ظهر شيخ العرب همام في وقت كان الصعيد فيه في امس الحاجة الي وجود رجل مثله يُقر الامن ويحمي الفلاحين من ظلم الادارة المتمثلة في المماليك ومتاعب الاعراب من سلب ونهب وتهديد ...
نشر شيخ العرب همام العدالة بين ابناء الصعيد ولم يكن يفرق في المعاملة بين ابناء قبيلته الهوارة وبين الفلاحين او العرب الاخرين فالجميع امامه سواء
لقد احال شيخ العرب همام الصعيد من منبت للفتن ومسرح للصراع بين الامراء المماليك المهزومين امام زملائهم في القاهرة ومطارديهم المنتصرين الي منطقة استقرار ورخاء وامن وازدهاروبهذا وضع اساس مجده وخلد ذكره ..
شيخ العرب همام بن يوسف 1709 م 1121 هـ .
كان مولد شيخ العرب همام
في قرية فرشوط بمحافظة قنا
و قد نشـأ شيخ العرب همام في بيت ورث الثراء و المكانة أباً عن جد
فقد كان شيخ العرب هماماً إبناً للشيخ يوسف بن الشيخ أحمد محمد همام
الذي آلت إليه زعامة قبائل الهوارة .
و قد تمتع الهوارة بثراء واسع و كان معظم شيوخهم على جانب كبير من الثراءفمنذ أن نزل الهوارة إلى الصعيد و إستقروا في جرجا
إمتدت سطوتهم فيها و إتسع ثراؤهم و كان كبيرهم يقيم في فرشوط و له نفوذ في الصعيد كله
و قد ظلت لشيوخ الهوارة رئاسة الصعيد و السيطرة على الحكم فيه
حتى عام 893 هـ/1575 م
و قد كانت الأسرة التي انحدر منها شيخ العرب همام
و هي الأسرة الهمامية
على صلة طيبة بالفلاحين في الصعيد
فقد استطاعت بما توفر لها من عصبية قبلية قوية
حماية فلاحي الصعيد من المظالم التي كانت تلحق بباقي الفلاحين في أنحاء مصر الأخرى .
وقد ورث شيخ العرب همام عن أبيه الشيخ يوسف التزامات واسعة
شملت معظم أراضي الصعيد من المنيا إلى أسوان
و كانت هذه الالتزامات قد آلت إلى الشيخ يوسف
وراثة عن أبيه الشيخ أحمد بن همام .
ولكي يحمي شيخ العرب همام أراضيه الواسعة
و يدفع عنها شر هجمات الأعراب و أطماع أمراء المماليك
كون جيشا كبيراً من الهوارة أقاربه و من المماليك الفارين
إلى الصعيد هرباً من منافسيهم .
كانت هذه هي البيئة التي نشأ فيها شيخ العرب همام وقد جعل نُصب عينيه توحيد قبائل الهوارة وجمعها تحت لواء واحد وذالك للتصدي لظلم المماليك واطماعهم التي ماكانت تنتهي ....
و لم تكن شهرة شيخ العرب همام وليدة أساليب البيان و سحر البلاغة
كما لم تكن الهالات التي أحاطت بسيرته وليدة الخيال
و إنما هي شهرة و مجد استمدا وجودهما
من الواقع الذي لا يُخطئ لقد أحال شيخ العرب همام الصعيد
من منبت للفتن و مسرح للصراع بين الأمراء المماليك المهزومين
أمام زملائهم في القاهرة و مطارديهم المنتصرين إلى منطقة استقرار و رخاء وأمن وازدهارو بهذا وضع أساس مجده و خلد ذكراه .
إهتمامه بالعلماء وإكرامهم
قد اهتم شيخ العرب همام كذلك بالعلماء
و إشتهر بتقريبه لهم و إكرامهم و مقابلتهم بما يستحقون من احترام
و تقديم الهدايا العظيمة لهم إذا ما قصدوه في موطنه ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين زاروا شيخ العرب همام في موطنه الشيخ مرتضى الحسيني الزبيدي ..
ومنهم ايضاً الشيخ محمد بن سالم الحفناوي احد مشايخ الازهر وكان علي علاقة وثيقة بشيخ العرب همام وكانت بينهما مراسلات وصداقة كبيرة والشيخ الحفناوي وولد ببلدة حفنا احدي قري بلبيس وكانت له مواقف قوية جدا في
التصدي للماليك وظلمهم وكان يقول لهم أخربتم الاقاليم والبلاد .!!
وذالك لشدة تناحرهم وتشاحنهم علي السلطة وكما ذكر الجبرتي فقد مات بالسم رحمه الله الله ويُقال ان المماليك هم الذين سموه ...
ومن أشهر العلماء الذين كانوا يعيشون في أرض شيخ العرب همام
الشيخ علي بن صالح الشاوري المالكي
مفتي فرشوط
و الذي تلقى علومه بالأزهر
ثم عاد إلى فرشوط و تولى الإفتاء بها و قد اهتم شيخ العرب همام بالشاوري اهتماما كبيراً و أكرمه إكراماً كبيراً
و كان يقبل وساطته في أي أمر مما أدى إلى إشتهار أمره .و بعد وفاة شيخ العرب همام غادر الشاوري فرشوط
و حضر إلى القاهرة و ظل بها حتى وفاته
عام 1185 هـ/ 1771 م .
و قد إشتهر شيخ العرب همام بالتقوى و الورع
فكان يؤدي الصلاة في أوقاتها
و قد أوقف أوقافاً كثيرة على المساجد في الصعيد و قام بكثير من الاصلاحات فيها
مثل ما قام به من إصلاح في مسجد عبد الرحمن القنائي
أشهر أولياء الصعيد
فقد جدد شيخ العرب همام المسجد و أنشأ خلفه مخزناً و دورة مياه
وأوقف عليه أوقافاً كثيرة وقد أنشـأ شيخ العرب همام مسجداً خاصاً في موطنه فرشوط في الجانب الشرقي منها
عام 1171 هـ / 1757 م
و هو مسجد فخم وتحفه اثرية هامة .
