بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لا نكتب ولا نحسب
فـخـر أمة الإســـلام
بقلم : علي جلال علي
لا نكتب ولا نحسب
فـخـر أمة الإســـلام
بقلم : علي جلال علي
لا نكتب ولا نحسب .. حديث نبوي
قاله النبي في أمر تحديد أيام الشهر
فلماذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم؟
وما وجه الفخر فيه للأمة؟
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده ..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا - يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين" (متفق عليه) ، ويثور التساؤل : كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك و هو من جعل فدية بعض أسارى بدر أن يعلم أولاد الأنصار الكتابة ؟!!
الجواب : أن هذا الأمر خاص برؤية الهلال ، فالمسلم يعتمد في تحديد عدد أيام الشهر على الرؤية البصرية لا الحسابات أو الاستطلاعات الفلكية ، أما قوله صلى الله عليه وسلم : (إنا أمة أمية) ، فقد قال ابن حجر في الفتح : (المراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة ، وهو محمول على أكثرهم ، أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم) ، ولمعرفة قيمة هذا الأمر علينا أن نرجع إلى أعماق التاريخ فنغوص في أيامه و أحداثه لنلقي نظرة على تاريخ التقويم عند بعض الأمم التي اعتمدت على الحساب ،وسوف نتعرف إن شاء الله على بعض الاعتقادات والأعياد التي لم نحضر بدايتها وإن كان بعضها نشهد استمراره إلى يومنا هذا ، وإن البحث في هذا الموضوع شيق وممتع ، يفتح للقلب آفاقا للتفكر، ويعطي للباحث معلومات قيمة ، ويغرس في النفس طمأنينة ويقينا ، وقد اخترت في هذا البحث ثلاثة أمم :
1 - المصريون القدماء (الفراعنة).
2 - اليهود.
3 - النصارى (الشرقيون و الغربيون).
ثم نتبع ذلك إن شاء الله بنبذة مختصرة عن التقويم الإسلامي الهجري.
1- المصريون القدماء (الفراعنة)
اعتمد الفراعنة على التقويم النجمي الذي يتحدد بناء على ظاهرة الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى ، والشروق الاحتراقي هو ظهور نجم الشعرى الذي يسبق شروق الشمس مباشرة ويظهر النجم لعدة دقائق خلف قرص الشمس بما يشبه احتراق شمعة.
وقد حدد المصريون أن عدد أيام السنة 365 يوما ، قال هيرودوت المؤرخ الإغريقي : (وقد كان قدماء المصريين هم أول من ابتدع حساب السنة وقد قسموها إلى 12 قسماً بحسب ما كان لهم من المعلومات عن النجوم، ويتضح لي أنهم أحذق من الأغارقة ، فقد كان المصريون يحسبون الشهر ثلاثين يوماً ويضيفون خمسة أيام إلى السنة لكي يدور الفصل ويرجع إلى نقطة البداية) ا.هـ ، ولكنهم لاحظوا أن طول السنة عندهم أقصر من طول السنة الطبيعية، وعرفوا ذلك بتقدم نجم الشعرى اليمانية ظاهريا سنة بعد أخرى ، فكانت أيام الأعياد الدينية وعيد رأس السنة تحل قبل موعدها بحركة قهقرية مستمرة، فكانت الأعياد الثابتة لا تأتي في موعدها إلا كل 1460 سنة !!!، فقسموا طول السنة 365 على 1460، فوجدوا أن الحاصل هو1/4، فأضافوا ربع يوم إلى طول السنة ليصبح 365 يوماً وربع اليوم (6ساعات)، وذلك يستلزم إضافة يوم كامل كل أربع سنوات (السنة الكبيسة)، وهذا ما أراده بطليموس الثالث في القرن الثالث قبل الميلاد إلا أن الكهنة قد رفضوا ذلك وبشدة فتم تعطيل الأمر و لم يتم إضافة هذا اليوم في مصر إلا في عهد أغسطس قيصر في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وهذا التقويم معتمد حتى الآن في الكنيسة المصرية وهو ما يسمى بالتقويم القبطي، وغريب أن يحدث هذا التصويب على التقويم المصري في العقد الثالث قبل الميلاد رغم أن هذا التقويم كان معمولا به منذ الألفية الخامسة قبل الميلاد.
..وهكذا احتفل المصريون بطقوس وأعياد ما يقرب من خمسة آلاف عام وهم على تقويم وحساب فيه خطأ.
