"عاتكة بنت زيد"
من أراد الشهادة فليتزوج"عاتكة"
إنها الصحابية الكريمة التي جمع الله لها من الفضائل والمكارم قدرًا عظيمًا..
فهي أخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة
وأمها أم كريز بنت الحضرمي..
خالها العلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور،
وخالتها الصفية بنت الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة،
أبوها زيد بن عمرو بن نفيل الذي قال فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنه سيبعث أمة وحده، ولا بد لنا من الحديث عن ابنها باعتباره الشجرة التي خرجت منه الثمرة المباركة.
لقد كان أبوها (زيد بن عمرو بن نفيل) فريدًا في زمانه، إذ كان الناس يعبدون الأصنام بينما كان هو يعبد الواحد الديان فخرج من صلبه هذا الجيل المبارك، وعلى رأسهم سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وعاتكة بنت زيد تلكم الصحابية الجليلة والزوجة العظيمة التي قال فيها أهل المدينة من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة.
وكان زيد بن عمرو بن نفيل يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها، كما كان يعيب على قريش ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله.
ولقد وقف زيد بن عمرو بن نفيل فلم يدخل في يهودية أو نصرانية وفارق دين قومه، فأعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان وقال أعبد رب إبراهيم.
قال ابن إسحاق: حدثت أن ابنه سعيد بن زيد، وعمر بن الخطاب ابن عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم استغفر لزيد بن عمرو، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نعم فإنه يبعث أمة وحده.. هكذا كانت الشجرة التي خرجت منها ثمرتنا المباركة، وقد اشتهرت عاتكة بين نساء قريش بالفصاحة والبلاغة ورجاحة العقل والجمال البارع.
"زواجها من عبد الله بن أبي بكر"
أخرج أبو نعيم من حديث عائشة رضي الله عنها أن عاتكة كانت زوج عبد الله بن أبي بكر الصديق وقال أبو عمر: كانت من المهاجرات تزوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق، وكانت حسناء جميلة فأولع بها وشغلته عن مغازيه فأمره أبوه بطلاقها، وعزم عليه أبوه حتى طلقها فتبعتها نفسه فسمعه أبوه يومًا يقول:
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها
ولا مثلها من غير جرم تطلق
فرقَّ له أبوه وأذن له فارتجعها، ثم لما كان حصار الطائف أصابه سهم فكان فيه وفاته، فمات بالمدينة فرثته بأبيات منها
رزيت بخير الناس بعد نبيه
وبعد أبي بكر قصرًا
فالبت لا تنفك عيني سخينة
عليك لا ينفك جلدي أغبرا
"زواجها من عمر بن الخطاب"
وعن يحي بن عبد الرحمن بن حاطب: كانت عاتكة تحب عبد الله بن أبي بكر فجعل لها طائفة من ماله على ألا تتزوج بعد مماته، فأرسل عمر بن الخطاب إلى عاتكة أن قد حرمت ما أحل الله لك فردي إلى أهله المال الذي أخذته ففعلت، فخطبها عمر فنكحها.
وعاشت في رحاب فاروق الأمة الأواب أجمل أيام عمرها ورأت مواقفه العظيمة لخدمة دين الله عز وجل وحرصه على الرعية، وظلت تتعلم بين يديه الكثير والكثير إلى أن جاء اليوم الذي قتل فيه شهيدًا كما بشره الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.
وعندما قتل عمر رضي الله عنه بخنجر أبي لؤلؤة المجوسي قامت عاتكة ترثيه وتقول:
عين جودي بعبرة ونحيب
لها تملي على الإمام النجيب
قل لأهل الضراء والبؤس موتوا
قد سقته المنون كأس شعوب
"زواجها من الزبير بن العوام"
وبعد استشهاد الفاروق عمر تزوجها حواري رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأحد العشرة المبشرين بالجنة الزبير بن العوام رضي الله عنه، وكان الزبير فارسًا مغوارًا لا يخشى الموت أينما كان، ولم يتخلف عن غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،فشرطت عليه ألا يضربها ولا يمنعها من الحق ولا من الصلاة في المسجد النبوي _وكانت في الزبير شدة على النساء_ فلما ملكها، قال: ياعاتكة لا تخرجي الى المسجد، فقالت: يابن العوام أتريد أن أدع لغيرتك مصلى صليت فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر؟ قال: لا أمنعك
وكانت تعلم أنه رضي الله عنه سيموت شهيدًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بشَّره بالشهادة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان على جبل حراء فتحرك فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم اسكن حراء فما عليك إلا نبي أو صدِّيق أو شهيد، وكان ضمن مَن عليه عمر بن الخطاب والزبير بن العوام.
"الرحيل"
وبعد حياة طويلة مباركة وعطرة، مليئة بالبذل والعطاء والتضحية من أجل نصرة دين الله،عاشت عابدة زاهدة قانتة طيلة الخلافة الراشدة وفي عام 41هـ ودعت الدنيا وأنتقلت إلى جوار ربها رحمها الله ورضي الله عنها وأسكنها في جنة الفردوس الأعلى.
تعليق