إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أولوا العزم من الرسل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    حياكم الله وبياكم ...

    جزاكم الله خيراً أختى الكريمة "د/كارمن"......

    أسجل متابعة الموضوع القيم هذا .....وإن شاء الله نعلق حالما تنتهى من قصة "سيدنا وحبيبنا "إبراهيم" _عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام .....

    أبث حديت ابن مسعود الذى حسنه "الألبانى ":: قال رسول الله :""لقيت إبراهيم ليلة أسرى بى ‘ فقال ::يا محمد أقرىء أمتك منى السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها :: سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ""

    قيا لها من وصية غالية لمن يعمل بها ويجعل لسانه لا يفتر عن ذكر الله تعالى.......

    بارك الله فيكم أختاااه ونفع بكم....

    الله المستعان...
    تالله ما الدعوات تُهزم بالأذى أبداً وفى التاريخ بَرُ يمينى
    ضع فى يدىَ القيد ألهب أضلعى بالسوط ضع عنقى على السكين
    لن تستطيع حصار فكرى ساعةً أو نزع إيمانى ونور يقينى
    فالنور فى قلبى وقلبى فى يدىَ ربىَ وربى حافظى ومعينى
    سأظل مُعتصماً بحبل عقيدتى وأموت مُبتسماً ليحيا دينى
    _______________________________
    ""الدعاة أُجراء عند الله ، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا ، عملوا ، وقبضوا الأجر المعلوم !!!..وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أى مصير ، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير !!!!...
    __________________________________
    نظرتُ إلىَ المناصب كلها.... فلم أجد أشرف من هذا المنصب_أن تكون خادماً لدين الله عزوجل_ لا سيما فى زمن الغربة الثانية!!
    أيها الشباب ::إنَ علينا مسئولية كبيرة ولن ينتصر هذا الدين إلا إذا رجعنا إلى حقيقته.

    تعليق


    • #32

      هجرة إبراهيم عليه السلام:
      انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزتهونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذايقول. واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكلالوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب قومه وهجروه، ولم يؤمن معه من قومه سوىامرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صارنبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.
      قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدولله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.
      للمرة الثانية في قصص الأنبياء نصادف هذه المفاجأة. في قصة نوح كان الأب نبيا والابن كافرا، وفي قصة إبراهيم كان الأبكافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو الله رغم كونه ابنهأو والده، وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تقومعليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد والدم.
      خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. سافر إلى مدينة تدعىأور. ومدينة تسمى حاران. ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنتبه. وصحب معه لوطاالرجل الوحيد الذي آمن به.
      بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذهالرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاءوالفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.
      وتأتي بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجتهسارة وموقفهما مع ملك مصر. فتقول:
      وصلت الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجملنساء الأرض. فطمع بها. وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة. وأمرهم بأن يسألوا عنالرجل الذي معها، فإن كان زوجها فليقتلوه. فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك. فقال إبراهيم -عليه السلام- لسارة إن سألوك عني فأنت أختي -أي أخته في الله-، وقاللها ما على هذه الأرض مؤمن غيري وغيرك -فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عزوجل. فجاء الجنود وسألوا إبراهيم: ما تكون هذه منك؟ قال: أختي.
      لنقف هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه (إني سقيم ( و (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه) و (هي أختي). كلها كلمات تحتمل التاويل. لكن مع هذاكان إبراهيم عليه السلام خائفا جدا من حسابه على هذه الكلمات يوم القايمة. فعندمايذهب البشر له يوم القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذبت علىربي ثلاث مرات.
      ونجد أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولاخوف من خالقهم.
      لما عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعواالله قائلة: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلاتسلط علي الكافر.
      فلما أدخلوها عليه. مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يدهفي مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه لم يعد يستطيع تحريكها، وجاء أعوانه لمساعدته لكنهملم يستطيعوا فعل شيء. فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك. فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني به. فاستجاب الله لدعائها.
      لكن الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب. فهجم عليها مرة أخرى. فشلّ مرة ثانية. فقال: فكيني. فدعت الله تعالى فَفَكّه. فمديده ثالثة فشلّ. فقال: فكيني وأطلقك وأكرمك. فدعت الله سبحانه وتعالى فَفُك. فصرخالملك بأعوانه: أبعدوها عني فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتمونيبشيطان.
      فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أَمَةً اسمها "هاجر".
      هذه الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر.
      وكانت زوجته سارة لا تلد. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصريةلتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار شيخا، وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه فيالدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا، ماذا لوقدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة لزوجها؟ وكان اسم المصرية "هاجر". وهكذا زوجتسارة سيدنا إبراهيم من هاجر، وولدت هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم " إسماعيل". كان إبراهيم شيخا حين ولدت له هاجر أول أبنائهإسماعيل.
      ولسنا نعرف أبعاد المسافات التي قطعها إبراهيم في رحلته إلى الله. كان دائما هو المسافر إلى الله. سواء استقر به المقام في بيته أو حملته خطواتهسائحا في الأرض. مسافر إلى الله يعلم إنها أيام على الأرض وبعدها يجيء الموت ثمينفخ في الصور وتقوم قيامة الأموات ويقع البعث.
      إحياء الموتى:
      ملأ اليوم الآخر قلب إبراهيم بالسلام والحب واليقين. وأراد أن يرىيوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى. حكى الله هذا الموقف في سورة (البقرة).. قالتعالى:
      وَإِذْ قَالَإِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنقَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
      لا تكون هذه الرغبة في طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة مندرجات الحب لله.
      قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِفَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَسَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَعَزِيزٌ حَكِيمٌ
      فعل إبراهيم ما أمره به الله. ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءهاعلى الجبال. ودعاها باسم الله فنهض الريش يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها،وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام، والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاءالذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير، وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضانإبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم. واعتقدبعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأىالنتيجة. واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى بما قاله له الله ولم يذبح الطير. ونعتقدأن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب قطعها المسافر إلى الله. إبراهيم.
      رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل لواديمكة:
      استيقظ إبراهيم يوما فأمر زوجته هاجر أن تحمل ابنها وتستعد لرحلةطويلة. وبعد أيام بدأت رحلة إبراهيم مع زوجته هاجر ومعهما ابنهماإسماعيل. وكان الطفل رضيعا لم يفطم بعد. وظل إبراهيم يسيروسط أرض مزروعة تأتي بعدها صحراء تجيء بعدها جبال. حتى دخل إلى صحراء الجزيرةالعربية، وقصد إبراهيم واديا ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه ولاشراب. كان الوادي يخلو تماما من علامات الحياة. وصل إبراهيم إلى الوادي، وهبط منفوق ظهر دابته. وأنزل زوجته وابنه وتركهما هناك، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام،وقليلا من الماء. ثم استدار وتركهما وسار.
      أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذاالوادي الذي ليس فيه شيء؟
      لم يرد عليها سيدنا إبراهيم. ظل يسير. عادت تقول له ما قالته وهوصامت. أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه. أدركت أن الله أمره بذلك وسألته: هلالله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.
      قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذيأمرك بهذا. وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلىالسماء وراح يدعو الله: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍعِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ(.
      لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد، لم تكن الكعبة قد بنيت، وكانتهناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة، فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه فيهذا المكان، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة فيما بعد. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذينتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.
      ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحهفي دعوة الله. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنةوتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم. وأحست هاجروإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر. وبدا الموقف صعبا وحرجاللغاية.
      اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

