هو من علماء الكوفة ومن صغار التابعين، اسمه سليمان بن مهران الملقب بـالأعمش
له علم وفضل وملح ونوادر، إمام في القرآن والحديث، لقب بالمصحف لصدقه، وكانوا يصححون مصاحفهم من حفظه، فقد كانت المصاحف تكتب باليد، لكنهم كانوا يصححون مصاحفهم المكتوبة من قراءته.
كان فقيراً من الدنيا ولكنه كان مليئاً من العلم.
قال عيسى بن يونس :
ما رأينا الأغنياء والسلاطين في مجلس قط أحقر منهم في مجلس الأعمش ، وهو محتاج إلى درهم.
قال أبو نعيم في وصفه:
ومنهم الإمام المقرئ الراوي المفتي، كان كثير العمل قصير الأمل، مع ربه راهباً ناسكاً، ومع عباده داعباً ضاحكاً
يعني: إشارة إلى كثرة مزاحه.
سليمان بن مهران الأعمش تتلمذ عليه الأكابر
كـشعبة و سفيان الثوري و سفيان بن عيينة ،
وكان أعلم الناس بحديث عبد الله بن مسعود .
فهو من صغار التابعين، وتتلمذ عليه أئمة كبار أتباع التابعين.
وكان أعلم الناس بحديث عبد الله بن مسعود ، رأى أنس بن مالك ، ولكنه لم يرو عنه إلا بواسطة .
وكانت له عجائب ونوادر وملح رحمه الله وسائر الأئمة الأعلام والعلماء الكرام.
نسب الأعمش رحمه الله ومولده وصفته
اسمه: سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي الأعمش ، و كاهل هو: ابن أسد بن خزيمة ، أصله من نواحي الري.
فقيل: ولد بقرية أمه من أعمال طبرستان في إحدى وستين، وقدموا به إلى الكوفة طفلاً، وقيل: حملاً.
صفته: عن ابن عيينة قال:
رأيت الأعمش لبس فرواً مقلوباً، وثياباً تسيل خيوطه على رجليه، ثم قال: أرأيتم لولا أني تعلمت العلم من كان يأتيني؟ لو كنت بقالاً كان يقذرني الناس أن يشتروا مني.
فانظروا إلى شرف العلم، وكيف أن العلم يرفع العبد المملوك حتى يجلسه مجالس الملوك،
كما ورد في الصحيح: أن عمر بن الخطاب لقى نافع بن الحارث بعسفان، وعسفان ما بين مكة والمدينة، وهي أقرب إلى مكة، وكان قد استخلفه عمر على أهل الوادي، فلما لقيه قال: (من استخلفت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى.
قال: من ابن أبزى؟ قال: رجل من موالينا
-والمولى يطلق على العبد، ويطلق على العبد الذي أعتق - فقال: رجل من موالينا، فقال عمر رضي الله عنه: استخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عالم بالفرائض، فقال عمر رضي الله عنه:
ألا إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال:
إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين .
وعن أبي بكر بن عياش قال:
رأيت الأعمش يلبس قميصاً مقلوباً فيقول: الناس مجانين، يلبسون الخشن مقابل جلودهم.
وعن أبي هشام قال: سمعت عمي يقول:
قال عيسى بن موسى لـابن أبي ليلى : اجمع الفقهاء.
كان عيسى بن موسى أميراً، فأمر ابن أبي ليلى أن يجمع الفقهاء فجمعهم، فجاء الأعمش في جبة فرو وقد ربط وسطه بشريط فأبطئوا، فقام الأعمش فقال: إن أردتم أن تعطونا شيئاً وإلا فخلوا سبيلنا، فقال: يا ابن أبي ليلى ! قلت لك تأتي بالفقهاء تجيء بهذا؟ قال: هذا سيدنا الأعمش .
ثناء العلماء على الأعمش رحمه الله
قال أحمد بن عبد الله العجلي
الأعمش ثبت، وكان محدث الكوفة في زمانه.
ويقال: إنه كان له أربعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب
أي: كان ضبطه ضبط صدر وليس ضبط كتاب.
قال: وكان يقرأ القرآن وهو رأس فيه، وكان فصيحاً.