جدير بالذكر أن جريدة الأهرام نشرت يوم 5 أغسطس 2004 م خبرا يفيد بأنه ( قد تم رصد ظاهرة الشروق الاحتراقي يوم 4 أغسطس 2004 م )، وفي عام 139 م قد حدثت ظاهرة الشروق الاحتراقي يوم 21 يوليو حسب التقويم التقويم اليولياني (3 أغسطس بالتقويم الغريغوري ) حسب ما نقل المفكر الروماني القديم سنسورينوس.
.. وكما ذكر هيرودوت فإن عدد شهور السنة في التقويم القبطي 12 شهرا كلها 30 يوما، ثم يأتي بعد ذلك شهر نسيء وهو خمسة أيام فقط حتى أضاف له أغسطس قيصر يوما كل أربع سنوات، ورأس السنة القبطية (الأول من شهر توت) يوم 29 أغسطس في التقويم اليولياني (11 سبتمبر بالتقويم الغريغوري) بعد السنوات القبطية البسيطة، وهذا لا يتوافق مع ظاهرة الشروق الاحتراقي لأن أغسطس قيصر حين أدخل التعديل لم يراعِ هذا.
وسوف يأتي الذكر إن شاء الله عن التقويم اليولياني القديم والغريغوري المعمول به في أغلب دول العالم الآن والفرق بينهما في سطور قادمة إن شاء الله.
.. وهكذا وجدنا كيف أخطأ المصريون في الحساب مئات الأعوام، فتلك أمة حسبت فأخطأت.
2 - اليهود
ما طبيعة التقويم اليهودي؟
إن الشهور اليهودية شهور قمرية، ولكن لابد أن يكون عيد الفصح اليهودي في فصل الربيع كما ورد في التوراة، ولو تُرك الأمر للدورة القمرية لانتقل الفصح اليهودي (مساء يوم 14 نيسان العبري) بين فصول السنة كما يحدث عندنا في رمضان والعيدين، لذلك التزم اليهود في تقويمهم ببدعة تعرف بالدورة الميتونية بحيث يتم التأليف بين الدورتين الشمسية والقمرية، رغم وجود فارق بين السنة الشمسية والقمرية حوالي 11 يوما، فقاموا بإضافة شهر كامل للسنة القمرية عندهم كل ثلاثة أعوام على الأغلب وليس دائما، فتكون السنة الكبيسة ثلاثة عشر شهرا، فهم ألفوا دورة تتكون من تسعة عشر (19) عاما بها 12 سنة بسيطة و7 سنوات كبيسة حتى تتوافق الدورتان الشمسية والقمرية، والسنوات الكبيسة في هذه الدورة تكون على النحو التالي: العام الثالث (3) والسادس (6) والثامن (8) والحادي عشر (11) والرابع عشر (14) والسابع عشر (17) والتاسع عشر (19) .
.. ولكن يتكون فارق في هذه الدورة مقداره ثلاثة أيام بين دورة الشمس ودورة القمر، لذلك يتم إضافة هذه الأيام كل بضعة سنوات على شهري حشوان وكسيلو العبريين، كما أنهم يعتمدون على حسابات لا رؤية بصرية أو استطلاعات فلكية، ولذلك عندهم خمسة شهور تتكون من 30 يوما، وخمسة أخرى تتكون من 29 يوما، وشهرا حشوان وكسيلو بين 29 و 30 حسب ما يضيفون إليهما من أجل التوفيق مع الدورة الشمسية خلال التسعة عشر عاما، هذا بخلاف شهر آذار الأول الذي يضاف في السنوات الكبيسة ويتكون من 30 يوما.
هل التقويم اليهودي تقويم قمري أم شمسي؟
على الرغم من هذا التخبط يفتخر اليهود بتقويمهم حيث يعتبرونه الوحيد الذي يجمع بين الدورتين الشمسية والقمرية، ولكن حين نتدبر الأمر بإنصاف دون تحيز سنجد أن هذا التقويم مسخ لا هو قمري ولا هو شمسي.
..وهكذا رأينا أمة أخرى من الأمم حسبت فتخبطت فضلت وأضلت.
3 - النصارى
بداية علينا أن نعرف أن لانتشار النصرانية في روما أثر كبير على النصرانية حتى قيل أن "روما لم تتنصر ولكن النصرانية ترومت"، والتقويم الميلادي الذي يحدد أعياد النصارى هو في الأصل تقويم روماني.