      الحمد
      لله الذي تتم بفضله الصالحات

      تعليق


      • #33
        هجرة ابراهيم عليه السلام:
        انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذايقول. واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم فقد غضب قومه وهجروه، ولم يؤمن معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صارنبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.
        قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدو لله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.
        للمرة الثانية في قصص الأنبياء نصادف هذه المفاجأة. في قصة نوح كان الأب نبيا والابن كافرا، وفي قصة إبراهيم كان الأب كافرا والابن نبيا، وفي القصتين نرى المؤمن يعلن براءته من عدو الله رغم كونه ابنه أو والده، وكأن الله يفهمنا من خلال القصة أن العلاقة الوحيدة التي ينبغي أن تقوم عليها الروابط بين الناس، هي علاقة الإيمان لا علاقة الميلاد والدم.
        خرج إبراهيم عليه السلام من بلده وبدأ هجرته. سافر إلى مدينة تدعىأور. ومدينة تسمى حاران. ثم رحل إلى فلسطين ومعه زوجته، المرأة الوحيدة التي آمنت به. وصحب معه لوطا الرجل الوحيد الذي آمن به.
        بعد فلسطين ذهب إبراهيم إلى مصر. وطوال هذا الوقت وخلال هذه الرحلات كلها، كان يدعو الناس إلى عبادة الله، ويحارب في سبيله، ويخدم الضعفاء والفقراء، ويعدل بين الناس، ويهديهم إلى الحقيقة والحق.
        وتأتي بعض الروايات لتبين قصة إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة وموقفهما مع ملك مصر. فتقول:
        وصلت الأخبار لملك مصر بوصول رجل لمصر معه أمرأة هي أجمل نساء الأرض. فطمع بها. وأرسل جنوده ليأتونه بهذه المرأة. وأمرهم بأن يسألوا عن الرجل الذي معها، فإن كان زوجها فليقتلوه. فجاء الوحي لإبراهيم عليه السلام بذلك. فقال إبراهيم -عليه السلام- لسارة إن سألوك عني فأنت أختي -أي أخته في الله-، وقال لها ما على هذه الأرض مؤمن غيري وغيرك - فكل أهل مصر كفرة، ليس فيها موحد لله عزوجل. فجاء الجنود وسألوا إبراهيم: ما تكون هذه منك؟ قال: أختي.
        لنقف هنا قليلا.. قال إبراهيم حينما قال لقومه

        (إني سقيم ) و (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوه) و (هي أختي). كلها كلمات تحتمل التأويل.

        لكن مع هذا كان إبراهيم عليه السلام خائفا جدا من حسابه على هذه الكلمات يوم القيامة. فعندما يذهب البشر له يوم القيامة ليدعوا الله أن يبدأ الحساب يقول لهم لا إني كذبت على ربي ثلاث مرات.
        ونجد أن البشر الآن يكذبون أمام الناس من غير استحياء ولاخوف من خالقهم.


        لما عرفت سارة أن ملك مصر فاجر ويريدها له أخذت تدعوا الله قائلة : اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر.
        فلما أدخلوها عليه. مد يده إليها ليلمسها فشلّ وتجمدت يده في مكانها، فبدأ بالصراخ لأنه لم يعد يستطيع تحريكها، وجاء أعوانه لمساعدته لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء. فخافت سارة على نفسها أن يقتلوها بسبب ما فعلته بالملك. فقالت: يا رب اتركه لا يقتلوني به. فاستجاب الله لدعائها.
        لكن الملك لم يتب وظن أن ما حدث كان أمرا عابرا وذهب. فهجم عليها مرة أخرى. فشلّ مرة ثانية. فقال: فكيني. فدعت الله تعالى فَفَكّه. فمد يده ثالثة فشلّ. فقال: فكيني وأطلقك وأكرمك. فدعت الله سبحانه وتعالى فَفُك. فصرخ الملك بأعوانه: أبعدوها عني فإنكم لم تأتوني بإنسان بل أتيتموني بشيطان.
        فأطلقها وأعطاها شيئا من الذهب، كما أعطاها أَمَةً اسمها "هاجر".
        هذه الرواية مشهورة عن دخول إبراهيم -عليه السلام- لمصر.
        وكانت زوجته سارة لا تلد. وكان ملك مصر قد أهداها سيدة مصرية لتكون في خدمتها، وكان إبراهيم قد صار شيخا، وابيض شعره من خلال عمر أبيض أنفقه في الدعوة إلى الله، وفكرت سارة إنها وإبراهيم وحيدان، وهي لا تنجب أولادا، ماذا لوقدمت له السيدة المصرية لتكون زوجة لزوجها؟ وكان اسم المصرية "هاجر". وهكذا زوجت سارة سيدنا إبراهيم من هاجر، وولدت هاجر ابنها الأول فأطلق والده عليه اسم " إسماعيل". كان إبراهيم شيخا حين ولدت له هاجر أول أبنائه إسماعيل.
        ولسنا نعرف أبعاد المسافات التي قطعها إبراهيم في رحلته إلى الله. كان دائما هو المسافر إلى الله. سواء استقر به المقام في بيته أو حملته خطواته سائحا في الأرض. مسافر إلى الله يعلم إنها أيام على الأرض وبعدها يجيء الموت ثم ينفخ في الصور وتقوم قيامة الأموات ويقع البعث.