وقال عيسى بن يونس :
لم نر نحن مثل الأعمش ، وما رأيت الأغنياء عند أحد أحقر منهم عنده مع فقره وحاجته.
قال الذهبي :
كان عزيز النفس قنوعاً، وله رزق على بيت المال في الشهر خمسة دنانير، قررت له في آخر عمره.
وعن ابن عيينة قال:
سبق الأعمش الناس بأربع: كأن أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض، وذكر خصلة أخرى.
وقال أحمد :
أبو إسحاق و الأعمش رجلا أهل الكوفة، يعني: في زمنهم.
وأبو إسحاق هو السبيعي .
وقال محمد بن سعد :
وكان الأعمش صاحب قرآن وفرائض وعلم بالحديث، قرأ عليه طلحة بن مصرف القرآن، وكان يقرئ الناس، ثم ترك ذاك في آخر عمره، وكان يقرأ القرآن في كل شعبان على الناس في كل يوم شيئاً معلوماً حين كبر وضعف، ويحضرون مصاحفهم فيعرضونها ويصلحونها على قراءته.
وعن عيسى بن يونس قال:
ما رأينا في زماننا مثل الأعمش ، ولا الطبقة الذين كانوا قبلنا، وما رأينا الأغنياء والسلاطين في مجلس قط أحقر منهم في مجلس الأعمش ، وهو محتاج إلى درهم.
وكان القاسم بن عبد الرحمن يقول:
ليس أحد أعلم بحديث عبد الله من الأعمش .
وذلك لأن عبد الله بن مسعود سكن الكوفة، وكان الأعمش من علماء الكوفة، فكان أعلم الناس بحديث عبد الله بن مسعود .
وعن ضرار بن صرد قال:
ما كان هذا العلم إلا في العرب وأشراف الملوك.
فقال له رجل من جلسائه: وأي نبل كان في الأعمش ؟
قال شريك : أما لو رأيت الأعمش ومعه لحم يحمله و سفيان الثوري عن يمينه و شريك عن يساره، وكلاهما ينازعه حمل اللحم لعلمت أن ثم نبلاً كثيراً.
وعن إسحاق بن راشد قال:
قال لي الزهري : وبالعراق أحد يحدث؟
قلت: نعم.
قلت له: هل لك أن آتيك بحديث بعضهم؟
فقال لي: نعم.
فجئته بحديث سليمان الأعمش ، فجعل ينظر فيها ويقول: ما ظننت أن بالعراق من يحدث مثل هذا؟ قال: قلت: وأزيدك؟ هو من مواليهم.
وقال علي بن المديني :
حفظ العلم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستة، فلأهل مكة عمرو بن دينار ، ولأهل المدينة ابن شهاب الزهري ، ولأهل الكوفة أبو إسحاق السبيعي و سليمان بن مهران ، ولأهل البصرة يحيى بن أبي كثير و قتادة .
وقال شعبة :
ما شفاني أحد في الحديث ما شفاني الأعمش .
وقال عبد الله بن داود الخريبي :
سمعت شعبة إذا ذكر الأعمش قال: المصحف، المصحف.
وقال عمر بن علي :
كان الأعمش يسمى المصحف من صدقه.
وقال محمد بن عمار الموصلي :
ليس في المحدثين أثبت من الأعمش و منصور بن المعتمر ، و منصور أفضل من الأعمش إلا أن الأعمش أعرف بالمسند وأكثر مسنداً منه.
الأعمش والتدليس
قال الذهبي :
الأعمش أبو محمد أحد الأئمة الثقات، عداده في صغار التابعين، ما نقموا عليه إلا التدليس.
والتدليس يعني:
إخفاء عيب في الحديث
والتدليس على أقسام.
تدليس الشيوخ: وهو أن المشهور بالاسم يذكر بالكنية أو ينسب إلى اسم غير مشهور به حتى يوعر الطريق إلى معرفته.
وهناك تدليس الإسناد وهو:
أن يسقط شيخاً ضعيفاً بين ثقتين ويكون هذا الشيخ الذي أسقط هو شيخه الأقرب.
وهناك تدليس آخر يسمى تدليس التسوية وهو:
أن يسقط ضعيفاً بين ثقتين ولا يكون هذا الضعيف شيخه الأقرب.