مسجد شيخ العرب همام
ومازال هذا المسجد قائماً في فرشوط
في حالة جيدة و تُقام به شعائر الصلاة و قد كُتِبَ على واجهته :
لجامع همام بن يوسف رونق ** به لاذت العباد من كل وجهة
عليه علامات القبول لوايح ** و قد طاب من أرجائه كل بقعة
فيا داخلاً بالباب ادع لمشئ ** و ارخ يسد الله سر المنية
وعلى جدران المسجد كتبت قصيدة نهج البردة ...
وقد اوقف شيخ العرب همام 19 فدان بفرشوط
للانفاق منها على هذا المسجد .
حياته وعدله مع الناس وجلوسه لشكايتهم
كان شيخ العرب همام يجلس يومياً بعدما يُصلي صلاة الصبح لفض المنازعات بين الناس وكان له مجلس عرب يشبه المحكمة
وإذا أصدر الحكم بين متخاصمين أمر كاتبه بولس النصراني بكتابة هذا الحكم
وكان كل شيء يُدون في هذه الجلسات ..
نشر شيخ العرب همام العدالة بين أبناء الصعيد
و لم يكن يُفرق في المعاملة بين أبناء قبيلته من الهوارة
و بين الفلاحين أو العرب الآخرين
فالجميع امامه ســواء و قد اهتم شيخ العرب همام
بتنظيم الزراعة في الصعيد و أدار الحياة فيه بنشـاطٍِ جم و كفاية فائقة
و كان هدفه أن يخلق من الفوضى نظام يُمكنه من نشر الرخاء
بين فلاحي الصعيد .لذا اهتم برعاية الأمن فيه
كما عمل على خلق شخصية بارزة له تحميه وتحمي كل بلاد الصعيد التي كانت تحت سلطته فعلياً
من ظلم المماليك و إسـتغلالهم و قد اتقن شيخ العرب همام دوره بصفته أميراً علي بلاد الصعيد
و أخذ في تنفيذه مضحياً بكل ما يملك
من جهد و مال و رجال و لم يكترث بما كان يبذله
من تضحيات و ما يلاقيه من جهد و عناء و بلغ شيخ العرب همام من القوة و النفوذ حداً
جعله يؤثر في تصعيد حدة الصراع بين كبار أمراء المماليك
بالقاهرة و هو باقٍ في مكانه بالصعيد
فلم يذهب إلى القاهرة و لم ينتقل من معقله و مهد نفوذه ..
و قد ظهر شيخ العرب همام
في وقت كان الصعيد في أمس الحاجة إلى وجود رجل مثله يُقر الأمن و يحمي الفلاحين من ظلم الإدارة و متاعب الأعراب
من سلب و نهب و تهديد امراء المماليك .. .
ومن جهة إخري كان شيخ العرب همام يتطلع إلي حماية قوافل الحجاج التي تسافر عن طريق القصير وتأمين الطريق لهابعد ان تركه امراء المماليك وإنشغلوا بخلافاتهم علي السلطة
وكانت قبائل العليقات هي التي قامت بهذا الدور بتكليف من شيخ العرب همام فأصبحوا هم حراس الحجاج وهم المسؤلون عن حمايتهم ...
وضع شيخ العرب همام نظاماً امنياً رائعاً جعل الجميع ينعم بالهدوء والاستقرار
وقد استراحت الدولة عامة إلي تولي شيخ العرب همام إدارة الصعيد فقد كفاها متاعب كثيرة في تحصيل الاموال بتسديده الدائم لما عليه من خراج
وقد ادي النظام الذي وضعه شيخ العرب همام للامن والعناية التي كان يبذلها لصيانة الترع والجسور إلي إزدهار الزراعة وتحقيق الرخاء العام للاهالي ولاجل هذا قد حفظ أهل الصعيد من فقير وغني ومسلم ونصراني لشيخ العرب همام أكرم الذكري ...
يقول الباحث والمؤرخ المصري عمر أحمد محمود تركي
قضى شيخ العرب همام السنوات الأخيرة
من عمره في إجراء المصالحات بين القبائل المتناحرة وإنهاء الخصومات الثأرية وإستشهد المؤرخ المصري بوثيقة تاريخية بحوزته تسجل حضور شيخ العرب مصالحة ثأرية بين قبلتين في إسنا سنة 1173 هجرية حيث جاء في الوثيقة إن المصالحة تمت بحضور العبد الأجل المحترم الجليل المكرم حضرة شيخ العرب همام يوسف ..
وأبدى الباحث والمؤرخ المصري عمر أحمد محمود تركي تخوفه من أن يتضمن المسلسل الذي يحمل اسم شيخ العرب همام مشاهد تصور شيخ العرب جبارا متكبرا ظالما غليظ القلب على عكس الحقيقة حيث كان شيخ العرب همام جوادا كريما رقيق القلب تفتح موائده العامرة من صلاة الفجر وحتى منتصف الليل كما كان محبا للسلم والسلام ويتحلى بأخلاق الفرسان .
فيما اشار عبد الحكم عبد ربه وكيل وزارة الثقافة بالأقصر وهو احد أبناء المطاعنة بأسنا أن شيخ العرب همام كانت تُروى
عنه عشرات القصص والحكايات عن قوته التي كان يستخدمها في رد الظالم عن ظلمه ويضيف عبد ربه أن شيخ العرب همام قد وصل إلى اصفون وقرى
المطاعنة في إسنا بعد هزيمته على يد على بك الكبير في أسيوط حيث اخذ في التقهقر للجنوب حتى وصل إلى أصفون التي ناصرته وتضامنت معه وأحبته وبقى بها حتى وفاته عام حيث عرف بين أهل تلك القرى باسم عظيم بلاد الصعيد .
