سيرة شيخ المجاهدين
مولدة ونشأتة رحمة الله :
ولد الشهيد عبدالله عزام في فلسطين ( سيلة الحارثية ) من اعمال مدينة جنين سنة 1941 م و قد درج على أرض القرية فشب و ترعرع في أحضان والديه يسهران عليه و يقومان برعايته و تربيته ، ثم تلقى علومه الابتدائية و الاعدادية في مدرسة القرية و أكمل دراسته في معهد خضورية الزراعية في مدينة طولكرم
كان ملازما لمسجد القرية يعطي الدروس الدينية كذلك فان الشهيد تربى في حضن الدعوة الاسلامية و على أيدي بعض رجالاتها في مدينة جنين في الضفة الغربية و كأن الله عز و جل كان يعده لأمر جلل.
بعد أن حصل على شهادة خضورية الزراعية بدرجة امتياز تم تعيينه معلما في قرية أدر منطقة الكرك - جنوب الأردن - في مطلع الستينات ، ثم نقل بعد ذلك الى مدرسة برقين في الضفة الغربية ، و قد تابع دراسته الجامعية في جامعة دمشق ( كلية الشريعة ) و نال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيد جدا
هناك قد التقى مع بعض علماء الشام منهم مروان حديد المشهور بعداوته للطواغيت و جهاده لهم
و كان زواجه سنة 1965 م فقد اختار شريكة حياته ( أم محمد ) و هي من بيت محافظ على الدين و من هذا الزواج المبارك الذي تم بين الشيخ عبدالله عزام و شريكة حياته أنجبت خمسة ذكور : محمد نجله الأكبر الذي ذهب الى ربه شهيدا مع والده و عمره 20 سنة و حذيفة ، و ابراهيم الذي اختاره الله شهيدا مع والده و عمره 15 سنة و حمزة و مصعب و من الاناث أنجبت منه : فاطمة و وفاء و سمية.
تحريض الشهيد الشباب على قتال اليهود:
رجع الشيخ الشهيد من السعودية الى الأردن سنة 1968 م و كان رحمه الله يرى أن السيف أصدق أنباء من الكتب ، و أن الكلمة لا بد أن يرافقها السيف ، و أن الأمم لا تعترف بالضعفاء فالشطر الأول من عمره قضاه على أرض فلسطين دون أن تتاح له فرصة استعمال السلاح و هو يدب على أرضها نظرا لدخول قضية فلسطين الاسلامية الى المحافل الدولية و للجمود و الركود الذي واكبها بين سنة 1949 - 1967 م و لذلك عاودت فكرة التدريب و استعمال السلاح للوقوف في وجه اليهود تداعب أفكار الشيخ الشهيد ، و كيف يهدأ له بال آنذاك و هو يرى حثالة اليهود تسرح على أرض فلسطين و تدنس مقدسات المسلمين فحرض الشباب و استنهض هممهم للتدرب على استعمال السلاح لمقاتلة اليهود
أهم المعارك التي شارك فيها:
و قد اشترك الشيخ في بعض العمليات على أرض فلسطين كان من أهمها: أولا : معركة المشروع أو الحزام الأخضر
ثانيا : معركة 5 حزيران 1970 م و قد اشترك فيها ستة من المجاهدين
لكن ما جرى في أيلول 1970 م حال دون مواصلة الشيخ الشهيد و اخوانه الجهاد على أرض فلسطين و أغلقت الحدود و لم يتمكن هؤلاء المجاهدين من مواصلة جهادهم على أرض فلسطين و الا لأذاقوا اليهود ويلات المعارك التي كانوا يصلون بها اليهود جهارا نهارا.
عودة الشهيد الى العلم و العمل:
كان الشهيد رحمه الله يجاهد بسلاحه و قلمه ، و قلما تجد له نظيرا في هذا العصر ، لذا فقد كان و هو في قواعد الشمال قد انتسب الى جامعة الأزهر ، و نال شهادة الماجستير في أصول الفقه سنة 1968م حيث عمل بعد ذلك محاضرا في كلية الشريعة في عمان 1970 - 1971 م ثم أوفد الى القاهرة لنيل شهادة الدكتوراه و قد حصل عليها في أصول الفقه بمرتبة الشرف الأولى 1973 م .
ثم عمل مدرسا في الجامعة الأردنية ( كلية الشريعة ) من سنة 1973 - 1980 م حيث تربى على يديه مئات الشباب المسلم العائد الى ربه و الذين كان يعدهم ليوم اللقاء مع العدو ليزيل الاحتلال عن رقاب أمة الاسلام في فلسطين ، و لكن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن فصدر قرار الحاكم العسكري الأردني بفصله من الجامعة الأردنية عام 1980م .
ثم خرج الشهيد من الاردن و بدأ يبحث عن مكان آخر للدعوة فغادر الى السعودية حيث عمل مع جامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1981م، و لكنه لم يطق البقاء هناك فطلب من مدير الجامعة العمل في الجامعة الاسلامية الدولية في اسلام آباد في الباكستان ليكون قريبا من الجهاد الأفغاني فانتدب للعمل فيها سنة 1981م
ثم تعاقد مع الرابطة 1984م و عاد مستشارا للتعليم في الجهاد الأفغاني و عندما اقترب من المجاهدين الأفغان وجد ضالته المنشودة و قال : هؤلاء الذين كنت أبحث عنهم منذ زمن بعيد ، و هناك في بيشاور بدأ العمل الجهادي حيث قام سنة 1984 م بتأسيس مكتب الخدمات الذي كان يوجه الأخوة العرب لخدمة الجهاد الأفغاني و كان لهذا المكتب نشاطات تعليمية و تربوية و عسكرية و صحية و اجتماعية و اعلامية كثيرة في كل أنحاء أفغانستان تقريبا.
