    وأقبل على نسكه ثابت النفس, رابط الجأش,

                    معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر, ويلاشي الهول.
                    كان الله معه.. وكان هو مع الله..
                    كانت يد الله عليه, يكاد يجد برد أناملها في صدره..!
                    دخلت عليه يوما إحدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره, فغادرت مكانه مسرعة إلى الناس تناديهم ليبصروا عجبا..
                    " والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه..
                    وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب واحدة..
                    ما أظنه إلا رزقا رزقه الله خبيبا"..!!
                    أجل آتاه الله عبده الصالح, كما آتى من قبل مريم بنت عمران, يوم كانت:
                    (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا

                    رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ {37} آل عمران)..
                    وحمل المشركون إلى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه.
                    ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه, ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه, وأنزل عليه سكينته ورحمته.
                    وراحوا يساومونه على إيمانه, ويلوحون له بالنجاة إذا ما هو كفر لمحمد, ومن قبل بربه الذي آمن به.. لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!
                    أجل, كان ايمان خبيب كالشمس قوة, وبعدا, ونارا ونورا..
                    كان يضيء كل من التمس منه الضوء, ويدفئ كل من التمس منه الدفء, أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه يحرقه ويسحقه..
                    وإذا يئسوا مما يرجون, قادوا البطل إلى مصيره, وخرجوا به إلى مكان يسمى التنعيم حيث يكون هناك مصرعه..
                    وما إن بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين, وأذنوا له ظانين أنه قد يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه وإعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..
                    وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام وإخبات...
                    وتدفقت في روحه حلاوة الإيمان, فودّ لو يظل يصلي, ويصلي ويصلي..
                    ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم:
                    " والله لا تحسبوا أن بي جزعا من الموت, لازددت صلاة"..!!
                    ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال:
                    " اللهم أحصهم عددا.. واقتلهم بددا"..
                    ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:
                    ولست أبالي حين أقتل مسلما
                    على أي جنب كان في الله مصرعي
                    وذلك في ذات الإله وان يشــأ
                    يبـارك على أوصال شلو ممزّع
                    ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا

                    ثم يقتلونه فوق الصليب.
                    ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوا فوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه..
                    واحتشد المشركون في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.
                    وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود أمام البطل المصلوب
                    لم يغمض عينيه, ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.
                    وبدأت الرماح تنوشه, والسيوف تنهش لحمه.
                    وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له:
                    " أتحب أن محمدا مكانك, وأنت سليم معافى في أهلك"
                    وهنا لا غير انتفض خبيب كالإعصار وصاح, في قاتليه:
                    " والله ما أحبّ أني في أهلي وولدي, معي عافية الدنيا ونعيمها, ويصاب رسول الله بشوكة"
                    نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..!
                    نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس ويقولها خبيب اليوم مما جعل أبا سفيان, وكان لم يسلم بعد,
                    يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا"
                    كانت كلمات خبيب هذه إيذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها, فتناوشه في جنون ووحشية..
                    وقريبا من المشهد كانت تحوم طيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من الجثمان وجبة شهيّة..
                    ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت, وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى.
                    وفجأة طارت تشق الفضاء, وتمضي بعيدا.. بعيدا..
                    لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل

                    صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب, فخذلت أن تقترب منه أو تناله بسوء
                    مضت جماعة الطير إلى رحاب الفضاء متعففة منصفة.
                    وعادت جماعة المشركين إلى أوكارها الحاقدة

                    في مكة باغية عادية..
                    وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسيوف
                    كان خبيب عندما رفعوه إلى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا, قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل إلى ربه العظيم قائلا:
                    " اللهم إنا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا"
                    واستجاب الله دعاءه..
                    فبينما الرسول في المدينة إذ غمره إحساس وثيق بأن أصحابه في محنة..
                    وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..
                    ومن فوره دعا المقداد بن عمرو, والزبير بن العوّام..
                    فركبا فرسيهما, ومضيا يقطعان الأرض وثبا.
                    وجمعهما الله بالمكان المنشود, وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب, حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمّه تحت ثراها الرطيب.
                    ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.
                    ولعل ذلك أحرى به وأجدر حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ وفي ضمير الحياة بطلا فوق الصليب



                    التعديل الأخير تم بواسطة رسولى أندى العالمين; الساعة 18-01-2015, 02:36 PM. سبب آخر: تنسيق وتعديل لون الخط وحذف روابط
                    ما اجمل الحب في الله
                    اسهل الطرق هو الطريق الى الله
                    اللهم تغمدنا برحمتك

                    تعليق


                    • #11
                      رد: خبيب بن عدي


                      جزاكم الله خيرا
                      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ


                      تعليق


                      • #12
                        رد: خبيب بن عدي

                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

                        "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ"

                        تعليق


                        • #13
                          رد: خبيب بن عدي


                          عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                          جزاكم الله خيرا


                          ربِّ خذ من حياتي حتى ترضى، واجعل كل سكنة وكل حركة وكل لحظة طَرْفٍ فيك ولك!

                          تعليق

                          يعمل...
                          X