        يتبع بإذن الله
        اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

        الحمد
        لله الذي تتم بفضله الصالحات

        تعليق


        • #34
          جزاكم الله خيرا على الزيادات
          • إن الأمم والشعوب والدول، تفتخر بعظمائها، وتبني بهم أمجادها وتؤسس التاريخ لمنقذيها، وما علمنا، ولا عرفنا، ولا رأينا، رجلاً أسدى لبني جنسه ولأمته من المجد والعطاء والتاريخ، أعظم ولا أجل من رسول الله

          • ادع لى

          تعليق


          • #35
            إحياء الموتى:
            ملأ اليوم الآخر قلب إبراهيم بالسلام والحب واليقين. وأراد أن يرى يوما كيف يحيي الله عز وجل الموتى. حكى الله هذا الموقف في سورة (البقرة).. قال تعالى:

            وَإِذْ قَال َإِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي


            لا تكون هذه الرغبة في طمأنينة القلب مع الإيمان إلا درجة من درجات الحب لله.

            قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِفَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

            فعل إبراهيم ما أمره به الله ... ذبح أربعة من الطير وفرق أجزاءهاعلى الجبال... ودعاها باسم الله فنهض الريش يلحق بجناحه، وبحثت الصدور عن رؤوسها ، وتطايرت أجزاء الطير مندفعة نحو الالتحام ، والتقت الضلوع بالقلوب، وسارعت الأجزاء الذبيحة للالتئام، ودبت الحياة في الطير، وجاءت طائرة مسرعة ترمي بنفسها في أحضان إبراهيم. اعتقد بعض المفسرين إن هذه التجربة كانت حب استطلاع من إبراهيم. واعتقد بعضهم أنه أراد أن يرى يد ذي الجلال الخالق وهي تعمل، فلم ير الأسلوب وإن رأى النتيجة . واعتقد بعض المفسرين أنه اكتفى بما قاله له الله ولم يذبح الطير. ونعتقد أن هذه التجربة كانت درجة من درجات الحب قطعها المسافر إلى الله إبراهيم.

            يتبع بإذن الله
            اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

            الحمد
            لله الذي تتم بفضله الصالحات

            تعليق


            • #36

              رحلة إبراهيم مع هاجر وإسماعيل لوادي مكة:
              استيقظ إبراهيم يوما فأمر زوجته هاجر أن تحمل ابنها وتستعد لرحلة طويلة ... وبعد أيام بدأت رحلة إبراهيم مع زوجته هاجر ومعهما ابنهما إسماعيل ... وكان الطفل رضيعا لم يفطم بعد ... وظل إبراهيم يسير وسط أرض مزروعة تأتي بعدها صحراء تجيء بعدها جبال ... حتى دخل إلى صحراء الجزيرة العربية ، وقصد إبراهيم واديا ليس فيه زرع ولا ثمر ولا شجر ولا طعام ولا مياه ولاشراب. كان الوادي يخلو تماما من علامات الحياة. وصل إبراهيم إلى الوادي ، وهبط من فوق ظهر دابته ... وأنزل زوجته وابنه وتركهما هناك ، ترك معهما جرابا فيه بعض الطعام ، وقليلا من الماء . ثم استدار وتركهما وسار.
              أسرعت خلفه زوجته وهي تقول له: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه شيء؟
              لم يرد عليها سيدنا إبراهيم. ظل يسير. عادت تقول له ما قالته وهو صامت . أخيرا فهمت أنه لا يتصرف هكذا من نفسه . أدركت أن الله أمره بذلك وسألته : هلالله أمرك بهذا؟ قال إبراهيم عليه السلام: نعم.
              قالت زوجته المؤمنة العظيمة: لن نضيع ما دام الله معنا وهو الذي أمرك بهذا.

              وسار إبراهيم حتى إذا أخفاه جبل عنهما وقف ورفع يديه الكريمتين إلى السماء وراح يدعو الله: (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ).
              لم يكن بيت الله قد أعيد بناؤه بعد ، لم تكن الكعبة قد بنيت ، وكانت هناك حكمة عليا في هذه التصرفات الغامضة، فقد كان إسماعيل الطفل الذي ترك مع أمه في هذا المكان ، كان هذا الطفل هو الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة فيما بعد. وكانت حكمة الله تقضي أن يمتد العمران إلى هذا الوادي، وأن يقام فيه بيت الله الذي نتجه جميعا إليه أثناء الصلاة بوجوهنا.
              ترك إبراهيم زوجته وابنه الرضيع في الصحراء وعاد راجعا إلى كفاحه في دعوة الله. أرضعت أم إسماعيل ابنها وأحست بالعطش. كانت الشمس ملتهبة وساخنة وتثير الإحساس بالعطش. بعد يومين انتهى الماء تماما، وجف لبن الأم. وأحست هاجر وإسماعيل بالعطش.. كان الطعام قد انتهى هو الآخر. وبدا الموقف صعبا عليهما
              اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

              الحمد
              لله الذي تتم بفضله الصالحات

              تعليق


              • #37
                ماء زمزم:
                بدأ إسماعيل يبكي من العطش ... وتركته أمه وانطلقت تبحث عن ماء ... راحت تمشي مسرعة حتى وصلت إلى جبل اسمه "الصفا". فصعدت إليه وراحت تبحث بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة ... لم يكن هناك شيء ... ونزلت مسرعة من الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الإنسان المجهد حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى جبل "المروة" ، فصعدت إليه ونظرت لترى أحدا لكنها لم تر أحدا. وعادت الأم إلى طفلها فوجدته يبكي وقد اشتد عطشه. وأسرعت إلى الصفا فوقفت عليه، وهرولت إلى المروة فنظرت من فوقه ... وراحت تذهب وتجيء سبع مرات بين الجبلين الصغيرين ... سبع مرات وهي تذهب وتعود ... ولهذا يذهب الحجاج سبع مرات ويعودون بين الصفا والمروة إحياء لذكريات أمهم الأولى ونبيهم العظيم إسماعيل ... عادت هاجر بعد المرةالسابعة وهي مجهدة متعبة تلهث ... وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بح من البكاء والعطش.

