عثمان وعلي رضي الله عنهما "
صالح بن عواد المغامسيالحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات وأشهد أن لا إله إلا اللهوحده لا شريك له رب الأرض والسماوات ، له الأسماء الحسنى والصفات العلى الرحمن علىالعرش استوى ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله بعثه ربه على حين فترة منالرسل ودروس من الكتب فهدى الله به الخلائق وأبان الله به الطرائق فأوضح الحجةوأقام المحجة فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اتبع بإحسانمنهجه . أما بعد .
عباد الله :
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله وخشيته والتقرب إليه جل وعلا بمحبتهوطاعته قال الله جل وعلا : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))[آل عمران : 102] . فلا يرينك الله يا أخي حيث نهاك ولا يفقدنك الله جل وعلا على حيثأمرك وإن من أراد حفظاً من الله فليحفظ الله في أمره ونهيه تبارك وتعالى .
عباد الله:
قد مضى الحديث فيما سبق عن الخلفاء الراشدين و الأربعةالمهديين رضي الله عنهم وأرضاهم ذكرنا نتف وعظات ، وعبر ودلائل وآيات من موت أبيبكر واستشهاد عمر رضوان الله تعالى عليهما ونحن في هذا اليوم نستأنف الحديث عن مقتلذي النورين عثمان رضي الله عنه وأبي السبطين علي رضي الله عنه هو الآخر وأرضاه .
أيها المؤمنون :
ليس المقام مقام سرد للمرويات و ذكر للأخبار والأقاصيص وتبينالصحيح من السقيم فهذا موطنه ومحله الطوال من المؤلفات والدراسات الأكاديمية فيأورقة الجامعات وإنما الحديث جملة عن خبر مقتلهما رضوان الله تعالى عليهما وما يمكنأن ينجم عن ذلك من عبر وعظات ننتفع بها في حياتنا ومعادنا وحسبنا أن نقف على ثلاثمنها تذكرة للعباد و إقامة للحجة على الحاضر والباد.
أيها المؤمنون :
قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه في يوم عُرفتاريخياً بيوم الدار على يد ثلة من الخوارج خرجوا عن طاعته وشقوا عليه عصى الطاعةحاصروا بيته زهاء أربعين يوماً ثم أضرموا به النيران من الخلف ثم تمكنوا من دخول صحنالدار وهو يومئذ شيخٌ قد جاوز الثمانين فقتلوه رضي الله عنه وأرضاه وقيل إن أولقطرة من دمه نزلت على قول الله جل وعلا والمصحف بين يديه :(( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )) [البقرة : 137].
قتل رضي الله عنه ظلما بإجماع أهل السنة فهو عند أهل العلمالثقات بل عند أهل السنة جميعاً أمير البررة و قتيل الفجرة رضي الله عنه وأرضاه .
ثم دفنفي مكان يقال له " حش كوكب " كان مجاوراً لبقيع الغرقد فلما كانت ولاية أمير المؤمنينمعاوية رضي الله عنه وأرضاه أدخل ذلك الحش في البقيع وأمر الناس أن يدفنوا بجوارهموتاهم حتى يصبح قبر عثمان داخل البقيع وقد تم الأمر على ماهو مشاهد عياناً اليوم.
أما أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه فقد قتل وهو غادٍ إلىصلاة الفجر صبيحة السابع عشر من شهر رمضان على يد خارجي آخر لكنه كان تصرف فرديا على يد رجل يقال له عبدالرحمن بن ملجم قتل علياً بسيف قد أعده وشحذهلهذه المهمة قبل أكثر من أربعين يوماً فقتل رضي الله عنه وأرضاه وهو غادٍ إلى صلاةالفجر يدعو الناس إليها ، هذا على وجهه الأجمال خبر مقتلهما.
