السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنصار "الإسلام" وأنصار "الأعلام"
http://www.youtube.com/watch?v=M4yobYU43VU
كم ابتُذِلَت في زماننا هذا الكلمات الشريفة، وأُهينت الألفاظ المنيفة، وحُرفت إلى المعاني المرذولة والأغراض السخيفة..
وفي هذه الأيام قرعت آذاننا ألفاظ "الأنصار" و"المناصرين" حتى لكأنك تتخيل أن هؤلاء ما أعدوا العدة ولا جندوا الأجناد إلا لتحرير "القدس" من ربقة الاستعباد، أو "العراق" من الأغلال والأقياد.
وقد رأيت كما رأى الناس، ما اقترفته أيدي أنصار "الوسواس الخناس"، وما حدث من الشقاق والفرقة والباس..
فسَبَحت بيَ الأفكار في أعماق تاريخنا المجيد، حيث تذكرت مواقف "الأنصار" بعد إعلان عقد "المؤاخاة"، ووقفت معجبا بتسابق وتنافس تلك النفوس الأبية الشهمة في بذل كل نفيس وثمين لإخوانهم المهاجرين.
وأعملت فكري في مقارنة سريعة بين "الأنصار" و"الأغرار".. بين من جعل الإسلام رايته فهي تعلو فوق كل الرايات .. وبين من اتخذ الرايات "الحمراء"
"والخضراء" شعارا للولاء ..ومناطا للبراء.. ومسوغا لكل أشكال الجريمة والبلاء.
وحتى لا تجرنا الأحزان، وتسوقنا الأشجان، فيمتد ذيل الحديث عن واقعنا "الحديث" ..أنقلك أخي القارئ، إلى مجتمع المحبة والسماحة، وبيوت الشرف والملاحة..
فأحدثكم عن أولئك الكرام الذين حاصروا القادمين إليهم ليس بالحجارة والطوب، بل حاصروهم بالمحبة وسلامة القلوب..
أحدثكم عن تلكم الثلة الطيبة من أهل "طيبة" الذين ازدحموا على إخوانهم المهاجرين..
لا ليستفزوا غضبهم ويثيروا أعصابهم –كلا والله فذاك طبع قد قلوه وخلق قد تركوه بعد أن أنعم الله عليهم بالإسلام- أقول إزدحموا كأمواج الرحمة تغمر ضيوفهم بالكرم والجود والبذل والعطاء ازدحموا على إخوانهم المهاجرين لكي يفوز أحدهم "بمهاجري" ليكون نزيل بيته، فكانت صدور الأنصار أفسح من كل الديار
فها أنا ذا أسوق لك أخي القارئ شيئا من تلك المواقف الحضارية، التي لا تكون إلا من "أنصار الإسلام"
- الله أكبر. "لقد اقترعوا على سكنى المهاجرين"
- في البخاري وغيره عن خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء أخبرته " أن عثمان بن مظعون طَارَ لَهُمْ في السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ فَاشْتَكَى عُثْمَانُ عِنْدَنَا، فَمَرَّضْتُهُ حَتَّى تُوُفِّىَ.."
- مؤاخاة على الميراث دون ذوي الأرحام
ذكر ابن سعد في طبقاته: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، آخى بين المهاجرين والأنصار، آخى بينهم على الحق والمؤاساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام، وكانوا تسعين رجلاً، خمسة وأربعون من المهاجرين، وخمسة وأربعون من الأنصار، وكان ذلك قبل بدر، فلما كانت وقعة بدر وأنزل الله تعالى: ((وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله إن الله بكل شيءٍ عليم))؛ فنسخت هذه الآية ما كان قبلها، وانقطعت المؤاخاة في الميراث، ورجع كل إنسان إلى نسبه وورثه ذوو رحمه.
- (إِنِّى أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً فَأَقْسِمُ مَالِى نِصْفَيْنِ، وَلِى امْرَأَتَانِ..)
وهذا موقف آخر من مواقف "الأنصار" موقف من يعرض على أخيه نصف ماله، والزواج بواحدة من نسائه.
ففي البخاري (لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف، وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ إني أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالاً فَأَقْسِمُ مالي نِصْفَيْنِ، وَلِى امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ ..)
- (اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ)
ففي البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: (اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ). قَالَ: «لاَ». (فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنُشْرِكُكُمْ فِى الثَّمَرَةِ. قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا)
- (فَقَالَتِ الأَنْصَارُ حَتَّى تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِى تُقْطِعُ لَنَا)
أخرج البخارى عن يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رضى الله عنه قَالَ أَرَادَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم (أَنْ يُقْطِعَ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ حَتَّى تُقْطِعَ لإِخْوَانِنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِى تُقْطِعُ لَنَا) قَالَ: «سَتَرَوْنَ بَعْدِى أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِى» .
صورة عالية من التكافل
- حتى الأسير تغمره قلوب "الأنصار" بالإيثار؟
ما أخرجه الطبراني من حديث أبي عزيز بن عمر أخي مصعب بن عمير قال: (كنت في الأسرى يوم بدر فقال رسول الله استوصوا بالأسارى خيرا وكنت في نفر من الأنصار فكانوا إذا قدَّموا غذائهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني البُرَّ لوصية رسول الله).
بعد أن وقفتَ أخي القارئ على هذه المواقف العظيمة، فحُقَّ لك أن تقارن بينها وبين حالنا اليوم.. حينما فرقتنا "كرة" ..
أيها القارئ الكريم :
لقد امتن الله عز وجل على "الأنصار" بأن ألَّف بين قلوبهم بالإسلام، بعد أن كانوا أعداء في الجاهلية، وتجلَّت هذه الأخوة في أبهى صورها وأجمل حللها، في تلك المواقف السمحة، التي قرأتهَا قبل قليل، فقال سبحانه وتعالى ممتنا على عباده : ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [آل عمران: 103]
فبما يمتن "أنصار الكرة " على أوطانهم؟ وما هي المكاسب التي حققوها لأمتهم؟
- أليست الموازين قد انقلبت والقيم تغيرت، وصارت الأثرة والحقد والضغينة والهمجية، دليلا على الوطنية؟!
-ألم تتحول مظاهر الكراهية وصور الانتقام - التي لم نرى لها مثيلا حتى في الجاهلية الأولى- إلى ظاهرة صحية؟!
- أمتي الغالية .. إن "حمية الجاهلية" أزكمت الأنوف برائحتها المنتة..
وتَطاير شرر الحرب..
وسُلَّت السيوف..
واعتُقِلت الرماح..
وهاهم أعداؤك يُلقون بكِ في أتون الفتنة كي يُفَتِّتوا شملك ويُضعفوا قوتك.
أفيقي أمتي .. من السبات العميق وانهضي من الواد السحيق..
تفطني يا أمتي ..من مكيدة "المونديال" التي زَجت بك في كل هذه الأهوال .. يا أمة الوسطية والاعتدال.
ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.
تعليق