اصبح شيخ العرب همام الحاكم الفعلي للصعيد بتزعمه لعرب الهوارة والصعيد
واستطاع شيخ العرب همام لما تمتعت به شخصيته من ذكاء وطموح ان ينشيء الصلات الواسعة المتعددة الجوانب مع حكام مصر وعلماءها
ومع الدولة العثمانية نفسها وكان يطلب منها ما يريد مباشرة مجدداً ما كان من طيب العلاقات بين اجداده وبين الدولة العثمانية
مما اثار عليه غيرة بكوات القاهرة مثل علي بك الكبير ...
وقد لعب شيخ العرب همام دوراً هاماً في حياة الصعيد بل وفي حياة مصر كلها في النصف الاول من القرن الثامن عشر الميلادي ونحو عشرين عاماً من النصف الثاني منه ..
يقول رفاعة رافع الطهطاوي بعد زيارته إلى فرنسا واطلاعه على نظام الحكم هناك وتفاصيل انتقال السلطة والحكم فعقد مقارنة بسيطة بين النظام
الجمهوري والمشروع السياسي لشيخ العرب همام حين وصفه في كتاب تخليص الابريز في تلخيص باريز قائلا: ولما كانت الرعية لا تصلح أن تكون حاكمة ومحكومة وجب أن توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا هو مثل مصر في زمن حكم الهمامية فكانت إمارة الصعيد جمهورية التزامية.
وتعاطف بعض المفكرين مع الحركة التي قادها الأميرشيخ العرب همام في الصعيد ومحاولته الاستقلال بحكم الصعيد وعلى رأس هؤلاء المفكر لويس عوض الذي
ذكر في كتابه تاريخ الفكر المصري الحديث واصفا ما قام به شيخ العرب همام بأنه كان ثورة كانت لها أهداف وطنية واجتماعية أما الهدف الوطني الأول فكان استخلاص مصر من أيدي المماليك وأما الهدف الاجتماعي الأول فكان تمليك الأرض للمصريين وتوزيعها على الفلاحين.
وفي عام 1769 وفد إلى مصر الرحالة الاسكتلندي جيمس بروس وسجل في كتابه (رحلات لاكتشاف منابع النيل) تفاصيل لقائه بشيخ العرب همام بن يوسف في مدينة فرشوط حيث ذكر عنه أنه كان طويلا وضخما و وسيما وفي
الستين من عمره وأنه استقبله بأدب شديد وسأله عن ما يحدث في القاهرة أكثر من سؤاله عن أي مكان آخر. حيث كان هذا اللقاء في فترة صراع همام مع علي بك الكبير وهو نفس العام الذي توفي فيه شيخ العرب همام.
اقام شيخ العرب همام نظاماً وحكماً إدارياً دقيقاً لتنظيم بلاد الصعيد وشئون اراضيه والعاملين فيها
وكان لديه دواوين تضم جيشاً من الكتبة ومعظمهم من النصاري لمهاراتهم في الشئون الحسابية وكان هؤلاء يعملون في دأب متواصل
آناء الليل واطراف النهار لانجاز حسابات شيخ العرب همام الواسعة ...
وكان شيخ العرب همام يباشر كل اعمال موظفيه يراجع حساباتهم ويمليهم اوامره وتعليماته ومكاتباته ومن تلك ما يتعلق بمنازعات ابناء المنطقة سواءا كانت مدنية او جنائية او متعلقة بشئون الزراعة ....
ترتب علي كل ما سبق من علو مكانة شيخ العرب همام ورياسته علي الصعيد بكامله وعلاقته الوطيدة بالدولة العثمانية ( الباب العالي )
حنق امراء المماليك وحقدهم علي شيخ العرب همام
وبدا الصراع المريريُترجم الي
الصراع بين شيخ العرب همام وعلي بك الكبير
لتحديد أسباب الصراع بين شيخ العرب همام و علي بك الكبير
لا بد من دراسة شخصية علي بك
و حركته و أهدافه منها .
و لد علي بك عام 1728 م / 1141 هـ في القوقاز
و كان والده أحد قساوسة الكنيسة اليونانية
و كان يأمل في أن يُنشئ ابنه يوسف تنشئة دينية
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن
فقد اختطف الابن على يد إحدى عصابات الطرق
التي باعته إلى و احد من أكبر تجار الرقيق فسافر به إلى الاسكندرية و باعه إلى مديري جمركها اللذان أهدياه بدورهما إلى إبراهيم كتخدا تقرباً إليه
لأنه كان من أصحاب النفوذ في مصر .
و قد بدأت حياة علي بك كما بدأت حياة غيره من المماليك
بعد شرائهم فاعتنق الإسلام و سُمي علياً .
ولما توفي أستاذه إبراهيم عام 1168 هـ /1754 م وهناك اقاويل كثيرة انه هو من سمه حتي ينفرد بالسلطة
وبدأت شخصيته في الظهور على مسرح الأحداث بالقاهرة
و بدأ يسعى لمنصب شيخ البلد أي الوصول إلى زعامة المماليك جميعاً
و السيطرة على مقاليد الأمور في مصر كلها .
و للوصول إلى منصب شيخ البلد
كان على علي بك أن يُزيح من طريقه رضوان كتخدا الجلفي
شريك أستاذه إبراهيم كتخدا في النفوذ و الذي انفرد بعد وفاة إبراهيم كتخدا
بالنفوذ و السيطرة و كان من الطامعين في مشيخة البلد أيضا عبد الرحمن كتخدا
الذي تركه علي بك يبدأ النزال مع الأمراء الآخرين حتى يُمهد له الطريق و يخليه من المنافسين
و بالفعل ألب عبد الرحمن كتخدا مماليك إبراهيم كتخدا
على رضوان الخلفي و أغراهم على ذلك عام 1169 هـ / 1755 م
حتى هاجموه و أطلقوا عليه الرصاص و اضطروه للفرار إلى الصعيد حيث توفي هناك
بعد أيام من مهاجمته و فراره .