أما ما في ذلك من العظات :
فإن الجامع في مقتل هذين الصحابيين الجليين هو ذلك التفكير الضالالهالك الذي يعتقد القائمون عليه أنه الصواب وأنه الحق وأنه المخرج للأمة فإن قتلةعثمان كانوا يزعمون أنهم يريدون بذلك صلاح المسلمين فمكنوه من الصلاة بالناس ثلاثينيوماً بعد أن حاصروه ثم منعوه من الصلاة وقدموا أحدهم ليصلي بالناس زاعمين أن عثمانالمشهود له بالجنة لا يصلح إماماً وقدموا أحدهم ليصلي بالناس ثم أضرموا عليه الدارمن الخلف نيرانا كما بينا ثم قتلوه وهو شيخ كبير قد جاوز الثمانين صائما يوم ذاك وبينيديه القرآن يتلوه لكن غلب عليهم المتشابه في عقولهم وردوا النصوص المحكمة الظاهرةالبينة في حرمة الخروج على ولاة الأمر وشق عصى الطاعة وعلى حرمة عثمان نفسه رضيالله عنه وأرضاه وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقه : ( عثمان في الجنة ) رضيالله عنه وأرضاه .
وكذلك الأمر مع علي رضي الله عنه وأرضاه فإن النبي صلى اللهعليه وسلم قال كما في المسند بسند صحيح وهو يخاطب ابنته فاطمة: ( إني وأنتِ وهذا الراقد ويشير إلى علي والحسن والحسين لفي مكان واحد يومالقيامة ) . وجلله النبي صلى الله عليه وسلم بكساء ومعه فاطمة والحسن والحسين وقال: (اللهم هؤلاء آليِ فصلي على محمدٍ وعلى آله ) .
والأخبار في خصائصه أكثر من أن تعدوأكبر من أن تحصى وكل ذلك ما ورد في فضل هذين الشيخين الجليلين شيخا الإسلام عثمان وعليضرب به الخوارج عرض الحائط لأمور متشابهة نبتت في عقولهم يقولون في قتل عثمان إنهقرَّب القرابة و استأثر بهم كولاة على المسلمين وقتلوا علي زاعمين يقولون إنه قبلالتحكيم والله جل وعلا يقول : (( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ))[الأنعام : 57].
أمام هذين الأمرين المتشابهيناللذان لا يقومان على ساق ولا يثبتان عند حجة من أجلهما قتلوا رجلين من أفضل العبادفي هذه الأمة بعد الصديق والفاروق رضي الله عن أصحابه محمد أجمعين بلا استثناء.
عباد الله :
إن أعظم ما يمكن أن يتسلح به المؤمن في أيام الشبهاتالعلم الشرعي البين من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والأخذ بمنهاج سلفالأمة الصالح و الإعتضاد بما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من سنة ظاهرة وآياتمحكمة ومعالم بينة ذكرها صلى الله عليه وسلم حفظاً للأمة وخوفاً عليها من الافتراقصيانة لدمائها وجمعاً لكلمتها ولمّا لشملها وإغاظة لعدوها كل ذلك مات صلى اللهعليه وسلم وقد بينه أجمل البيان وأكمله .
وإن أحد اليوم يدعوا إلى شق عصى الطاعة أويسفك دماء المسلمين أو يرفع السيف عليهم إنما يخالف بذلك أول الأمر هدي محمد صلىالله عليه وسلم وما بعثه الله جل وعلا به من الهدى والرحمة لهذه الأمة على لساننبيها صلى الله عليه وسلم يقول صلوات الله وسلامة عليه : ( فاسمعوا وأطيعوا وإن كانعبداً مجدع الأطراف ) مجدَّع الأطراف أي مقصوص الأطراف لا يستطيع أن يقضي حاجة نفسه فإذا كتبالله له الولاية أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لا إكراماً لهذا المجدعوإنما حفظاً للأمة وصيانة عليها ولمّاً لشعثها ولكن الأمركما يقول الله : ((وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ))[العنكبوت : 43] .