و لكن .. ما قصة التقويم الميلادي ونشأته؟
علينا أن نعود إلى مرحلة ما قبل الميلاد لنعرف نبذة عن تاريخ نشأة التقويم الشمسي بشهوره الحالية، فقد كانت الرومان يسيرون على التقويم القمري حتى أتى عهد يوليوس قيصر الذي أعجبه التقويم المصري فأراد أن ينقله إلى روما فاستعان بالفلكي المصري سوسيجينيس من الإسكندرية لتعديل التقويم الروماني ليكون كالتقويم المصري في ذلك الوقت، فقام سوسيجينس بتعديل التقويم الروماني عدة تعديلات من أبرزها جعل السنة 365 يوما و السنة الكبيسة كل 4 أعوام 366 يوما، وصار هذا التقويم معتمدا عام 46 ق.م، وقد سُمّي بالتقويم (اليولياني) نسبة إلى يوليوس قيصر.
.. وننتقل الآن إلى ما بعد الميلاد وهذا ينقلنا إلى السؤال : ما طبيعة عيدي الميلاد والقيامة عند النصارى؟
بداية أحب أن أذّكر بالاختلاف في مواعيد الأعياد بين النصارى الشرقيين (الأرثوذكس) والنصارى الغربيين (الكاثوليك و البروتستانت)، وسوف نعرف أسباب ذلك إن شاء الله في السطور القادمة بعد أن نعرف نبذة عن نشأة العيدين وسبب تحديد موعديهما.
أولا:عيد الميلاد:
عيد الميلاد تم تحديده يوم 25 ديسمبر حيث لوحظ أن هذا اليوم يكون نهاره هو الأقصر طوال العام وليله هو الأطول، وبعد هذا اليوم يبدأ النهار في الزيادة والليل في النقصان، فاختار النصارى ذلك اليوم ليكون ميلادا للمسيح لأنه بميلاد المسيح لابد للنهار أن يزيد ولابد لليل أن ينقص، كما ورد فيما ينسبونه إلى يوحنا المعمدان بإنجيل يوحنا (3:30) : (ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص)، لذلك جعلوا ميلاد يوحنا المعمدان يوم 25 يونيو حيث أطول نهار وأقصر ليل، ثم يبدأ الليل في الزيادة ونور النهار في النقصان !!
وجدير بالذكر أن 25 ديسمبر وقتها كان يوافق في التقويم القبطي 29 كيهك بعد السنوات القبطية البسيطة و28 كيهك بعد السنوات الكبيسة، والتقويم القبطي هو الذي تسير عليه الكنيسة المصرية حتى اليوم كما أسلفت الذكر.
يُذكر أن 25 ديسمبر كان عيدا وثنيا للشمس في الدولة الرومانية فتم تحويله ليكون ميلادا للمسيح.
ثانيا : عيد القيامة :للنصارى شروط في عيد القيامة ألا وهي:
- أولا: يشترط عند النصارى أن يكون عيد القيامة يوم أحد لاعتقادهم أن القيامة المزعومة للمسيح كانت يوم الأحد.
ثانيا: يشترط الشرقيون (دون الغربيين) أن يكون عيد القيامة بعد عيد الفصح اليهودي لاعتقادهم أن القيامة المزعومة كانت بعد هذا العيد، كما أن الشرقيين يؤكدون على ضرورة هذا الأمر حتى تكون قيامة المسيح المزعومة بعد ذبح خروف عيد الفصح عند اليهود حيث يرمز الخروف عندهم إلى المسيح الذي ذُبح على الصليب كي يفدي البشر من خطاياهم !!
وعيد الفصح يكون مساء 14 من شهر نيسان العبري (شهر قمري) لذلك يكون عيد القيامة بعد اكتمال القمر في النصف الثاني من الشهر العبري.
وعيد الفصح : هو عيد يهودي يزعم اليهود أنه يوم خروج نبي الله موسى ببني إسرائيل من مصر و يعتقد النصارى أن الصلب المزعوم للمسيح كان بعده وبالتالى كانت القيامة المزعومة كذلك.
ثالثا: يشترط النصارى أن يكون عيد القيامة بعد الاعتدال الربيعي (21 مارس)، وذلك لأن عيد الفصح عند اليهود يكون في الربيع في موسم الحصاد كما ورد في التوراة (سفر اللاويين 23 :4-12)
ملحوظة: قد يكون اكتمال القمر في 20 مارس، فهنا يضطرون إلى انتظار القمر الذي يليه في 18 إبريل، فإن كان 18 إبريل يوافق الأحد فيكون الأحد الذي يليه هو عيد القيامة ويكون في هذه الحالة يوم 25 إبريل، لذلك لا يأتي عيد القيامة قبل 22 مارس ولا بعد 25 إبريل.
