إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ .

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [تجميع] النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ .






    إنه الصحابي الجليل النعمان بن مقرن -رضي الله عنه- الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة مع أربعمائة من قومه مُزَيْنَة ، فاهتزت المدينة فرحًا بهم، واستبشر بهم المسلمون، وقد هداه الله للإسلام، وهدى معه أهله وإخوته السبعة.

    وقد اشتهر بنو مقرن بحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإنفاق في سبيل الله عز وجل، والتضحية من أجل دين الله سبحانه، وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم} [التوبة: 99].

    ومنذ أن أسلم النعمان بن مقرن وهو يرفع لواء قومه مجاهدًا بهم في سبيل الله شرقًا وغربًا، فنجده في فتح مكة، وفي الجهاد ضد هوازن والطائف وثقيف، ومحاربة المرتدين ومدِّعي النبوة في عهد الصديق -رضي الله عنه-، ثم يرفع لواء قومه في موقعة القادسية والتي شهدت أروع بطولاته وتضحياته. خاض النعمان بقومه كل هذه الحروب محتسبًا أجره عند الله، وطمعًا في مرضاته، متمنيًا أن ينعم الله عليه بالشهادة في سبيله.
    وكان النعمان لين الجانب، زاهدًا في الدنيا ومفاتنها، لا يرضى حياة الرفاهية والإمارة، بل يفضل حياة العمل والجهاد، فحين عرض عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الإمارة على قبيلته، رفض ذلك واعتذر لأمير المؤمنين، ويواصل النعمان رحلة جهاده في سبيل إعلاء كلمة الحق، فكان على رأس الجيش الذي نجح في فتح البصرة ثم الكوفة، وقضى بذلك على وجود الفرس في بلاد العرب.

    وجمع يزدجر كسرى فارس آنذاك جيشًا عظيمًا عدده أكثر من مائتي ألف فارس، وجعل من نهاوند قلعة يوجِّه منها سهامه إلى الإسلام، وأصر على محاربة المسلمين والقضاء عليهم، وأحس أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بخطورة الأمر، فحشد جيوشه الإسلامية، وأراد أن يقود الجيش بنفسه، إلا أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أشار عليه بأن وجوده في المدينة خير للمسلمين من خروجه، حتى يرعى شئون الأمة الإسلامية التي امتدت أطرافها شرقًا وغربًا، واقتنع الفاروق عمر برأى علي، وقال لمن حوله: أشيروا عليَّ برجل أوليه قائدًا في هذه الحرب، وليكن عراقيًّا، وله خبرة بطرقها ومسالكها.

    فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم لجندك وقد وفدوا عليك. فقال عمر: والله لأولين أمرهم رجلاً يكون أول الأسنة إذا لقيها غدًا. فقالوا: ومن يكون؟ قال عمر: النعمان بن مقرن المزني. قالوا: هو لها يا أمير المؤمنين.

    فأمر عمر -رضي الله عنه- النعمان بن مقرن أن يتجه بالجيش إلى نهاوند، ثم أرسل إليه عمر جيشًا آخر بقيادة حذيفة بن اليمان ليكون مددًا وعونًا له، فأصبح عدد الجيش الإسلامي ثلاثين ألف فارس، والتقى بجيش الفرس في حرب شديدة، ظلت يومين لم يستطع أحد أن يحقق النصر على الآخر، وفي اليوم الثالث نجح المسلمون في أن يبعدوا الفرس عن مواقعهم ويدخلوهم خنادقهم وحصونهم ويحاصرونهم فيها.

    وطال حصار المسلمين للفرس، ففكر النعمان وجنده في حيلة يخرجون بها الفرس من حصونهم، فأشار طليحة بن خويلد الأسدي -رضي الله عنه- بأن يوهم بعض المسلمين الفرس أنهم قد انهزموا، وينسحبوا من الميدان، فينجذب نحوهم الفرس، ويتركوا مواقعهم، ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي كله مرة واحدة، فيهزموهم بإذن الله.

    ونفذ هذه الخطة الحربية القعقاع بن عمرو -رضي الله عنه- مع بعض جنود المسلمين، ونجحت الحيلة، وظن الفرس أن في جيش المسلمين ضعفًا، فخرجوا وراءهم ليقضوا عليهم، فانقض عليهم المسلمون، واندفع النعمان بن مقرن في صفوف الفرس، يقاتل قتالاً شديدًا؛ طامعًا في النصر للمسلمين وفي الشهادة لنفسه، ودعا الله قائلاً: اللهم إني أسألك أن تقرِّ عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني إليك شهيدًا.

    ونال النعمان أمنيته، فسقط شهيدًا في أرض المعركة، وقبل أن تقع الراية من يده أسرع إليه أخوه نعيم وأخذ الراية منه ليواصل المسلمون جهادهم، ويكتم نعيم خبر استشهاد القائد، ويقوم حذيفة بن اليمان الذي أوصى النعمان له بقيادة الجيش من بعده، فيواصل المسيرة حتى تنتهي المعركة بنصر كبير، أعز الله به الإسلام والمسلمين، وفي جو الفرحة تساءل المسلمون عن قائدهم؟ فأجابهم نعيم قائلاً: هذا أميركم، قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة.

    ووصل الخبر إلى المدينة، فصعد عمر المنبر ينعي للمسلمين ذلك البطل الشهيد، ويقول وعيناه تذرفان بالدموع: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيبكي المسلمون بالمدينة، ويرتفع صوت عبد الله بن مسعود بالبكاء وهو يقول: إن للإيمان بيوتًا وإن بيت ابن مقرن من بيوت الإيمان.

    وهكذا يسجل التاريخ يومًا من أعظم أيام الإسلام، يوم نهاوند سنة (21هـ)، ذلك اليوم الذي استشهد فيه أمير نهاوند، وقائد المسلمين فيها النعمان بن مقرن.

    وفي نهاوند، دفن النعمان يوم الجمعة في سهل ممتد تكسوه الأشجار العالية، ودفن معه مَنْ استشهد في ذلك اليوم الخالد.