لقد صبر الشهيد على الظلم ، و لكنه وقف كالطود الشامخ لا يحني هامته الا لله العزيز القهار ، و آثر الأفعال على الأقوال و آثر الجهاد على القعود ، آثر الجهاد على البريق الخادع و المناصب الكاذبة التي تجذب أصحابها الى الأرض و لهذا كانت كلماته النورانية تعبر أصدق تعبير عما كان يجول في خاطره ، حيث كان يقول :
( أيها المسلمون : حياتكم الجهاد ، و عزكم الجهاد ، و وجودكم مرتبط ارتباطا وثيقا بالجهاد ،أيها الدعاة : لا قيمة لكم تحت الشمس الا اذا امتشقتم أسلحتكم و أبدتم خضراء الطواغيت و الكفار و الظالمين . ان الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر بدون جهاد و قتال و دماء و أشلاء هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين )
حسن اختيار الشيخ لطريقه:
و حين اختار شهيدنا درب الجهاد و البقاء في أرض الجهاد ، فقد اختار درب الشهادة ، و درب العزة و درب الكرامة ، و ليس غريبا على صاحبنا أبي محمد أن يسير في طريق الشهادة ، و لكن الغريب هو أن لا يسير على نفس الطريق ، و لذلك حين استشهد فقد نال ما حرص على نيله طيلة حياته ، فقد رسم لنفسه طريق الأوائل وسار على هذا الدرب ، و أبى الا الجهاد ، فقد ترك المناصب و الأموال ، و المتاع الدنيوي ، و وجد راحته ، فقد كان يشعر و هو يجاهد هناك على القمم الشامخة في أفغانستان بأنه يقضي أسعد لحظات عمره :
خيرت فاخترت المبيت على الطوى لم تبن جاها أو تلم ثراء
رسم شهيدنا لنفسه الطريق و أحسن الاختيار ، و قليل هم الذين يحسنون أختيار ميتتهم ، و كان شهيدنا من هذا القليل ، فطريق الشهادة حليته العلماء ، العلماء الذين اذا عملوا بعلمهم فلن تجدهم الا في ميادين القتال ، فميادين العلماء العاملين هي ميادين الجهاد ، هذا واقعهم الحقيقي فعناوينهم حيث الدماء تسيل ، و القذائف تتساقط كالغيث ، فاذا أردت أن ترسل برقية لأبي محمد و أمثاله من أهل العلم ، فلن تجد عنوانا لهم الا حيث الجهاد و القتال و عمل الخير.
يا علماء الإسلام: تقدموا لقيادة هذا الجيل الراجع إلى ربه، ولا تنْكلوا، وتركنوا إلى الدنيا، وإياكم وموائد الطواغيت، فإنها تظلم القلوب، وتميت الأفئدة، وتحجزكم عن الجيل، وتحول بين قلوبهم وبينكم
أخلاق الشهيد و مناقبه
كان الشهيد رحمه الله يتمتع بخصال و مناقب كثيرة ، فقد كان رحمه الله منارة هداية للسائرين ، و قلعة جهاد يتحصن بها الشباب المسلم في سائر أنحاء المعمورة فمن صفاته:
أولا : الشجاعة و الحماسة: كانت هذه السمة هي الغالبة على شخصيته رحمه الله ، فقد طرق الدعاة أبواب الدعوة فوجدوه قلعة حصينة من قلاعها و عندما تحدث الناس عن الجهاد وجدوه علما بارزا من أعلامه، و لقد كان آخر مقالة كتبها الشهيد قبل استشهاده بعنوان " الأسود الجائعة " تحدث في مقدمة المقال عن الشجاعة و أن عمادها القلب ، و أن القلب اذا امتلأ بالايمان فانه يعود لا يخشى أحدا الا الله و لا يخاف من الموت بل يقبل على الموت في ساحات الوغى بشكل منقطع النظير.
كان الشهيد يعبر عن السعادة الغامرة التي تملأ قلبه و هو يحيا هذه الحياة الجهادية حيث يقول : ( ما أجملها من أيام تقضيها بين المجاهدين كل واحد ارتقى الى قمة الجبل مرابطا وراء سلاحه ..حتى اذا جن الليل لا تسمع منهم الا صوت التكبير يقطع صمت الظلام الساجي )).
ثانيا : الزهد و البعد عن الترف : و حسبك في هذا أنه ترك الدنيا و طرحها على عاتقيه ، و أقبل على الجهاد و الاستشهاد حتى نال الشهادة.
ثم أنه غادر الحياة الدنيا تاركا الله و رسوله لعياله ، و كان بامكانه أن يكون صاحب الثراء و المال الوفير وقد خرج من الدنيا دون أن يأخذ منها شيئا ، و قدم الى ساحة الجهاد بنفسه و ماله و عياله و وظف كل ما يملك لصالح الجهاد ، و هو في هذا يسير على نهج رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) كما روى الامام أحمد بسند صحيح : ( أن رسول الله ما ترك دينارا و لا درهما و لا شاة و لا بعيرا ) المسند برقم 2724
و لو أراد الشهيد الدنيا لنالها و قد أقبلت عليه طائعة بزينتها و لكنه كان يمقت الترف و آثر حياة الجهاد على التقلب في أطراف النعيم ، و لقد كان رحمه الله يعتبر الزهد من أعمدة الجهاد
رابعا : حلمه و صبره: وكيف لا يصبر و هو يعتبر الصبر أحد أعمدة الجهاد ، و الصبر من طبيعة الجهاد و لا يمكن أن يكون هناك جهاد دون صبر.
