– بطل سفاقس
تبدأ أحداث هذه القصة عندما أستولى نصارى صقلية على دولة أفرقية( تونس) وكان ملك الصليبيين رجار قد أستعمل على مدينة سفاقس لما فتحها أبا الحسن الفريانى وكان أبو الحسن من العلماء الصالحين فأظهر العجز والضعف وقال لملك الصليبيين " أيها الملك أستعمل مكانى على سفاقس ولدى عمر فإنى قد كبرت ولا أستطيع القيام بأعباء الحكم فقبل رجار منه ذلك الكلام وقام بتعيين عمر بن الحسن علي سفاقس وأخذ رجار الشيخ أبا الحسن رهينة عنده فى صقلية حتى يتأكد من عدم غدر ابنه عمر به وقبل أن ينطلق أبا الحسن إلى صقلية أوصى ابنه عمر وصية جليلة باع فيها نفسه لله تعالى فقد " قال فيها أبو الحسن لابنه يابنى إننى كبير السن وقد قارب أجلى ، فمتى أمكنتك الفرصة فى الخلاف على العدو وتخليص المسلمين منهم فأفعل ولا تراقبهم ولا تنظر في أننى أقتل وأحسب أنى قد مت " وبعد هذه الوصية أنطلق أبو الحسن وظل ابنه عمر يترقب الفرصة للقضاء على الصليبيين وتخليص المسلمين إلى أن مات ملك صقلية رجار لعنه الله وتولى بعده ابنه غليالم فوجد عمر فرصته فى القضاء على الصليبيين فدعا أهل سفاقس إلى الخلاف على عدوهم ووضع خطة للقضاء على الصليبيين وقال لهم يخرج جماعة منكم إلى السور وجماعة يقصدون مساكن الفرنج والنصارى ويقتلونهم كلهم فقال له أهل سفاقس : إن سيدنا الشيخ أبا الحسن والدك نخافوا عليه من غدرهم وهو رهينة بأيديهم فقال لهم عمر"هو أمرنى بهذا وإذا قتل بأبي الشيخ ألوف من الأعداء فما مات ابي
فلم تطلع الشمس حتى قتل المسلمون الفرنج عن آخرهم ولم يبقى منهم واحد وبذلك تحررت سفاقس وتبعتها باقى مدن أفريقية " تونس " أما أبو الحسن رحمه الله فقد أرسل إليه ملك الصليبيين غليالم بن رجار وأحضره بين يديه وأخبره بما فعل ابنه عمر وأمره أن يكتب إليه ينهاه عن ذلك ويأمره بالعودة إلى طاعته ويخوفه عاقبة فعلة
فقال أبو الحسن " من قدم على هذا لم يرجع بكتاب " فأرسل ملك صقلية إليه رسولاً يتهدده ويأمره بترك ما ارتكبه وإلا فأبوه رهينة فى أيديهم
وعندما وصل رسول ملك الصليبيين لم يمكنه عمر من دخول المدينة فى يومه ذلك فلما كان الغد خرج أهل البلد جميعهم ومعهم جنازة والرسول الصليبى يشاهدهم فدفنوها وعادوا وأرسل عمر إلى الرسول يقول له : هذا أبى قد دفنته وقد جلست للعزاء به فأصنعوا به ما أردتم
فعاد الرسول إلى ملك الصليبيين غليالم وأخبره بما صنع عمر بن أبى الحسن فغضب غليالم وأمر بصلب الشيخ أبا الحسن وهو حى فلم يزل أبا الحسن يذكر الله تعالى وهو مصلوبإلى أن مات شهيداً بإذن الله فرحمة الله تعالى علي ذلك البطل الذي قدم روحه رخيصة من اجل تحرير بلاد الاسلام من الصلبيين
انا اذا وضع السلاح بوجهنا ضج السلاح ......... واذا تلعسمت الشفاة تكلمت منا الجراح
قال تعالي {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }الأحزاب23
المصدر كتاب الكامل لابن الاثير "وكتاب حسن المحاضرة للسيوطى "
اخيا: هكذا كان السلف الصالح كانو يرون ان خدمة الاسلام فوق كل شئ ومصلحة المسلمون قبل كل شئ كانو يرون ان العبودية ليست صلاة وصيام فحسب ولكن العبودية الحقة ان تجعل حياتك كلها لله (قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )كانو يرون ان العبودية الحقة ان تسعي لتعبيد الناس لله بالدعوة الي الله و بالجهاد في سبيلة (ومن احسن قولا ممن دعي الي الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين) كانو يرون ان نشر الاسلام بالدعوة او بالجهاد افضل من مجاورة مكة والمدينة لذلك
قال عبدالله بن مبارك لعابد الحرمين الفضيل بن عياض
يا عابد الحرمين
ياعابد الحرمين لو ابصرتنا
لعلمت انك بالعبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضب
او كان يتعب خيله فيباطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الاطيب
ولقد اتانا من مقال نبينا
قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في
انف امرءودخان نار تلهبه
هذا كتاب الله ينطق بيننا
ليس الشهيد بميت لا يكذب