  • #2
    رد: النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ .

    النعمان بن مقرن المزني صحابي جليل من صحابة رسول الله ، أمير قبيلة بني مزينة التي تسكن قريباً من المدينة المنورة.

    اسمه ونسبه

    هو النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب بن ثور بن هدمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو - والد قبيلة مزينة - بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. أبو عمرو، المزني.
    إسلامه

    قال لقومه مرة يا قوم واللّهِ ما عَلِمْنا عن محمدٍ إِلاَّ خيراً، ولا سَمِعْنَـا من دَعْوَتِهِ إِلاَّ مَرْحَمَةً وِإحْساناً وعَدْلاً، فما بالُنا نُبْطِئُ عنه، والناسُ إليه يُسْرِعون؟! ثم أتبعَ يقول: أما أنا فقد عَزَمْتُ على أن أغدُوَ عليه إِذا أصْبَحْتُ، فمَنْ شاءَ منكم أنْ يكونَ مَعي فَلْيَتَجَهَّزْ. قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه ومعه الهدايا معلناً إسلامهم جميعاً ففرحت المدينة أشد الفرح بهذا الخبر إِذ لم يسبِق لِبيت مِن بيوت العربِ أن أسلم منه أحد عَشَرَ أخاً من أبٍ واحد ومعهم أربع مائة فارِس.
    صلى الله عليه وسلم- قال فيهم :{ ان للإيمان بيوتا و للنفاق بيوتا، وان بيـت بني مقرن من بيوت الايمان }.
    نزل فيهم قوله تعالى :{{وَمِنَ الأعْرَابِ مَنْ يُؤمِنُْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِر، وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّهِ، وَصَلَوات الرَّسُولِ، ألاَ إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ في رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحيمُ}}
    مناقبه
    استشهاده

    ورد أن عمراً شاور الهرمزان في أصبهانوفارسوأذربيجان فقال: أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان، فإذا قطعت جناحا فاء الرأس وجناح وإن قطعت الرأس، وقع الجناحان.
    فقال عمر للنعمان بن مقرن: إني مستعملك. فقال: أما جابياً فلا، وأما غازياً فنعم. قال: فإنك غاز. فسرحه، وبعث إلى أهل الكوفة ليمدوه وفيهم حذيفة، والزبير، والمغيرة، والأشعث، وعمرو بن معد يكرب. فذكر الحديث بطوله. وهو في " مستدرك الحاكم " وفيه: فقال: اللهم ارزق النعمان الشهادة بنصر المسلمين، وافتح عليهم. فأمنوا، وهز لواءه ثلاثا. ثم حمل، فكان أول صريع -.
    ووقع ذو الحاجبين من بغلته الشهباء، فانشق بطنه، وفتح الله، ثم أتيت النعمان وبه رمق، فأتيته بماء، فصببت على وجهه أغسل التراب، فقال: من ذا؟ قلت: معقل. قال: ما فعل الناس؟ قلت: فتح الله. فقال: الحمد لله. اكتبوا إلى عمر بذلك، وفاضت نفسه -.
    وعن علي بن زيد، عن أبي عثمان قال: أتيت عمر بنعي النعمان بن مقرن، فوضع يده على وجهه يبكي
    المراجع
    • الإصابة: الترجمة: 8745.
    • ابن الأثير 2/ 211 و 3/ 7.
    • تهذيب التهذيب: 10/ 456.
    • فتوح البلدان: 311.
    • شرح ألفية العراقي: 3/ 76
    • فتوح البلدان: 311.
    • ا لأعلام: 9/ 9.
    • القادسية: 66- 73 (منشورات دار النفائس- بيروت).
    المصدر.

    تعليق


    • #3
      رد: النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ .

      { النعمان بن المقرن أحد القادة المسلمين الأبطال ان للايمان بيوتا و للنفاق بيوتا، وان بيت بني مقرن من بيوت الايمان} حديث شريف ...
      النعمان من قبيلة مزينة وكنيته أبوالحكيـم.
      وكان يوم إسلامه يوما مشهودا إذ أسلم معه عشرة أخوة له ومعهم أربعمائة فارس بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال فيهم :{ ان للإيمان بيوتا و للنفاق بيوتا، وان بيـت بني مقرن من بيوت الايمان }.
      جهاده واستشهاده ولقد شهد النعمان الغزوات كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان له ولقبيلته دور بارز في محاربة المرتدين.
      وكان هو بطل معركة نهاوند يوم أن ندبه أمير المؤمنين عمر لهذه المهمة الجليلة اذ كتب اليه قائلا:
      { فانه قد بلغني أن جموعا من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند ، فاذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين ، ولا توطئهم وعرا فتؤذيهم ولا تمنعهم حقا فتكفرهم ولا تدخلهم غيضة فان رجلا من المسلمين أحب الي من مئة ألف دينار والسلام عليكم}.
      فسار النعمان بالجيش والتقى الجمعان ، ودارت المعركة حتى ألجـأ المسلمون الفـرس الى التحصـن فحاصروهم وطال الحصـار عدة أسابيع وفكر المسلمون في طريقة يستخرجون فيها الفرس من حصونهم لمناجزتهم ، فبعثوا عليهم خيـلا تقاتلهم بقيـادة القعقاع حتى اذا خرجـوا من خنادقهم تراجـع القعقاع فطمعوا وظنوا أن المسلمين قد هزموا ، وكان النعمان قد أمـر جيش المسلمين ألا يقاتلوا حتى يأذن لهم وخاطبهم قائلا :{اني مكبر ثلاثا فاذا كبرت الثالثة فاني حامل فاحملوا ، وان قتلت فالأمر بعدي لحذيفة فان قتل ففلان }.
      حتى عد سبعة آخرهم المغيرة ، ثم دعا ربه قائلا :{ اللهم أعزز دينك وانصر عبادك واجعل النعمان أول شهيد اليوم ، اللهم اني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الاسلام واقبضني شهيدا }.
      فبكى الناس من شدة التأثر ودارت المعركة على مشارف نهاوند ، وقاد النعمان المعركة بشجاعة نادرة وظفر بالشهادة التي كان يتمناها ، وتحقق الفتح العظيم الذي طلبه من الله ، فأخذ أخوه نعيم بن مقرن الراية وسلمها لحذيفة ، فكتم أمر استشهاده حتى تنتهي المعركة.
      وذهب البشير يخبر أمير المؤمنين عمر و يقول له :{ فتح الله عليك ، وأعظم الفتح ، واستشهد الأمير }.
      فقال عمر :{ انا لله وانا اليه راجعون }.
      واعتلى المنبر ونعى الى المسلمين النعمان بن المقرن أمير نهاوند وشهيدها.
      وبكى.
      وبكى.
      حتى علا صوته بالبكاء.
      رضي الله عن النعمان القائد المنتصر شهيد معركة فتح الفتوح.

