مراحل بناء وتوسعة المسجد النبوي الشريف عبر التاريخ
(1)
تأسيس المسجد النبوي الشريف :
بعدما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وبعد وصوله صلى الله عليه وسلم إلى قباء مكث أياما ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في مسجدهم فكانت أول جمعة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، ثم خرج عليه الصلاة والسلام إلى المدينة والناس يتلقونه في الطريق ويطلبون منه الإقامة عندهم ويمسكون بزمام الناقة فيقول لهم عليه الصلاة والسلام ( خلو سبيلها فإنها مأمورة ) فسارت الناقة حتى بركت في موضع كان لغلامين يتيمين من الأنصار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبنى ذلك الموضع مسجدا ، فبوشر البناء وعمل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأس المهاجرين والأنصار في بناء المسجد .
وقد أقام جدرانه من اللبن، وأعمدته من جذوع النخل، وسقفه من الجريد، ووجه قبلته ناحية بيت المقدس، وكان له ثلاثة أبواب، وتتوسط المسجد رحبة.
وقد ظلل المسجد، فعملت له أعمدة (سواري) من جذوع النخيل، ثم وضعت عليها الجسور الخشبية (العوارض) وغطي بالجريد والخصف، وكان للمسجد جهة القبلة (بيت المقدس، الحائط الشمالي) ثلاثة أروقة، بكل رواق ستة أعمدة (أسطوانات) ـ وذلك قبل أن ينزل الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة ـ وكان بمؤخرة المسجد (الجهة الجنوبية) صفة (ظلة) يأوي إليها المهاجرون الذين لا دار لهم ولا مأوى، وكان ارتفاع سقف المسجد بارتفاع قامة الإنسان، أي حوالي 3.5 ذراع (حوالي 1.75م).
توسعة المسجد النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم :
كانت أعدد المسلمين في المدينة تزداد يوما بعد يوم نتيجة الهجرة إليها، فضاق المسجد النبوي الشريف بالمصلين، وعندها قرر النبي صلى الله عليه وسلم زيادة مساحته ، وبالفعل بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر وذلك في السنة السابعة بتوسعة المسجد الشريف فزاده أربعين ذراعاً في العرض وثلاثين ذراعاً في الطول، حتى أصبح المسجد مربع الشكل مائة ذراع في مائة ذراع. مع بقاء المسجد على حده الأول من جهة القبلة.
توسعة المسجد النبوي في عهد عمر بن الخطاب :
لما كثر عدد المسلمين نتيجة للفتوحات الإسلامية واتساع رقعة الدولة الإسلامية قام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتوسعة المسجد النبوي الشريف ، وكانت أول توسعة للمسجد النبوي بعدما بناه ووسعه النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يضف على مساحة المسجد شيئاً، فقد انشغل أبو بكر رضي الله عنه بالأحداث التي نتجت عن وفاة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، غير أنه جدد الأعمدة النخلية التي نخرت.
ففي العام السابع عشر من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم قام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإجراء عمارة كبيرة في المسجد النبوي الشريف ، فزاده من الناحية القبلية بمقدار اسطوانة بنحو عشرة أذرع ومن الغرب بمقدار اسطوانتين بنحو عشرين ذراعا وزاد في الشمال نحو ثلاثين ذراعا فصار طول المسجد 140 ذراعا وعرضه 120 ذراعا وبناه كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد والسعف وجذوع النخل وجعل ارتفاعه أحد عشر ذراعا وجعل له سترة بارتفاع ذراعين أوثلاثة .
توسعة المسجد النبوي الشريف في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه :
لم تعد الزيادة التي بناها عمر بن الخطاب رضي الله عنه تكفي فقد ضاق المسجد بالمصلين والزوار فقام الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بتوسعة المسجد النبوي ، وكان ذلك عام 29هـ حيث زاده من جهة القبلة والشمال والغرب وأشرف رضي الله عنه على البناء بنفسه فبناه بالحجارة المنقوشة والجص وغطى سقفه بخشب الساج وجعل معظم أعمدته من حجارة منقوشة وبعضها من الحديد والرصاص وبنى المقصورة على مصلاه من لبن وجعل فيها طيقاناً ينظر الناس منها إلى الأمام وكان يصلي فيها خوفاً من الذي أصاب عمر رضي الله عنه، وكانت زيادته من الجهات الثلاثة بمقدار عشرة أذرع من جهة القبلة وعشرين ذراعا من جهة الشمال وعشرة أذرع من جهة الغرب ولم يزد من الناحية الشرقية لمكان حجرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن . وفرغ منه سنة 30هـ وبقي المسجد النبوي على زيادة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى كان عهد الدولة الأموية.
