القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد ابن الأمير إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي البغدادي ، وأمه اسمها تمني .
مولده سنة ست وثلاثين وثلاث مائة .
وماتت أمه في دولته ، وقد عجزت سنة تسع وتسعين وثلاث مائة.
وكان أبيض كث اللحية يخضب ، دينا عالما متعبدا وقورا ، من جلة الخلفاء وأمثلهم ، عدَّه ابن الصلاح في الشافعية ، تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي .
قال الخطيب : كان من الدين وإدامة التهجد ، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه.
وصنف كتابا في الأصول ، ذكر فيه فضل الصحابة ، وإكفار من قال : بخلق القرآن ، وكان ذلك الكتاب يُقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث ، ويحضره الناس مدة خلافته ، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر .
قلت : قام بخلافته بهاء الدولة كما تقدم في سنة إحدى وثمانين ، واستقدموه من البطائح ، فجهزه أميرها مهذب الدولة علي بن نصر ، وحمله من الآلات والرخت بما أمكن ، وأعطاه طيارا فلما قدم واسط أتاه الأجناد ، وطلبوا رسم البيعة ، وهاشوا فوعدهم بالجميل ، فرضوا ، فكان مقامه بالبطيحة أزيد من سنتين ، فقدم واستكتب أبا الفضل محمد بن أحمد عارض الديلم ، وجعل أستاذ داره عبد الواحد الشيرازي ، وحلف هو وبهاء الدولة كل منهما لصاحبه ثم سَلْطنه .
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أن القادر كان يلبس زي العامة ، ويقصد الأماكن المباركة وطلب من أبي الحسن بن القزويني أن ينفذ له من طعامه ، فنفذ باذنجانا مقلوا بخل وباقِلَّى ودِبْسا ، فأكل منه وفرق ، وبعث إليه بمائتي دينار فقبلها ، ثم طلب منه بعد طعاما ، فبعث إليه زبادي فراريج ودجاج وفالوذج ، فتعجب الخليفة وسأله ، فقال : لم أتكلف ؛ ولما وُسِّع علي وسعت على نفسي. فأعجبه ، وكان يتفقده .
وعملت الرافضة عيد الغدير -يعني : يوم المؤاخاة- فثارت السنة ، وقووا ، وخرَّقوا علم السلطان ، وقُتل جماعة ، وصُلب آخرون ، فكفوا
وفي هذا القرب طلب أمير مكة أبو الفتوح العلوي الخلافة ، وتسمى بالراشد بالله ، ولحق بآل جراح الطائي بالشام ، ومعه أقاربه ، ونحو من ألف عبد ، وحكم بالرملة ، فانزعج العزيز بمصر ، وتلطف بالطائيين ، وبذل لهم الأموال ، وكتب بإماره الحرمين لابن عم الراشد ، فوهن أمر الراشد ، فأجاره أبو حسان الطائي ، وتلطف له حتى عاد إلى إمْرة مكة .
وفيها استولى بُزال على دمشق ، وهزم متوليها منيرا .
ونقص التشيع من بغداد ، واستضرت الأمراء على بهاء الدولة ، وقهروه حتى سلم إليهم أبا الحسن ابن المعلم الكوكبي ، فخُنق وعظم القحط ببغداد.
وفي سنة 383 تزوج القادر بالله سُكينة بنت الملك بهاء الدولة واستفحل البلاء بالعيارين ببغداد ، ولم يحج أحد من العراق .
ومات في سنة 87 فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه بالري ، ووزر له ابن عباد وكان شهما شجاعا ، كان الطائع قد لقبه ملك الأمة ، عاش ستا وأربعين سنة ، وكانت دولته أربع عشرة سنة ، وترك ألفي ألف دينار وثمان مائة ألف دينار ، ومن الجواهر ما قيمته ثلاثة آلاف ألف ، ومن آنية الذهب ما وزنه ألف ألف ، ومن آنية الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ، ومن فاخر الثياب ثلاثة آلاف حِمْل ، وكانت خزائنه على ثلاثة آلاف وخمس مائة جمل .