عباد الله :
ثانيالعظات في خبر مقتل هذين الصحابيين الجليين أن الظلم حرمه الله على نفسهوجعله بين عباده محرماً ففي الحديث القدسي الصحيح : ( يا عبادي إنيحرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ).وقد دلت آيات كثر و أحاديثصريحة صحيحة عن المعصوم صلى الله عليه وسلم تنهى الأمة عن الظلم و أعظم الظلم سفكالدماء أو التعرض لأعراض المؤمنين أو الخوض فيما لا داعي له مما ينجم عنه ضرر كبيرعلى المؤمن أين كان حله أو ترحاله . كل ذلك حذر منه صلوات الله وسلامة عليه وبعث معاذاإلى اليمن وهو يوصيه وهم يومئذ أهل كتاب : ( والتقي دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبينالله حجاب ) .
وأكثر ما يظهر هذا الأمر في قتل علي وعثمان ما رواه البخاري في تاريخهبسنده عن محمد بن سيرين رحمه الله قال : " كنت عند الكعبة فسمعت رجلاً يدعواللهم اغفر لي وإن كنت أظنك أنك لن تغفر لي , فقلت له : ياهذا ما سمعت أحداً يدعو بمثلدعاءك فقال الرجل الذي كان يدعو بهذا الدعاء قال : إنك لا تدري إنني كنت قد أعطيتالله عهداً أنني إذا رأيت عثمان أن ألطم وجهه فقتل عثمان قبل أن ألطمه فلما وضععثمان على سريره في بيته ودخل الناس يصلون عليه دخلت عليه فيمن دخل كأنني أريدالصلاة عليه فلما وجدت في الأمر خلوة كشفت عن كفنه وغطاءه ثم لطمته على وجهه ولحيتهوهو ميت قال : فما رفعت يدي إلا وهي يابسة قد شلت كأنها عود , قال ابن سيرين رحمهالله : فأنا نظرت إلى يده قد شلت كأنها عود ولعذاب الآخرة أشد وأبقى"
عباد الله :
حرم الله الظلم لأن الظالم عندما يظلم في أي موضع كان, ظلم لقدرته الوظيفية لأمرته لسلطانه لجنديته لأي غرض كان لكونه زوجاً متسلطا أوولياً على أيتام أين كان موضع الظلم فإن الظالم عندما يظلم كأنه يتناسى أن الله جلوعلا مطلع عليه وأن الله جل وعلا عزيز ذو انتقام وأن الله جل وعلا أقدر منه على هذا الذي يظلمه واستضعفه وسلبه دمهأو ماله أو غير ذلك من صور الظلم التي وقعت .
فاتقوا الله أيها المؤمنون فيماتقولون و تفعلون ولا يدفعنك قدرتك على ظلم أحد أن تظلمه وأعلم أن الله جل وعلاأقدر عليك من كل أحد أنت قادر عليه واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فمن عظمالله جل وعلا في قلبه وقبل أن يكون منه الظلم لعباد الله وقع في قلبه عظمةالله وجلاله الله وذلة الوقوف بين يدي رب العزة والجلال سواء كان الذي بين يديه أجيراًأو خادمة أو خادماً أو سائقاً أو موظفاً أو جندياً أين كان , هذا الذي بين يديك إذا خفت اللهفيه فإنك من الآمنين يوم القيامة أما إذا تجرأت على محارم الله وحدوده وقلت في عرضهأو فعلت بيدك أو بسلطانك أو بتوقيعك أو بأي شيء تقدر عليه ما تظلم به العباد وأعظم ذلكسفك الدماء. كنت خائفاً وجلاً بين يدي الله جل وعلا ومن يجادل الله عنكيوم القيامة .