و انتهى بموته سلطان أتباعه
وظل علي بك يُخفي ما بنفسه من تطلع لمنصب شيخ البلد
وترك المتنافسين على ذلك المنصب يُسقِط بعضهم بعضا ولم يستطع عبد الرحمن كتخدا أن يتقلد مشيخة البلد
لأنه بالرغم من شهرته و قربه من نفوس الناس لم يكن له من الأتباع ما يوازي أتباع
عثمان بك الجرجاوي و الذي انتهى الأمر بتوليه مشيخة البلد
فلم يحسن معاملة زملاؤه فقاموا بخلعه من الرياسة
و تولى بعده حسين بك الصابونجي و ذلك في أوائل عام 1757 م / 1171 هـ .
واتبع حسين بك الصابونجي سياسة تشتيت شمل المماليك
و الأتباع الذين كان على رأسهم علي بك حيث أصدر حسين بك أمراً بنفي علي بك
إلى نوسا الغيط ( بالدقهلية ) و لكن أتباع حسين بك تآمروا عليه و قتلوه
ثم تولى من بعده علي بك الغزاوي
فأصبح شيخاً للبلد و سعى للقضاء على عبد الرحمن كتخدا
مدبراً لذلك مؤامرة علم بها عبد الرحمن كتخدا و سعى لإسقاط علي بك الغزاوي من مشيخة البلد
فانضم إلى علي بك الكبيرو عقد معه أواصر الصداقة و بذل جهده
حتى تمكن من جمع كلمة الأمراء على اختيار علي بك شيخاً للبلد
في أوائل عام 1760 م / 1174 هـ
و ظفر بإقرار الباشا لذلك .
و بعد أن استلم علي بك الكبير المشيخة عمد إلى الاحتفاظ بها عن طريق التخلص ممن ينافسونه على هذا المنصب
و كان أهم من ينافسونه ثلاثة هم :
عبد الرحمن كتخدا
حسين بك كشكش
و صالح بك القاسمي حاكم جرجا .
و قد بدأ بعبد الرحمن كتخدا
فاستصدر أمراً من الباشا بنفيه إلى الحجاز
عام 1764 م / 1178 هـ
كما نفى الكثيرين من أتباعه .
اتجه علي بك الكبير بعد ذلك إلى الإيقاع بين
حسين بك كشكش و صالح بك القاسمي بتعيين حسين بك حاكماً لجرجا
ثم أصدر أمراً بنفي صالح بك إلى رشيد ثم إلى دمياط وصالح بك هذا من اقرب المماليك الي شيخ العرب همام وكانت تربطه به صداقة قوية جداً
و لكن صالح بك لم يستسلم بل فر إلى المنيا أي إلى الصعيد
موطن صديقه وحليفه شيخ العرب همام شيخ العرب
وجمع حوله المنفيين من المماليك .
وقد اهتم شيخ العرب همام بمساندة صديقه صالح بك
ومساعدته مساعدة فعالة عملاً بما تقتضيه واجبات الصداقة من جهة
و إدراكاً لسوء نوايا علي بك من جهة أخرى
فلا شك أن مساعدة شيخ العرب همام لصالح بك كانت تحمل في ثناياها إدراكاً من همام لنزعة علي بك
و ميله للقضاء على كل ذوي السلطان و النفوذ الذين يخشى منهم
على نفوذه و سيادته
و من هولاء صالح بك الذي كان يستمد قوته من صداقته و ارتباطه بشيخ العرب همام و قد امد شيخ العرب همام صديقه صالح بك
بكل ما يحتاج إليه من ذخيرة و مؤن و رجال لمقاومة الحملة
التي و جهها إليه علي بك بقيادة حسين بك كشك .
و قد تمكن صالح بك بمعاونة شيخ العرب همام
من قطع الاتصال بين الصعيد و القاهرة و منع إرسال الغلال
و الأموال الأميرية .
و قد كان شيخ العرب همام يقف بكل قوته وراء صالح بك
و بحسن سياسة شيخ العرب همام و بعد نظره فشلت حملة علي بك
ضد صالح بك كما أن شيخ العرب همام بمساندته القوية لصالح بك
نبهه إلى حقيقة نوايا علي بك ضده
وأهدافه من إرسال الحملة إليه بقيادة زميله حسين بك
بهدف إيقاع الشقاق بينهماو فعلاً حدث عكس ما توقعه علي بك
وسُرعان ما اتفق صالح بك وحسين بك كشكش ضد علي بك
الذي سرعان ما أصدر أمراً بنفي حسين بك والذي لم يمتثل للأمر وأسرع بدخول القاهرة عنوة
فحاول علي بك دس السُم له لكن حسين بك اكتشف الخديعة
فاضطر علي بك إلى الهرب إلى الشام و ذلك في عام 1765 م / 1179 هـ
وسيطر حسين بك على القاهرة
واستعاد صالح بك ولاية جرجا .
الحيلة والخديعة الكبري من علي بك الكبير
لم يلبث علي بك الكبيرأن عاد من الشام
و دخل القاهرة مُظهراً الندم و التوبة فانخدع زملاؤه بمظهره
و أعطوه حكم نوسا الغيط لإبعاده عن القاهرة
و لكنه ما إن وصل إلى هناك حتى دبر مؤامرة للقضاء على زملائه
الذين اكتشفوا هذه المؤامرة و قرروا نفيه هذه المرة إلى أسيوط التي كانت جزءاً من ولاية جرجا
و يحكمها خصمه صالح بك القاسمي .
