هو إمام من أئمة الحديث من التابعين، ومن العلماء العاملين، إمام الحديث في أوانه، والمقدّم على سائر أقرانه،
كان شديد الحرص على الحديث وإتقانه، حامل لواء الجرح والتعديل، ومع هذا كان ورعاً عابداً زاهداً في الدنيا وملذاتها رحمه الله رحمة واسعة.
اشتهر بالزهد والعفاف والورع والكفاف، كان محباً للمساكين معظماً لأهل الدين، مع أنه كان فقيراً من الفقراء ، ولكنه كان شديد الغيرة على حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان شديد التحري،
روى عنه مالك نجم السنن بواسطة، مع أن مالكاً لا يفعل ذلك
إلا نادراً
والإمام مالك من كبار أئمة أتباع التابعين، وشعبة من صغار التابعين، فالفترة قريبة بين مالك و شعبة ، فإذا حدث عنه بواسطة فهذا يدل على حرص الإمام مالك على الرواية عن هذا الإمام.
قال الذهبي :
كان أبو بسطام إماماً ثبتاً حجة ناقداً جهبذاً صالحاً زاهداً قانعاً بالقوت، رأساً في العلم والعمل منقطع النظير، وهو أول من جرّح وعدّل.
وكان سفيان الثوري
يخضع له ويجله ويقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث.
نسب الإمام شعبة ومولده وصفته
اسمه: شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي أبو بسطام الواسطي مولى عبدة بن الأغر مولى يزيد بن المهلب بن أبي صفرة .
وقال قعنب بن المحرر : مولى الجهاضم من العتيك.
وقال محمد بن سعد : مولى الأشاقر عتاقة.
مولده: ولد في سنة (80 هـ) في دولة عبد الملك بن مروان .
وقال أبو زيد الهروي ولد سنة (82 هـ).
صفته: قال حمزة بن زياد الطوسي : سمعت شعبة وكان ألثغ قد يبس جلده على عظمه من العبادة.
يبس جلده على عظمه.
أي: ليس بينهما لحم.
وعن أبي بحر البكراوي قال:
ما رأيت أعبد لله من شعبة ، لقد عبد الله حتى حنى جلده على ظهره ليس بينهما لحم.
وقال أبو قطن :
كانت ثياب شعبة كالتراب، وكان كثير الصلاة، سخياً.
وعن عبد العزيز بن أبي رواد قال:
كان شعبة إذا حك جسمه انتثر منه التراب، وكان سخياً، كثير الصلاة.
ثناء العلماء على الإمام شعبة
قال أبو عبد الله الحاكم :
شعبة إمام الأئمة بالبصرة في معرفة الحديث، رأى أنس بن مالك و عمرو بن سلمة الجرمي وسمع من أربعمائة شيخ من التابعين.
قال: وحدث عنه من شيوخه:
منصور و الأعمش و أيوب و داود بن أبي هند و سعد بن إبراهيم يعني قاضي المدينة.
قال الذهبي :
ومن جلالته قد روى مالك الإمام عن رجل عنه، وهذا قل أن يعمله مالك .
وعن أبي داود قال:
حدثنا شعبة قال: قال لي سفيان الثوري : أنت أمير المؤمنين في الحديث.
وعن أبي النضر قال:
كان سليمان بن المغيرة إذا ذكر شعبة قال:
سيد المحدثين.
وكان شعبة إذا ذكر سليمان بن المغيرة قال:
سيد القراء.
وعن الفضيل بن زياد قال:
سئل أحمد بن حنبل : شعبة أحب إليك حديثاً أو سفيان ؟ فقال: شعبة أنبل رجالاً، وأوثق حديثاً.
وعن سلم بن قتيبة قال:
قدمت البصرة فأتيت الكوفة، فأتيت سفيان فقال لي:
من أين أنت؟
فقلت من البصرة قال:
ما فعل أستاذنا شعبة ؟
وقال يحيى بن معين : شعبة إمام المتقين.
وقال أبو زيد الأنصاري :
وهل العلماء إلا شعبة من شعبة .
وقال ابن معين :
كان يحيى بن سعيد -يعني: القطان فهو من الطبقة التي بعد طبقة الإمام شعبة، أما الأنصاري فهو من صغار التابعين- إذا سمع الحديث من شعبة لم يبال ألا يسمعه من غيره.
لأن شعبة كان يسمع الحديث أكثر من مرة قبل أن يحدث به من تثبته.