وفي سنة ثمان وثمانين هلك تسعة ملوك : صاحب مصر العزيز ، وصاحب خراسان ، وفخر الدولة المذكور ، وصاحب خوارزم مأمون بن محمد ، وصاحب بُسْت سبكتكين ، وغيرهم .
وفي سنة تسعين وثلاث مائة ظهر بسجستان معدن الذهب .
وفي سنة إحدى وتسعين عقد القادر بولاية العهد لابنه الغالب بالله ، وهو في تسع سنين ، وعجَّل بذلك ؛ لأن الخطيب الواثق سار إلى خراسان ، وافتعل كتابا من القادر بأنه ولي عهده ، واجتمع ببعض الملوك فاحترمه ، وخطب له بعد القادر ، ونفذ رسولا إلى القادر بما فعل ، فأثبت فسق الواثقي ، ومات غريبا .
وكان الرفض علانية بدمشق في سنة أربع مائة ، ولقد أخذ نائبها تمصُولُت البربري رجلا في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة ، فطيف به على حمار : هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ، ثم قُتِل .
وفي هذا الحين ظهر أبو ركوة الأموي ، والتف عليه من المغاربة والعرب خلق ، وحارب ولعن الحاكم ، فجهز الحاكم لحربه ستة عشر ألفا ، فظفروا به ، وقُتِل .
وفي سنة أربع مائة عمل ابن سهلان سورا منيعا على مشهد علي . وافتتح محمود بن سبكتكين فتحا عظيما من الهند.
وفي هذا الوقت انبثت دعاة الحاكم في الأطراف ، فأمر القادر بعمل محضر يتضمن القدح في نسب العبيدية وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي ، فشهدوا جميعا أن الناجم بمصر منصور بن نزار الحاكم حكم الله عليه بالبوار ، وأن جدهم لما صار إلى الغرب تسمى بالمهدي عبيد الله ، وهو وسلفه أرجاس أنجاس خوارج أدعياء ، وأنتم تعلمون أن أحدا من الطالبيين لم يتوقف عن إطلاق القول بأنهم أدعياء ، وأن هذا الناجم وسلفه كفار زنادقة ، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون ، عطلوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وسفكوا الدماء ، وسبُّوا الأنبياء ، ولعنوا السلف ، وادعوا الربوبية ، وكتب في المحضر الشريف الرضي ، والشريف المرتضى ، ومحمد بن محمد بن عمر ، وابن الأزرق العلويون ، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني ، والقاسم أبو القاسم الجزري ، والشيخ أبو حامد الإسفراييني ، وأبو محمد الكشفلي وأبو الحسين القدوري وأبو علي بن حمكان .
وورد على الخليفة كتاب محمود أنه غزا الكفار ، وهم خلق معهم ست مائة فيل ، وأنه نُصر عليهم .
وفي سنة ثلاث وأربع مائة استُبِيح وفد العراق ، وقل من نجا ، فيقال : هلك خمسة عشر ألفا ، وتُسَمى وقعة الفرعاء ، فسار ابن مزيد ولحقهم بالبرية ، فقتل منهم مقتلة ، وأسر أربعة عشر من كبارهم ، فأُهلكوا ببغداد .
وبعث ابن سبكتكين إلى القادر بأنه ورد إليه الداعي من الحاكم يدعوه إلى طاعته ، فخرَّق كتابه ، وبصق عليه .
ومات في حدودها أيلك خان صاحب ما وراء النهر الذي أخذ البلاد من آل سامان من بضع عشرة سنة ، وكان ظالما مهيبا شديد الوطأة ، وقد وقع بينه وبين طغان ملك الترك حروب ، فورث أخوه طغان مملكته ومالأه ابن سبكتكين ، فتحركت جيوش الصين لحرب طغان في أزيد من مائة ألف خركاة فالتقاهم طغان ، ونصره الله .