من كان يخضب خده بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضب
او كان يتعب خيله فيباطل
فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهج السنابك والغبار الاطيب
ولقد اتانا من مقال نبينا
قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في
انف امرءودخان نار تلهبه
هذا كتاب الله ينطق بيننا
ليس الشهيد بميت لا يكذب
الدروس المستفادة من هذه القصة :
ان المتأمل في هذه القصة يجد ان الشيخ ابو الحسن لم يتسرع في الخروج عن الحاكم الكافر وذلك لانه غير مستطيع ولكنه اوصي ابنه عمر بان يخرج عن الحاكم الصليبي ان استطاع ولذلك لم يخرج عمر عن الحاكم الكافرالصليبي الا بعد موت ذلك الحاكم الكافر رجار وتولية ابنة غليام و ذلك لانه لا يجوز الخروج عن الحاكم الكافر الا ان استطعت ذلك اما ان يخرج افراد من الامه لا يمثلون شيء ولا يستطيعون ان يفعلو شيء ثم يعلنوا الجهاد بدون عدد ولا عدة فهذا خطأ عظيم وهذا الخطأ وقع فيه كثير من الاخوة الافاضل بارك الله فيهم ورزقنا الله واياهم حسن الخاتمة و القاعدة الشرعية المجمع عليهاتقول : ( أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه، بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه ) . أما درء الشر بشرٍ أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين،
فقد سئل الشيخ صالح الفوزان السؤال التالي:
هناك من يسوّغُ للشّباب الخروج على الحكومات دون الضّوابط الشّرعيّة؛ ما هو منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم وغير المسلم؟
فأجاب (رقم الفتوى: 15872): الحمد لله
منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم السَّمعُ والطّاعة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59.]. والنبي صلى الله عليه وسلم كما مرَّ في الحديث يقول: "أوصيكم بتقوى الله والسّمع والطّاعة، وإن تأمّر عبدٌ؛ فإنّه مَن يَعِش منكم؛ فسوف يرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديّين من بعدي" [تقدم تخريجه صفحة: (356).]؛ هذا الحديث يوافق الآية تمامًا. ويقول صلى الله عليه وسلم: "مَن أطاع الأميرَ؛ فقد أطاعني، ومَن عصى الأمير؛ فقد عصاني" [رواه البخاري في "صحيحه" (4/7-8).]... إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في الحثِّ على السّمع والطّاعة، ويقول صلى الله عليه وسلم: "اسمع وأطِع، وإن أُخِذ مالُك، وضُرِبَ ظهرُك" [رواه الإمام مسلم في "صحيحه" (3/1476) من حديث حذيفة رضي الله عنه بلفظ قريب من هذا.].
فوليُّ أمر المسلمين يجب طاعته في طاعة الله، فإن أمر بمعصيةٍ؛ فلا يطاع في هذا الأمر (يعني: في أمر المعصية)، لكنّه يُطاع في غير ذلك من أمور الطّاعة.
وأمّا التعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال: فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله. أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاثة عشرة سنة بعد البعثة، والولاية للكفَّار، ومع من أسلم من أصحابه، ولم يُنازلوا الكفَّار، بل كانوا منهيِّين عن قتال الكفَّار في هذه الحقبة، ولم يُؤمَر بالقتال إلا بعدما هاجر صلى الله عليه وسلم وصار له دولةٌ وجماعةٌ يستطيع بهم أن يُقاتل الكفَّار.
هذا هو منهج الإسلام: إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛ لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة، أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة.
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - عن الخروج على الحاكمالكافر
((إن كنّا قادرين على إزالته؛ فحينئذٍ نخرج ، وإذا كنّا غير قادرين ؛ فلا نخرجلأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاع ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبروأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليهلأننا خرجنا ثم ظهرت العِزّةُ له صِرْنا أذِلّة أكثر،وتمادى في طغيانه وكفره أكثر))
المصدر كتاب صفحات من العزة واخري من الذل "تحت الطبع"
تعليق