أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلمأبو بكر رضي الله عنه كل مدح وثناء في القرآن فهو أول داخل فيه
وأمهات الفضائل: العلم والدين والشجاعة، والكرم. وكل من كان أفضل من غيره من الأنبياء والصحابة وغيرهم فإنه أعلم. ورأس الفضائل العلم، قال الله تعالى: }قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ{([1]).
والأحاديث الصحيحة مع الدلائل الكثيرة المتعددة توجب علمًا ضروريًا لمن علمها أن أبا بكر كان أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل عنده من عمر وعثمان وعلي وغيرهم، وكل من كان بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلموأحواله أعلم كان بهذا أعرف، وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة؛ فإما أن يصدق الكل، أو يتوقف في الكل فمن الأحاديث الصحيحة ما أخرج البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلمحي: أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان»([2]).وروى الترمذي وغيره مرفوعًا عن علي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هذان سيدا كهول أهل الجنة ([3]) من الأولين والآخرين لا تخبرهما يا علي»([4]). وفي الصحيح: أن جنازة عمر لما وضعت جاء علي بن أبي طالب يتخلل الصفوف، ثم قال: إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك، فإني كثيرًا ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «دخلت أنا وأبو بكر، وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر، وعمر»([5]). فهذا يبين ملازمتهما للنبي صلى الله عليه وسلم في مدخله ومخرجه وذهابه. ولهذا قال مالك للرشيد لما قاله له: يا أبا عبد الله: أخبرني عن منزلة أبي بكر، وعمر من النبي صلى الله عليه وسلمفقال: يا أمير المؤمنين منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته، قال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك.
وتواتر عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر» وقد روي هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا، وقد روى البخاري عنه في صحيحه من طريق الهمدانيين الذين هم أخص الناس بعلي، حتى كان يقول:
لو كنت بوابًا على باب جنة
لقلت لهمدان ادخلي بسلام
رواه البخاري من طريق سفيان الثوري وهو همداني، عن منذر وهو همداني، عن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي: «أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أبو بكر. قال: قلت ثم من؟ قال: ثم عمر»([6]). وهذا يقوله لابنه بينه وبينه وليس هو مما يجوز أن يقوله تقية، ويرويه عن أبيه خاصة، وقاله على المنبر، وروى عنه أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن عليًا لا يقطع بذلك إلا عن علم، وهو الذي يليق بعلي رضي الله عنه، فإنه من أعلم الصحابة بحق أبي بكر، وعمر، وأعرف بمكانهما من الإسلام، وحسن تأثيرهما في الدين، حتى أنه تمنى أن يلقى الله بمثل عمل عمر رضي الله عنهم أجمعين، وقد سمى علي رضي الله عنه ابنيه: أبا بكر، وعمر.لقلت لهمدان ادخلي بسلام
وكان علي رضي الله عنه يقول: لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري([7]). وليس هذا من باب التواضع، بالمتواضع لا يجوز أن يتقدم بعقوبة من يفضله بقول الحق ولا يسميه مفتريًا.
والمتواتر عن ابن عباس أنه كان يفضل أبا بكر وعمر على علي،
وروى ابن بطة بسنده قال: سمعت ليث بن أبي سليم يقول: أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحدًا. وقال شريك بن أبي نمر وقال له قائل: أيما أفضل أبو بكر أو علي؟ قال له: أبو بكر. فقال له السائل: تقول هذا وأنت من الشيعة؟ فقال: نعم، إنما الشيعي من يقول هذا، والله لقد رقى على هذه الأعواد فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. أفكنا نرد عليه قوله؟ أفكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابًا. وذكر القاضي عبد الجبار وعزاه إلى كتاب أبي القاسم البلخي ([8]).
وقال الشيخ رحمه الله بعد أن ذكر آية }لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا{ ولكن ليس في هذا ما يدل على أن عليًا أو عثمان أو عمر أو غيرهم أفضل من أبي بكر، لأنهم لم يكنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال. ولو كانوا معه لم يعلم أن حالهم سيكون أكمل من حال الصديق، بل معروف من حالهم دائمًا وحاله أنهم وقت المخاوف يكون الصديق أكمل منهم كلهم يقينًا وصبرًا، وعند وجود أسباب الريب يكون الصديق أعظم يقينًا وطمأنينة، وعندما يتأذى منه النبي صلى الله عليه وسلم يكون الصديق أتبعهم لمرضاته وأبعدهم عما يؤذيه، هذا هو المعلوم لكن من استقرأ أحوالهم في محيا رسول الله صلى الله عليه وسلمبعد وفاته ([9]).