                وفي هذه اللحظة اليائسة أدركتها رحمة الله، وضرب إسماعيل بقدمه الأرض وهو يبكي فانفجرت تحت قدمه بئر زمزم ... وفار الماء من البئر. أنقذت حياتا الطفل والأم. راحت الأم تغرف بيدها وهي تشكرالله ... وشربت وسقت طفلها وبدأت الحياة تدب في المنطقة ... صدق ظنها حين قالت : لن يضيعنا ما دام الله معنا.
                وبدأت بعض القوافل تستقر في المنطقة ... وجذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس ... وبدأ العمران يبسط أجنحته على المكان...
                اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                الحمد
                لله الذي تتم بفضله الصالحات

                تعليق


                • #38
                  جزاك ربي خيرا
                  وأسجل المتابعة................
                  وأقوال الرسول لنا كتابا وجدنا فيه أقصا مبتغانا
                  وعزتنا بغير الدين ذل وقدوتنا شمائل مصطفانا
                  صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم

                  تعليق


                  • #39
                    جزاكم الله مثله
                    إن شاء الله يكمل على خير
                    اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                    الحمد
                    لله الذي تتم بفضله الصالحات

                    تعليق


                    • #40
                      الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام:
                      كبر إسماعيل .. وتعلق به قلب إبراهيم .. جاءه العقب على كبر فأحبه .. وابتلى الله تعالى إبراهيم بلاء عظيما بسبب هذا الحب...فقد رأى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يذبح ابنه الوحيدإسماعيل... وإبراهيم يعمل أن رؤيا الأنبياء وحي...
                      انظر كيف يختبر الله عباده... تأمل أي نوع من أنواع الاختبار... نحن أمام نبي قلبه أرحم قلب في الأرض ... اتسع قلبه لحب الله وحب من خلق ... جاءه ابن على كبر ... وقد طعن هو في السن ولا أمل هناك في أن ينجب ... ثم ها هو ذا يستسلم للنوم فيرى في المنام أنه يذبح ابنه وبكره ووحيده الذي ليس له غيره...

                      أي نوع من الصراع نشب في نفسه...يخطئ من يظن أن صراعا لم ينشأ قط...لا يكون بلاء مبينا هذا الموقف الذي يخلو من الصراع...
                      نشب الصراع في نفس إبراهيم...صراع أثارته عاطفة الأبوة الحانية... لكن إبراهيم لم يسأل عن السبب وراء ذبح ابنه... فليس إبراهيم من يسأل ربه عن أوامره...

                      فكر إبراهيم في ولده... ماذا يقول عنه إذا أرقده على الأرض ليذبحه ... الأفضل أن يقول لولده ليكون ذلك أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قهرا ويذبحه قهرا ... هذا أفضل... انتهى الأمر وذهب إلى ولده ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)انظر إلى تلطفه في إبلاغ ولده ، وترك الأمر لينظر فيه الابن بالطاعة ... إن الأمر مقضي في نظر إبراهيم لأنه وحي من ربه... فماذا يرى الابن الكريم في ذلك؟
                      أجاب إسماعيل: هذا أمر يا أبي فبادر بتنفيذه( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُسَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) تأمل رد الابن ... إنسان يعرف أنه سيذبح فيمتثل للأمر الإلهي ويقدم المشيئة ويطمئن والده أنه سيجده( إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)هو الصبر على أي حال وعلى كل حال ... وربما استعذب الابن أن يموت ذبحا بأمر من الله ... ها هو ذا إبراهيم يكتشف أن ابنه ينافسه في حب الله ... لا نعرف أي مشاعر جاشت في نفس إبراهيم بعداستسلام ابنه الصابر...

                      ينقلنا الحق نقلة خاطفة فإذا إسماعيل راقد على الأرض، وجهه في الأرض رحمة به كيلا يرى نفسه وهو يذبح ... وإذا إبراهيم يرفع يده بالسكين.. وإذا أمر الله مطاع ( فَلَمَّا أَسْلَمَا) استخدم القرآن هذا التعبير.. ( فَلَمَّا أَسْلَمَا) هذا هو الإسلام الحقيقي... تعطي كل شيء ، فلا يتبقى منك شيء.

                      عندئذ فقط ... وفي اللحظة التي كان السكين فيها يتهيأ لإمضاء أمره .. نادى الله إبراهيم.. انتهى اختباره ، وفدى الله إسماعيل بذبح عظيم وصار اليوم عيدا لقوم لم يولدوا بعد، هم المسلمون... صارت هذه اللحظات عيدا للمسلمين. عيدا يذكرهم بمعنى الإسلام الحقيقي الذي كان عليه إبراهيم وإسماعيل.
                      ومضت قصة إبراهيم ... ترك ولده إسماعيل وعاد يضرب في أرض الله داعيا إليه ، خليلا له وحده ... ومرت الأيام... كان إبراهيم قدهاجر من أرض الكلدانيين مسقط رأسه في العراق وعبر الأردن وسكن في أرض كنعان في البادية. ولم يكن إبراهيم ينسى خلال دعوته إلى الله أن يسأل عن أخبار لوط مع قومه ، وكان لوط أول من آمن به ، وقد أثابه الله بأن بعثه نبيا إلى قوم من الفاجرين العصاة.
                      اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                      الحمد
                      لله الذي تتم بفضله الصالحات

                      تعليق


                      • #41
                        البشرى بإسحاق:
                        كان إبراهيم جالس لوحده... في هذه اللحظة، هبطت على الأرض أقدام ثلاثة من الملائكة: يتشكلون في صور بشرية من الجمال الخارق. ساروا صامتين... مهمتهم مزودجة... المرور على إبراهيم وتبشيره ... ثم زيارة قوم لوط ووضع حد لجرائمهم...