و قد حاول الظلمة في الأرض محاصرته و لكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا الى هذه القمة السامقة التي تعيش فوق ذروة سنام الاسلام فماذا فعلوا ؟ وجهوا سهامهم و حركوا أذنابهم ليتناوشه الأعداء من كل جانب و ليطلق المنافقون ألسنتهم بالسوء في محاولة لتشويه سمعته و لكنه صبر و احتسب ذلك عند علام الغيوب ، و كان لسان حاله يقول كما قال الشاعر :
فاما حياة تسر الصديق
و اما ممات يغيظ العدا
و نفس الشريف لها غاياتان
ورود المنايا و نيل المنى
خامسا : التواضع: كان الشهيد رحمه الله على علو منصبه و شهرته و رفعة رتبته من أشد الناس في هذا العصر تواضعا و أبعدهم عن الكبر ، و كان الناس يقولون عنه : هذا الدكتور يختلف عن جميع الدكاترة الذين يحملون الشهادات ، و كان بعضهم يقول : انه رجل شعبي كان و هو في الجامعة يجلس مع طلابه و مريديه يعلمهم و ينهلون منه المعرفة و العلم و الخلق القويم ، و هم لا يشعرون بفارق بينهم و بينه ، و كان عندما يذهب الى الجبهات أو الى مخيمات التربية الاسلامية داخل أفغانستان يقول للأخوة : عاملوني أنا و أولادي كما تعاملوا أي واحد منكم .
و كان هذا منتهى التواضع منه و كيف لا وقد اختار حياة الجهاد و هي أصعب عبادة و أشقها على النفس و رفض أن يتقلد أعلى المناصب الرفيعة.
((لقد ملك حبُ الجهاد علي حياتي ونفسي ومشاعري وقلبي وأحاسيسي، إن سورة التوبة بآياتها المحكمة التي مثلث الشرْعة النهائية للجهاد في هذا الدين وإلى يوم الدين لتعتصر قلبي ألما، وتُمزق نفسي أسى وأنا أرى تقصيري وتقصير المسلمين أجمعين تجاه القتال في سبيل الله)).
لماذا حرص أعداء الإسلام على قتله ؟؟
و لأنه قدوة يقتدي به أبناء الجيل في سلوكه و أخلاقه و تصرفاته ، و حبه للجهاد ، بيت أعداء هذا الدين لقتله ، و ان كنا لا نستطيع أن نضع أيدينا على القتلة و نحدد هوياتهم لكننا نستطيع أن نجزم أن أعداء الجهاد هم الذين دبروا هذه المؤامرة و نسجوها من وراء ستار ليلقوا بها الى أذنابهم لتنفيذها . لقد بدأ أعداء الجهاد يترصدون لشهيد الأمة الاسلامية و يحصون أنفاسه و يحدون من حركته و نشاطه للحيلولة دون استيقاظ همم العلماء في العالم الاسلامي ، و نحن اذا أردنا أن نتلمس الأسباب و نتعرف على الدوافع التي جعلت أعداء الجهاد يقدمون على قتل الشهيد يمكن أن نحصرها فيما يلي :
أولا : لكونه صاحب مدرسة جهادية عملية:
لقد قدم االشهيد الى ساحة الجهاد الأفغاني سنة 1982 و بدأ يحرض المؤمنين على القتال و يستنهض همم الشباب للقدوم الى ساحات النزال و يوقظ احساس العلماء أن أفيقوا من رقادكم فان دين الله عزوجل لا يمكن أن يقوم على وجه الأرض و لا تصبح له شوكة الا بالجهاد في سبيل الله . و صدرت أول فتوى من الشهيد بشأن حكم الجهاد في فلسطين و أفغانستان أو أي شبر من أرض المسلمين ديس من قبل الكفار أنه فرض عين على كل مسلم بالمال و النفس و لا عذر بالتخلف الا لأصحاب الأعذار
و لقد ارتجفت أوصال الكثيرين من أصحاب النفوذ من هذا الصوت الذي انطلق في أرجاء المعمورة و خاصة أن هذا العالم طبق ما يقول على نفسه فامتشق سلاحه و طرح الدنيا على عاتقيه ، و انك لتقف متعجبا و أنت تراه يتسلق قمم جبال أفغانستان بين الثلوج يشق الطريق و يمهدها لأعادة تلك المنارة المفقودة ( الخلافة الراشدة)
و لهذا حرص أعداء الله على التخلص منه بأي طريقة كانت ، و في هذا يقول أحد قادة الجهاد الأفغاني : ( ان شيخنا الكريم كان من الشخصيات التي اذا سمع باسمها أعداء هذه الأمة ، يثير فيهم القلق و الاضطراب ، و ان أعداءنا كانوا يعرفون الشيخ أكثر مما نعرفه ، و ان الشيخ كان عدوا لدودا للشيوعية و الصهيونية و الجبابرة )
ثانيا : أن الشهيد كان ترسا للجهاد في أفغانستان :
لم يعهد أعداء هذه الأمة أن يروا عالما من هذا الطراز يحمل السلاح و يقاتل الكفرة و الملاحدة من أجل اقامة دين الله في الأرض - في هذا القرن - مثلما عهدوه في شهيدنا الغالي . كان الشهيد ترسا للجهاد ، يجاهد في سبيل الله بقلمه و سنانه ، و كان صوت الحق الناطق باسم الجهاد في العالم فأراد أعداء الجهاد أن يسكتوا هذا الصوت
بعد أن انتصر الجهاد في أفغانستان على الدب الروسي و أجبره على العودة الى قمقمه و بعد أن قلم المجاهدون أظافره ، بدأت المؤامرة بترتيب بين الشرق و الغرب أن لا يكون الاسلام هو البديل بعد خروج الروس ، فجاءت المؤامرات يتلو بعضها بعضا ، و كان الشيخ رحمه الله كلما تعرض الجهاد الى سهم يوجه اليه أو شبهة تثار حوله من قبل أعداء الله ينبري للرد عليها بكل ما أوتي من حجة و بيان ، و لهذا السبب أيضا ضاق به الشرق و الغرب ذرعا و عجزوا عن مواجهته و جها لوجه لا في ساحة ميدان الجهاد و لا عبر البيان و الكلام