توسعة المسجد النبوي في العهد الأموي :
استمر المسجد على ما هو عليه كما بناه الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى جاء الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك رحمه الله فرأى إحداث زيادة أخرى مع إعادة بناء المسجد النبوي الشريف ، فأمر واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز رحمه الله ببناء المسجد وتوسعته وبدئ بالبناء سنة 88 وانتهت سنة 91 هـ فبدأ عمر بن عبدالعزيز رحمه الله وادخل حجرات أمهات المؤمنين في المسجد ، وكان بناؤه من الحجارة المنقوشة وسوارية من الحجارة المنقورة وقد حشيت بعمد الحديد والرصاص. وعمل سقفان للمسجد السقف العلوي والسفلي، فكان السقف السفلي من خشب الساج. وجعل للمسجد أربع مآذن فكان الوليد بن عبدالملك أول الخلفاء الذي أدخل الزخرفة في المسجد ، وقد زاده من جهة الغرب نحو عشرين ذراعا ومن جهة الشرق نحو ثلاثين ذراعا وزاد فيه أيضا من جهة الشمال نحو عشرة أذرع .
توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد العباسي :
استمرت عناية الخلفاء بالمسجد النبوي الشريف فقاموا بإصلاحات وترميمات إلا أن الزيادة في المسجد بقيت على عهد الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي ، حتى جاء الخليفة العباسي المهدي للحج وزار المدينة ورأى ما عليه المسجد النبوي فأمر بعمارة شاملة له وتوسعته فزاد فيه من الناحية الشمالية فقط وكان ذلك عام 161هـ واستمرت أربع سنوات حتى انتهت عام 165 هـ وكان مقدار الزيادة مائة ذراع ، وقد حدثت في العصر العباسي مجموعة من الترميمات والإصلاحات مثل تجديد بعض الأرضيات وتوسعتها، وإصلاح السقف من جهة القبر النبوي الشريف، وعمل وزرة رخام بارتفاع 1.75م، وتبليط الأرض بالرخام الأبيض، وتكسية بالفسيفساء لبعض حوائط المسجد مع ترميم هذه الحوائط، وتكسية الحوائط الخارجية للقبر النبوي بالرخام.
الإصلاحات والتوسعات للمسجد النبوي في عهد المماليك :
وفي عام 654 هـ احترق المسجد النبوي الحريق الأول فقام الخليفة العباسي المستعصم بالله في عام 655 هـ وبدأ بعمارة المسجد النبوي الشريف إلا أنها لم تتم بسبب غزو التتار واستيلائهم على بغداد وقتل الخليفة العباسي وتولى سلطان مصر واليمن إكمال ذلك المشروع وقد كان للسلطان الظاهر بيبرس دورا بارزا في ذلك فقد كمل سقف المسجد سقفا فوق سقف كما كان سابقا قبل الحريق وبهذا ينتقل أمر المدينة إلى ملوك مصر المماليك وقاموا ببعض الأعمال في المسجد النبوي الشريف .
وفي شهر رمضان من عام 886هـ احترق المسجد النبوي الحريق الثاني فشرع الأشرف قايتباي بعمارة شاملة للمسجد النبوي الشريف وتم توسعته بمقدار ذراعين وربع وذلك من الجانب الشرقي مما يلي المقصورة وعمل للمسجد سقفا واحدا ارتفاعه اثنان وعشرون ذراعا وتم تسقيف المسجد عام 888هـ وتمت عمارة المسجد حوالي عام 890هـ .