                        سار الملائكة الثلاثة قليلا... ألقى أحدهم حصاة أمام إبراهيم... رفع إبراهيم رأسه... تأمل وجوههم.. لا يعرف أحدا فيهم... بادروه بالتحية.
                        قالوا: سلاما
                        قال: سلام.
                        نهض إبراهيم ورحب بهم ... أدخلهم بيته وهو يظن أنهم ضيوف وغرباء...أجلسهم واطمأن أنهم قد اطمأنوا ، ثم استأذن وخرج... راغ إلى أهله.
                        نهضت زوجته سارة حين دخل عليها. كانت عجوزا قد ابيض شعرها ولم يعد يتوهج بالشباب فيها غير وميض الإيمان الذي يطل من عينيها.
                        قال إبراهيم لزوجته: زارنا ثلاثة غرباء...
                        سألته: من يكونون؟
                        قال: لا أعرف أحدا فيهم... وجوه غريبة على المكان... لا ريب أنهم من مكان بعيد، غير أن ملابسهم لا تشي بالسفر الطويل... أي طعام جاهز لدينا؟
                        قالت: نصف شاة.
                        قال وهو يهم بالانصراف: نصف شاة.. اذبحي لهم عجلا سمينا.
                        هم ضيوف وغرباء. ليست معهم دواب أو أحمال أو طعام... ربما كانوا جوعى وربما كانوا فقراء.
                        اختار إبراهيم عجلا سمينا وأمر بذبحه ، فذكروا عليه اسم الله وذبحوه... وبدأ شواء العجل على الحجارة الساخنة... وأعدت المائدة. ودعا إبراهيم ضيوفه إلى الطعام... أشار إبراهيم بيده أن يتفضلوا باسم الله، وبدأ هو يأكل ليشجعهم... كان إبراهيم كريما يعرف أن الله لا يتخلى عن الكرماء وربما لم يكن في بيته غير هذا العجل، وضيوفه ثلاثة ونصف شاة يكفيهم ويزيد، غير أنه كان سيدا عظيم الكرم. راح إبراهيم يأكل ثم استرق النظر إلى ضيوفه ليطمئن أنهم يأكلون... لاحظ أن أحدا لا يمد يده إلى الطعام. قرب إليهم الطعام وقال: ألا تأكلون؟ عاد إلى طعامه ثم اختلس إليهم نظرة فوجدهم لا يأكلون.. رأى أيديهم لا تصل إلى الطعام.
                        عندئذ( أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) في تقاليد البادية التي عاش فيها إبراهيم، كان معنى امتناع الضيوف عن الأكل أنهم يقصدون شرا بصاحب البيت.
                        ولاحظ إبراهيم بينه وبين نفسه أكثر من ملاحظة تؤيد غرابة ضيوفه...لاحظ أنهم دخلوا عليه فجأة... لم يرهم إلا وهم عند رأسه... لم يكن معهم دواب تحملهم، لم تكن معهم أحمال...
                        وجوههم غريبة تماما عليه... كانوا مسافرين وليس عليهم أثر لتراب السفر... ثم ها هو ذا يدعوهم إلى طعامه فيجلسون إلى المائدة ولا يأكلون. ازداد خوف إبراهيم...

                        كان الملائكة يقرءون أفكاره التي تدور في نفسه ، دون أن يشي بها وجهه. قال له أحد الملائكة (لاَ تَخَفْ) نحن لا نأكل يا إبراهيم.. نحن ملائكةالله.. وقد (أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)
                        ضحكت زوجة إبراهيم... كانت قائمة تتابع الحوار بين زوجها وبينهم ، فضحكت.
                        التفت إليها أحد الملائكة وبشرها بإسحاق ...
                        صكت العجوز وجهها تعجبا:

                        (قَالَت يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَابَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(72) (هود)

                        عاد أحد الملائكة يقول لها:

                        (وَمِن وَرَاءإِسْحَقَ يَعْقُوبَ)

                        جاشت المشاعر في قلب إبراهيم وزوجته ... كانت زوجته العاقر تقف هي الأخرى وهي ترتجف. إن بشارة الملائكة تهز روحها هزا عميقا. إنها عجوز عقيم وزوجها شيخ كبير... كيف؟! كيف يمكن؟!
                        وسط هذا الجو الندي المضطرب تساءل إبراهيم:

                        (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)54) (الحجر)

                        أكان يريد أن يسمع البشارة مرة أخرى؟ أكان يريد أن يطمئن قلبه ويسمع للمرة الثانية منة الله عليه؟ أكان ما بنفسه شعورا بشريا يريد أن يستوثق؟ويهتز بالفرح مرتين بدلا من مرة واحدة؟ أكد له الملائكة أنهم بشروه بالحق.

                        (قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ)55) (الحجر)
                        (قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ)(56) (الحجر)


                        لم تكن البشرى شيئا بسيطا في حياة إبراهيم وزوجته. لم يكن لإبراهيم غير ولد واحد هو إسماعيل ، تركه هناك بعيدا في الجزيرة العربية. ولم تكن زوجته سارة قد أنجبت خلال عشرتها الطويلة لإبراهيم ، وهي التي زوجته من جاريتها هاجر. ومن هاجر جاء إسماعيل... أما سارة، فلم يكن لها ولد... وكان حنينها إلى الولد عظيما، لم يطفئ مرور الأيام من توهجه. ثم دخلت شيخوختها واحتضر حلمها ومات... كانت تقول: إنها مشيئة الله عز وجل.
                        هكذا أراد الله لها. وهكذا أراد لزوجها. ثم ها هي ذي في مغيب العمر تتلقى البشارة... ستلد غلاما. ليس هذا فحسب ، بشرتها الملائكة بأن ابنها سيكونله ولد تشهد مولده وتشهد حياته...
                        لقد صبرت طويلا ثم يجيء جزاء الله مفاجأة تمحو هذا كله في لحظة...
                        فاضت دموعها وهي تقف. وأحس إبراهيم عليه الصلاة والسلام بإحساس محير. جاشت نفسه بمشاعر الرحمة والقرب، وعاد يحس بأنه إزاء نعمة لا يعرف كيف يوفيها حقها من الشكر. وخرّ إبراهيم ساجدا على وجهه.
                        انتهى الأمر واستقرت البشرى في ذهنيهما معا. نهض إبراهيم من سجوده وقد ذهب عنه خوفه، واطمأنت حيرته، وغادره الروع، وسكنت قلبه البشرى التي حملوها إليه... وتذكر أنهم أرسلوا إلى قوم لوط ... لوط ابن أخته النازح معه من مسقط رأسه، والساكن على مقربة منه... وإبراهيم يعرف معنى إرسال الملائكة إلى لوط وقومه... هذامعناه وقوع عذاب مروع... وطبيعة إبراهيم الرحيمة الودودة لا تجعله يطيق هلاك قوم في تسليم...
                        ربما رجع قوم لوط وأقلعوا وأسلموا وأجابوا رسولهم...
                        وبدأ إبراهيم يجادل الملائكة في قوم لوط...حدثهم عن احتمال إيمانهم ورجوعهم عن طريق الفجور، وأفهمه الملائكة أن هؤلاء قوم مجرمون. وأن مهمتهم هي إرسال حجارة من طين مسومة من عند ربك للمسرفين... وعاد إبراهيم ، بعد أن سد الملائكة باب هذا الحوار، عاد يحدثهم عن المؤمنين من قوم لوط. فقالت الملائكة: نحن أعلم بمن فيها. ثم أفهموه أن الأمرقد قضي. وإن مشيئة الله تبارك وتعالى قد اقتضت نفاذ الأمر وهلاك قوم لوط...أفهموا إبراهيم أن عليه أن يعرض عن هذا الحوار... ليوفر حلمه ورحمته... لقد جاء أمر ربه... وتقرر عليهم(عَذَابٌ غَيْرُمَرْدُودٍ) عذاب لن يرده جدال إبراهيم ... كانت كلمة الملائكة إيذانا بنهاية الجدال ... سكت إبراهيم... وتوجهت الملائكة لقوم لوط عليه السلام.