و جدير بالذكر أن 21 مارس وقتها كان يوافق 25 برمهات في التقويم القبطي.
- ولكن .. لماذا لا تتوافق أعياد الشرقيين و الغربيين في الوقت الحالي؟
بعد عدة قرون من وضع معاييرالاحتفال بهذين العيدين وتحديد موعديهما في القرن الرابع الميلادي لاحظ النصارى أن يومي الاعتدال الربيعي وأقصر نهار قد تقدموا 10 أيام، وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، فكان يوم 15 ديسمبر هو اليوم الذي يشهد أقصر نهار وأطول ليل، بينما 11 مارس هو يوم الاعتدال الربيعي، ففي عهد بابا روما (غريغوريوس الثالث عشر) اجتمع علماء الفلك حيث تم اكتشاف أن هناك خطأ في حساب الدورة الشمسية في التقويم القديم الذي كان يعتبر مدة السنة الشمسية 365 يوما و6 ساعات (ربع يوم) ، لذلك يتم إضافة يوم كل 4 سنوات لتكون السنة الكبيسة 366 يوما،و لكن في عام 1582م وفي عهد بابا روما (غريغوريوس الثالث عشر) اكتشفوا أن الدورة الشمسية السنوية تستغرق 365 يوما و5 ساعات و 48 دقيقة و46 ثانية، فبهذا يكون هناك فارق 11 دقيقة و 14 ثانية قد تسبب في فارق أيام مقداره عشرة أيام، فقرر بابا روما غريغوريوس الثالث عشر حذف هذه الأيام من هذا العام (1582م) فجعل 5 أكتوبر هو 15 أكتوبر، فنام الناس يوم 4 أكتوبر و استيقظوا على 15 أكتوبر ! ، وقد وصل الفارق الآن إلى 13 يوما، وسوف يصل عام 2100م إلى 14 يوما، وقد أخذ العالم كله الآن بهذا التعديل، حيث يتم حذف 3 أيام كل 400 عام، وذلك بجعل السنوات المئوية التي لا تقبل القسمة على (400) سنوات بسيطة كعام 1700 و 1800 و1900 أما الأعوام التي تقبل القسمة على 400 تظل كبيسة كما هي مثل : 1600 و 2000، وسمي هذا التقويم بالتقويم (الغريغوري) نسبة إلى بابا روما ، ولكن الكنائس الشرقية تمسكت بالحساب القديم، والكنيسة المصرية كما ذكرت آنفا تسير على التقويم القبطى المرتبط بنجم الشعرى، وعندهم السنة 365 يوم و 6 ساعات (ربع يوم) كالتقويم اليولياني القديم، وأكرر هذه المعلومة لأهميتها التي سوف تتراءى لنا بعد سطور إن شاء الله.
..ولأن الفارق بين التقويمين اليولياني والغريغوري صار ثلاثة عشر يوما، ولهذا فإن عيد الميلاد عند الشرقيين 7 يناير (29كيهك) وعند الغربيين (25 ديسمبر)، وعيد القيامة عند الشرقيين بين 4 إبريل (26 برمهات) و8 مايو (30 برمودة) ، وعند الغربيين بين 22 مارس و25 إبريل، وقد جعل الغربيون عيد القيامة هو أول أحد يلي أول اكتمال للقمر بعد الاعتدال الربيعي(21مارس).
..وهكذا نجد أن الجميع قد أخطأ لمئات القرون في الحساب ، وقد أصر الشرقيون على هذا الخطأ، بينما حاول الغربيون الإصلاح ولكن لم يصيبوا الكمال فإن هناك خطأ وقعوا فيه إذ أن هناك فارق بين الدورة الشمسية الحقيقية والتقويم الغريغوري مقداره حوالي 24 ثانية وهذا الفارق الضئيل يمكن أن يصل بعد 3300 سنة إلى يوم كامل، وهذا يعني أنه على المدى البعيد قد يحتاج التقويم الغريغوري أيضا إلى تعديل.