كل مدح وثناء في القرآن فهو أول داخل فيه
}وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{([11]).
الأشهر عند أهل التفسير أن الذي جاء بالصدق محمد، والذي صدق به أبو بكر، وقال بهذا طائفة، وذكره الطبري بإسناده إلى علي([12]). وفي هذا حكاية ذكرها بعضهم عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر غلام أبي بكر الخلال: أن سائلاً سأله عن هذه الآية، فقال له أو بعض الحاضرين: نزلت في أبي بكر، فقال السائل: بل في علي، فقال أبو بكر بن جعفر: اقرأ ما بعدها }أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ{ إلى قوله }لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا{ الآية ([13])، فبهت السائل ([14]). ولفظ الآية مطلق لا يختص بأبي بكر ولا بعلي، بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها، ولا ريب أن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًا أحق هذه الأمة بالدخول فيها؛ لكنها لا تختص بهم؛ فما فيها من مدح فهو يشتمل على الصحابة فإنهم جاءوا بالصدق وصدقوا به، وهم من أعظم أهل الأرض دخولاً في ذلك.
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{([15]) وأبو بكر رضي الله عنه قد ثبت أنه صديق بالأدلة الكثيرة فيجب أن تتناوله الآية قطعًا، وأن نكون معه؛ بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة، وهذه الآية نزلت في كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك وصدق النبي صلى الله عليه وسلم في أنه لم يكن له عذر، وتاب الله عليه ببركة الصدق ([1]) سورة الزمر: 9.
([2]) البخاري ك 62 ب 5 «كنا نخير بين الناس ....» البخاري ك62 ب4 «كنا لا نعدل بأبي بكر أحدًا».
([3]) اعتبر ما كانوا عليه في الدنيا وإلا فليس في الجنة كهل. الطبيـبي.
([4]) الترمذي جـ4/ 310.
([5]) البخاري ك 62 ب5، ك 62 ب7، ومسلم (3389)، وخيثمة في «الصحابة» قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقد روى هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه، ورواه خيثمة وابن شاهين في السنة من طريق الحارث عن علي، ورواه ابن أبي عاصم في السنة من طريق خطاب أو أبي خطاب اهـ. (كنز العمال جـ13/ 5-6).
([6]) البخاري ك 62 ب5 وفيه بعد قوله ثم عمر «وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين» وأخرجه ابن عساكر عن علي، وقال: المحفوظ أنه موقوف (كنز العمال جـ11/ 2684، وجـ13/ 936139.
([7]) انظر مناقب العشرة جـ1 ص401، فضائل الصحابة جـ1/ 83 (رقم 49).
([8]) وحكى أبو منصور البغدادي إجماع أهل السنة على أن أفضل الناس بعد رسول الله r أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر العشرة، ثم باقي أهل بدر، ثم باقي أهل أحد، ثم باقي أهل البيعة (بيعة الرضوان) ثم باقي الصحابة. (تاريخ الخلفاء للسيوطي ص44).
([9]) منهاج جـ 297، 276، 261، 246، 140، 138، 202، 137، 102، 63، جـ3/ 161، 162، 165، 246، جـ2/182، وانظر مجموع الفتاوى جـ4/ 421-426. جـ1/ 224.
([10]) وفي البخاري ك 62 ب 1 جـ4 ص189 «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» الحديث. وصحيح مسلم ص1963، 4164، 1942.
([11]) سورة الزمر: 33
([12]) قال: حدثني أحمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن مصعد المروزي، قال: حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان، عن علي رضي الله في قوله: }وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ{ قال محمد صلى الله عليه وسلم}وَصَدَّقَ بِهِ{ قال: أبو بكر رضي الله عنه. اهـ (من تفسير ابن جرير رحمه الله).
([13]) سورة الزمر: 33- 35.
([14]) قلت: لأن السائل يرى أن عليًا نشأ في الإسلام لم يدرك الجاهلية.
([15]) سورة التوبة: 119.
تعليق