وهكذا وجد علي بك نفسه مضطراً للجوء إلى أقوى منافسيه و هو صالح بك
حليف شيخ العرب همام
للاستعانة به في محاولة العودة إلى القاهرة
والقضاء على منافسيه بها و قد كانت أهمية صالح بك في هذا الوقت تأتي
من محالفته ومصادقته لشيخ مصر العليا
وسيدها المطاع شيخ العرب همام
الذي كان له النفوذ الفعلي في الصعيد فقد كان يسيطر على معظم أراضي الصعيد من المنيا إلى أسوان
و يملك ثروة هائلة و قوة عسكرية ضخمة وأسلحة و ذخيرة هائلة.
و قدر علي بك بثاقب بصره أن في تحالفه مع صالح بك ما يضمن له
الحصول على قدر هائل من القوة
التي يتمتع بها شيخ العرب همام والتي كان لا يضن بتقديم الكثير منها
لصديقه صالح بك لكن صالح بك رفض كل محاولات علي بك
للصلح معه متأثراً بما كان من سوء العلاقات بينهما
و محاولات علي بك ابعاده الدائم عن القاهرة
تارة بنفيه إلى رشيدوتارة أخرى إلى دمياط .
و لجأ علي بك إلى الاتصال مباشرةً
بشيخ العرب همام عله يُقنع صديقه وحليفه صالح بك بالتحالف معه وأرسل إليه رسلاً بذلك
واستخدم الرسل في ذلك كل سبل الخديعة و القول المعسول
والوعود البراقة ملوحين لشيخ العرب همام بعزم علي بك
تأييد سلطته و نفوذه في الصعيد
لوتم له النصر كذلك تثبيت مركز صالح بك
كحاكم لولاية جرجا في ظل سيطرة شيخ العرب همام و استمروا في ذلك
حتى قبل شيخ العرب همام
أن يتم الاتفاق بينه و بين صالح بك من جهة
و بين علي بك من جهة أخرى .
ويبدو أن شيخ العرب همام لم يقبل مساعدة علي بك
إلا لأنه أدرك خفايا شخصية علي بك
وأنه يملك من العزيمة ما سيمكنه من هزيمة زملاؤه
واحراز السيطرة على مصر كلها
و رأى شيخ العرب همام في مساعدة علي بك
ما قد يعود عليه و على صديقه صالح بك بالنفع
لو تم النصر لعلي بك و فاز بالسيادة ثانيةً .
وفعلاً تم الاتفاق بينهم وتحالفا وتعاقدا وتعاهدا علي الكتاب والسيف وكتبوا بذالك حجة واتفقوا مع علي بك انه اذا تم له الامر اعطي لصالح بك جهة قبلي قيد حياته وقبل صالح بك الانضمام إلى صفوف علي بك
الذي سُر كثيراً بهذا الاتفاق الذي سيكفل له
الحصول على أكبر قدر من الأموال و الرجال و العتاد
من شيخ العرب همام .
و قد وعدهم علي بك
بأنه إذا ما تم له النصر
ثبت صالح بك في حكم ولاية جرجا مدى الحياة
أي ثبت نفوذ شيخ العرب همام و سلطته في الصعيد مدى الحياة أيضاً
فصالح بك كان الحاكم لجرجا شكلاً
و لكن النفوذ الحقيقي بها كان لشيخ العرب همام و بمساعدة صالح بك و بمعاونة شيخ العرب همام
تقدم علي بك في طريقه إلى القاهرة بجيش جرار
حيث التقى بمنافسيه شمالي بني سويف
في عام 1767 م / 1181 هـ
حيث دارت المعركة الفاصلة التي انتصر فيها
علي بك نصراً تاماً
و دخل القاهرة حيث ثبُتت أقدامه هذه المرة في إمارة مصر
و بدأ في تنفيذ سياسته التي كانت ترمي إلى قتل المتمردين و قطع المعاندين
و قد بدأ هذه السياسة بالقضاء على حسين بك كشكش
و زميله خليل بك عام 1768 م / 1182 هـ
ثم التفت إلى صالح بك حليفه الذي سانده في صراعه الهام
ضد منافسيه و الذي كانت له بمساعدة
صديقه شيخ العرب همام اليد الطولى في حصول علي بك على
نصره المؤزر على زملائه حيث قام علي بك بالغدر بصالح بك
بأن أغرى بعض أتباعه فاغتالوه ليلا أثناء سيرهم معه بعد خروجهم من اجتماع ضمهم وعلي بك في منزله
و ذلك في نهاية عام 1768 م / 1182 هـ
و بذلك تخلص علي بك من آخر وأقوى الأمراء المماليك
الذي كان يمكن أن ينافسه على مشيخة البلد ولعل أهم الأسباب التي جعلت علي بك
يُعجل من التخلص من صالح بك خوفه من خطورة صالح بك
لاستناده إلى حليفه القوي المسيطر على الصعيد
شيخ العرب همام .
إنقلاب علي بك الكبير علي الخلافة العثمانية
وتحالفه مع روسيا والبندقية
بعد أن استقرت الأمور لعلي بك
فغدا سيد مصر الفعلي
تطلعت نفسه للانفراد بشئون الحكم في مصر كلها والتي هي في اصل تابعة للخلافة العثمانية وكان عليه أن يقضي على ما بقي من قوة الحامية العثمانية في مصر
فهي و إن كانت ضعُفت و أصبح معظم رجالها من أرباب الحرف
إلا أن الحامية كانت موجودة و حتى يستطيع الانفراد بحكم مصر
فعليه أن يقضي على كل قوتها
وفي سبيل ذلك اتبع سياسة التخلص منها بإهلاك رجالها في الحروب الداخلية
ومنع العناصر غير المرغوب فيها من ضباطها من التزام الأراضي
ومصادرة أموال البارزين من قادتها أو إعدامهم .