والآن نتطرق إلى حساب الأبقطي المعمول به في مصر، والذي وضعه البابا ديمتريس الكرام (البابا الثاني عشر من باباوات الكرسي السكندري):
.. كثيرون من النصارى الذين يتبعون كنيسة الإسكندرية يبررون عدم أخذهم بالتقويم الغريغوري بمبررات عدة منها أن كنيسة الإسكندرية قبل هذا التعديل كانت هي المخولة بتحديد ميعاد عيد القيامة لكنائس العالم لما كانت تشتهر به قديما من تقدم في علم الفلك، وهناك من يبرر بأن التقويم القبطي هو تقويم نجمي لا علاقة له بدورة الشمس التي يعتمد عليها التقويم اليولياني و كذلك الغريغوري، وهذا غير سديد لسببين :
1 - من ابتدعوا العيدين جعلوهما مرتبطين بالشمس ودورتها ،فيوم الميلاد ( 25 ديسمبر ) هو الذي يشهد أقصر نهار وأطول ليل، ويوم القيامة لابد أن يأتـي بعد الاعتدال الربيعـي ( 21 مارس ) وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار.
2 - من ابتدعوا العيدين ابتدعوهما على أساس التقويم اليولياني ووفّق المصريون أوضاعهم معهم، والدليل على ذلك أن اختيار عيد الميلاد كان يوم 25 ديسمبر الذي يوافق 29 كيهك في العام الذي يلي السنة القبطية البسيطة و28 كيهك في العام الذي يلي السنة الكبيسة، فجعلت الكنيسة المصرية عيد الميلاد يوم 29 كيهك في العام القبطي الذي يأتي بعد السنة البسيطة و28 كيهك في العام الذي يأتي بعد الكبيسة !!، والعجيب أنهم حاولوا التبرير بأن ذلك مرتبط بعدد أيام الحمل منذ عيد البشارة، وهذا خطأ وهم يعرفون أن اختراع يوم الميلاد كان مبتدعا لا علاقة له ببشارة.
.. أعلم أني حتى الآن لم أدخل في تفاصيل حساب الأبقطي، ولكن إن أتى ذكر حساب الأبقطي فمن الطبيعي أن نذكر التقويم القبطي ، وسوف أتناول إن شاء الله طريقة حساب الأبقطي في عيد القيامة .
قد علمنا مما سبق أن الكنيسة المصرية تشترط في عيد القيامة شروطا ثلاث:
1 - أن يكون يوم أحد.
2 - أن يكون بعد فصح اليهود.
3 - أن يكون بعد الاعتدال الربيعي (بين 26 برمهات إلى 30 برمودة).
.. كنت قد أسلفت الذكر عن تقويم اليهود و حتمية أن يكون فصح اليهود في فصل الربيع، وكيف أن اليهود التزموا بدورة من 19 عاما للتوفيق بين الدورتين الشمسية والقمرية رغم وجود فارق حوالي 11 يوما بين الدورتين.
.. هذه الفكرة التي اتبعها اليهود هي الأساس في حساب النصارى لعيد القيامة لحساب ميعاد ذبح خروف الفصح عند اليهود بناء على دورة التقويم اليهودي دون الرجوع إليهم، والذي يأتي عيد القيامة في الأحد الذي يلي هذا الميعاد.
طريقة حساب الأبقطي لعيد القيامة :
1 - بداية تقوم بقسمة العام الذي تريد حساب عيد القيامة فيه على 19 ثم تأخذ الباقي لتعرف دور القمر في هذه السنة
مثال 2013/ 19 = 105 والباقي 18
- إذا أردت الحساب على التقويم القبطي فاطرح رقم 1 من السنة التي تريد الحساب فيها ثم تقسم على 19 وتأخذ الباقي
مثال: عام 1729- 1 = 1728 ثم 1728/ 19 =90 والباقي 18
2 - تأخذ رقم دورة القمر و تضربه في 11 وهو متوسط الفارق بين السنة الشمسية والقمرية
مثال: 18 ضرب 11 = 198
3 - تحذف شهور كاملة من الناتج (رقم 30 بمضاعفاته)
مثال: 198 - 180 = 18
4 - طرح الناتج من 40 (قاعدة ثابتة)
مثال: 40-18=22
- هذا الرقم الأخير يمثل ميعاد ذبح الخروف عند اليهود
فإذا كان من 1 إلى 23 يكون في برمودة وإن كان من 25 إلى 30 يكون في برمهات، ولا يكون أبدا الناتج 24
ويكون الأحد التالي لهذا التاريخ هو عيد القيامة
وفي المثال المذكور وهو عام 2013 يكون ميعاد ذبح الخروف عند اليهود حسب حساب الأبقطي 22 برمودة الموافق 30 إبريل وبذلك يكون الأحد التالي له هو عيد القيامة أي يوم 5 مايو.