وقال محمد بن زيد :
إذا خالفني شعبة في حديث صرت إليه.
وعن حسن بن عيسى قال:
سمعت ابن المبارك قال: كنت عند سفيان فأتاه موت شعبة فقال: اليوم مات الحديث،
وقال الشافعي : لولا شعبة لما عُرف الحديث بالعراق.
وقال أبو قطن :
كتب لي شعبة إلى أبي حنيفة فأتيته، فقال: كيف أبو بسطام ؟ قلت: بخير، قال: نعم حشو المصر هو!
وقال أحمد بن حنبل :
شعبة أثبت من الأعمش في الحكم -أي: ابن عتيبة - و شعبة أحسن حديثاً من الثوري ، وقد روى عن ثلاثين شيخاً كوفياً لم يلقهم سفيان ، قال: وكان شعبة أمة وحده في هذا الشأن.
قال أبو نعيم في وصفه: ومنهم الإمام المشهور في المناقب، مذكور له التقشف والتعبد والتكشف عن الأخبار والتشدد، أمير المؤمنين في الرواية والتحديث، وزين المحدثين في القديم والحديث، أكثر عنايته بتصحيح الآثار والتبري من تحمل الأوزار، المتثبت المحجاج أبو بسطام شعبة بن الحجاج كان للفقر عانقاً، وبضمان الله تعالى واثقاً.
وقال يحيى بن سعيد :
لا يعدل شعبة عندي أحد.
عبادة الإمام شعبة
عن أبي بكر البكراوي قال:
ما رأيت أعبد لله عز وجل من شعبة ، لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم.
وعن عمر بن هارون قال:
كان شعبة يصوم الدهر كله لا ترى عليه، وكان سفيان يصوم ثلاثة أيام من الشهر ترى عليه.
وعن ابن منيع قال:
سمعت أبا قطن قال:
ما رأيت شعبة ركع قط إلا ظننت أنه قد نسي، ولا قعد بين السجدتين إلا ظننت أنه قد نسي، من إطالته للركوع والقعود بين السجدتين.
وقال عبد السلام بن مطهر :
ما رأيت أحداً أمعن في العبادة من شعبة .
وعن أبي الوليد عن شعبة قال:
إذا كان عندي دقيق وقصب -يعني حطباً للفرن- ما أبالي ما فاتني من الدنيا.
وعن صالح بن سليمان قال:
كان شعبة مولى للأزد، مولده ومنشؤه بواسط، وعلمه كوفي، وكان له ابن يقال له سعد وكان له أخوان: بشار وحماد وكانا يعالجان الصرف،
وكان شعبة يقول لأصحاب الحديث: ويلكم الزموا السوق فإنما أنا عيال على أخوين يعني: ينفقان عليه.
قال: وما أكل شعبة من كسبه درهماً قط.
وعن قراد أبي نوح قال:
رأى علي شعبة قميصاً فقال: بكم اشتريت هذا؟ فقلت: بثمانية دراهم، فقال: ويحك، أما تتقي الله، ألا اشتريت قميصاً بأربعة دراهم وتصدقت بأربعة كان خيراً لك؟ قلت: يا أبا بسطام إنا مع قوم نتجمل لهم، قال: إيش نتجمل لهم؟ كأنه ينكر عليه هذه الكلمة.
وعن يحيى بن أيوب قال:
حدثنا أبو قطن قال: كانت ثياب شعبة لونها لون التراب -وقد كان بعض العلماء يفضّلون الثياب التي بلون التراب حتى لا تحتاج إلى غسل كل فترة- وكان كثير الصلاة كثير الصيام سخي النفس.
وعن عبدان بن عثمان عن أبيه قال:
قومنا حمار شعبة وسرجه ولجامه ببضعة عشر درهماً.
وعن عبد العزيز بن رواد قال: كان شعبة إذا حك جلده انتفض منه التراب.
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال:
ما رأيت أعقل من مالك بن أنس ، ولا أشد تقشفاً من شعبة ، ولا أنصح للأمة من عبد الله بن مبارك .
أدب شعبة وسماحته وحبه للمساكين
عن أبي داود الطيالسي قال:
كنا عند شعبة فجاء سليمان بن المغيرة يبكي، فقال له شعبة : ما يبكيك يا أبا سعيد ؟ قال: مات حماري، وذهبت مني الجمعة، وذهبت حوائجي، قال: فبكم أخذته؟ قال: بثلاثة دنانير، قال: فعندي ثلاثة دنانير والله ما أملك غيرها، يا غلام هات تلك الصرة، فإذا فيها ثلاثة دنانير فدفعها إليه، وقال: اشتر بها حماراً ولا تبك.