ثالثا : بسبب فكرته عن تصدير الجهاد الى خارج أفغانستان :
كان الشيخ رحمه الله يعمل على تصدير الجهاد من أفغانستان الى بقاع الأرض التي ديست بأرجل الكفار ، و لقد أصبح العالم خائفا من الجهاد و يحسب للجهاد في أفغانستان ألف حساب خاصة أن الجهاد قد امتد حتى وصل الى معظم المناطق التي تعرضت للغزو من قبل أعداء الله ، و لهذا حرص أعداء الله على التخلص من هذه الشخصية الجهادية التي بدأت تصدر الجهاد الى المناطق المحتلة من العالم الاسلامي و الى المستضعفين في الأرض و لا بد من قتل رموز الجهاد
رابعا : لأن الشيخ حول الجهاد الأفغاني الى جهاد إسلامي عالمي :
لقد كان الشيخ الشهيد ينشد وحدة الأمة الإسلامية تحت علم الجهاد ، و يعمل من أجل ذلك و قد عمل حتى آخر لحظة من حياته من أجل جمع كلمة المجاهدين و طالما ردد كثيرا : ان موت جميع أولادي أحب الي من أن يختلف قادة الجهاد
و قد استصرخ الشهيد ضمائر الأمة الإسلامية في شتى أنحاء العالم فحث التجار في البلاد العربية و الإسلامية أن يقدموا أموالهم في سبيل الله ، و صرخ صرخته المدوية في البلاد العربية و الإسلامية للعلماء أن ينفروا الى أرض الجهاد و أن يساهم كل مسلم بقدراته و نفسه و علمه بهذا الجهاد المبارك . فكان لهذا النداء صداه فوفد إلى الجهاد مجموعات من الشباب من كافة الأقطار و التقت هذه الجموع و انصهرت كلها في بوتقة العقيدة و على أساسها تجاهد في سبيل الله ، و إذا بالأمة الإسلامية المترامية الأطراف المقطعة الأوصال في أنحاء المعمورة تتجمع من جديد في جسم متكامل ، و لهذا حرص أعداء الأمة على اغتيال الشيخ و التخلص منه
الشيخ يحط الرحال شهيدا
و في يوم الجمعة بتاريخ 24/11/1989 م انطلق الشيخ رحمه الله الى مسجد سبع الليل لالقاء خطبة الجمعة فمرت السيارة التي كان يستقلها من فوق لغم بوزن 20كغم من متفجرات ( ت.ان.ت) كان قد زرعه الحاقدون المجرمون ، و قد نتج عن هذا الانفجار استشهاد شهيد الأمة الإسلامية الدكتور عبدالله عزام و معه زهرتين من فلذات كبده ( محمد نجله الأكبر و ابراهيم ) .
و قد سارت الجموع الغفيرة و هي تودع الشيخ و ولديه ، الى مقبرة الشهداء في بابي بعد أن صلى عليه الشيخ عبد رب الرسول سياف و جمع غفير من المجاهدين العرب و الأفغان .. و غيرهم من المسلمين الذين حضروا الجنازة.
و قد حدث الذين حضروا جنازته و هم ألوف ، أنهم اشتموا رائحة المسك تنبعث من دمه الزكي و بقيت هذه الرائحة حتى تم دفنه ، و أن الله تعالى قد حفظ جسمه من التشويه رغم شدة الانفجار الذي قطع تيار الكهرباء و حفر حفرة عميقة في الأرض ، و تناثرت أجزاء السيارة ، و قد وجدت جثة الشيخ على مقربة من الحادث.
و قد فجع العالم الاسلامي و المسلمون في شتى أنحاء الأرض بهذا الخبر المحزن ، و كان لهذا الخبر أثرا كبيرا زلزل قلوب المحبين له لهول هذا المصاب ، لقد بكى ملايين المسلمين شهيدنا ، بقلوبهم و عيونهم أكثر من البكاء على الأب و الأم و الزوجة و الزوج ، و حزنت على فقده الأمة كلها أكثر مما حزنت على فقد أي شئ آخر
ان حب الملايين من المسلمين لهذا الرجل العظيم ، الذي كان كله لله لهو دليل على رضى و قبول من الله عزوجل ، و لما قدمه في سبيل الله ، فقد أحب الشيخ رحمه الله الله و رسوله ( صل الله عليه و سلم ) فكتب حبه في قلوب العباد حيا و شهيدا و لم نجد في عصرنا الحاضر عالما و مجاهدا أحبه هذا العدد الهائل من الخلق كما أحبوا عبدالله عزام رحمه الله .
كلمات الشهيد في الجهاد:
1- إن مقادير الرجال تبرز في ميادين النزال لا على منابر الأقوال.
2- إن الجهاد هو الضمان الوحيد لصلاح الأرض وحفظ الشعائر.
3- إن حيات الجهاد ألذ حياة ومكابدة مع الشظف أجمل من التقلب بين أعطاف النعيم.
4- إن أرض الجهاد لتصقل الروح وتصفي القلب وتقلب كثيرا من الموازين.
5- أيها المسلمون :إن حياتكم الجهاد وعزمكم الجهاد ووجودكم مرتبط ارتباطا مصيريا بالجهاد.
6- إن التبرير للنفس بالقعود عن النفير في سبيل الله لهو ولعب.
7- إن الذين يظنون أن دين الله يمكن ينتصر دون جهاد وقتال ودماء وأشلاء هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين.