      تعليق


      • #4
        رد: النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ .

        النعمان بن مقرن
        (رضي الله عنه)


        هناك على الطريق الى المدينة كانت مساكن مزينة برئاسة سيدها النعمان بن مقرن . وهذا القرب من المدينة اتاح لمزينة أن تسمع المثير عن محمد صلى الله عليه وسلم واخباره ، مما جعلها تنظر اليه والى دعوته نظرة ملؤها الاكبار والاحترام و الاعجاب .وذات مساء فاجأ النعمان قبيلته بما يختلج في اعماقه وقال لهم : " ما علمنا عن محمد - صلى الله عليه وسلم – الا كل خير ، ولا سمعنا عن دينه و دعوته الا ما يجعلنا نسارع اليه ـ وقد عزمت على الايمان فانظروا امركم " . ولامست كلمات النعمان خواطر القوم ، و اتفقت هواجس الاعماق فتلألأت الوجوه ، وابتسمت الشفاه، و اعلن القوم جميعا اسلامهم ...
        وانتظر القوم - والاشواق تحرقهم الى اللقاء- الصباح ، وما هي الا ان اشرقت الشمس فاذا النعمان و اخوته العشرة و نفر كثير من قومه في طريقهم الى المدينة و لم ينس النعمان ان يخص الرسول ببعض الهدايا فحمل معه ما ابقت لهم سنون القحط و سار الوفد يدفعهم الحنين و الشوق و الايمان حتى اذا وصلوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلهم بكل سرور، ولاقاهم اهل المدينة باروع استقبال ورأى المسلمون في آل مقرن أنموذجا فريدا و رائعا فقد جاء الاخوة كلهم يعلنون – وهم عشرة – اسلامهم ، و يضعون بين يدي رسول الله ما حملته ايديهم فتقبلها رسول الله بقبول حسن وانزل الله في آل مقرن و جماعتهم قرأنا يبشرهم بالقبول و الجزاء الاوفى فقال تعالى : " ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم " (التوبة ـ 99).
        و منذ ان اسلم القوم لم تفتقدهم معركة ، وما رؤى النعمان بن مقرن الا في سرية او معركة او تحت راية من رايات الجهاد ، فقد شهد مع الرسول المشاهد كلها ، ووقف مع ابي بكر وقفة رائعة ايام الردة ، و حين تولى عمر تقدم النعمان ليعلن الولاء والسمع و الطاعة ، فكان له عند عمر مكانة عظيمة ، و مواقف خالدة تذكرها ايام العراق و ليالي نهاوند ، و لن ينساها التاريخ ابدا ...
        قبيل القادسية ارسل سعد بن ابي وقاص النعمان بن مقرن على رأس وفد الى كسرى ، وهناك امام كسرى وعلى بلاطه وقف النعمان يدعو كسرى الى الاسلام الذي جاء ليخرج الناس من ظلام العبودية البشرية الى نور الهداية الربانية . وقف يقول لكسرى : " ان الله بدل بهذا الدين ضيقنا سعة ، وذلتنا عزة ، وعداوتنا اخاء و مرحمة ... وقد جئناك اليوم ندعوك الى هذا الدين فان ابيتم فالجزية و الا فالقتال " . وتغير وجه كسرى ، وكأن الكلمات العميقة الصادقة نزلت عليه صفعات مؤلمة ، كيف يجرؤ اعرابي – وكان الفرس ينظرون الى العرب نظرة ازدراء- ان يتطاول عليه ، فالتفت كسرى الى النعمان وقال له : " لست اعلم امة في الارض اشقى منكم حالا ، ولا اشد فرقة فإن كانت الحاجة اخرجتكم اعطيناكم ما يكفيكم..." . و لكنه ما ان انهى مقالته حتى رد عليه احد الحاضرين، واسمعه كلاما اطار صوابه فقام يزمجر و يقول : " قوموا عنى فليس لكم عندي شيء " . و لكن القدر كان يخبئ له اياما قاسية ، فقد لقنهم المسلمون ايام القادسية درسا اذل كبرياءهم و زلزل عروشهم و هددهم في عقر دارهم .
        أذهلت ايام القادسية الفرس ، فما ان افاقوا من ذلهم حتى تنادوا من جديد ، فجمعوا جموعا كثيرة ، وصلت اخبارها الى عمر ، فاستشار المسلمين و لكنه سرعان ما فطن الى رجل عظيم تأمل منه كل الخير فقال عمر : " والله لاولين عليهم رجلا يكون اسبق من الاسنة إنه النعمان بن مقرن" . و كان والله ابن بجدتها ، و صاحبها فما ان وصله كتاب عمر حتى جمع جنده و سار لملاقاة اعدائه. فارسل اليهم طليعة تتقدمهم ففوجئت بالطريق قد نثرت فيه شذرات من الحديد اعاقت الخيل عن التقدم ، فارسلوا الى النعمان فما كان منه الا ان امرهم بالانسحاب و التظاهر بالهزيمة حتى اذا رأى الفرس ذلك منهم لاحقوهم فلما اطمأن المسلمون ان الفرس طهرت الطريق لفرسانها عادوا فكروا عليهم كرة واحدة . و تمكن النعمان و جنده من اكتافهم ، ولاحقوهم في كل مكان ، وعجت ارض المعركة ، و تناثرت الرؤوس تملأ الساحة ، وكتب الله للمسلمين نصرا عظيما ... وهناك في وسط أتون المعركة وجد النعمان مضرجا بدمائه قد انزلق به جواده فأصابوا منه مقتلا ، وسقط البطل العظيم بعد ان اقر الله عينيه بالفتح الكبير ولما سأل عنه جنده قال لهم اخوه " هذا اميركم قد اقر الله عينه بالفتح و ختم له بالشهادة " ...
        وانتهت بموته حياة رجل صدق الله فصدقه ... رحم الله النعمان بن مقرن و جزاه خير الجزاء . و لله در ابن مسعود ما اصدق كلمتك حين قلت :" إن للايمان بيوتا ، وللنفاق بيوتا ، وان بيت بني مقرن من بيوت الايمان .."

