كمال سياسة الصديق من يطعن على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة
ثم الصديق تولى بعد أكمل الخلق سياسة فلم يظهر في الإسلام نقص بوجه من الوجوه؛ بل قاتل المرتدين حتى عاد الأمر إلى ما كان عليه، وأدخل الناس في الباب الذي خرجوا منه، ثم شرع في قتال الكفار من أهل الكتاب، وعلم الأمة ما خفي عليهم، وقواهم لما ضعفوا، وشجعهم لما جبنوا، وسار فيهم سيرة توجب صلاح دينهم، وكان ذلك مما حفظ الله به على الأمة دينها. وهذا مما يحقق أنه أحق الناس بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تعظم الأمة بعد نبيها أحدًا كما عظمت الصديق، ولا أطاعت أحدًا كما أطاعته من غير رغبة أعطاها ولا رهبة أخافهم بها. وهذه من خصائصه ([2]).
من كمال الصديق استعانته بالشديد
ومن كمال عمر استعانته باللين
وأما عمر رضي الله عنه فكان شديدًا في نفسه، فكان من كماله استعانته باللين ليعتدل أمره - فكان يستعين بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيد الثقفي، والنعمان بن مقرن، وسعيد بن عامر، وأمثال هؤلاء من أهل الصلاح والزهد الذين هم أعظم زهدًا وعبادة من خالد بن الوليد وأمثاله. وقد جعل الله في عمر من الرأفة ما لم يكن فيه قبل ذلك، تكميلاً له، حتى صار أمير المؤمنين ([5]).
كمال الخلفاء الراشدين
وعمر بن عبد العزيز
من يطعن على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة
عن جابر رضي الله عنه قال: قيل لعائشة: إن ناسًا ينالون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أبا بكر وعمر، فقالت: وما تعجبون من هذا، انقطع عنهم العمل فأحب الله أن لا يقطع عنهم الأجر ([9])، وعن عروة قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي، أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبوهم» أخرجه مسلم ([10]).
وقال الشيخ رحمه الله: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما يطعن به فيهم أكثره كذب، والصدق منه غايته أن يكون ذنبًا، أو خطأ. والخطأ مغفور لهم، والذنب لتكفيره أسباب متعددة، وكثير مما يطعن به على أحدهم يكون من محاسنه وفضائله ([11]).
مدة خلافة أبي بكر
قبره
وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب قال: رأت عائشة كأنه وقع في بيتها ثلاثة أقمار، فقصتها على أبي بكر وكان من أعبر الناس، فقال: إن صدقت رؤياك ليدفنن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثًا، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشة هذا خير أقمارك ([14]).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين...
([1]) البخاري ك 60 ب 50. مسلم 1842.
([2]) منهاج جـ3/125، جـ4/216، 252، 297.
([3]) سورة الفتح: 29.
([4]) سورة المائدة: 54.
([5]) منهاج جـ4/158، 131، 239 جـ3/112. وانظر مجموع الفتاوى جـ4/457.
([6]) سورة النساء: 59.
([7]) منهاج جـ2/169.
([8]) وتقدمت هذه العبارة في موضوع (فدك).
([9]) أخرجه رزين (جامع الأصول).
([10]) في التفسير رقم 3022).
([11]) منهاج جـ3/175، 115، 58، 241- 246، 38- 44، 258، 174 جـ4/256 جـ1/205، 43، 44.
([12]) طرح التثريب جـ1/71.
([13]) تأريخ الخلفاء ص105.
([14]) تأريخ الخلفاء ص 185.