ومات بهاء الدولة أحمد بن عضد الدولة ، وتسلطن ابنه سلطان الدولة في ربيع الأول سنة أربع وجلس القادر لذلك ، وقبل الأرض ، فخر الملك الوزير وقرأ ابن حاجب النعمان العهد ، وعلم عليه القادر ، وأحضرت الخلع والتاج والطوق والسواران واللواءان ، فعقدهما الخليفة بيده ، وأعطى سيفا للخادم ، فقال : قلده به فهو فخر له ولعقبه ، وبعث بذلك إلى شيراز.
وفيها أبطل الحاكم المنجمين من ممالكه ، وأعتق أكثر مماليكه وجعل ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس ، وأمر بحبس النساء في البيوت ، فاستمر ذلك خمسة أعوام وصلُحت سيرته -لا أصلحه الله- ومنع ببغداد فخرُ الملك من عمل عاشوراء .
ووقعت القبة التي على صخرة بيت المقدس وافتتح ابن سبكتكين خوارزم ووقع ببغداد بين الشيعة والسنة فتن عظمى ، واشتد البلاء واستضرت عليهم السنة ، وقُتل جماعة .
واستتاب القادر فقهاء المعتزلة ، فتبرَّءوا من الاعتزال والرفض ، وأُخذت خطوطهم بذلك .
وتزوج سلطان الدولة ببنت صاحب الموصل قِرْوَاش .
وقُتل الدرزي الذي ادعى ربوبية الحاكم.
وامتثل ابن سبكتكين أمر القادر ، فبث السنة بممالكه ، وتهدد بقتل الرافضة والإسماعيلية والقرامطة ، والمشبهة والجهمية والمعتزلة ، ولُعنوا على المنابر .
وفيها -أعني سنة تسع- قدم سلطان الدولة بغداد .
وافتتح ابن سبكتكين عدة مدائن بالهند ، وورد كتابه ففيه : صدر العبد من غزنة في أول سنة عشر وأربع مائة ، وانتدب لتنفيذ الأوامر ، فرتب في غزنة خمسة عشر ألف فارس ، وأنهض ابنه في عشرين ألفا ، وشحن بلخ وطخارستان باثني عشر ألف فارس ، وعشرة آلاف راجل ، وانتخب ثلاثين ألف فارس ، وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام.
وانضم إليه المطوعة ، فافتتح قلاعا وحصونا ، وأسلم زهاء عشرين ألفا ، وأدوا نحو ألف ألف من الورق ، وثلاثين فيلا ، وعِدَّةُ الهلكَى خمسون ألفا .
ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها نحو ألف قصر ، وألف بيت للأصنام ، ومبلغ ما على الصنم ثمانية وتسعون ألف دينار ، وقلع أزيد من ألف صنم ، لهم صنم معظم يؤرخون مدته بجهالتهم بثلاث مائة ألف سنة ، وحصلنا من الغنائم عشرين ألف ألف درهم ، وأفرد الخُمْس من الرقيق ، فبلغ ثلاثة وخمسين ألفا ، واستعرضنا ثلاث مائة وستة وخمسين فيلا .
ونفذت من القادر بالله خلع السلطنة لقوام الدولة بولاية كرمان .
وناب بدمشق عبد الرحيم ولي عهد الحاكم.
وقُتل بمصر الحاكم ، وأراح الله منه في سنة إحدى عشرة .
وفي سنة أربع عشرة أقبل الملك مشرِّف الدولة مصعدا إلى بغداد من ناحية واسط ، وطلب من القادر بالله أن يخرج لتلقيه ، فتلقاه في الطيار ، وما فعل ذلك بملك قبله ، وجاء مشرف الدولة ، فصعد من زبزبه [إلى] الطيار ، فقبل الأرض ، وأُجلس على كرسي وكان موت مشرف الدولة ابن بهاء الدولة في سنة ست عشرة ، فنُهبت خزائنه.