رحم الله شيخنا الشهيد عبد الله عزام
رحمة واسعة و رفعه عنده في عليين
و عوض المسلمين عنه خيرا
منقول
مولدة ونشأتة رحمة الله :
ولد الشهيد عبدالله عزام في فلسطين ( سيلة الحارثية ) من اعمال مدينة جنين سنة 1941 م و قد درج على أرض القرية فشب و ترعرع في أحضان والديه يسهران عليه و يقومان برعايته و تربيته ، ثم تلقى علومه الابتدائية و الاعدادية في مدرسة القرية و أكمل دراسته في معهد خضورية الزراعية في مدينة طولكرم
كان ملازما لمسجد القرية يعطي الدروس الدينية كذلك فان الشهيد تربى في حضن الدعوة الاسلامية و على أيدي بعض رجالاتها في مدينة جنين في الضفة الغربية و كأن الله عز و جل كان يعده لأمر جلل.
بعد أن حصل على شهادة خضورية الزراعية بدرجة امتياز تم تعيينه معلما في قرية أدر منطقة الكرك - جنوب الأردن - في مطلع الستينات ، ثم نقل بعد ذلك الى مدرسة برقين في الضفة الغربية ، و قد تابع دراسته الجامعية في جامعة دمشق ( كلية الشريعة ) و نال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيد جدا
هناك قد التقى مع بعض علماء الشام منهم مروان حديد المشهور بعداوته للطواغيت و جهاده لهم
و كان زواجه سنة 1965 م فقد اختار شريكة حياته ( أم محمد ) و هي من بيت محافظ على الدين و من هذا الزواج المبارك الذي تم بين الشيخ عبدالله عزام و شريكة حياته أنجبت خمسة ذكور : محمد نجله الأكبر الذي ذهب الى ربه شهيدا مع والده و عمره 20 سنة و حذيفة ، و ابراهيم الذي اختاره الله شهيدا مع والده و عمره 15 سنة و حمزة و مصعب و من الاناث أنجبت منه : فاطمة و وفاء و سمية.
تحريض الشهيد الشباب على قتال اليهود:
رجع الشيخ الشهيد من السعودية الى الأردن سنة 1968 م و كان رحمه الله يرى أن السيف أصدق أنباء من الكتب ، و أن الكلمة لا بد أن يرافقها السيف ، و أن الأمم لا تعترف بالضعفاء فالشطر الأول من عمره قضاه على أرض فلسطين دون أن تتاح له فرصة استعمال السلاح و هو يدب على أرضها نظرا لدخول قضية فلسطين الاسلامية الى المحافل الدولية و للجمود و الركود الذي واكبها بين سنة 1949 - 1967 م و لذلك عاودت فكرة التدريب و استعمال السلاح للوقوف في وجه اليهود تداعب أفكار الشيخ الشهيد ، و كيف يهدأ له بال آنذاك و هو يرى حثالة اليهود تسرح على أرض فلسطين و تدنس مقدسات المسلمين فحرض الشباب و استنهض هممهم للتدرب على استعمال السلاح لمقاتلة اليهود
أهم المعارك التي شارك فيها:
و قد اشترك الشيخ في بعض العمليات على أرض فلسطين كان من أهمها: أولا : معركة المشروع أو الحزام الأخضر
ثانيا : معركة 5 حزيران 1970 م و قد اشترك فيها ستة من المجاهدين
لكن ما جرى في أيلول 1970 م حال دون مواصلة الشيخ الشهيد و اخوانه الجهاد على أرض فلسطين و أغلقت الحدود و لم يتمكن هؤلاء المجاهدين من مواصلة جهادهم على أرض فلسطين و الا لأذاقوا اليهود ويلات المعارك التي كانوا يصلون بها اليهود جهارا نهارا.
عودة الشهيد الى العلم و العمل:
كان الشهيد رحمه الله يجاهد بسلاحه و قلمه ، و قلما تجد له نظيرا في هذا العصر ، لذا فقد كان و هو في قواعد الشمال قد انتسب الى جامعة الأزهر ، و نال شهادة الماجستير في أصول الفقه سنة 1968م حيث عمل بعد ذلك محاضرا في كلية الشريعة في عمان 1970 - 1971 م ثم أوفد الى القاهرة لنيل شهادة الدكتوراه و قد حصل عليها في أصول الفقه بمرتبة الشرف الأولى 1973 م .
ثم عمل مدرسا في الجامعة الأردنية ( كلية الشريعة ) من سنة 1973 - 1980 م حيث تربى على يديه مئات الشباب المسلم العائد الى ربه و الذين كان يعدهم ليوم اللقاء مع العدو ليزيل الاحتلال عن رقاب أمة الاسلام في فلسطين ، و لكن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن فصدر قرار الحاكم العسكري الأردني بفصله من الجامعة الأردنية عام 1980م .
ثم خرج الشهيد من الاردن و بدأ يبحث عن مكان آخر للدعوة فغادر الى السعودية حيث عمل مع جامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1981م، و لكنه لم يطق البقاء هناك فطلب من مدير الجامعة العمل في الجامعة الاسلامية الدولية في اسلام آباد في الباكستان ليكون قريبا من الجهاد الأفغاني فانتدب للعمل فيها سنة 1981م
ثم تعاقد مع الرابطة 1984م و عاد مستشارا للتعليم في الجهاد الأفغاني و عندما اقترب من المجاهدين الأفغان وجد ضالته المنشودة و قال : هؤلاء الذين كنت أبحث عنهم منذ زمن بعيد ، و هناك في بيشاور بدأ العمل الجهادي حيث قام سنة 1984 م بتأسيس مكتب الخدمات الذي كان يوجه الأخوة العرب لخدمة الجهاد الأفغاني و كان لهذا المكتب نشاطات تعليمية و تربوية و عسكرية و صحية و اجتماعية و اعلامية كثيرة في كل أنحاء أفغانستان تقريبا.