                        وهنا
                        انتهى سرد بعض الأحداث من حياة سيدنا ابراهيم
                        عليه الصلاة والسلام
                        وان شاء الله
                        نبدأ فى سرد أحداث من حياة نبى آخر من أنبياء الله تعالى من أولى العزم
                        صلوات الله عليهم جميعا
                        اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                        الحمد
                        لله الذي تتم بفضله الصالحات

                        تعليق


                        • #42
                          (۞)تابع قصص أولوا العزم من الرسل - سيدنا موسى عليه السلام (۞ )

                          :LLL:
                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                          الحمد لله وكفي
                          وصلاة سلامً على عباده الذين اصطفي
                          ثم اما بعد:

                          قد نجد أن سيدنا موسي له من القصص فى القرآن الكثير والكثير
                          فقد لاقى عناء وعناداً كثيراً من قومه بنى اسرائيل
                          ولاقى أشد الناس كفراً وإلحاداً فى الأرض وهو فرعون وهامان
                          وكان فى قومه أكثر الناس ظلما وجورا لأنفسهم
                          وهو قارون

                          {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ }القصص76

                          فصلي الله وسلم على سيدنا موسي
                          وسأحاول تجميع جزء بسيط عنه بإذن الله لايفي حقه

                          ونبدأ على بركة الله



                          نبذة:


                          أرسله الله تعالى إلى فرعون وقومه، وأيده بمعجزتين، إحداهما هي العصا التي تلقف الثعابين، أما الأخرى فكانت يده التي يدخلها في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء، دعا موسى إلى وحدانية الله فحاربه فرعون وجمع له السحرة ليكيدوا له ولكنه هزمهم بإذن الله تعالى، ثم أمره الله أن يخرج من مصر مع من اتبعه، فطارده فرعون بجيش عظيم، ووقت أن ظن أتباعه أنهم مدركون أمره الله أن يضرب البحر بعصاه لتكون نجاته وليكون هلاك فرعون الذي جعله الله عبرة للآخرين.

                          وقد أرسل الله معه اخوه هارون بناءاً على طلب سيدنا موسي لذلك من رب العالمين
                          قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي{25} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي{26} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي{27} يَفْقَهُوا قَوْلِي{28} وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي{29} هَارُونَ أَخِي{30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي{31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي{32} كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً{33} وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً{34} إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً{35}
                          اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                          الحمد
                          لله الذي تتم بفضله الصالحات

                          تعليق


                          • #43
                            رد: (۞)تابع قصص أولوا العزم من الرسل - سيدنا موسى عليه السلام (۞ )

                            سيرته:

                            أثناء حياة يوسف علي السلام بمصر، تحولت مصر إلى التوحيد. توحيد الله سبحانه، وهي الرسالة التي كان يحملها جميع الرسل إلى أقواهم. لكن بعد وفاته، عاد أهل مصر إلى ضلالهم وشركهم. أما أبناء يعقوب، أو أبناء إسرائيل، فقد اختلطوا بالمجتمع المصري، فضلّ منهم من ضل، وبقي على التوحيد من بقي. وتكاثر أبناء إسرائيل وتزايد عددهم، واشتغلوا في العديد من الحرف.


                            ثم حكم مصر ملك جبار كان المصريون يعبدونه. ورأى هذا الملك بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون ويملكون. وسمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول إن واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه. فأصدر الفرعون أمره ألا يلد أحد من بني إسرائيل، أي أن يقتل أي وليد ذكر. وبدأ تطبيق النظام، ثم قال مستشارون فرعون له، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بها. والأفضل أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه.


                            ووجد الفرعون أن هذا الحل أسلم. وحملت أم موسىبهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة. فلما جاء العام الذي يقتل فيه الغلمان ولد موسى. حمل ميلاده خوفا عظيما لأمه. خافت عليه من القتل. راحت ترضعه في السر. ثم جاءت عليها ليلة مباركة أوحى الله إليها فيها للأم بصنع صندوق صغير لموسى. ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق. وإلقاءه في النهر.


                            كان قلب الأم، وهو أرحم القلوب في الدنيا، يمتلئ بالألم وهي ترمي ابنها في النيل، لكنها كانت تعلم أن الله أرحم بموسى منها، والله هو ربه ورب النيل. لم يكد الصندوق يلمس مياه النيل حتى أصدر الخالق أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية وهي تحمل هذا الرضيع الذي سيكون نبيا فيما بعد، ومثلما أصدر الله تعالى أمره للنار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى يسلمه إلى قصر فرعون. وحملت مياه النيل هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون. وهناك أسلمه الموج للشاطئ.





                            رفض موسى للمراضع:

                            وفي ذلك الصباح خرجت زوجة فرعون تتمشى في حديقة القصر. وكانت زوجة فرعون تختلف كثيرا عنه. فقد كان هو كافرا وكانت هي مؤمنة. كان هو قاسيا وكانت هي رحيمة. كان جبارا وكانت رقيقة وطيبة. وأيضا كانت حزينة، فلم تكن تلد. وكانت تتمنى أن يكون عندها ولد.


                            وعندما ذهبت الجواري ليملأن الجرار من النهر، وجدن الصندوق، فحملنه كما هو إلى زوجة فرعون. فأمرتهن أن يفتحنه ففتحنه. فرأت موسى بداخله فأحست بحبه في قلبها. فلقد ألقى الله في قلبها محبته فحملته من الصندوق. فاستيقظ موسى وبدأ يبكي. كان جائعا يحتاج إلى رضعة الصباح فبكى.


                            فجاءت زوجة فرعون إليه، وهي تحمل بين بيدها طفلا رضيعا. فسأل من أين جاء هذا الرضيع؟ فحدثوه بأمر الصندوق. فقال بقلب لا يعرف الرحمة: لابد أنه أحد أطفال بني إسرائيل. أليس المفروض أن يقتل أطفال هذه السنة؟


                            فذكّرت آسيا -امرأة فرعون- زوجها بعدم قدرتهم على وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته. سمح لها بذلك.