الاصلاحات والتوسعات للمسجد النبوي الشريف في العهد العثماني :
أولى العثمانيون عنايتهم بالمسجد النبوي كغيرهم من الخلفاء والسلاطين فكان السلطان سليمان القانوني أول من عمل إصلاحات في المسجد النبوي الشريف من العثمانيين ، فقام بعمل بعض الترميمات والإصلاحات وذلك عام 940هـ وكذلك عام 947هـ حيث قام بعمل ترميمات وتجديدات للمسجد النبوي أكبر وأشمل من سابقتها .
وقد قام عدد من السلاطين العثمانيين بإجراء عدة إصلاحات للمسجد النبوي .
وفي عام 1265هـ قام السلطان عبد المجيد بعمارة لكامل المسجد النبوي والتي تعتبر العمارة الرئيسية في عهد العثمانيين واستمرت حتى عام 1277هـ فكان العمال يهدمون جزءا ثم يبنونه حتى لا تتعطل الصلاة في المسجد وهكذا إلى أن تناولت العمارة للمسجد كله عدا المقصورة وما فيها والمنبر الشريف والجدار الغربي والمحراب النبوي والمحراب العثماني والمحراب السليماني والمنارة الرئيسية فأبقوها على حالها لإتقانها وحسن صنعها .
توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي :
أولت الحكومة السعودية المقدسات الإسلامية عناية ورعاية منذ عهد مؤسس هذه الدولة الملك عبد العزيز رحمه الله وحتى وقتنا الحاضر ومن هذه المقدسات المسجد النبوي الشريف فقد نال حظا وافرا من العناية والرعاية لم يشهده في عصور سابقة فالتوسعات التي مرت على هذا المسجد في العهد السعودي تعكس مدى الإهتمام والرعاية التي نالها من قادة هذه البلاد وفيما يلي توضيح للتوسعات في هذا العهد الزاهر :
مع تزايد أعداد المسلمين الذين يقصدون الديار المقدسة لأداء مناسك الحج وزيارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة أصبح المسجد النبوي الشريف يضيق بزواره وهذا ما جعل الملك عبد العزيز يذيع للعالم الإسلامي بيانا أعلن فيه اعتزامه وبعون الله وتوفيقه تنفيذ مشروع توسعة الحرمين الشريفين بدءا بالمسجد النبوي الشريف .
وهي تعتبر أكبر توسعة مرت على المسجد حتى ذلك الوقت حيث بلغ مساحتها
( 6024م ) . والمساحة التي أزيلت في عمارة السلطان عبد المجيد هي ( 6247م ) ،فتكون مساحة العمارة السعودية ( 12271م ) .
وقد بدأ الهدم في ( 5/شوال / 1370هـ ) ، وانتهى البناء عام( 1375هـ ) في عهد الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله . وبعد هذه التوسعة أصبحت مساحة المسجد ( 16327م ) ، وأقيمت هذه العمارة من الخرسانة المسلحة من أعمدة تحمل عقود مدببة ، وقُسِّم السقف إلى مسطحات مربعة ، شُكِّلت على أنماط الأسقف الخشبية ، وعمل للأعمدة المستديرة تيجان من البرونز زخرفت بزخارف نباتية ، وكسيت الأعمدة بالموزايكو ، وغطيت قواعدها بالرخام ، وأقيم مئذنتان في الجهة الشمالية ارتفاع الواحدة ( 70 ) متراً .وطول الجدار الشرقي الغربي ( 128) متراً والشمالي ( 91) متراً .
ولم يمض وقت طويل على هذه التوسعة حتى ضاق المسجد بالمصلين فتم هدم البيوت الواقعة شمال وغرب الحرم عام ( 1393هـ ) في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله وجعل عليها مظلات لحماية المصلين عن الشمس ، محاطة بسور ، وتم تبليطها بالرخام وأنارتها وتهويتها . وتبلغ مساحتها ( 30406م ) .
وفي عهد الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله هدم جزاء آخر من البيوت غرب المضلات ، بمساحة قدرها ( 32401م ) وذلك عامي ( 1398/1399هـ )
وأضيفت إلى المظلات على نفس التصميم . فبلغت المساحة الإجمالية للمظلات
( 62807م ) .
يتبع بمشيئة الله
تعليق