        تعليق


        • #5
          رد: النعمان بن مقرن ـ رضي الله عنه ـ .

          سيدنا النعمان بن مقرن المزني
          لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي





          بسم الله الرحمن الرحيم
          الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
          إليكم قصة إسلام النعمان بن مقرن المزني مع جمع غفير من قبيلته :
          أيها الأخوة الأكارم, مع الدرس الثالث والثلاثين من دروس سيرة صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين, وصحابي اليوم، سيدنا النعمان بن مقرِّنٍ المُزني، فقد كانت قبيلة مزينة، تتخذ منازلها قريبةً من يثرب، والتي أضحتْ بعد ذلك المدينة المنورة، مدينة رسول الله صلى الله علية وسلَّم، على الطريق الممتدة بين المدينة ومكة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد هاجر إلى المدينة، وجعلت أخباره تصل تباعاً إلى مزينة مع الغادين والرائحين، لأن مزينة كانت على الطريق، بين مكة والمدينة .
          لكن هذه القبيلة، لا تسمع إلا خيراً عن رسول الله وأصحابه, لقد كانتْ منصفة، والمؤمن من صفاته أنه منصف، ينصف الناس من نفسه، وحينما يكابر الإنسان، ويجحد، ويبالغ، ويمدح مَن كان قريباً منه، ويحابي، ويذمُّ بلا سبب، إذا فعل ذلك فقد ابتعد عن إيمانه، وعن إسلامه، بُعْدَ الأرض عن السماء, فهذا إنسان بعيد عن مرضاة الله عزَّ وجل، هناك أمهات يمدحن بناتهن مدحاً غير معقول، فإذا جاءت الكنّةُ إلى بيتهم حوسبت حساباً عسيراً، وسُلِبت كلُّ إمكانياتها، وأُبْرزت أخطاؤها، فهذا جحود، وهذا ليس إسلاماً ولا إيماناً، فهذا ابني أمدحه، وابن الآخرين أذمُّه، فلست حينئذٍ منصفاً، ولست مؤمناً، وإنّ الله يحب المنصف العادل، ويحب الذي يقول الحق، ولو كان مراً, هؤلاء سرُّ إسلامهم، وسرّ قربهم من الله عزَّ وجل، وسبب سرعة إسلامهم، وسبب دخول الإيمان إلى قلوبهم، وسبب إقبالهم على هذا الدين الجديد، أنهم أنصفوا .
          وفي ذات عشيةٍ، جلس سيِّد القوم، الصحابي الجليل الذي ندرس عظمة موقفه في الإسلام في ناديه مع أخوته، ومشيخة قبيلته، فقال:

          ((يا قوم, واللهِ ما علِمنا عن محمدٍ إلا خيراً، ولا سمعنا من دعوته إلا مرحمةً، وإحساناً، وعدلاً، فما بالنا نبطئ عنه، والناس يسرعون إليه؟ .))
          -إنسان أقبل على هذا الدين، أقبل على ربه، انضوى تحت لواء المؤمنين، استقام على منهج الله، بذل كلِّ شيءٍ في سبيل الله، تألَّقت روحه، أشرقت نفسه، اطمأن قلبه، وأنت جاره، صديقه، أخوه، زميله، ألا تغار منه؟ فما بالنا نبطئ عنه، والناس يسرعون إليه؟ وهكذا قال بعض العلماء: الشريعة رحمةٌ كلُّها، عدلٌ كلُّها، مصلحةٌ كلُّها، فأية قضيةٍ خرجت من الرحمة إلى القسوة، من العدل إلى الجور، من المصلحة إلى المفسدة، فليست من الشريعة، ولو أُدخلت علّيها بألف تأويلٍ وتأويل، هذا هو الشرع- .
          ثم قال النعمان: أمّا أنا فقد عزمتُ على أن أغدوَّ عليه إذا أصبحت، فمَن شاء منكم أن يكون معي فليتجهَّز .
          -يا أخوان, إذا الشخص معلم، طبيب، مدير مستشفى، مدير معمل، وقام ويصلي أمام عمَّاله، فهو قدوة بصدق، وإذا جاءت امرأةٌ فغضَّ بصره عنها أمام عماله، هل تعلم أن كلَّ هؤلاء يكبرون هذا السلوك؟ فكلما علا شأنك، وكبرت، وكلما كان حجمك أكبر، وقيادتك أكبر، فأعمالك الصالحة مضاعفة بالثواب بحسب كلِّ مَن اتبعك فيها- .
          قال لقومه: أمّا أنا فقد عزمت على أن أغدوَ عليه إذا أصبحت، فمن شاء منكم أن يكون معي فليتجهَّز، وكأنما مسَّت هذه الكلمات وتراً مرهفاً في نفوس القوم، فما إن طلع الصباح حتى وجد أخوته العشرة، وأربعمئة فارسٍ من فرسان مُزينة قد جهَّزوا أنفسهم للمضي معه إلى يثرب، للقاء النبي صلوات الله وسلامه عليه، والدخول في دين الله، -انظر إلى القدوة، لذلك في القرآن آية تشير إلى القدوة، فهل تعرفوها؟ قال تعالى:

          ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾
          ( سورة الأحزاب الآية: 30)

          وفي آية ثانية, يقول تعالى: ﴿ نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾
          ( سورة الأحزاب الآية: 31)

          نساء النبي، إن أحسنَّ، يُؤْتَيْنَ أجورهن مرتين، وإن أسأن يعاقبن مرتين، لذلك سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمرٍ جمع أهله وخاصَّته، وقال: ((إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطيـر، إن رأوكـم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتينَّ بواحدٍ وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفت له العقوبة، لمكانه مني))
          -فصارت القرابة من عمر مصيبة، وحينما ترقى إلى مستوى قيادي فلك حساب مضاعف، فإن أطعتَ الله عزَّ وجل فلك أجرُّ طاعته، ولك أجرُ مَن اقتدى بك، ولك أجرُ مَن قلَّدك ، ولك أجرُّ من رأى هذا العمل عظيمًا، واقتدى به- .
          لكن النعمان بن المقرِّن المزني فقد استحيا أن يَفِدَ مع هذا الجمع الحاشد على النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يحمل له وللمسلمين شيئاً يقدِّمه، وفي المسلمين فقراء، وذو حاجة، فأراد أن يقدِّم للنبي بعض الهدايا، لكن السنة العجفاء المجدبة التي مرَّت بها مزينة لم تترك لها ضرعاً ولا زرعاً، فطاف النعمان ببيته، وبيوت أخوته، وجمع كلما أبقاه القحط من غنيمات، وساقها أمامه، وقدم بها على النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلن هو ومن معه إسلامهم بين يديه .
          -هذا إسلام جماعي- النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى ذلك سُرَّ أشدَّ السرور، واهتزت يثربُ من أقصاها إلى أقصاها، فرحاً بالنعمان بن مقرِّن وصحبه، إذْ لم يسبق لبيتٍ من بيوت العرب أنْ أسلم منهم هذا الجمع الغفير، وتقبَّل الله عزَّ وجل غُنيماته، وأنزل فيه قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة:

          ﴿وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
          ( سورة التوبة الآية: 99)

          أخوك فقير قدَّمت له شيئًا، فالله يتقبّله، وإذا قدّم إنسان إلى أخيه هدية بِنِية تمتين العلاقات ، وبِنِية إكرامه، وبِنِية مسح شيء من الضغينة، هذه الهدية يتقبلها الله عزَّ وجل، وهكذا فلْيَكُن المؤمن, قال تعالى: ﴿وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾
          ( سورة التوبة الآية: 99)
          أحياناً يقدِّم أخٌ خدمةً إلى المسجد، قد يساهم في حلِّ قضيةٍ، أو يقضي حاجة أخيه، أو يحل مشكلة عويصة، أو يسدّ نقصًا، أو يقوِّي ضعفًا، أو يطفئ فتنةً، أو يزيل نفورًا، فتجد هذا الذي يدعو إلى الله يمتلأ قلوبَ الآخرين امتناناً له .
          لماذا أرسل سعد بن أبي وقاص وفداً برئاسة النعمان إلى كسرى وما هو الحوار الذي جرى بين النعمان وكسرى ؟
          انضوى النعمان بن مقرن المزني تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد معه غزواته كلها، غير وانٍ ولا مقصِّر, ولما آلت الخلافة إلى سيدنا الصديق وقف معه هو وقومه من بني مزينة وقفةً حازمةً، كان لها أثرٌ كبير في القضاء على فتنة الردة .
          كانت الأضواء مسلطة على موقف سيدنا النعمان في موقعة القادسية، وفيما تلاها من وقعات، ومنها وقعة نهاوند، فكل إنسان له مجال تفوَّق فيه يُذكَر به، فلمَّا صارت الأمور إلى الفاروق رضي الله عنه، وقد صار للنعمان بن مقرِّن في عهده شأنٌ ما يزال التاريخ يذكره بلسانٍ نديٍ بالحمد، رطبٍ بالثناء، فقُبَيْل القادسية أرسل سعدُ بن أبي وقَّاص قائد جيوش المسلمين وفداً إلى كسرى يزدجرد، برئاسة النعمان بن مقرن، ليدعوه إلى الإسلام، وهنا وقفة لا بدَّ منها .
          أيها الأخوة الأكارم, كما تقول العامَّة: الإسلام ليس دين السيف، الإسلام دين العقل، بل الإسلام دين المنطق، الإسلام دين الدعوة السلمية، فلا يمكن أن يشهر السيف من قبل المسلمين، قبل أن يُدعَى الكفَّار إلى الإسلام دعوةً هادئةً مبنيةً على التبيين، والتوضيح، والتبليغ، فإذا رفض هذا الكافر أن يسلم، وأن ينضوي تحت لواء المسلمين، وأن يحميه المسلمون، لأنّ عقيدتهم لا تسمح له أن يقاتل مع المسلمين، لذلك تؤخذ منه الجزية، وإذا رفض أن يسلم، ورفض أن يدفع الجزية، فعندئذٍ يقاتل، لتكون كلمة الله هي العليا .
          لذلك أهل سمرقند فتحت بلادهم فتحاً عسكرياً، ثم علموا أن فتحهم ليس شرعياً، فأرسلوا وفداً خفيةً إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز، وأطلعوه على ما جرى, وعلى طريقة فتح بلادهم، فما كان مِن سيدنا عمر، كما يروي التاريخُ، إلاّ أن أرسل قصاصة ورق، كتب فيها ما يلي:

          ((إلى فلان الفلاني، قائد جيوش المسلمين في سمرقند، ما إن يصلك كتابي هذا، فاخرجْ من سمرقند، وادعُ أهلها إلى الإسلام، فإن أبَوْا فادعُهم لدفع الجزية، فإن أبَوْا فقاتلهم، وافتح بلادهم مرةً ثانية .
          -هذا الوفد الذي عاد ومعه تلك قصاصة، فيها أمرٌ إلى قائد جيش أن ينسحب من بلدٍ احتلها ، وانتصر على أهلها، ودانتْ للمسلمين، لم يصدِّق- فلما قُدِّمت هذه القصاصة إلى قائد الجيش قبَّلها ، وأمر جيشه بالانسحاب، فلما رأوا ذلك, قالوا: نحن أسلمنا، وابقَوْا على ما أنتم عليه))