نقلت المخابرات الروسية تطلعات وطموحات شيخ البلد علي بك الكبير للقيادة الروسية التي كانت في حالة حرب طويلة مع العثمانيين، فقررت الاستفادة من ذلك الرجل الطموح من أجل تمزيق جسد الدولة العثمانية
بإحداث الفتن الداخلية بها وفي جزيرة باروس تم لقاء بين الروس ومبعوثين من قبل علي بك الكبير وفيه وضعت اللمسات الأخيرة لخطة شريرة تقوم على أساس أن يتحرك علي بك الكبير من مصر ليستولي على الشام بمساعدة ظاهر
العمر أو الظاهر عمر وهو والي عكا على أن يقوم الأسطول الروسي في البحر الأبيض بتوفير غطاء حربي للحملة على الشام ثم تكون الخطوة التالية أن ينقض علي بك الكبير على الأناضول من الجنوب على أن ينقض الروس من الشمال فتسقط الدولة العثمانية، وهكذا نرى أن علي بك الكبير كان خائنًا عميلاً باع دينه وإخوانه من أجل ملك الدنيا الزائل.
من جهة إخري كان علي بك الكبير يطمع في أن تمتلك جمهورية البندقية جزر الدولة العثمانية في البحر المتوسط وأرسل إلي جمهورية البندقية يعرض محالفته ومساعدته لها لتكون قاعدة حربية له ..
فردت جمهورية البندقية شاكرة ومعتذرة .!!
وقام بهذه الرسالة يعقوب الارمني أحد معاوني علي بك الكبير ....
وفي هذه السنة ورد الي مصر طلب الباب العالي 12 الف نفر لمحاربة روسيا فعطل علي بيك تنفيذ هذا الطلب ووقعت الفتنه بين المماليك والباشا فورد فرمان شاهاني بقتل علي بك وارسال رأسه الي الاسيتانة لكنه لم يفد حيث علم علي بك به وتربص بحامله ورفاقه الاربعة وقُتلوا بامر علي بك الكبير ..
وبعد أن انفرد علي بك بالسلطة في مصر وقبض علي زمام الامور فيها
وقضى على المتمردين و المنافسين له من البكوات المماليك
وبعد أن شل نفوذ الحامية العثمانية بمساعدة حلفاءه الروس
وركز السلطتين الإدارية و الحربية في يده
أصبح في مركز يسمح له بالقضاء على آخر القوى الخطيرة
التي يمكن أن تهدد سلطانه و نفوذه و هي
القبائل العربية المنتشرة في الوجهين القبلي و البحري و قد أظهر علي بك أن بمحاولته القضاء على سلطة تلك القبائل إنما يهدف إلى إقرار الأمن الداخلي .
لكن الحقيقة كانت خلاف ذلك فقد كان علي بك يهدف من
تحطيم سلطة القبائل العربية في مصر
إلى دعم مركزه وفرض سيطرته الخالصة على مصر كلها .
وبعد أن تخلص علي بك من أخطر عرب الوجه البحري اتجه للقضاء على عرب الهوارة بالصعيد
واستخلاص الصعيد من أعظم مشايخ العرب
قدرا و نفوذا و أتباعا
وهو
شيخ العرب همام بن يوسف الهواري .
المواجهة الاخيرة بين شيخ العرب همام وعلي بك الحقير
سارع علي بك ببدء النزال
ضد شيخ العرب همام عقب التخلص من صالح بك القاسمي
فوجه على شيخ العرب همام حملة بقيادة محمد بك أبي الذهب
سارت إلى الصعيد في عام 1768 م / 1182 هـ
لفرض شروط علي بك على شيخ العرب همام
و هي الشروط التي كانت تقضي بأن يقصر شيخ العرب همام
منطقة نفوذه و سيطرته على أراضي الصعيد ابتداءاً من برديس
أي أن يقصر شيخ العرب همام نفوذه في المنطقة التي يتركز فيها الهوارة
في قنا وأسوان فقط وليس على الصعيد كله وقد كان علي بك وقتها
في مركز يسمح له بتحدي شيخ الصعيد
وإملاء أوامره عليه فقد أصبح علي بك
شيخاً للبلد و سيد مصر الفعلي
وكانت الدلائل كلها تشير إلى أنه سيكون
الحاكم المطلق لمصر كلها لذا آثر شيخ العرب همام الخروج من الجولة الأولى
بدون اشتباك كان يُدرك مقدماً أنه سيخسره
وقبل شيخ العرب همام شروط علي بك بتحديد منطقة نفوذه إبتداءً من برديس
و ترك الأراضي الواقعة شمالها إلى المنيا
و التي كانت من قبل تحت سيطرة شيخ العرب همام
لعلي بك يتصرف فيها كما يشاء و لا شك أن شيخ العرب همام قبل هذه الشروط بدون مقاومة وانسحب مؤقتاً حتى يجد له منفذ آخرلكن كلا الطرفين لم يكن ينوي حقيقةً تنفيذ هذا الاتفاق فقد بقيت تلك الأراضي في التزامات شيخ العرب همام
و كان قبول شيخ العرب همام للاتفاق ما هو إلا تقديراً منه
لخطورة الموقف فقط و قوة الخصم الذي يقف أمامه
فآثر الانسحاب ريثما يعيد النظر في موقفه ولكي يُغري همام محمد بك أبو الذهب بالعودة
ربما ليستميله و يجعله يُثني علي بك عن نية القضاء عليه
تنازل له عن التزام ناحية برديس
هدية من شيخ العرب همام لمحمد بك أبو الذهب دون أن يقبض ثمناً لهذا التنازل بمناسبة
مولود وُلِد لمحمد بك و قد كانت تلك هي الجولة الأولى
بين شيخ العرب همام و علي بك والجولة التي أكدت لشيخ العرب همام أن علي بك
قد عقد العزم تماماً على القضاء عليه وعلى سيطرته الواسعة
على الصعيد .