وخُطب لجلال الدولة ، ثم إن الأمراء عدلوا إلى الملك أبي كاليجار ونوَّهوا باسمه ، وكان ولي عهد أبيه سلطان الدولة ، فخُطب لهذا ببغداد ، وكثرت العملات ببغداد جدا ، واستباح جلال الدولة الأهواز ، فنهب منها ما قيمته خمسة آلاف ألف دينار ، وأُحرقت في أماكن ودثرت.
ومرض القادر بالله في سنة إحدى وعشرين ، ثم جلس للناس ، وأظهر ولاية العهد لولده أبي جعفر .
وكان طاغية الروم قد قصد الشام في ثلاث مائة ألف ، ومعه المال على سبعين جَمَّازة فأشرف على عسكره مائة فارس من الأعراب وألف راجل ، فظنوا أنها كبسة ، فلبس ملكهم خفا أسود لكي يختفي ، وهرب ، فنُهب من حواصله أربع مائة بغل بأحمالها ، وقتل من جيشه خلق ، وأخذ البرجمي اللص وأعوانه العملات والمخازن الكبار ، ونهبوا الأسواق ، وعم البلاء وخرج على جلال الدولة جنده لمنع الأرزاق .
وفي ذي الحجة من سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة، مات القادر بالله في أول أيام التشريق ، وصلى عليه ابنه القائم بأمر الله ، وكبر عليه أربعا ودُفن في الدار ، ثم بعد عشرة أشهر نُقل تابوته إلى الرصافة ، وعاش سبعا وثمانين سنة سوى شهر وثمانية أيام وما علمت أحدا من خلفاء هذه الأمة بلغ هذا السن ، حتى ولا عثمان -رضي الله عنه.
مولده سنة ست وثلاثين وثلاث مائة .
وماتت أمه في دولته ، وقد عجزت سنة تسع وتسعين وثلاث مائة.
وكان أبيض كث اللحية يخضب ، دينا عالما متعبدا وقورا ، من جلة الخلفاء وأمثلهم ، عدَّه ابن الصلاح في الشافعية ، تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي .
قال الخطيب : كان من الدين وإدامة التهجد ، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه.
وصنف كتابا في الأصول ، ذكر فيه فضل الصحابة ، وإكفار من قال : بخلق القرآن ، وكان ذلك الكتاب يُقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث ، ويحضره الناس مدة خلافته ، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر .
قلت : قام بخلافته بهاء الدولة كما تقدم في سنة إحدى وثمانين ، واستقدموه من البطائح ، فجهزه أميرها مهذب الدولة علي بن نصر ، وحمله من الآلات والرخت بما أمكن ، وأعطاه طيارا فلما قدم واسط أتاه الأجناد ، وطلبوا رسم البيعة ، وهاشوا فوعدهم بالجميل ، فرضوا ، فكان مقامه بالبطيحة أزيد من سنتين ، فقدم واستكتب أبا الفضل محمد بن أحمد عارض الديلم ، وجعل أستاذ داره عبد الواحد الشيرازي ، وحلف هو وبهاء الدولة كل منهما لصاحبه ثم سَلْطنه .
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني أن القادر كان يلبس زي العامة ، ويقصد الأماكن المباركة وطلب من أبي الحسن بن القزويني أن ينفذ له من طعامه ، فنفذ باذنجانا مقلوا بخل وباقِلَّى ودِبْسا ، فأكل منه وفرق ، وبعث إليه بمائتي دينار فقبلها ، ثم طلب منه بعد طعاما ، فبعث إليه زبادي فراريج ودجاج وفالوذج ، فتعجب الخليفة وسأله ، فقال : لم أتكلف ؛ ولما وُسِّع علي وسعت على نفسي. فأعجبه ، وكان يتفقده .