          فسيدنا سعد بن أبي وقاص، قائد جيوش المسلمين، قبل أن يحارب كسرى يزدجرد، لا بدَّ أن يدعوه إلى الإسلام، فإن أبى، دعاه إلى دفع الجزية، فإن أبى، يقاتله، فإذا قاتله، فليس المقصود أن يبيده، المقصود أن يأسره، فلعله يسلم بطريقة المعاملة إنْ لم تفلحْ بطريقة الحوار، هذا هو منهج الإسلام في نشر الدعوة .
          ولما بلغ الوفد عاصمة كسرى في المدائن، استأذنوا بالدخول عليه، فأذن لهم، ثم دعا الترجمان فقال له:

          ((سَلْهُمْ ما الذي جاء بكم إلى ديارنا، وأغراكم بغزونا, لعلكم طمعتم بنا، واجترأتم علينا، لأننا تشاغلنا عنكم، ولم نشأ أن نبطش بكم؟))
          -هذا كلام كسرى للمترجم، ليوجِّهه لسيدنا النعمان بن مقرن المُزني- .
          فالتفت النعمان بن مقرن إلى من معه، -انظروا إلى أدبه، وإلى تواضعه- وقال:

          ((إن شئتم أجبته عنكم، وإن شاء أحدكم أن يتكلم آثرتُه عليَّ بالكلام، فماذا تروْن؟ قالوا جميعاً: بل تكلَّم أنت، -لأنه رئيس وفد، وما اختاره سيدنا سعد إلا على علم، والقاعدة: إذا عزَّ أخوك فهن أنت، فهي ليست قضية منافسة- ثم التفتوا إلى كسرى، وقالوا: هذا الرجل يتكلَّم بلساننا، فاستمع إلى ما يقول:
          فحِمَد النعمانُ الله، وأثنى عليه، وصلى على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الله رحمـنا، فأرسل إلينـا رسولاً يدلُّنـا على الخير، ويأمُرنا به، ويعرِّفنا الشرَّ، وينهانا عنه، ووعدنا من يجبه فيما دعانا إليه بخيري الدنيا والآخرة, -إنّه وصف رائع للنبي عليه الصلاة والسلام, إنه كلام مختصر مفيد، جامع مانع- .
          ثم قال: فما هو إلا قليل، حتى بدَّل الله ضيقنا سَعَةً، وذلَّتنا عزةً، وعداواتنا إخاءً ومرحمة))

          والله كلامٌ بليغٌ بليغ، وهو موجزُ فحوى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، توضيح الخير ، والأمر به، توضيح الشر، والنهي عنه .
          أليس المسلمون في أمسِّ الحاجة، وهم في ضيقٍ شديد اليوم، وهم في ذلةٍ ما بعدها ذلة، وهم في عدواةٍ فيما بينهم ما بعدها عداوة، لأن يهتدوا بهدي النبي عليه الصلاة والسلام؟ فما هو إلا قليل، حتى بدَّل الله ضيقنا سَعَةً، وذلَّتنا عزةً، وعداواتنا إخاءً ومرحمةً .
          إذًا: المؤمنون متراحمون، أمّا مجتمع الضغينة، والحقد، والحسد، والغيرة، والبغضاء، والطعن، فهذا مجتمعٌ نتن، وهذا مجتمعٌ ليس مجتمعاً مسلماً، هذا مجتمعٌ لا نزهو به، ولا نفتخر به أمام أعداء الإسلام, وقد أمرنا أن ندعوَ الناس إلى ما فيه خيرهم، وأن نبدأ بمن يجاورنا .
          سبب مجيئي إليكم، أن الإسلام أمرنا أن ندعوَ إليه، وأن نبدأ بمَن هو في جوارنا، إنسان ما تعلَّم في جامعة، ولا في مدرسة، ابن الصحراء، لكن الإيمان أطلق لسانه، لكنّ حبَّ الله عزَّ وجل جعل كلامه موزوناً، دقيقاً، فاسمعوها مرة ثانية:
          قال:

          ((إن الله رحمنـا، فأرسل إلينـا رسولاً يدلنا على الخير، ويأمرنا به، ويعرِّفنا الشرَّ ، وينهانا عنه، ووعـدنا إن أجبناه إلى ما دعانا إليه أن يعطينا الله خيري الدنيا والآخرة، فما هو إلا قليل حتى بدّل الله ضيقنا سعةً، وذلتنا عزةً، وعداواتنا إخاءً ومرحمةً، وقد أمرنا أن ندعوَ الناس إلى ما فيه خيرهم، وأن نبدأ بمن يجاورنا، فنحن ندعوكم إلى الدخول في ديننا، وهو دينٌ حَسَّنَ الحسَنَ كلَّه، وحضَّ عليه، وقبَّح القبيح كلَّه، وحذَّر منه، وهو ينقل معتنقيه من ظلام الكفر وجوره، إلى نور الإيمان وعدله, فإن أجبتمونا إلى الإسلام، خلَّفنا فيكم، كتاب الله، وأقمناكم عليه، على أن تحكموا بأحكامه، ورجعنا عنكم، وتركناكم، وشأنكم, فإن أبيتـم الدخول في دين الله، أخذنا منكم الجزية، وحميناكم, فإن أبيتم إعطاء الجزية حاربناكم))
          هذا منهج .
          هل تقبل كسرى كلام النعمان وما هو موقفه إزاء ذلك وما هو الخير الذي حصل عليه المسلمون من خلال هذا الموقف؟
          فاستشاط يزدجرد غضباً، وغيظاً مما سمع, وقال:

          ((إني لا أعلم أمةً في الأرض كانت أشقى منكم، ولا أقلَّ عدداً، ولا أشدَّ فرقةً، ولا أسوأ حالاً .))
          -من أنتم؟ هذه هي الحقيقة، كنا في الجاهلية كذلك، مثلاً: مدَّ رجلٌ شريف رجله في قومه، فقال: من كان أشرف مني فليضربها، فضربها رجل، ونشبت حربٌ دامت عشر سنين، أكلت الأخضر واليابس، كان الرجلُ منهم يضع ابنته في التراب، وهي حية، هذا ما كانوا عليه قبل الإسلام, قال تعالى:
          ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾
          ( سورة التكوير الآية: 8-9)

          كان الرجال العشرة يشتركون على امرأة واحدة، فيتزوجوها بالتناوب، وإذا جاءها مولود، اختارتْ منهم واحدًا فنسبَتْه إليه، وصار له أبًا، إنها جاهلية بأتمّ معنى الكلمة, لكن الإسلام رفع هذه الأمة، قال الله عزَّ وجل: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾
          ( سورة آل عمران الآية: 103)
          قال: وقد كنا نكِل أمركم إلى ولاة الضواحي، فيأخذون لنا الطاعة منكم، ثم خفف شيئاً من حدته، وقال: فإن كانت بكم الحاجة، أي الفقر، هي التي دفعتكم إلى المجيء إلينا، أمرْنا لكم بقوتٍ إلى أن تخصِب دياركم، وكسونا سادتكم، ووجوه قومكم، وملَّكنا عليكم ملكاً من قبلنا، يرفق بكم .
          فردَّ عليه رجل من الوفد رداً أشعل النار من جديد، فغضب يزدجرد، قال: لولا أن الرسل لا تُقْتَل لقتلتكم، يبدو أنه استفزّه، قوموا فليس لكم شيءٌ عندي، وأخبِروا قائدكم أني مرسِلٌ إليه رستم، حتى يدفنه، ويدفنكم معاً في خندق القادسية، لقد غضب، وأنتم مصيركم القتل في خندق القادسية .
          ثم أمر فأتي له بحِملٍ من التراب، وقال لرجاله: حمِّلوه على أشرف هؤلاء، وسوقوه أمامكم، على مرأى من الناس، حتى يخرج من أبواب عاصمة ملكنا، فقالوا للوفد: من أشرفكم؟ يريدون أنْ يحملوه ترابًا، ويمشوا به في الطريق، كي يذلَّونه لأنهم في نظره أسرى عنده، انظر إلى التضحية، فبادر إليه عاصم بن عمر، أحد صغار الوفد، فقال له: أنا أشرفهم، فحمَّلوه عليه، حتى خرج من المدائن، ثم حمل الترابَ على ناقته، وأخذه معه، لسعد بن أبي وقَّاص، وبشّره بأن الله سيفتح على المسلمين ديار الفرس، ويملِّكهم تراب أرضهم، ثم وقعت وقعة القادسية، واكتظ خندقها بجثث آلاف القتلى، ولكنهم لم يكونوا من جند المسلمين، إنما كانوا من جنود كسرى))


          انظر إلى هذه المواقف ما أجلَّها، أحد أعضاء الوفد الصغار، توقيراً لرئيسه، ولبقية الوفد، قال: أنا أشرفهم، احمله عليّ، وكان هذا الحملُ وسامَ شرفٍ علَّقه على صدره .

          إليكم بطل نهاوند الذي أحسن عمر في اختياره وكان النصر حليفه وختمت له الشهادة فيها :
          حينما هُزِم الفرس في معركة القادسية شرَّ هزيمة، جمعوا جموعهم، وجيَّشوا جيوشهم، حتى اكتمل لهم، مئةٌ وخمسون ألفاً من أشدَّاء المقاتلين، للمعركة الثانية، معركة نهاوند، وتفاصيل القادسية تعرفونها، فلما وقف الفاروق على أخبار هذا الحشد العظيم، عزم أن يمضي إلى مواجهة هذا الخطر الكبير بنفسه، لكن وجوه المسلمين، ثنوه عن ذلك، وأشاروا عليه، أن يُرسل قائداً يعتمد عليه، في مثل هذا الأمر الجلل، فقال عمر:
          ((أشيروا عليّ برجلٍ، لأولِّيَه ذلك الثغر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم بجندك، فقال: واللهِ لأولِّيَنّ على جند المسلمين رجلاً يكون إذا التقى الجمعان أسبقَ من الأسنة، إنه النعمان بن مقرن المزني، -صار سيدنا النعمان قائد معركة نهاوند- فقالوا: هو لها، أي واللهِ أصبتَ، -قد كان النعمانُ رجلاً كألْف- فكتب إليه يقول:
          مِن عبد الله عمر بن الخطاب، إلى النعمان بن مقرن، أما بعد, فإنه قد بلغني أن جموعاً من الأعاجم كثيرةً، قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند، فإذا أتاك كتابي هذا، فسِرْ بأمر الله، وبعون الله، وبنصر الله، بمَن معك مِن المسلمين، ولا توطئهم وعراً فتؤذيهم .))

          -هناك أسلوب في قيادة الجيش، إنْ أُتعِب الجندي فهذا غلط، يجب أن تريحه، وأن تعلي مكانته، وأن ترفع معنوياته، وأن توفِّر كلَّ طاقته للمعركة، لا أن تجهده قبل المعركة- قال له: فإن رجلاً واحداً من المسلمين، أحبُّ إلي من مئة ألف دينارٍ، والسلام عليك))