وعن حجاج قال:
ركب شعبة حماراً له فلقيه سليمان بن المغيرة فشكى إليه، فقال له شعبة : والله ما أملك إلا هذا الحمار، ثم نزل عنه ودفعه إليه.
وعن نضر بن شميل قال:
ما رأيت أرحم لمسكين من شعبة ، إذا رأى المسكين لا يزال ينظر إليه حتى يغيب عن وجهه.
وعن مسلم بن إبراهيم قال:
كان شعبة إذا وقف في مجلسه سائل لا يحدث حتى يُعطى، فقام له يوماً سائل ثم جلس، فقال: ما شأنه؟ قال: ضمن عبد الرحمن بن مهدي أن يعطيه درهماً.
قال يحيى القطان :
كان شعبة من أرق الناس، يُعطي السائل ما أمكنه.
وعن أبي داود قال:
كنا عند شعبة نكتب ما يملي فسأل سائل؟ فقال شعبة: تصدقوا.
فلم يتصدق أحد، فقال:
تصدقوا فإن أبا إسحاق حدثني عن عبد الله بن معقل عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)
قال: فلم يتصدق أحد، فقال:
فإن عمرو بن مرة حدثني عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)
فلم يتصدق أحد، فقال:
تصدقوا فإن محلاً الضبي حدثني عن عدي بن حاتم قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(استتروا من النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)
فلم يتصدق أحد، فقال:
قوموا عني فوالله لا حدثتكم ثلاثة أشهر،
ثم دخل منزله فأخرج عجيناً فأعطاه السائل، فقال: خذ هذا فإنه طعامنا اليوم.
وعن مسلم بن إبراهيم قال:
ما دخلت على شعبة في وقت صلاة قط إلا رأيته قائماً يصلي، وكان أبا الفقراء وأمهم، وسمعته يقول: والله لولا الفقراء ما جلست لكم.
وهذا يدل على أنه يحدث من أجل أن يتصدق الناس على الفقراء.
وعن سليمان بن حرب قال:
لو نظرت إلى ثياب شعبة لم تكن تساوي عشرة دراهم، وكان شيخاً كثير الصدقة.
فالصدقة ليست خاصة بالأغنياء، بل صدقة الفقير يكون وقعها أكبر، وقد يسبق درهم ألف درهم.
وعن مسلم بن إبراهيم قال:
سمعت شعبة يقول: لولا المساكين ما حدثت، فإني أُحدث ليعطوا.
وعن عفان قال:
لولا حوائج لي ما حدثتكم، وكان يسأل لنسوة ضعاف.
احتياط الإمام شعبة في الرواية وتشدده في التوثيق بواسطة
عن أبي داود الطيالسي -وهو في الطبقة التي قبل طبقة الإمام أحمد وهي طبقة يحيى القطان و عبد الرحمن بن مهدي وهما من تلامذة كبار أتباع التابعين وصغار التابعين- قال:
سمعت شعبة بن الحجاج يقول:
كل حديث ليس فيه حدثنا أو أخبرنا فهو خل وبقل.
وعن حماد بن سلمة قال:
جاء شعبة إلى حميد فسأله عن حديث فحدثه به فقال: أسمعته؟ قال: أحسبه، قال: فقال بيده هكذا -أي لا أريده- فلما قام فذهب، قال:
سمعته من أنس ولكن تشدد عليّ فأحببت أن أشدد عليك.
فهو شديد الاحتياط للتدليس؛ لأنه كان يعظم أمر التدليس جداً
فكان يتأكد أن المعروف بالتدليس سمع الحديث فيكتبه عنه، فهو عندما جاء إلى حميد فسأله عن الحديث فحدثه به، فقال: أسمعته؟ قال: أحسبه، فقال بيده هكذا -يعني: لا أريده- فلما قام فذهب، قال: سمعته من أنس ولكن تشدد عليّ فأحببت أن أشدد عليك.
