بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر الرحلات الحجازية من أعظم الرحلات التي قام بها الإنسان عبر التاريخ، حيث قصد من ورائها أداء مناسك الحج والعمرة، والتعرف على هذه البلدان المقدسة، وكشف أغوارها، والوقوف على ثقافتها، وما يسودها من قيم وموروثات وعادات وتقاليد عبر العصور المختلفة.
ويعتبر الحج في التاريخ الإسلامي من أهم مصادر الثقافة الجغرافية، حيث يدعو إلى دراسة الطرق والوسائل المؤدية إليه، والتعرف على خصائص البلاد والشعوب التي يمر بها الحاج منذ أن يغادر بلده حتى يبلغ البلد الحرام.
وقد أفادت رحلة الحج علم الجغرافيا على امتداد الوطن الإسلامي من أقصى الشاطئ الأطلسي غربا إلى أقصى الهند والصين وجزر المحيط الهادي شرقا، فوائد عظيمة كان من آثارها ذلك التراث الخالد لكبار الرحالة كابن جبير وابن بطوطة وغيرهما من الرواد.
وكما أثمرت رحلة الحج هذه الثمرات في الجغرافيا والتاريخ وأدب الرحلات فإنها ظلت كذلك على مدى أربعة عشر قرنا عاملا قويا دائم العطاء في تحقيق الوحدة الإسلامية، وظلت الكعبة المشرفة وهي قبلة مئات الملايين من مختلف أقطار الأرض..مركز الجاذبية لهؤلاء الملايين الذين تمتلئ بهم بطاح مكة وأوديتها كل عام، وتمتزج أرواحهم ومشاعرهم على اختلاف الأجناس والوطن واللون واللسان، ويطالع الحاج على مرآة الكعبة صور الحياة في كل بلد إسلامي مهما تناءت الديار وعز المزار.
ولقد كانت بواعث الرحلات في التاريخ الإسلامي تتمثل في طبيعة دعوة إبراهيم التي انساحت في أرجاء الأرض للحج إلى بيت الله الحرام، أو بقصد التجارة أو طلب العلم، وبعض هذه الأسباب كان يعتريها المد والجزر بسبب الظروف السياسية والاقتصادية وحالة الأمن في البلاد، فكانت هذه الرحلات الفردية أو الجماعية تنقطع أحيانا أو يتوقف مدها أو تفتر بواعثها.. فيما عدا رحلة الحج التي ظلت على اختلاف ظروف العالم الإسلامي وأحوال المسلمين لا تخلف موعدها ولا تتخلف قوافلها، وظل مددها موصولا وحبلها مشدودا إلى بيت الله الحرام، وفيها تتمثل أروع صورة للوحدة الخالدة والعروة التي لا تنفصم بين الشعوب.
وستمر رحلتنا من خلال نقاط هي:
رحلات الرسل والأنبياء:
ورحلات الحج إلى البيت العتيق لم تنقطع منذ آدم - عليه السلام - والى أن تقوم الساعة، فقد أكدت الروايات التاريخية أن آدم حج البيت، وحجه قبله الملائكة، وعلى مر العصور حرص أنبياء الله ورسله على جح البيت، فرحل إليه إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - ورفعا قواعد الكعبة المشرفة، وأديا مناسك الحج، ودعا إبراهيم دعوته المشهورة " ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون " إبراهيم /37، واستجاب الله - سبحانه - دعوة إبراهيم وهوت وفود الحجيج على مر العصور آمين البيت الحرام مهللين ملبين مكبرين.
وبعد إبراهيم - عليه السلام - حج رسل الله وأنبياؤه البيت العتيق، يقول ابن هشام: لم يبعث الله - تعالى -نبيا بعد إبراهيم إلا وقد حج هذا البيت، فموسى حج راكبا على جمل أحمر، وعليه عباءتان، فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة.
وروى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " أتى على هذا الوادي عيسى وموسى وصالح وذكر غيرهم من الأنبياء على بكرات خطمهم الليف وأذرهم النمار، وأرديتهم العباء، يلبون يحجون البيت العتيق ".
وروى عبد الله بن الزبير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال " حج البيت ألف نبي من بني إسرائيل، لم يدخلوا مكة حتى عقلوا أنعامهم بذي طوى".
وعندما جاء الإسلام جعل حج البيت الحرام فريضة من فرائضه وركنا من أركانه واشترط له الاستطاعة والقدرة المتمثلة في الصحة البدنية والزاد والراحلة، وانطلق المسلمون من كل فجاج الأرض يؤدون هذه الفريضة، وأصبحت بقاع مكة المكرمة تعج كل عام بوفود الحجيج، الذين تصبوا أفئدتهم إلى البيت العتيق.
رحلات الخلفاء والملوك
رحالة في رحاب الحرمين
رحالة في رحاب مكة والمدينة
تابعونا
تعليق