لقد صبر الشهيد على الظلم ، و لكنه وقف كالطود الشامخ لا يحني هامته الا لله العزيز القهار ، و آثر الأفعال على الأقوال و آثر الجهاد على القعود ، آثر الجهاد على البريق الخادع و المناصب الكاذبة التي تجذب أصحابها الى الأرض و لهذا كانت كلماته النورانية تعبر أصدق تعبير عما كان يجول في خاطره ، حيث كان يقول :
( أيها المسلمون : حياتكم الجهاد ، و عزكم الجهاد ، و وجودكم مرتبط ارتباطا وثيقا بالجهاد ،أيها الدعاة : لا قيمة لكم تحت الشمس الا اذا امتشقتم أسلحتكم و أبدتم خضراء الطواغيت و الكفار و الظالمين . ان الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر بدون جهاد و قتال و دماء و أشلاء هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين )
حسن اختيار الشيخ لطريقه:
و حين اختار شهيدنا درب الجهاد و البقاء في أرض الجهاد ، فقد اختار درب الشهادة ، و درب العزة و درب الكرامة ، و ليس غريبا على صاحبنا أبي محمد أن يسير في طريق الشهادة ، و لكن الغريب هو أن لا يسير على نفس الطريق ، و لذلك حين استشهد فقد نال ما حرص على نيله طيلة حياته ، فقد رسم لنفسه طريق الأوائل وسار على هذا الدرب ، و أبى الا الجهاد ، فقد ترك المناصب و الأموال ، و المتاع الدنيوي ، و وجد راحته ، فقد كان يشعر و هو يجاهد هناك على القمم الشامخة في أفغانستان بأنه يقضي أسعد لحظات عمره :
خيرت فاخترت المبيت على الطوى لم تبن جاها أو تلم ثراء
رسم شهيدنا لنفسه الطريق و أحسن الاختيار ، و قليل هم الذين يحسنون أختيار ميتتهم ، و كان شهيدنا من هذا القليل ، فطريق الشهادة حليته العلماء ، العلماء الذين اذا عملوا بعلمهم فلن تجدهم الا في ميادين القتال ، فميادين العلماء العاملين هي ميادين الجهاد ، هذا واقعهم الحقيقي فعناوينهم حيث الدماء تسيل ، و القذائف تتساقط كالغيث ، فاذا أردت أن ترسل برقية لأبي محمد و أمثاله من أهل العلم ، فلن تجد عنوانا لهم الا حيث الجهاد و القتال و عمل الخير.
يا علماء الإسلام: تقدموا لقيادة هذا الجيل الراجع إلى ربه، ولا تنْكلوا، وتركنوا إلى الدنيا، وإياكم وموائد الطواغيت، فإنها تظلم القلوب، وتميت الأفئدة، وتحجزكم عن الجيل، وتحول بين قلوبهم وبينكم
أخلاق الشهيد و مناقبه
كان الشهيد رحمه الله يتمتع بخصال و مناقب كثيرة ، فقد كان رحمه الله منارة هداية للسائرين ، و قلعة جهاد يتحصن بها الشباب المسلم في سائر أنحاء المعمورة فمن صفاته:
أولا : الشجاعة و الحماسة: كانت هذه السمة هي الغالبة على شخصيته رحمه الله ، فقد طرق الدعاة أبواب الدعوة فوجدوه قلعة حصينة من قلاعها و عندما تحدث الناس عن الجهاد وجدوه علما بارزا من أعلامه، و لقد كان آخر مقالة كتبها الشهيد قبل استشهاده بعنوان " الأسود الجائعة " تحدث في مقدمة المقال عن الشجاعة و أن عمادها القلب ، و أن القلب اذا امتلأ بالايمان فانه يعود لا يخشى أحدا الا الله و لا يخاف من الموت بل يقبل على الموت في ساحات الوغى بشكل منقطع النظير.
كان الشهيد يعبر عن السعادة الغامرة التي تملأ قلبه و هو يحيا هذه الحياة الجهادية حيث يقول : ( ما أجملها من أيام تقضيها بين المجاهدين كل واحد ارتقى الى قمة الجبل مرابطا وراء سلاحه ..حتى اذا جن الليل لا تسمع منهم الا صوت التكبير يقطع صمت الظلام الساجي )).
ثانيا : الزهد و البعد عن الترف : و حسبك في هذا أنه ترك الدنيا و طرحها على عاتقيه ، و أقبل على الجهاد و الاستشهاد حتى نال الشهادة.
ثم أنه غادر الحياة الدنيا تاركا الله و رسوله لعياله ، و كان بامكانه أن يكون صاحب الثراء و المال الوفير وقد خرج من الدنيا دون أن يأخذ منها شيئا ، و قدم الى ساحة الجهاد بنفسه و ماله و عياله و وظف كل ما يملك لصالح الجهاد ، و هو في هذا يسير على نهج رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) كما روى الامام أحمد بسند صحيح : ( أن رسول الله ما ترك دينارا و لا درهما و لا شاة و لا بعيرا ) المسند برقم 2724
و لو أراد الشهيد الدنيا لنالها و قد أقبلت عليه طائعة بزينتها و لكنه كان يمقت الترف و آثر حياة الجهاد على التقلب في أطراف النعيم ، و لقد كان رحمه الله يعتبر الزهد من أعمدة الجهاد
رابعا : حلمه و صبره: وكيف لا يصبر و هو يعتبر الصبر أحد أعمدة الجهاد ، و الصبر من طبيعة الجهاد و لا يمكن أن يكون هناك جهاد دون صبر.