وعملت الرافضة عيد الغدير -يعني : يوم المؤاخاة- فثارت السنة ، وقووا ، وخرَّقوا علم السلطان ، وقُتل جماعة ، وصُلب آخرون ، فكفوا
وفي هذا القرب طلب أمير مكة أبو الفتوح العلوي الخلافة ، وتسمى بالراشد بالله ، ولحق بآل جراح الطائي بالشام ، ومعه أقاربه ، ونحو من ألف عبد ، وحكم بالرملة ، فانزعج العزيز بمصر ، وتلطف بالطائيين ، وبذل لهم الأموال ، وكتب بإماره الحرمين لابن عم الراشد ، فوهن أمر الراشد ، فأجاره أبو حسان الطائي ، وتلطف له حتى عاد إلى إمْرة مكة .
وفيها استولى بُزال على دمشق ، وهزم متوليها منيرا .
ونقص التشيع من بغداد ، واستضرت الأمراء على بهاء الدولة ، وقهروه حتى سلم إليهم أبا الحسن ابن المعلم الكوكبي ، فخُنق وعظم القحط ببغداد.
وفي سنة 383 تزوج القادر بالله سُكينة بنت الملك بهاء الدولة واستفحل البلاء بالعيارين ببغداد ، ولم يحج أحد من العراق .
ومات في سنة 87 فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه بالري ، ووزر له ابن عباد وكان شهما شجاعا ، كان الطائع قد لقبه ملك الأمة ، عاش ستا وأربعين سنة ، وكانت دولته أربع عشرة سنة ، وترك ألفي ألف دينار وثمان مائة ألف دينار ، ومن الجواهر ما قيمته ثلاثة آلاف ألف ، ومن آنية الذهب ما وزنه ألف ألف ، ومن آنية الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف ، ومن فاخر الثياب ثلاثة آلاف حِمْل ، وكانت خزائنه على ثلاثة آلاف وخمس مائة جمل .
وفي سنة ثمان وثمانين هلك تسعة ملوك : صاحب مصر العزيز ، وصاحب خراسان ، وفخر الدولة المذكور ، وصاحب خوارزم مأمون بن محمد ، وصاحب بُسْت سبكتكين ، وغيرهم .
وفي سنة تسعين وثلاث مائة ظهر بسجستان معدن الذهب .
وفي سنة إحدى وتسعين عقد القادر بولاية العهد لابنه الغالب بالله ، وهو في تسع سنين ، وعجَّل بذلك ؛ لأن الخطيب الواثق سار إلى خراسان ، وافتعل كتابا من القادر بأنه ولي عهده ، واجتمع ببعض الملوك فاحترمه ، وخطب له بعد القادر ، ونفذ رسولا إلى القادر بما فعل ، فأثبت فسق الواثقي ، ومات غريبا .
وكان الرفض علانية بدمشق في سنة أربع مائة ، ولقد أخذ نائبها تمصُولُت البربري رجلا في سنة ثلاث وتسعين وثلاث مائة ، فطيف به على حمار : هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ، ثم قُتِل .
وفي هذا الحين ظهر أبو ركوة الأموي ، والتف عليه من المغاربة والعرب خلق ، وحارب ولعن الحاكم ، فجهز الحاكم لحربه ستة عشر ألفا ، فظفروا به ، وقُتِل .
وفي سنة أربع مائة عمل ابن سهلان سورا منيعا على مشهد علي . وافتتح محمود بن سبكتكين فتحا عظيما من الهند.