لم ينخدع علي بك بالانسحاب الهادئ
الذي قدمه شيخ العرب همام بتنازله الظاهري عن أراضيه
كما لم ينسَ علي بك أيضاًالشكوك التي ما زالت تؤرقه من ناحية شيخ العرب همام
و ما يربط شيخ العرب همام من صلات الود بالدولة العثمانية نفسها
التي سمحت له بمد نفوذه على الصعيد
من المنيا إلى أسوان بإذنها واستأنف علي بك الصراع
حتى لا يترك لشيخ العرب همام أي فرصة للتفكير أو العمل
فأرسل إليه يطلب منه طرد الأمراء المماليك المعادين له و المقيمين بأراضيه
عربوناً لإقراره لشروط الاتفاق
التي جرت بينه وبين محمد بك أو الذهب و هنا تأكد شيخ العرب همام بما لا يدع مجال للشك من رغبة علي بك في القضاء عليه
وأنه لن يتركه يهنأ بما كان له من سيطرة و نفوذ في الصعيد
لذا قررشيخ العرب همام في هذه المرة أن يقوم بعمل إيجابي
لمقاومة محاولة علي بك للقضاء عليه لكنه لم يُعلن عداءه صراحةً لعلي بك
ولم يقاومه وجهاً لوجه
لجأ شيخ العرب همام إلى الأمراء المماليك خصوم علي بك
و الموجودين في أراضيه ومعظمهم من اتباع صالح بك الذي قتله علي بك غدراً وكانوا يمثلون عدداً كبيراً من الأمراء و الأتباع
فجمعهم شيخ العرب همام واتفق معهم على أن يتقدموا للاستيلاء على أسيوط
وانتزاعها من أتباع علي بك تمهيداً لتقدمهم إلى القاهرة لإجلاء علي بك عنها
والقضاء على حكمه لمصر
واسترجاع ما كان لهم من نفوذ و سطوة على أن تبقى له سيطرته على الصعيد
وفعلاً وافقه الأمراء على ذلك
فأمدهم شيخ العرب همام بالرجال من كبار الهوارة ومن أهالي الصعيد فتَكون لهم جيش كبير
قدم له شيخ العرب همام كل ما يحتاج إليه من أموال و ذخائر و مؤن .
معركة اسيوط الفاصلة وخيانة الشيخ اسماعيل
تقدم الأمراء حلفاء شيخ العرب همام بالجيش باتجاه أسيوط
و بالفعل تمكنوا من الاستيلاء عليها ووصل الخبر إلى علي بك
الذي كان قد أرسل حاكماً جديداً لجرجا وهو أيوب بك وأمره بالتوجه إلى جرجا لتولي منصبه وبالفعل خرج أيوب بك باتجاه جرجا
ومعه عدد كبير من الجند والأتباع ولكنه وجد الصعيد في قبضة شيخ العرب همام وحلفاءه
ووجد أن سلطان علي بك على مصر مهدد بالخطر
من شيخ العرب همام وحلفائه فأرسل يطلب مدداً من علي بك لمواجهة الموقف و قد أدرك علي بك أهمية المعركة القادمة
وأنه لتثبيت سيادته على مصر لابد و أن ينتصر في هذه المعركة
و لابد أن يقضي نهائياً على شيخ العرب همام
الذي أصبح مصدراً للخطر الدائم الذي يهدد نفوذه و بقائه في الحكم لذا جهز علي بك و بسرعة فائقة
جيشاً ضخماً حشد فيه إلى جانب جنده من المماليك
مجموعة كبيرة من رجال الفرق العسكرية كلهاوعلى رأسهم اثنان من بكواته الذين يثق بهم
وهما خليل بك القاسمي وابراهيم بك و أرسل هذا الجيش بسرعة
للانضمام إلى جيش أيوب بك حاكم جرجا لمحاربة شيخ العرب همام وحلفائه
وقد حشد علي بك لهذه المعركة كل قواه
فلم يكتف بما أرسله بل لجأ الي حلفاءه الروس وامدوه باسلحة جديدة ومدافع
وأرسل حملة ضخمة بقيادة قائده محمد بك أبي الذهب
ومعه رضوان بك ومجموعة من الأمراء أتباع علي بك
وضمت هذه الحملة أعداد ضخمة من المماليك و المرتزقة وانضم الجميع إلى جيش أيوب بك الذي كان قد عسكرخارج أسيوط
التي كانت ما تزال في أيدي حلفاء شيخ العرب همام .
وتقديراً من علي بك لأهمية هذا الصراع
وخطورة هذه المعركة استمر في ارسال الامدادات و الذخائر المتوالية
إلى رجاله الذين أصبحوا يكونون جيشاً ضخماً
يتكون من ثلاثة جيوش
هي جيش أيوب بك
و جيش خليل بك
و جيش محمد بك أبو الذهب الذي تزعم الجميع و أمام أسيوط دارت المعركة الحاسمة
التي كُتِبَ النصر فيها لقوات علي بك
بعد قتال عنيف قُتِلَ فيه الكثيرون من أعداء علي بك
من أمراء المماليك و فرت فلول المهزومين
إلى فرشوط مقر شيخ العرب همام و قد كان من الطبيعي أن ينتصر رجال علي بك
على حلفاء شيخ العرب همام فقد كان رجاله يمثلون قوة الدولة
و قد هيأ لهم علي بك الوسائل التي تضمن تفوقهم من تزويدهم بالأعداد الهائلة من الرجال و الأموال والمؤن و الأسلحة بينما كانت قوة شيخ العرب همام
أقل عدداً و أضعف استعداداً لأن حلفاءه من المماليك لم يكونوا أكثر من جماعة من الأمراء اللاجئين إلى الصعيد بعد فقدهم كل قواتهم و ثرواتهم
التي جردهم منها علي بك
وما قدمه لهم الشيخ همام من رجال لم يكن لهم من المهارة الحربية من التدريب و التسليح
وحسن الاستعداد ما يضمن لهم التغلب
على الجند المماليك و الطوائف العسكرية الأخرى التي كانت تتألف منها قوات علي بك .