وتدليس التسوية أسوأ أنواع التدليس؛
لأنه يصرح بالتحديث من شيخه فيقول: حدثنا فلان فيكون فلان ثقة، ثم يسقط ضعيفاً في بقية السند فيقول: عن فلان، فيكون الذي أسقط ضعيفاً، والعنعنة أو الأنأنة صيغة توهم السماع وليس فيها تصريح بالسماع؛
ولذلك كان شعبة يقول: كفيتكم تدليس الأعمش
يعني: كان ينظر إلى فمه فإذا قال: حدثنا كتب، وإذا قال عن فلان لم يكتب.
فالحاصل: أن التدليس ليس كذباً،
وإنما المدلس يسقط ضعيفاً في السند فيخفي عيباً فيه، ولا يكون الدافع للتدليس هنا دائماً هو الغش أو توعير الطريق إلى معرفة السند، ولكن أحياناً يكون للتجمل،
كأن يروي شخص عن شيخ أحاديث كثيرة جداً، فيذكره مرة بالاسم ومرة بالكنية من أجل أن يجمل الحديث، ويكون هذا الشيخ ثقة ليس ضعيفاً، أو أنه يريد أن يوهم أن السند مرتفع، فيسقط شيخه لتقليل عدد الرواة، وعلى هذا لا يكون الدافع للتدليس هو الغش، وقد وقع في التدليس جماعة من كبار الأئمة؛ كـالأعمش وكـسفيان الثوري
إذ كان يدلس عن الضعفاء
، وكذلك سفيان بن عيينة
ولكن لم يكن يدلس إلا عن ثقة.
قال الإمام الشافعي في الرسالة:
من دلس لنا مرة فقد كشف عن عورته في الرواية، فلا نقبل منه إلا التصريح بالسماع.
يعني: الذي ثبت تدليسه لا يقبل منه شيء إلا أن يقول: حدثنا أو أخبرنا، فإذا عنعن أو أنأن في الحديث، كأن يقول: أن فلان أو عن فلان قال كذا، فلا يقبل منه.
قال الذهبي :
قال جرير بن عبد الحميد : سمعت مغيرة يقول: أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق و أعيمشكم هذا.
كأنه عنى الرواية عمن جاء، وإلا فـالأعمش عدل صادق ثبت صاحب سنة وقرآن، ويحسن الظن بمن يحدثه ويروي عنه، ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذي يدلسه، فإن هذا حرام.
وقال الذهبي في خاتمة ترجمته في الميزان:
وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: (حدثنا) فلا كلام، ومتى قال: (عن) تطرق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم، كـإبراهيم -يعني: النخعي - و ابن أبي وائل و أبي صالح السمان ، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال.
وقال ابن المديني :
الأعمش كان كثير الوهم في أحاديث هؤلاء الضعفاء.
عبادة الأعمش رحمه الله تعالى
قال وكيع بن الجراح : كان الأعمش قريباً من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى.
وعندما تسمعون عن مزاحه تتعجبون كيف حرصه على العبادة بهذه الطريقة.
وقال عبد الله الخريبي : ما خلف الأعمش أعبد منه.
وعن عبد الرزاق قال: أخبرني بعض أصحابنا: أن الأعمش قام من النوم لحاجة فلم يصب ماءً، فوضع يده على الجدار فتيمم ثم نام، فقيل له في ذلك؟ قال: أخاف أن أموت على غير وضوء.
وعن إبراهيم بن عرعرة قال: سمعت يحيى القطان إذا ذكر الأعمش قال: كان من النساك، وكان محافظاً على الصلاة في الجماعة وعلى الصف الأول، وهو علامة الإسلام، وكان يحيى - يعني: القطان - يلتمس الحائط حتى يقوم في الصف الأول.
وعن أبي نعيم قال: قال عبد السلام : كان الأعمش إذا حدث يتخشع ويعظم العلم.
شيوخ الأعمش رحمه الله وتلاميذه
شيوخه:
قال الحافظ :
روى عن أنس ولم يثبت له منه سماع.