وفي هذا الوقت انبثت دعاة الحاكم في الأطراف ، فأمر القادر بعمل محضر يتضمن القدح في نسب العبيدية وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي ، فشهدوا جميعا أن الناجم بمصر منصور بن نزار الحاكم حكم الله عليه بالبوار ، وأن جدهم لما صار إلى الغرب تسمى بالمهدي عبيد الله ، وهو وسلفه أرجاس أنجاس خوارج أدعياء ، وأنتم تعلمون أن أحدا من الطالبيين لم يتوقف عن إطلاق القول بأنهم أدعياء ، وأن هذا الناجم وسلفه كفار زنادقة ، ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون ، عطلوا الحدود ، وأباحوا الفروج ، وسفكوا الدماء ، وسبُّوا الأنبياء ، ولعنوا السلف ، وادعوا الربوبية ، وكتب في المحضر الشريف الرضي ، والشريف المرتضى ، ومحمد بن محمد بن عمر ، وابن الأزرق العلويون ، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني ، والقاسم أبو القاسم الجزري ، والشيخ أبو حامد الإسفراييني ، وأبو محمد الكشفلي وأبو الحسين القدوري وأبو علي بن حمكان .
وورد على الخليفة كتاب محمود أنه غزا الكفار ، وهم خلق معهم ست مائة فيل ، وأنه نُصر عليهم .
وفي سنة ثلاث وأربع مائة استُبِيح وفد العراق ، وقل من نجا ، فيقال : هلك خمسة عشر ألفا ، وتُسَمى وقعة الفرعاء ، فسار ابن مزيد ولحقهم بالبرية ، فقتل منهم مقتلة ، وأسر أربعة عشر من كبارهم ، فأُهلكوا ببغداد .
وبعث ابن سبكتكين إلى القادر بأنه ورد إليه الداعي من الحاكم يدعوه إلى طاعته ، فخرَّق كتابه ، وبصق عليه .
ومات في حدودها أيلك خان صاحب ما وراء النهر الذي أخذ البلاد من آل سامان من بضع عشرة سنة ، وكان ظالما مهيبا شديد الوطأة ، وقد وقع بينه وبين طغان ملك الترك حروب ، فورث أخوه طغان مملكته ومالأه ابن سبكتكين ، فتحركت جيوش الصين لحرب طغان في أزيد من مائة ألف خركاة فالتقاهم طغان ، ونصره الله .
ومات بهاء الدولة أحمد بن عضد الدولة ، وتسلطن ابنه سلطان الدولة في ربيع الأول سنة أربع وجلس القادر لذلك ، وقبل الأرض ، فخر الملك الوزير وقرأ ابن حاجب النعمان العهد ، وعلم عليه القادر ، وأحضرت الخلع والتاج والطوق والسواران واللواءان ، فعقدهما الخليفة بيده ، وأعطى سيفا للخادم ، فقال : قلده به فهو فخر له ولعقبه ، وبعث بذلك إلى شيراز.
وفيها أبطل الحاكم المنجمين من ممالكه ، وأعتق أكثر مماليكه وجعل ولي عهده ابن عمه عبد الرحيم بن إلياس ، وأمر بحبس النساء في البيوت ، فاستمر ذلك خمسة أعوام وصلُحت سيرته -لا أصلحه الله- ومنع ببغداد فخرُ الملك من عمل عاشوراء .
ووقعت القبة التي على صخرة بيت المقدس وافتتح ابن سبكتكين خوارزم ووقع ببغداد بين الشيعة والسنة فتن عظمى ، واشتد البلاء واستضرت عليهم السنة ، وقُتل جماعة .
واستتاب القادر فقهاء المعتزلة ، فتبرَّءوا من الاعتزال والرفض ، وأُخذت خطوطهم بذلك .
وتزوج سلطان الدولة ببنت صاحب الموصل قِرْوَاش .
وقُتل الدرزي الذي ادعى ربوبية الحاكم.
وامتثل ابن سبكتكين أمر القادر ، فبث السنة بممالكه ، وتهدد بقتل الرافضة والإسماعيلية والقرامطة ، والمشبهة والجهمية والمعتزلة ، ولُعنوا على المنابر .
وفيها -أعني سنة تسع- قدم سلطان الدولة بغداد .