وعن خضر بن زياد قال:
رئي شعبة متقنعاً في شدة الحر فقيل له: إلى أين أبا بسطام ؟ قال: أستعدي على رجل يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن حماد بن زيد قال:
لقيني شعبة بن الحجاج ومعه مدرة فقلت: يا أبا بسطام أين تريد؟ قال: إلى أبان بن عياش أدعوه إلى القاضي فإنه يكذب، فقلت له: إني أخاف عليك عبد القليس قال: فكلمته فانصرف، قال حماد : ثم لقيني شعبة بعد ذلك فقال: يا أبا إسماعيل إني نظرت في ذلك فلم يسعني السكوت.
وعن أبي أسامة قال:
وافقنا من شعبة طِيبَ نفسٍ فقلنا له: حدثنا ولا تحدثنا إلا عن ثقة، فقال: قوموا.
وعن يحيى بن سعيد قال:
ما رأيت أحداً قط أحسن حديثاً من شعبة .
وقال عبد الرحمن بن مهدي :
قال شعبة : كنت أتفقد فم قتادة -لأن قتادة مدلّس- فإذا قال سمعت أو حدثنا تحفّظته وإلا تركته.
ولذلك إذا كان شعبة هو الراوي عن قتادة -حتى لو كان الحديث بالعنعنة- فهو محمول على السماع؛ لأن شعبة قال: كفيتكم تدليس قتادة .
وتجدون في البخاري و مسلم بعض الأحاديث يحدث فيها شعبة عن قتادة بالعنعنة -بدون تصريح بالسماع- فمادام الراوي عن قتادة هو شعبة فيكون هذا الحديث قد صُّرح فيه بالسماع، وإن لم يكن في هذه الرواية ففي رواية أخرى.
قال أبو زرعة :
سمعت مقاتل وهو ابن محمد يقول:
سمعت وكيعاً يقول: إني لأرجو أن يرفع الله لـشعبة درجات في الجنة بذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو الوليد :
قال لي حماد بن زيد : إذا خالفني شعبة في حديث صرت إلى قوله، قلت: كيف يا أبا إسماعيل ؟ قال: إن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث عشرين مرة، وأنا أرضى أن أسمعه مرة.
وقال مكي بن إبراهيم :
سئل شعبة عن ابن عون ؟ فقال: سمن وعسل.
قيل: فما تقول في هشام بن حسان ؟
قال: خل وزيت،
قيل: فما تقول في أبي بكر الهذلي ؟
قال: دعني لا أقيء به.
وقال أبو الوليد :
سألت شعبة عن حديث؟
فقال: والله لا حدثتك به
، قلت: ولم؟
قال: لأني لم أسمعه إلا مرة.
وقال: شعيب بن حرب :
سمعت شعبة يقول: لئن أُقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أحدث عن أبي هارون العبدي .
وقال بشر بن عمر الزهراني :
سمعت شعبة يقول: لئن أخر من السماء -أو من فوق هذا القصر- أحب إليّ من أن أقول قال: الحكم بشيء لم أسمعه منه.
قال الذهبي :
هذا والله ورع.
يعني: أنه لا بد أن يكون قد سمع الحديث بالتصريح.
وقال عبد الرحمن بن مهدي
قلت لـشعبة من الذي تترك الرواية عنهم؟
قال: إذا أكثر عن المعروفين من الرواية ما لا يُعرف، أو أكثر الغلط، أو تمادى في غلط مجتمع عليه، ولم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه، أو رجل متهم بالكذب وسائر الناس يروي عنهم.
فـشعبة أول من عدّل -يعني: إمام الجرح والتعديل- ثم أخذ ذلك عنه عبد الرحمن بن مهدي
شيوخ الإمام شعبة وتلامذته رحمهم الله
شيوخه
قال الذهبي :
حدث عن أنس بن سيرين و إسماعيل بن رجاء.
وقد رأى أنس بن مالك وبعض الصحابة ولكن لم يرو عنهم.
وحدث عن سلمة بن كهيل و جامع بن شداد و سعيد بن أبي سعيد المقبري و جبلة بن سحيم و الحكم بن عتيبة و عمرو بن مرة وغيرهم.
تلامذته
قال الخطيب :
روى عنه أيوب السختياني و الأعمش و محمد بن إسحاق صاحب السيرة، و إبراهيم بن سعد و سفيان الثوري و شريك بن عبد الله و سفيان بن عيينة و يحيى بن سعيد القطان و عبد الرحمن بن مهدي و محمد بن جعفر و عبد الله بن المبارك وغيرهم.
