بسم الله الرحمن الرحيم
منزلة الصحابة:
الحمد لله وحده، حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أرسله الله رحمة للعالمين وهاديًا إلى صراط الله المستقيم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادَةُ أحدِهم يمينَهُ، ويمينُه شهادَتَه".
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في أربعة مواضع من صحيحه في كتاب الشهادات وكتاب المناقب وكتاب الرقائق وكتاب الأيمان، كما أخرجه الإمام مسلم في المناقب، وكذا أخرجه الإمام الترمذي في المناقب، والنسائي في السنن الكبرى، وابن ماجه في الأحكام، والإمام أحمد في المسند.
أحاديث أخرى في الموضوع نفسه:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَهُ". أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمُرَه". أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". رواه الطبراني وحسنه الألباني، ورواه الخطيب البغدادي عن أنس رضي الله عنه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القَدَرُ فأمسكوا" رواه الطبراني، ورواه ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود وابن عمرو وثوبان.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: نعم، فَيُفْتَحُ لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: نعم، فَيُفْتَحُ لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: نعم، فَيُفْتَح لهم". أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهَبْتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". أخرجه مسلم في صحيحه.
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" قال عمران: فلا أدري أَذَكَرَ بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السمن" أي تسمن أجسادهم، متفق عليه. وفي رواية "خيركم قرني" وفي رواية لمسلم "إن خيركم قرني".
شرح الحديث:
تعريف الصحابي:
اختلفت عبارات العلماء في تعريف الصحابي اختلافًا كبيرًا، ولكن من أجمع التعاريف ما ذكره ابن حجر في الإصابة قال: أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه؛ من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ثم قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين، كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل وغيرهما. اهـ.
{نقله صاحب الباعث الحثيث عن الإصابة}
قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين، قال: وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكي عن الأصوليين. {علوم الحديث}
بم يعرف الصحابي؟
قال ابن الصلاح: ثم إن كون الواحد منهم صحابيًا تارة يعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يُرْوَى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته أنه صحابي. {علوم الحديث}
وأضاف ابن حجر في الإصابة قوله: ويشترط لقبول هذا أن يكون في المدة الممكنة، وأقصاها مائة سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا أضاف قوله: أن يروى عن أحد التابعين أن فلانا له صحبة.
عدالة الصحابة:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في "الباعث الحثيث اختصار علوم الحديث": والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء الجميل. اهـ
أما ما جاء في كتاب الله عز وجل في شأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والثناء عليهم فهو كثير إجمالًا وتفصيلًا وتصريحًا وتلميحًا فمن ذلك:
قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" آل عمران:110
قال أبو عمرو بن الصلاح: قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال تعالى:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" البقرة:143.
قال ابن الصلاح: وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ.
وقال سبحانه وتعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" الفتح:29.
وقال تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" الأنفال:74.
وقال عز وجل: "لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" التوبة88:89.
وقال سبحانه وتعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" التوبة:100.
وقال تعالى:"لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" التوبة:117.
وقال سبحانه:"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" الفتح:18.
وقال تعالى:"إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" الفتح:26.
وقال تعالى:"وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" الحجرات:7
وقال تعالى: "لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" الحديد:10
وقال تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" الحشر8:10.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى عقب الآية الثالثة من هذه الآيات (10): وما أحسن ما استنبطه الإمام مالك من هذه الآية الكريمة: أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له نصيب في مال الفيء لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" الحشر:10.
وأما ثبوت عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في السنة والثناء عليهم فهو كثير وكثير جدًا وقد أوردنا في أول الموضوع سبعة أحاديث فيها التحذير من تنقص الصحابة أو سبهم، ونضيف هنا بعض أقوال الصحابة أنفسهم في هذا الشأن، فمن ذلك:
ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيء" {ح رقم 3600}.
ما رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون ويحدثون". {ح رقم 17411}.
ما رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة عن عائشة رضي الله عنها: "أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد فسبوهم" وفي رواية قالت لعروة: "يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد فسبوهم". {ح رقم 1738}
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره".
{أخرجه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة برقم 15}
هذا وما ورد عن التابعين وتابعي التابعين أكثر من أن يُحصى في هذا الشأن.
منزلة الصحابة:
الحمد لله وحده، حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أرسله الله رحمة للعالمين وهاديًا إلى صراط الله المستقيم، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد..
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادَةُ أحدِهم يمينَهُ، ويمينُه شهادَتَه".
هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في أربعة مواضع من صحيحه في كتاب الشهادات وكتاب المناقب وكتاب الرقائق وكتاب الأيمان، كما أخرجه الإمام مسلم في المناقب، وكذا أخرجه الإمام الترمذي في المناقب، والنسائي في السنن الكبرى، وابن ماجه في الأحكام، والإمام أحمد في المسند.
أحاديث أخرى في الموضوع نفسه:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَهُ". أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عُمُرَه". أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". رواه الطبراني وحسنه الألباني، ورواه الخطيب البغدادي عن أنس رضي الله عنه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القَدَرُ فأمسكوا" رواه الطبراني، ورواه ابن عدي في الكامل عن ابن مسعود وابن عمرو وثوبان.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: نعم، فَيُفْتَحُ لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: نعم، فَيُفْتَحُ لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون: نعم، فَيُفْتَح لهم". أخرجه البخاري ومسلم.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماءَ ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهَبْتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". أخرجه مسلم في صحيحه.
عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" قال عمران: فلا أدري أَذَكَرَ بعد قرنه قرنين أو ثلاثًا، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السمن" أي تسمن أجسادهم، متفق عليه. وفي رواية "خيركم قرني" وفي رواية لمسلم "إن خيركم قرني".
شرح الحديث:
تعريف الصحابي:
اختلفت عبارات العلماء في تعريف الصحابي اختلافًا كبيرًا، ولكن من أجمع التعاريف ما ذكره ابن حجر في الإصابة قال: أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على الإسلام، فيدخل فيمن لقيه؛ من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ثم قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين، كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل وغيرهما. اهـ.
{نقله صاحب الباعث الحثيث عن الإصابة}
قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه كان لا يعد الصحابي إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين، قال: وكأن المراد بهذا إن صح عنه راجع إلى المحكي عن الأصوليين. {علوم الحديث}
بم يعرف الصحابي؟
قال ابن الصلاح: ثم إن كون الواحد منهم صحابيًا تارة يعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يُرْوَى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه بعد ثبوت عدالته أنه صحابي. {علوم الحديث}
وأضاف ابن حجر في الإصابة قوله: ويشترط لقبول هذا أن يكون في المدة الممكنة، وأقصاها مائة سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا أضاف قوله: أن يروى عن أحد التابعين أن فلانا له صحبة.
عدالة الصحابة:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في "الباعث الحثيث اختصار علوم الحديث": والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة، لما أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه العزيز، وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم، وما بذلوه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء الجميل. اهـ
أما ما جاء في كتاب الله عز وجل في شأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والثناء عليهم فهو كثير إجمالًا وتفصيلًا وتصريحًا وتلميحًا فمن ذلك:
قوله تعالى: "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" آل عمران:110
قال أبو عمرو بن الصلاح: قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال تعالى:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" البقرة:143.
قال ابن الصلاح: وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ.
وقال سبحانه وتعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ" الفتح:29.
وقال تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ" الأنفال:74.
وقال عز وجل: "لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" التوبة88:89.
وقال سبحانه وتعالى: "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" التوبة:100.
وقال تعالى:"لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ" التوبة:117.
وقال سبحانه:"لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا" الفتح:18.
وقال تعالى:"إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" الفتح:26.
وقال تعالى:"وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" الحجرات:7
وقال تعالى: "لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" الحديد:10
وقال تعالى: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" الحشر8:10.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى عقب الآية الثالثة من هذه الآيات (10): وما أحسن ما استنبطه الإمام مالك من هذه الآية الكريمة: أن الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له نصيب في مال الفيء لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء في قولهم: "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ" الحشر:10.
وأما ثبوت عدالة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في السنة والثناء عليهم فهو كثير وكثير جدًا وقد أوردنا في أول الموضوع سبعة أحاديث فيها التحذير من تنقص الصحابة أو سبهم، ونضيف هنا بعض أقوال الصحابة أنفسهم في هذا الشأن، فمن ذلك:
ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيء" {ح رقم 3600}.
ما رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله عز وجل قد أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون ويحدثون". {ح رقم 17411}.
ما رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة عن عائشة رضي الله عنها: "أمروا بالاستغفار لأصحاب محمد فسبوهم" وفي رواية قالت لعروة: "يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد فسبوهم". {ح رقم 1738}
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره".
{أخرجه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة برقم 15}
هذا وما ورد عن التابعين وتابعي التابعين أكثر من أن يُحصى في هذا الشأن.
تعليق