"استقبال السَّلف لشهر رمضان المبارك "
لم يتغيّر شهر رمضان المبارك، بل تغيّر النَّاس الذين يستقبلون رمضان، إنَّ شهر الصِّيام الذي كان يجيء في عهد الرّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسانه، هو نفسه شهر رمضان الذي يحلّ علينا كلَّ عام، فهل تغيّر رمضان ؟ لم يتغيّر رمضان، فهو الشهر ذاته منذ أن نزل قوله تعالى :{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. (البقرة:185). وقبل هذه الآيات الكريمات التي نزلت في السنة الثانية من الهجرة، كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هو وأصحابه يصومون ثلاثة أيام من كلِّ شهر، وهي الأيام البيض؛ الثالث عشر، والرَّابع عشر والخامس عشر، وفي حياة النبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام تسعة رمضانات، فكيف كان استقباله وصحابته والسَّلف الصَّالح لهذه الشهر الفضيل؟
الاستعداد بصوم شعبان:
كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يستعد لشهر رمضان بصيام شهر شعبان، حيث ورد في الحديث الصَّحيح عن عائشة رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان)). ونهى عن استقبال رمضان بيوم أو يومين لئلاَّ يتخذ ذريعة إلى الزِّيادة في الصَّوم الواجب كما فعل أهل الكتاب.
الجود والعفو:
كان صلَّى الله عليه وسلَّم أجود الخلق، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان كالرِّيح المرسلة، لا يمسك فيه شيئاً، فجوده عليه الصَّلاة والسَّلام في عموم النفع والإسراع فيه كالريح المرسلة ، وجوده من حيث عمومه وسرعة وصوله إلى النَّاس بالريح المنتشرة، وفي تشبيه جوده بالريح المرسلة والمنشرة، لأنَّ في الأولى يحيي القلوب بعد موتها، وفي الآخر يحيي الأرض بعد مواتها، وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إذا دخل شهر رمضان أطلق كلَّ أسير، وأعطى كلَّ سائل).
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث:الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 3/153
خلاصة حكم المحدث: فيه أبو بكر الهذلي وهو ضعيف
كان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال : فإنَّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام . قال ابن عبد الحكم : (كان مالك إذا دخل رمضان يفرّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف). قال عبد الرزاق : (كان سفيان الثوري : إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن)، وقال سفيان : (كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصاحف وجمع إليه أصحابه).
التنافس في كسب الأجر:
ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنَّهم كانوا يقولون : (إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة، فإنَّ النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره).
وعن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مرَّ بقوم وهم يضحكون، فقال: (إنَّ الله عزَّ وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلَّف أقوام فخابوا، فالعجب كلَّ العجب للضَّاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السَّابقون، وخاب فيه المبطلون).
حالة السَّلف في شهر رمضان.
حالة السَّلف -كما هو مدون في الكتب المروِّية بأسانيد الثِّقات عنهم- أنَّهم كانوا يسألون الله -عزَّ وجلَّ- أنْ يُبلِّغهم رمضان قبل أن يدخل، يسألون الله أنْ يبلِّغهم شهر رمضان؛ لما يعلمون فيه من الخير العظيم والنَّفع العميم؛ ثمَّ إذا دخل رمضان يسألون الله أنْ يُعينهم على العمل الصَّالح فيه؛ ثمَّ إذا انتهى رمضان يسألون الله أن يتقبَّله منهم، كما قال الله -جل وعلا-: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾. [المؤمنون: 60-61].
وكانوا يجتهدون في العمل ثم يُصيبهم الهمّ بعد العمل؛ هل يقبل أو لا يقبل؟! وذلك لِعلمهم بعظمة الله -عزَّ وجلَّ-، وعلمهم بأنْ الله لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه وصوابًا على سنة رسوله من الأعمال؛ فكانوا لا يزكُّون أنفسهم، ويَخشَوْن من أنْ تبطُلَ أعمالهم؛ فهم لها أنْ تقبل أشدّ منهم تعبًا في أدائها؛ لأنَّ الله -جلَّ وعلا- يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. [المائدة: 27].
وكانوا يتفرَّغون في هذا الشَّهر -كما أسلفنا- للعبادة، ويتقلَّلون من أعمال الدنيا، وكانوا يوفِّرون الوقت للجلوس في بيوت الله -عزَّ وجلَّ-، ويقولون نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا، ويُحضِرون المصاحف، ويتدارسون كتاب الله -عزَّ وجلَّ-.
كانوا يحفظون أوقاتهم من الضَّياع، ما كانوا يُهمِلون أو يُفرِّطون -كما عليه حال الكثير اليوم-؛ بل كانوا يحفظون أوقاته؛ الليل في القيام، والنهار بالصِّيام، وتلاوة القرآن، وذكر الله وأعمال الخير، ما كانوا يفرِّطون في دقيقة منه، أو في لحظة منه إلا ويقدِّمون فيها عملاً صالحًا.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه..
وأن يُبلغنا وإيَّاكم شهر رمضان
وأن يُبلغنا وإيَّاكم شهر رمضان
تعليق