                            عاد موسى للبكاء من الجوع. فأمرت بإحضار المراضع. فحضرت مرضعة من القصر وأخذت موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها. فحضرت مرضعة ثانية وثالثة وعاشرة وموسى يبكي ولا يريد أن يرضع. فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل.


                            لم تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية بسبب رفع موسى لجميع المراضع. فلقد كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية. لم تكد ترمي موسى في النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها في النيل. غاب الصندوق في مياه النيل واختفت أخباره. وجاء الصباح على أم موسى فإذا قلبها فارغ يذوب حزنا على ابنها، وكادت تذهب إلى قصر فرعون لتبلغهم نبأ ابنها وليكن ما يكون. لولا أن الله تعالى ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله. كل ما في الأمر أنها قالت لأخته: اذهبي بهدوء إلى المدينة وحاولي أن تعرفي ماذا حدث لموسى.


                            وذهبت أخت موسى بهدوء ورفق إلى جوار قصر فرعون، فإذا بها تسمع القصة الكاملة. رأت موسى من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون كيف يرضعونه، سمعت أنه يرفض كل المراضع. وقالت أخت موسى لحرس فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟

                            ففرحت زوجة فرعون كثيرا لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة. وعادت أخت موسى وأحضرت أمه. وأرضعته أمه فرضع. وتهللت زوجة فرعون وقالت: "خذيه حتى تنتهي فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها، وسنعطيك أجرا عظيما على تربيتك له". وهكذا رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق وأن كلماته سبحانه تنفذ رغم أي شيء. ورغم كل شيء.


                            يتبع إن شاء الله
                            اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                            الحمد
                            لله الذي تتم بفضله الصالحات

                            تعليق


                            • #44
                              رد: (۞)تابع قصص أولوا العزم من الرسل - سيدنا موسى عليه السلام (۞ )

                              نشأة موسى في بيت فرعون:
                              أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون. كان موضع حب الجميع. كان لا يراه أحد إلا أحبه. وها هو ذا في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله وعنايته. بدأت تربية موسى في بيت فرعون. وكان هذا البيت يضم أعظم المربين والمدرسين في ذلك الوقت. كانت مصر أيامها أعظم دولة في الأرض. وكان فرعون أقوى ملك في الأرض، ومن الطبيعي أن يضم قصره أعظم المدربين والمثقفين والمربين في الأرض. وهكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يتربى موسى أعظم تربية وأن يتعهده أعظم المدرسين، وأن يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذا لمشيئة الخالق.

                              وكبر موسى في بيت فرعون.كان موسى يعلم أنه ليس ابنا لفرعون، إنما هو واحد من بني إسرائيل. وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون وأتباعه بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده.. (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) وراح يتمشى فيها. فوجد رجلا من اتباع فرعون وهو يقتتل مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله. كان موسى قويا جدا، ولم يكن يقصد قتل الظالم، إنما أراد إزاحته فقط، لكن ضربته هذه قتلته. ففوجئ موسى به وقد مات وقال لنفسه: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ). ودعا موسى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي). وغفر الله تعالى له، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).


                              أصبح موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ). كان هذا حال موسى، حال إنسان مطارد، فهو خائف، يتوقع الشر في كل خطوة، وهو مترقب، يلتفت لأوهى الحركات وأخفاها.
                              ووعد موسى بأن لا يكون ظهيرا للمجرمين. لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدافع عن أحد من قومه. وفوجئ موسى أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه بالأمس وهو يناديه ويستصرخه اليوم. كان الرجل مشتبكا في عراك مع أحد المصريين. وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاغب. أدرك أنه من هواة المشاجرات. وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ). قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري. واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو. دفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخا، وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس. فتوقف موسى، سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين. استدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر ربه.


                              وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته أمس. ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتل. فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة. وانكشف سر موسى وظهر أمره. وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا. ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين ينوون قلته.


                              لم يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي جاء يحذر موسى. ونرجح أنه كان رجلا مصريا من ذوي الأهمية، فقد اطلع على مؤامرة تحاك لموسى من مستويات عليا، ولو كان شخصية عادية لما عرف. يعرف الرجل أن موسى لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس.. لقد قتل الرجل خطأ. فيجب أن تكون عقوبته السجن على أقصى تقدير.


                              لكن رؤساء القوم وعليتهم، الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى لأنه من بني إسرائيل، ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر، وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى، فهو قاتل المصري، لذا فهو يستحق القتل.


                              خرج موسى من مصر على الفور. خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب. في قلبه دعاء لله (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وكان القوم ظالمين حقا. ألا يريدون تطبيق عقوبة القتل العمد عليه، وهو لم يفعل شيئا أكثر من أنه مد يده وأزاح رجلا فقتله خطأ؟

                              خرج موسى من مصر على عجل. لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته. لم يكن معه دابة تحمله على ظهرها وتوصله. ولم يكن في قافلة. إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج. اختار طريقا غير مطروق وسلكه. دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت له العناية الإلهية أن يتجه. لم يكن موسى يسير قاصدا مكانا معينا. هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده.


                              موسى في مدين:

                              ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان. كان هذا المكان هو مدين. جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم. وكان خائفا طوال الوقت أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه.


                              لم يكد موسى يصل إلى مدين حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح. نال منه الجوع والتعب، وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير على الرمال والصخور والتراب. لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة. ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب. لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم، أحس موسى بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة. تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما في شيء.


                              قالت إحداهما: نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم لنسقي.
                              سأل موسى: ولماذا لا تسقيان؟
                              قالت الأخرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
                              اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم. المفروض أن يرعى الرجال الأغنام. هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة.




                              سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم؟
                              فقالت واحدة منهما: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.
                              فقال موسى: سأسقي لكما.



                              سار موسى نحو الماء. وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة. وفي رواية أن أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال. فرفع موسى الصخرة وحده. وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها، وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة. وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).


                              عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ.
                              سأل الأب: عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
                              قالت إحداهما: تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
                              فقال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) ليعطيك (أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).



                              ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى، وأبلغته رسالة أبيها. فنهض موسى وبصره في الأرض. إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا، وإنما ساعدهما لوجه الله، غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي يوجه قدميه فنهض. سارت البنت أمامه. هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره حياء وقال لها: سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.
                              وصلا إلى الشيخ. قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب. عمر طويلا بعد موت قومه. وقيل إنه ابن أخي شعيب. وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به. لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.