درر من أقوال الإمام شعبة
قال عفان :
سمعت شعبة يقول: من ذهبنا إلى أبيه فأكرمنا فجاءنا ابنه أكرمناه، ومن أتيناه فأهاننا فأتانا ابنه أهناه! وعن يحيى القطان عن شعبة قال: من الناس من عقله معه، ومن الناس من عقله بفنائه، ومنهم من لا عقل له، فأما الذي عقله معه فالذي يبصر ما يخرج منه قبل أن يتكلم، وأما الذي عقله بفنائه فالذي .
وذكر كلمة.
وعن ابن عيينة قال:
سمعت شعبة يقول: من طلب الحديث أفلس، بعت طست أمي بسبعة دنانير.
وكان بيعه للطست من أجل الرحلة في طلب الحديث.
وقال سلمة بن قتيبة :
ربما سمعت شعبة يقول لأصحابه: يا قوم إنكم كلما تقدمتم في الحديث تأخرتم في القرآن.
كأنه ينكر على أهل الحديث أن يشتغلوا بالحديث عن القرآن.
وعن يزيد بن هارون قال:
كان شعبة يقول: لا تكتبوا الحديث إلا عن غني، وكان هو فقيراً يعوله بنو أخيه.
وعن مؤمل بن إسماعيل قال:
سمعت شعبة يقول: كل حديث ليس فيه حدثنا فهو مثل الرجل في فلاة معه بعير بلا خطام.
وقال أبو نوح قراد سمعت شعبة يقول:
إذا رأيت المحبرة في بيت إنسان فارحمه، وإن كان في كمك شيء فأطعمه.
وعن الأصمعي قال:
سمعت شعبة يقول: ما أعلم أحداً فتّش الحديث كتفتيشي، وقفت على أن ثلاثة أرباعه كذب.
وهذا فيه شيء من المبالغة، وإلا فكل العلماء حكموا على كل حديث بما يليق به.
وعن حمزة بن زياد الطوسي :
سمعت شعبة وكان ألثغ قد يبس جلده من العباده، يقول: لو حدثتكم عن ثقة ما حدثتكم إلا عن ثلاثة.
وقال يحيى بن سعيد :
سمعت شعبة يقول: كل من كتبت عنه حديثاً فأنا له عبد.
وقال ابن مهدي :
سمعت شعبة يقول: إن هذا العلم يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم فهل أنتم منتهون.
فكأنه يُنكر على طالب العلم اشتغاله بطلب العلم بحيث يفرط في أشياء هي واجبة عليه وجوباً عينياً.
وقال أبو قطن :
سمعت شعبة يقول: ما من شيء أخوف عندي من أن يدخلني النار من الحديث.
وفاة الإمام شعبة رحمه الله
وفاته رحمه الله: عن شبابة قال:
دخلت على شعبة في يومه الذي مات فيه وهو يبكي، فقلت له: ما هذا الجزع يا أبا بسطام ؟ أبشر فإن لك في الإسلام موضعاً، فقال: دعني فلقد وددت أني وقّاد حمام، وأني لم أعرف الحديث.
وعن أبي قطن قال:
سمعت شعبة يقول: ما من شيء أخوف عندي من أن يدخلني النار من الحديث.
يعني: خشية أن يكون قد زاد فيه شيئاً أو نقص منه شيئاً.
قال الذهبي : كل من حاقق نفسه في صحة نيته في طلب العلم يخاف من مثل هذا، ويود أن ينجو كفافاً.
حتى أن بعض العلماء أوصى بأن تُحرق كتبه أو تُغسل، خشية أن يكون فيها شيء من الزيادة أو النقص.
وقال سعد بن شعبة :
أوصى أبي إذا مات أن أغسل كتبه فغسلتها، قال الذهبي : وهذا فعله غير واحد بالغسل والحرق والدفن خوفاً من أن تقع في يد إنسان واهم يُزيد فيها أو يغيرها.
ويكون هذا من باب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لم يكذب عليه ولكن يخشى أن يقع الكتاب في يد كذاب فيزيد فيه شيئاً.
وقال ابن منجويه :
مولده سنة 82 هـ ومات سنة 160 هـ في أولها، وله يوم مات سبع وسبعون سنة.
وهكذا أكثر علماء الحديث كانوا يعمّرون كما قال بعضهم: أهل الحديث طويلة أعمارهم ووجوهم بدعا النبي منضّره وسمعت من بعض المشايخ أنهم أرزاقهم أيضاً به متكثّره نكتفي بهذا القدر، وأستغفر الله لي ولكم.
وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً.
الشيخ احمد فريد حفظه الله
تعليق