و قد حاول الظلمة في الأرض محاصرته و لكنهم لم يستطيعوا أن يصلوا الى هذه القمة السامقة التي تعيش فوق ذروة سنام الاسلام فماذا فعلوا ؟ وجهوا سهامهم و حركوا أذنابهم ليتناوشه الأعداء من كل جانب و ليطلق المنافقون ألسنتهم بالسوء في محاولة لتشويه سمعته و لكنه صبر و احتسب ذلك عند علام الغيوب ، و كان لسان حاله يقول كما قال الشاعر :
فاما حياة تسر الصديق
و اما ممات يغيظ العدا
و نفس الشريف لها غاياتان
ورود المنايا و نيل المنى
خامسا : التواضع: كان الشهيد رحمه الله على علو منصبه و شهرته و رفعة رتبته من أشد الناس في هذا العصر تواضعا و أبعدهم عن الكبر ، و كان الناس يقولون عنه : هذا الدكتور يختلف عن جميع الدكاترة الذين يحملون الشهادات ، و كان بعضهم يقول : انه رجل شعبي كان و هو في الجامعة يجلس مع طلابه و مريديه يعلمهم و ينهلون منه المعرفة و العلم و الخلق القويم ، و هم لا يشعرون بفارق بينهم و بينه ، و كان عندما يذهب الى الجبهات أو الى مخيمات التربية الاسلامية داخل أفغانستان يقول للأخوة : عاملوني أنا و أولادي كما تعاملوا أي واحد منكم .
و كان هذا منتهى التواضع منه و كيف لا وقد اختار حياة الجهاد و هي أصعب عبادة و أشقها على النفس و رفض أن يتقلد أعلى المناصب الرفيعة.
((لقد ملك حبُ الجهاد علي حياتي ونفسي ومشاعري وقلبي وأحاسيسي، إن سورة التوبة بآياتها المحكمة التي مثلث الشرْعة النهائية للجهاد في هذا الدين وإلى يوم الدين لتعتصر قلبي ألما، وتُمزق نفسي أسى وأنا أرى تقصيري وتقصير المسلمين أجمعين تجاه القتال في سبيل الله)).
لماذا حرص أعداء الإسلام على قتله ؟؟
و لأنه قدوة يقتدي به أبناء الجيل في سلوكه و أخلاقه و تصرفاته ، و حبه للجهاد ، بيت أعداء هذا الدين لقتله ، و ان كنا لا نستطيع أن نضع أيدينا على القتلة و نحدد هوياتهم لكننا نستطيع أن نجزم أن أعداء الجهاد هم الذين دبروا هذه المؤامرة و نسجوها من وراء ستار ليلقوا بها الى أذنابهم لتنفيذها . لقد بدأ أعداء الجهاد يترصدون لشهيد الأمة الاسلامية و يحصون أنفاسه و يحدون من حركته و نشاطه للحيلولة دون استيقاظ همم العلماء في العالم الاسلامي ، و نحن اذا أردنا أن نتلمس الأسباب و نتعرف على الدوافع التي جعلت أعداء الجهاد يقدمون على قتل الشهيد يمكن أن نحصرها فيما يلي :
أولا : لكونه صاحب مدرسة جهادية عملية:
لقد قدم االشهيد الى ساحة الجهاد الأفغاني سنة 1982 و بدأ يحرض المؤمنين على القتال و يستنهض همم الشباب للقدوم الى ساحات النزال و يوقظ احساس العلماء أن أفيقوا من رقادكم فان دين الله عزوجل لا يمكن أن يقوم على وجه الأرض و لا تصبح له شوكة الا بالجهاد في سبيل الله . و صدرت أول فتوى من الشهيد بشأن حكم الجهاد في فلسطين و أفغانستان أو أي شبر من أرض المسلمين ديس من قبل الكفار أنه فرض عين على كل مسلم بالمال و النفس و لا عذر بالتخلف الا لأصحاب الأعذار
و لقد ارتجفت أوصال الكثيرين من أصحاب النفوذ من هذا الصوت الذي انطلق في أرجاء المعمورة و خاصة أن هذا العالم طبق ما يقول على نفسه فامتشق سلاحه و طرح الدنيا على عاتقيه ، و انك لتقف متعجبا و أنت تراه يتسلق قمم جبال أفغانستان بين الثلوج يشق الطريق و يمهدها لأعادة تلك المنارة المفقودة ( الخلافة الراشدة)
و لهذا حرص أعداء الله على التخلص منه بأي طريقة كانت ، و في هذا يقول أحد قادة الجهاد الأفغاني : ( ان شيخنا الكريم كان من الشخصيات التي اذا سمع باسمها أعداء هذه الأمة ، يثير فيهم القلق و الاضطراب ، و ان أعداءنا كانوا يعرفون الشيخ أكثر مما نعرفه ، و ان الشيخ كان عدوا لدودا للشيوعية و الصهيونية و الجبابرة )
ثانيا : أن الشهيد كان ترسا للجهاد في أفغانستان :
لم يعهد أعداء هذه الأمة أن يروا عالما من هذا الطراز يحمل السلاح و يقاتل الكفرة و الملاحدة من أجل اقامة دين الله في الأرض - في هذا القرن - مثلما عهدوه في شهيدنا الغالي . كان الشهيد ترسا للجهاد ، يجاهد في سبيل الله بقلمه و سنانه ، و كان صوت الحق الناطق باسم الجهاد في العالم فأراد أعداء الجهاد أن يسكتوا هذا الصوت
بعد أن انتصر الجهاد في أفغانستان على الدب الروسي و أجبره على العودة الى قمقمه و بعد أن قلم المجاهدون أظافره ، بدأت المؤامرة بترتيب بين الشرق و الغرب أن لا يكون الاسلام هو البديل بعد خروج الروس ، فجاءت المؤامرات يتلو بعضها بعضا ، و كان الشيخ رحمه الله كلما تعرض الجهاد الى سهم يوجه اليه أو شبهة تثار حوله من قبل أعداء الله ينبري للرد عليها بكل ما أوتي من حجة و بيان ، و لهذا السبب أيضا ضاق به الشرق و الغرب ذرعا و عجزوا عن مواجهته و جها لوجه لا في ساحة ميدان الجهاد و لا عبر البيان و الكلام