                              قدم له الشيخ الطعام وسأله: من أين قدم وإلى أين سيذهب؟ حدثه موسى عن قصته. قال الشيخ: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا. اطمأن موسى ونهض لينصرف.


                              قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
                              سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
                              قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
                              سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
                              قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي. وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياء وأدبا.



                              وعاد الشيخ لموسى وقال له: أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). قال موسى: هذا اتفاق بيني وبينك. والله شاهد على اتفاقنا. سواء قضيت السنوات الثمانية، أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب.

                              يخوض الكثيرون في تيه من الأقاصيص والروايات، حول أي ابنتي الشيخ تزوج، وأي المدتين قضى. والثابت أن موسى تزوج إحدى ابنتي الشيخ. لا نعرف من كانت، ولا ماذا كان اسمها. وهذه الأمور سكت عنها السياق القرآني. إلا أنه استنادا إلى طبيعة موسى وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم. نرى أنه قضى الأجل الأكبر. وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهكذا عاش موسى يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة.


                              يتبع إن شاء الله
                              اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                              الحمد
                              لله الذي تتم بفضله الصالحات

                              تعليق


                              • #45
                                رد: (۞)تابع قصص أولوا العزم من الرسل - سيدنا موسى عليه السلام (۞ )

                                موسى ورعي الغنم:
                                وكان عمل موسى ينحصر في الخروج مع الفجر كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها.
                                ولنقف هنا وقفة تدبر. إن قدرة الإلهية نقلت خطى موسى -عليه السلام- خطوة بخطوة. منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه اللحظة. ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون. وألقت عليه محبة زوجة فرعون لينشأ في كنف عدوّه. ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها ليقتل نفسا. وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون ليحذره وينصحه بالخروج من مصر. وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد ولا استعداد. وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر. ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف.
                                هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه، قبل النداء والتكليف. تجربة الرعاية والحب والتدليل. تجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس، وتجربة الندم والاستغفار. وتجربة الخوف والمطاردة. وتجربة الغربة والوحدة والجوع. وتجربة الخدمة ورغي الغنم بعد حياة القصور. وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من تجارب صغيرة، ومشاعر وخواطر، وإدراك ومعرفة. إلى جانب ما آتاه الله حين بلغ أشده من العلم والحكمة.
                                إن الرسالة تكليف ضخم شاق، يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة، إلى جانب وحي الله وتوجيهه. ورسالة موسى تكليف عظيم، فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر، أعتى ملوك الأرض في زمانه، وأشدهم استعلاء في الأرض. وهو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس الذل حتى استمرأوا مذاقه. فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.
                                فتجربة السنوات العشر جاءت لتفصل بين حياة القصور التي نشأ فيها موسى -عليه السلام- وحياة الجهد الشاق في الدعوة وتكاليفها العسيرة. فلحياة القصور جوا وتقاليد خاصة. أما الرسالة فهي معاناة لجماهير من الناس فيهم الغني والفقير، المهذب والخشن، القوي والضعيف، وفيهم وفيهم. وللرسالة تكاليفها من المشقة ومن التجرد أحيانا، وقلوب أهل القصور في الغالب لا تصبر طويلا على الخشونة والحرمان والمشقة.
                                فلما استكملت نفس موسى -عليه السلام- تجاربها، وأكملت مرانها، بهذه التجربة الأخيرة في دار الغرة. قادت القدرة الإلهية خطاه مرة أخرى عائدة به إلى مهبط رأسه، ومقر أهله وقومه، ومجال عمله. وهكذا نرى كيف صُنِعَ موسى على عين الله، وكيف تم إعداده لتلقي التكليف.
                                عودة موسى لمصر:
                                ترى أي خاطر راود موسى، فعاد به إلى مصر، بعد انقضاء الأجل، وقد خرج منها خائفا يترقب؟ وأنساه الخطر الذي ينتظره بها، وقد قتل فيها نفسا؟ وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ من قومه ليقتلوه؟
                                إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها. لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن. وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا. ليؤدي المهمة التي خلق لها.
                                خرج موسى مع أهله وسار. اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف وساد الظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام. وتاه موسى أثناء سيره. ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد. امتلأ قلبه بالفرح فجأة. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك.
                                أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.
                                وتحرك موسى نحو النار. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه. يده اليمنى تمسك عصاه. جسده مبلل من المطر. ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح. ثمة صمت عظيم ساكن. واقترب موسى من النار. لم يكد يقترب منها حتى نودي: (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
                                نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء. كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة. والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى.
                                ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا مُوسَى
                                فأجاب موسى: نعم.
                                قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ
                                ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب.
                                قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى
                                انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.
                                عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) (طه)


                                زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.
                                قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى
                                ازدادت دهشة موسى. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك.
                                أجاب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى
                                قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى
                                رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم. وراح الثعبان يتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.
                                عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.
                                قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى
                                مد موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا. عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ


                                وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..
                                اطمأن موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصا ومعجزة اليد- أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر. وأبدى موسى خوفه من فرعون. قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه. توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون. طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء. أفهم الله موسى أنه هو الغالب. ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه. ثم قفل موسى راجعا لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا إلى فرعون. انحدر موسى بأهله قاصدا مصر.
                                يعلم الله وحده أي أفكار عبرت ذهن موسى وهو يحث خطاه قاصدا مصر. انتهى زمان التأمل، وانطوت أيام الراحة، وجاءت الأوقات الصعبة أخيرا، وها هو ذا موسى يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم. يعلم موسى أن فرعون مصر طاغية. يعلم أنه لن يسلمه بني إسرائيل بغير صراع. يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل. لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون. أن يدعوه بلين ورفق إلى الله. أوحى الله لموسى أن فرعون لن يؤمن. ليدعه موسى وشأنه. وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم. قال تعالى لموسى وهارون: (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ). هذه هي المهمة المحددة. وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات. إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به، ويستحيي نسائهم، ويذبح أبنائهم، ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر. يعلم موسى أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم وجهدهم وطاقاتهم في الدولة، فهل يفرط الفرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر؟ ذهبت الأفكار وجاءت، فاختصرت مشقة الطريق. ورفع الستار عن مشهد المواجهة.
                                اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً

                                الحمد
                                لله الذي تتم بفضله الصالحات

                                تعليق

                                يعمل...
                                X