وافتتح ابن سبكتكين عدة مدائن بالهند ، وورد كتابه ففيه : صدر العبد من غزنة في أول سنة عشر وأربع مائة ، وانتدب لتنفيذ الأوامر ، فرتب في غزنة خمسة عشر ألف فارس ، وأنهض ابنه في عشرين ألفا ، وشحن بلخ وطخارستان باثني عشر ألف فارس ، وعشرة آلاف راجل ، وانتخب ثلاثين ألف فارس ، وعشرة آلاف راجل لصحبة راية الإسلام.
وانضم إليه المطوعة ، فافتتح قلاعا وحصونا ، وأسلم زهاء عشرين ألفا ، وأدوا نحو ألف ألف من الورق ، وثلاثين فيلا ، وعِدَّةُ الهلكَى خمسون ألفا .
ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها نحو ألف قصر ، وألف بيت للأصنام ، ومبلغ ما على الصنم ثمانية وتسعون ألف دينار ، وقلع أزيد من ألف صنم ، لهم صنم معظم يؤرخون مدته بجهالتهم بثلاث مائة ألف سنة ، وحصلنا من الغنائم عشرين ألف ألف درهم ، وأفرد الخُمْس من الرقيق ، فبلغ ثلاثة وخمسين ألفا ، واستعرضنا ثلاث مائة وستة وخمسين فيلا .
ونفذت من القادر بالله خلع السلطنة لقوام الدولة بولاية كرمان .
وناب بدمشق عبد الرحيم ولي عهد الحاكم.
وقُتل بمصر الحاكم ، وأراح الله منه في سنة إحدى عشرة .
وفي سنة أربع عشرة أقبل الملك مشرِّف الدولة مصعدا إلى بغداد من ناحية واسط ، وطلب من القادر بالله أن يخرج لتلقيه ، فتلقاه في الطيار ، وما فعل ذلك بملك قبله ، وجاء مشرف الدولة ، فصعد من زبزبه [إلى] الطيار ، فقبل الأرض ، وأُجلس على كرسي وكان موت مشرف الدولة ابن بهاء الدولة في سنة ست عشرة ، فنُهبت خزائنه.
وخُطب لجلال الدولة ، ثم إن الأمراء عدلوا إلى الملك أبي كاليجار ونوَّهوا باسمه ، وكان ولي عهد أبيه سلطان الدولة ، فخُطب لهذا ببغداد ، وكثرت العملات ببغداد جدا ، واستباح جلال الدولة الأهواز ، فنهب منها ما قيمته خمسة آلاف ألف دينار ، وأُحرقت في أماكن ودثرت.
ومرض القادر بالله في سنة إحدى وعشرين ، ثم جلس للناس ، وأظهر ولاية العهد لولده أبي جعفر .
وكان طاغية الروم قد قصد الشام في ثلاث مائة ألف ، ومعه المال على سبعين جَمَّازة فأشرف على عسكره مائة فارس من الأعراب وألف راجل ، فظنوا أنها كبسة ، فلبس ملكهم خفا أسود لكي يختفي ، وهرب ، فنُهب من حواصله أربع مائة بغل بأحمالها ، وقتل من جيشه خلق ، وأخذ البرجمي اللص وأعوانه العملات والمخازن الكبار ، ونهبوا الأسواق ، وعم البلاء وخرج على جلال الدولة جنده لمنع الأرزاق .
وفي ذي الحجة من سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة، مات القادر بالله في أول أيام التشريق ، وصلى عليه ابنه القائم بأمر الله ، وكبر عليه أربعا ودُفن في الدار ، ثم بعد عشرة أشهر نُقل تابوته إلى الرصافة ، وعاش سبعا وثمانين سنة سوى شهر وثمانية أيام وما علمت أحدا من خلفاء هذه الأمة بلغ هذا السن ، حتى ولا عثمان -رضي الله عنه.
تعليق