يقول جل شأنه : ((يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ )) [عبس : 34، 35 ، 36].وقد قدمنا مراراً أن المرء يفر يوم القيامة من قرابته وممن يحيطون به في الدنيالأنه يخاف أن تكون عليه مظلمة لهم فيتسببون في هلاكه بأخذهم لحسناته أما البعداء منالناس الذين لم تراهم ولم يروك فإن الإنسان لا يفر منهم يوم القيامة غالباً لأنه لايرى فيهم أنه قد ظلمهم ذات يوم أو تعرض لهم بأخذ دينار ولا نقص درهم فمن اتقى اللهجل وعلا ساد وأفلح ومن عصى الله جل وعلا وتجرأ على محارمه كان الله جل وعلا لهبالمرصاد إلا أن تداركه رحمة الله فيتوب ويؤوب إلى رب العزة والجلال وقانا اللهوإياكم الشر كله أوله وأخره .
عباد الله:
هذا ما تيسر قوله وتهيأإيراده والله المستعان واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروهإنه هو الغفور الرحيم .
***
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد.عباد الله:
فإن ثالث الفوائد في خبر مقتل هذين الصحابيينالجليلين وأخرها أنه ينبغي على المرء أن يكون ثمة جانب تعبدي عظيم في حياته فإنعثمان قتل وهو صائم وقتل وهو يقرأ القران وعلي رضي الله عنه قتل وهو غاد إلى صلاةالفجر والغدو إلى صلاة الفجر والصيام وقراءه القرآن كل ذلك من أجل العبادات فيجب أنيفرق الإنسان مابين دوره الاجتماعي وحياته الوظيفية ومابين أمره التعبدي فإن الناسلا بد أن يتفاوتوا في حياتهم الاجتماعية ودورهم الوظيفي ومسألة الغنى والفقر والجاهوغيره ، هذه سنة الله جل وعلا في خلقه لكن ذلك بمنأى على أن يعزل الإنسان ذلك عنجانبه التعبدي والمعنى أنه ينبغي أن يكون للإنسان عظيم العبادة والقرب من الله جل وعلابصرف النظر عن موطنه ويقع هذا على الأئمة والخطباء والعلماء والدعاة بصوره أكبر(( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ ))[البقرة : 44] .
والمقصود أيها المؤمنون كلما كان بين العبدوبين ربه جانب تعبدي له خلوات في الليل وحزب من القرآن يقرأه وإكثار من النوافل والصياموغير ذلك من الطاعات كان ذلك حريا بأن يكرم عند الله جل وعلا، أثنى نبيكم صلى اللهعليه وسلم على نبي الله داوود وقد جمع الله له الملك والنبوة فقال صلوات الله وسلامه عليه : ( كان داوود أعبد الناس كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ) وذكر من صلاته في الليلما ذكر والمقصود أنه ينبغي على المؤمن أن يكون له حظ من العبادة تكفر به الخطاياوترفع به الدراجات وتقال به العثرات وتحل به النوازل وتدفع به الكوارث وكل ذلك لايكون إلا إذا كان العبد قريب من الله جل وعلا .
ألا وأعلموا أنكم في يوم الجمعة سيد الأيام فصلوا فيه وسلموا علىسيد الأنام (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) [ الأحزاب : 56] . اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آلإبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آلإبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وارض عن أصحاب نبيك أجمعين وخص منهم الأربعة الراشدينواغفر لنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذهأجمعيناللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعيناللهم إنا نسألك الإيمان والعفو عما مضى وسلف وكان من الذنوب والآثاموالعصيان .. اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك .. اللهم وفقه لهداك واجعلعمله في رضاك .. اللهم ارزقنا توبة نصوحاً نفيء بها إليك يا ذا الجلال والإكرام..اللهم وانصر أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كل مكان .. اللهم اقهر عدوها واخذلهيا ذا الجلال والإكرام .. اللهم اقهر عدو هذه الأمة واخذله أينما حلوا وحيثما كانوايا ذا الجلال والإكرام .
عباد الله:
إن الله يأمر بالعدلوالإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .. فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون ..
تعليق