يعني: أنه رآه، ولكنه لم يسمع منه، وإنما روى عنه بواسطة، و عبد الله بن أوفى يقال: مرسل، و زيد بن وهب و أبي وائل و أبي عمرو الشيباني و قيس بن أبي حازم و إسماعيل بن رجاء و أبي صخرة جامع بن شداد و أبي ظبيان بن جندب و خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي و سعيد بن عبيدة و أبي حازم الأشجعي و سليمان بن مسهر و طلحة بن مصرف و أبي سفيان طلحة بن نافع و عامر الشعبي و إبراهيم النخعي و عبد الله بن مرة و عبد العزيز بن رفيع و عبد الملك بن عمير و عدي بن ثابت و عمارة بن عمير و عمارة بن القعقاع و مجاهد بن جبر و أبي الضحى و منذر الثوري و هلال بن يساف ..وخلق كثير.
قال الحافظ :
وعنه -أي: روى عنه- الحكم بن عتيبة و زبيد اليامي و أبو إسحاق السبيعي وهو من شيوخه، و سليمان التيمي و سهيل بن أبي صالح وهو من أقرانه، و محمد بن واسع و شعبة والسفيانان و إبراهيم بن طهمان و جرير بن حازم و أبو إسحاق الفزاري و إسرائيل و زائدة و أبو بكر بن عياش و شيبان النحوي و عبد الله بن إدريس و ابن المبارك و ابن نمير و الخريبي و عيسى بن يونس و فضيل بن عياض و محمد بن عبد الرحمن الطفاوي و هشيم و أبو شهاب الحناط.
.
وخلائق من أواخرهم أبو نعيم و عبيد الله بن موسى .
ملح من أخبار الأعمش رحمه الله
قال الذهبي :
وكان مع جلالته في العلم والفضل صاحب مزاح.
قيل: إنه جاءه أصحاب الحديث يوماً فخرج فقال: لولا أن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت إليكم.
وسأله داود الحائك : ما تقول يا أبا محمد ! في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء.
قيل: فما تقول في شهادة الحائك؟ قال: تقبل مع عدلين.
وقيل: إن الأعمش كان له ولد مغفل، فقال: اذهب فاشتر لنا حبلاً للغسيل.
فقال: يا أبت! طول كم؟ قال: عشرة أذرع، قال: في عرض كم؟ قال: في عرض مصيبتي فيك.
درر من أقوال الأعمش رحمه الله
عن حفص بن غياث قال:
سمعت الأعمش يقول: يوشك إن احتبس علي الموت إن وجدته بالثمن اشتريته.
وعن الحسن بن صالح عن الأعمش قال:
إنا كنا لنشهد الجنازة فلا ندري من نعزي من حزن القوم.
يعني: من حزن الجميع لا يعرف أهل الميت.
وعن منصور بن أبي الأسود قال:
سألت الأعمش عن قوله تعالى:
وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام:129]
ما سمعتهم يقولون فيه؟
قال: سمعتهم يقولون: إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم.
قال حميد:
سمعت أبي يقول: سمعت الأعمش يقول: لا تنثروا اللؤلؤ تحت أظلاف الخنازير
يعني: لا تبذلوا العلم لمن لا يستحقه.
وقيل لـحفص بن أبي حفص الأبار :
رأيت الأعمش؟ قال: نعم، وسمعته يقول: إن الله يرفع بالعلم أو بالقرآن أقواماً ويضع به آخرين، وأنا ممن يرفعني الله به، لولا ذلك لكان على عنقي دم صحن أطوف به في سكك الكوفة.
ومر أنه كان يقول:
لو كنت بقالاً لقذرني الناس -يعني: ما أتوه- ومع ذلك كان يذهب إليه الأكابر؛ لما عنده من العلم، وكان الأغنياء أحقر الناس حين يكونون في مجلسه، وهو محتاج إلى درهم.
وفاة الأعمش رحمه الله
عن أبي بكر بن عياش قال:
دخلت على الأعمش في مرضه الذي توفي فيه، فقلت: أدعو لك الطبيب؟ قال: ما أصنع به؟ لو كانت نفسي معي لطرحتها في الحش، إذا أنا مت فلا تؤذنن بي أحداً، واذهب بي واطرحني في لحدي.
قال الذهبي : يقال: مات الأعمش في ربيع الأول سنة (148هـ) بالكوفة.
جانب من سلسلة السلف .. الشيخ احمد فريد حفظه الله
تعليق