ثالثا : بسبب فكرته عن تصدير الجهاد الى خارج أفغانستان :
كان الشيخ رحمه الله يعمل على تصدير الجهاد من أفغانستان الى بقاع الأرض التي ديست بأرجل الكفار ، و لقد أصبح العالم خائفا من الجهاد و يحسب للجهاد في أفغانستان ألف حساب خاصة أن الجهاد قد امتد حتى وصل الى معظم المناطق التي تعرضت للغزو من قبل أعداء الله ، و لهذا حرص أعداء الله على التخلص من هذه الشخصية الجهادية التي بدأت تصدر الجهاد الى المناطق المحتلة من العالم الاسلامي و الى المستضعفين في الأرض و لا بد من قتل رموز الجهاد
رابعا : لأن الشيخ حول الجهاد الأفغاني الى جهاد إسلامي عالمي :
لقد كان الشيخ الشهيد ينشد وحدة الأمة الإسلامية تحت علم الجهاد ، و يعمل من أجل ذلك و قد عمل حتى آخر لحظة من حياته من أجل جمع كلمة المجاهدين و طالما ردد كثيرا : ان موت جميع أولادي أحب الي من أن يختلف قادة الجهاد
و قد استصرخ الشهيد ضمائر الأمة الإسلامية في شتى أنحاء العالم فحث التجار في البلاد العربية و الإسلامية أن يقدموا أموالهم في سبيل الله ، و صرخ صرخته المدوية في البلاد العربية و الإسلامية للعلماء أن ينفروا الى أرض الجهاد و أن يساهم كل مسلم بقدراته و نفسه و علمه بهذا الجهاد المبارك . فكان لهذا النداء صداه فوفد إلى الجهاد مجموعات من الشباب من كافة الأقطار و التقت هذه الجموع و انصهرت كلها في بوتقة العقيدة و على أساسها تجاهد في سبيل الله ، و إذا بالأمة الإسلامية المترامية الأطراف المقطعة الأوصال في أنحاء المعمورة تتجمع من جديد في جسم متكامل ، و لهذا حرص أعداء الأمة على اغتيال الشيخ و التخلص منه
الشيخ يحط الرحال شهيدا
و في يوم الجمعة بتاريخ 24/11/1989 م انطلق الشيخ رحمه الله الى مسجد سبع الليل لالقاء خطبة الجمعة فمرت السيارة التي كان يستقلها من فوق لغم بوزن 20كغم من متفجرات ( ت.ان.ت) كان قد زرعه الحاقدون المجرمون ، و قد نتج عن هذا الانفجار استشهاد شهيد الأمة الإسلامية الدكتور عبدالله عزام و معه زهرتين من فلذات كبده ( محمد نجله الأكبر و ابراهيم ) .
و قد سارت الجموع الغفيرة و هي تودع الشيخ و ولديه ، الى مقبرة الشهداء في بابي بعد أن صلى عليه الشيخ عبد رب الرسول سياف و جمع غفير من المجاهدين العرب و الأفغان .. و غيرهم من المسلمين الذين حضروا الجنازة.
و قد حدث الذين حضروا جنازته و هم ألوف ، أنهم اشتموا رائحة المسك تنبعث من دمه الزكي و بقيت هذه الرائحة حتى تم دفنه ، و أن الله تعالى قد حفظ جسمه من التشويه رغم شدة الانفجار الذي قطع تيار الكهرباء و حفر حفرة عميقة في الأرض ، و تناثرت أجزاء السيارة ، و قد وجدت جثة الشيخ على مقربة من الحادث.
و قد فجع العالم الاسلامي و المسلمون في شتى أنحاء الأرض بهذا الخبر المحزن ، و كان لهذا الخبر أثرا كبيرا زلزل قلوب المحبين له لهول هذا المصاب ، لقد بكى ملايين المسلمين شهيدنا ، بقلوبهم و عيونهم أكثر من البكاء على الأب و الأم و الزوجة و الزوج ، و حزنت على فقده الأمة كلها أكثر مما حزنت على فقد أي شئ آخر
ان حب الملايين من المسلمين لهذا الرجل العظيم ، الذي كان كله لله لهو دليل على رضى و قبول من الله عزوجل ، و لما قدمه في سبيل الله ، فقد أحب الشيخ رحمه الله الله و رسوله ( صل الله عليه و سلم ) فكتب حبه في قلوب العباد حيا و شهيدا و لم نجد في عصرنا الحاضر عالما و مجاهدا أحبه هذا العدد الهائل من الخلق كما أحبوا عبدالله عزام رحمه الله .
كلمات الشهيد في الجهاد:
1- إن مقادير الرجال تبرز في ميادين النزال لا على منابر الأقوال.
2- إن الجهاد هو الضمان الوحيد لصلاح الأرض وحفظ الشعائر.
3- إن حيات الجهاد ألذ حياة ومكابدة مع الشظف أجمل من التقلب بين أعطاف النعيم.
4- إن أرض الجهاد لتصقل الروح وتصفي القلب وتقلب كثيرا من الموازين.
5- أيها المسلمون :إن حياتكم الجهاد وعزمكم الجهاد ووجودكم مرتبط ارتباطا مصيريا بالجهاد.
6- إن التبرير للنفس بالقعود عن النفير في سبيل الله لهو ولعب.
7- إن الذين يظنون أن دين الله يمكن ينتصر دون جهاد وقتال ودماء وأشلاء هؤلاء واهمون لا يدركون طبيعة هذا الدين.
رحم الله شيخنا الشهيد عبد الله عزام
رحمة واسعة و رفعه عنده في عليين
و عوض المسلمين عنه خيرا
منقول
تعليق