ولكن عادة يكون هناك فارق بين تاريخ ذبح الخروف عند اليهود حسب الحساب الأبقطي والموعد الفعلي لعيد الفصح اليهودي وهذا تسببه الخطوة الثانية في الحساب .. كيف؟
في الخطوة الثانية يتبين لنا أن حساب الأبقطي يأخذ بمتوسط الفارق بين السنتين الشمسية و القمرية وهو 11 يوما ، وهذا معناه أن حساب الأبقطي يعتبر السنة القمرية دائما 354 يوما في السنة البسيطة و 384 في الكبيسة، وهذا خطأ لأن السنة عند اليهود لها 6 حالات وهي 353 و354 و355 يوماً في السنوات البسيطة و383 و384 و385 يوما في السنوات الكبيسة.
و أيضا الخطوة الثانية تعني ان حساب الأبقطي يعتبر السنة الشمسية دائما 365 يوما ، وهذا غير صحيح لأنه كل 4 سنوات تكون سنة كبيسة طولها 366 يوما ، وهذا يفسر الخطأ الذي يقع فيه حساب الأبقطي.
..وهكذا رأينا أمة النصارى وكيف حسبت فأخطأت فضلت وأضلت.
- التقويم الإسلامي الهجري:
إن التقويم الإسلامي الهجري تقويم قمري خالص يعتمد على رؤية الهلال، والشهر بين تسع و عشرين يوما و ثلاثين يوما، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الشهر تسع وعشرون ليلة ، فلا تصوموا حتى تروه ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (رواه البخاري) ، كما أن عدد شهور العام في التقويم الهجري هو 12 شهرا ، قال تعالى : "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ" (التوبة :36).
.. لماذا لا يعتمد التقويم الهجري على الحسابات الفلكية؟
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا - يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين " ، فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حال الأمة التي بُعث فيها، فلم تكن أمة العرب في هذا الوقت عندها من القدرة أن تقوم بحسابات خوارزمية أو استطلاعات فلكية، فكان الاعتماد الأصلي على الرؤية، وقد ثبت أمام كل ناظر بعد سرد قبس من تاريخ التقاويم عند بعض الأمم أن الأمم قد أخطأت وضلت حينما حسبت، ولقد ظن أهل كل عصر أنهم قد بلغوا من العلوم أقصاها، ومن الدقة منتهاها، فما أصابت الأمم أهدافها، وما ضبطت تقاويمها، فاصطفى الله الأمة الإسلامية، فاعتمدت الرؤية البصرية على هدي خير البرية، ولسنا بهذا نلفظ العلم من حياتنا، فنحن في الرؤية نستخدم ما من علينا به ربنا، فمراصدنا الفلكية تستخدم ما أحدثه العلم من تلسكوبات، ومن ثم نعرف بفضل الله عدة الشهور والسنوات، ولقد وضع المسلمون تقويما شمسيا أدق من التقويم الغريغوري رغم أنه كان قبله بأكثر من 500 سنة، تحديدا في عام 1079م، وسمي هذا التقويم بالتقويم الجلالي نسبة إلى السلطان السلجوقي (جلال الدين شاه) الذي أمر بوضعه.
الخلاصة:
.. إن التقويم القمري الإسلامي الهجري تقويم رباني، وهو درة التقاويم وأحسنها وأيسرها، وإن أخذ هذه الأمة بالقاعدة النبوية (لانكتب و لا نحسب) قد جنبت الأمة أخطاء رأيناها في أمم قد خلت، وجنبتنا تذبذبا على مر العصور كان من الممكن أن يقع لاسيما عند تضارب الأقوال أحيانا حتى في زماننا حين تصدر بعض الهيئات الفلكية تصريحات شاذة تثير بلبلة بين صفوف المؤمنين.
فلا نقلل من قيمة علم من العلوم، ولكن نلتزم في تقويمنا المتعلق بشعائر ديننا ما علمنا إياه نبينا، فنرقب الهلال فإن رأيناه أصبحنا بعده على شهر جديد، وإن غم علينا أكملنا عدة شهرنا ثلاثين، ثم لا نبالي ونمضي راجين رحمة أرحم الراحمين.
فالحمد لله الذي منَّ علينا، وما جعل علينا في الدين من حرج، وجعل لنا من كل ضيق أوسع الفرج، وأرسل لنا نبيا هو خير الأنبياء، تركنا على البيضاء، ليلها كنهارها، فنسأل الله أن يثبتنا على هذا الدين ، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين.
تعليق