          -رجل واحد من المسلمين أحبُّ إليَّ من مئة ألف دينار، تفرح بالجزية، تضحِّي لي بمسلم، والقائد لا ينجح في الحرب إلا إذا شعر الجندي أن حياته غالية جداً على قيادة الجيش، أما نحن, فنقول: إنّ عندنا أعدادًا كبيرة لا يهمنا الأمر، هذه بعض المجتمعات التي رفعت شعارَ لا إله ، من عقيدتها في الحرب أنها تكسح الألغام بالقوى البشرية، أي إنْ وُجِد حقل ألغام أُرسِلت سرية، فيتفجَّر الألغام بها، فيتمّ كسحها، فإذا شعر الجندي أنه رخيص على قيادته، وليس له قيمة فلن يحارب على الإطلاق، أما إذا شعر أنه غالٍ جداً على قيادته، والقيادة مستعدة لبذل كل شيء لإنقاذ حياته، فحينئذٍ يكون شجاعاً، هذه أسرار قوة الجيش- .
          هبّ النعمان بجيشه للقاء العدو، وأرسل أمامه طلائع من فرسانه، لتكتشف له الطريق، فلما اقترب الفرسان من نهاوند توقَّفت خيولهم، فدفعوها فلم تندفع، فنزلوا عن ظهورها، ليعرفوا ما الخبر؟ فوجدوا حوافر الخيل، فيها شظايا من الحديد، تشبه رؤوس المسامير، فنظروا إلى الأرض ، فإذا العجم قد نثروا في الدروب المؤدية إلى نهاوند حسكَ الحديد، ليعوِّقوا الفرسان والمشاة عن الوصول إليهم .
          أخبرَ الفرسانُ النعمان بما رأوا، وطلبوا منه أن يمدَّهم برأيه, فأمرَهم أن يقفوا في أمكنتهم، وأن يوقدوا النيران في الليل، ليراهم العدو، عند ذلك يتظاهرون بالخوف منه، والهزيمة أمامه، ليغروه باللحاق بهم، وإزالة ما زرعه من حسك الحديد، فنجحت الخطةُ، وجازت الحيلة على الفرس، فما إن رأوا طليعة جيش المسلمين تمضي منهزمةً أمامهم، حتى أرسلوا عمَّالهم، فكنسوا الطرق من الحسك، فكرَّ عليهم المسلمون، واحتلوا تلك الدروب، وعسكرَ النعمانُ بن المقرن المزني بجيشه على مشارف نهاوند، وعزم على أن يباغت عدوه بالهجوم، فقال لجنوده: إني مكبرٌ ثلاثاً, المباغتة من علامات نجاح المعركة، فإن كبَّرتُ الأولى فليتهيَّأْ مَن لم يكن قد تهيَّأ ، وإن كبَّرت الثانية، فليشددْ كلُّ رجلٍ منكم سلاحه على نفسه، وإن كبرتُ الثالثةَ فإني حاملٌ على أعداء الله فاحملوا معي .
          كبرَّ النعمان بن مقرنٍ تكبيراته الثلاث، واندفع في صفوف العدو، كأنه الليث عادياً، وتدفق وراءه جنود المسلمين تدفُّقَ السيل، ودارت بين الفريقين رحى معركةٍ ضروس، قلَّما شهد التاريخُ لها نظيراً، كانت من أشهر معارك المسلمين في فتح بلاد الفرس، تمزَّق جيش الفرس شرَّ ممزق، وملأت قتلاه السهل والجبل، وسالت دماؤهم في الممرات والدروب، فزلق جواد النعمان بن مقرن بالدماء فصُرع، وأصيب النعمان نفسه إصابةً قاتلة، فأخذ أخوه اللواء من يده، وسجَّاه ببردةٍ كانت معه، وكتم أمره على المسلمين، وما أخبر أحدًا، ولما تمَّ النصر الكبير الذي سمَّاه المسلمون فتح الفتوح، سأل الجنودُ المنتصرون عن قائدهم الباسل، فرفع أخوه البردة عنه، وقال: هذا أميركم، قد أقرَّ اللهُ عينه بالفتح، وختم له بالشهادة .


          خلاصة القول :

          أيها الأخوة, ملخص الملخص, نحن ماذا فعلنا؟ لا جنة من دون عمل، ومن دون تضحية، ومن دون بذل، وأقل شيء أنْ تطلب العلم، وأنْ تعلِّم، وأقل شيء يمكن أن تقدمه للمسلمين أنْ تتعلم القرآن، وأن تعلِّمه، وأن تفعل الخير، وأن تطعم الفقراء، وأن تنصر الضعفاء، وأن تزيل البأساء عن البائسين، وأن تسهم في خدمة مجتمعك المسلم، فمِن دون عمل أنتَ تستهلك جهود الآخرين، وتأخذ ما عندهم، لكنْ أنْ تصلي وتصوم، وتظن أن هذا هو الإسلام؟ لا والله، الإسلام عمل، ولو فَهِم الصحابة الكرام الإسلام كما نفهمه اليوم، واللهِ لما خرج الإسلام من مكة إطلاقاً، ولبقي في مكة، فانظرْ إلى أين وصلوا، وأين هذه نهاوند؟ هذه في شرق المدائن، وفي أعماق بلاد الفرس، لقد وصل الإسلامُ إلى الصين .
          يا أيها الأخ الكريم, إن لم تكن الأمور واضحةً في ذهنك وضوح الشمس، وإنْ لم تكن حياتك مفعمةً بما تعتقد، وبما تنطلق، فالطريق إلى الله لا يزال طويلاً، لكنّ الحقيقة أن الصحابة الكرام على اختلاف مشاربهم، وانتماءاتهم، وعلى اختلاف أصولهم، وقبائلهم، صبَغَهُم الإسلام جميعاً بصبغةٍ واحدة .
          الإيمان رفع شأنهم، ويجب أن تعلموا أن الله هو هو، إلههم إلهنا، ربهم ربنا، إذًا: فينا تقصير، وهذا بسببنا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
          ((اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي, اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي, فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ, وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهـُمْ ,وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي, وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ, وَمَنْ آذَى اللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ))
          [أخرجه الترمذي في سننه عن عبد الله بن مغفل]

          وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ))
          [متفق عليه, أخرجهما البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي سعيد الخدري]
          فأنا أرى أن قدوتنا أصحاب رسول الله، في ورعهم، في عباداتهم، في إقبالهم، في بذلهم، في تضحياتهم .
          والحمد لله رب العالمين

          تعليق

          يعمل...
          X