وبعد انتصار علي بك على حلفاء شيخ العرب همام و رجاله في معركة أسيوط
أمر قائده محمد بك أبي الذهب
بالزحف فوراً إلى فرشوط لمحاربة همام و القضــاء عليه .
أطاع محمد بك أبو الذهب أوامر علي بك وبدأ بالزحف فوراً إلى فرشوط لمحاربة شيخ العرب همام
و القضــاء عليه و قبل أن يجد شيخ العرب همام مخرجا من هذا الموقف
وقبل أن يتقدم برجاله لمواجهة جيش محمد بك لجأ محمد بك إلى سلاح العصر و هو سلاح الخيانة و الخديعة
فأغرى ابن عم شيخ العرب همام الشيخ اسماعيل أبو عبد الله
بخيانة بن عمه شيخ العرب همام وأخذ يستميله واعداً إياه برئاسة الصعيد
بدلاً من شيخ العرب همام إذا ما تقاعس عن القتال في صفوف شيخ العرب همام
و نشر فكرة التخاذل بين جنده و بهذه الوعود البراقة
استثار محمد بك
جوانب الضعف الإنساني و الأنانية الشخصية التي جعلت الشيخ اسماعيل
ينخدع بحيلة أبي الذهب و يخون ابن عمه شيخ العرب همام
و يتراجع عن القتال معه
بل و يضم إلى صفوفه الكثيرين من رجال شيخ العرب همام و يبدو أن شيخ العرب همام كان يعقد أهمية كبيرة على وجود ابن عمه هذا بين صفوفه لذا قصمت الخيانة ظهره وفتت في عضده إذ أدرك أنه لن يبقى له شئ بعد أن خانته عشيرته
وتخلى عنه أقرب الناس إليه لهذا أدركه حزن قاتل ومرارة وحسرة عظيمة بخيانة بن عمه الشيخ اسماعيل الذي ضاعت بسبب خيانته هذه كل آمال شيخ العرب همام وتحطمت إمارته وزال ملكه .!!
فسبحان الذي لايزول ملكه
النهاية الحزينة لشيخ العرب همام
خرج شيخ العرب همام من مقر حكمه فرشوط وإتجه جنوباً إلي إسنا
بعد ان قصمت الخيانة ظهره و فتت في عضده إذ أدرك أنه لن يبقى له شئ بعد أن خانته عشيرته وتخلى عنه أقرب الناس إليه
لهذا أدركه حزن قاتل و اضطر إلى التقهقر و خرج من مسقط رأسه
وموطنه وعاصمة نفوذه و مجده فرشوط ومات
( مكموداً مقهوراً قرب إسنا )
في أول نوفمبر 1769 م / 8 من شعبان 1183 هـ
و كان في نحو الستين من عمره .
وبعد خروج شيخ العرب همام من فرشوط دخلها محمد بك أبو الذهب ورجاله
ونهب ما بها من أموال شيخ العرب همام
وأخذ ما كان بدياره وديار أقاربه و أتباعه من ذخائر وغلال
ثم رجع إلى القاهرة و بصحبته درويش
أكبر أولاد شيخ العرب همام الذي قدمه الهوارة و أشاروا عليه
بمقابلة محمد بك ففعل .
وقام علي بك الحقير بتوزيع أراضي الصعيد بين الملتزمين
وقد تعرض أبناء الصعيد لأنواع عديدة من المظالم
التي كان يتعرض لها الفلاحون من باقي أنحاء مصر من نهب الأعراب و ظلم الملتزمين و إثقال كاهلهم بالضرائب الجائرة .
وبوفاة شيخ العرب همام
انتهت تلك الشخصية الفريدة في عصرها وتقرر النصر النهائي لعلي بك
الذي تخلص من آخر قوة كانت تؤرق مضجعه
وتقف عقبة في سبيل فرض سيادته الخالصة على الصعيد
فغدا علي بك بوفاة شيخ العرب همام
سيد مصر كلها و صاحب النفوذ المطلق فيها .
فسبحان مقلب الليل والنهار !!!
يقول المؤرخ المصري احمد محمود عمر عن مكان دفن شيخ العرب همام إنه وفقا للوثائق التى لا تزال باقية، فإن همام شيخ العرب بعد هزيمته من المماليك اتجه إلى المطاعنة وعاش بها مدة تقترب من 5 أشهر قضاها فى دواوين أصدقائه وهم الشيخ عمر تركى والشيخ حسن سليم اللملومى اللذان كانا يقيمان فى قرية
أصفون المطاعنة أما فى قرية كيمان المطاعنة التى مات فيها فكان يقيم عند الشيخ محمد معمر القاضى، وأيضا عند الشيخ الشافعى عسكر والشيخ حسن سعد صالح، وعلى حمد تميم من قرية طفنيس وكانت العائلات تتصارع فيما
بينها لتنال شرف الحصول على وقت لضيافة عالى المقام الجناب الأعظم شيخ العرب همام كما أن إقامته لم تكن على الدوام استضافة من عربان المطاعنة بل كان يتكفل بحاشيته التى جاءت بعده ولا يزال أحفادها باقين فيها حتى الآن.
وأوضح الشيخ عمر أنه وفقا لكتابات المؤرخين، عن الأيام الأخيرة فى حياة شيخ العرب همام وموته فإنها تذكر أنه مات فى ناحية إسنا ودفن فى قرية قامولا ومابين إسنا وقامولا مسافات كبيرة لكن تحليلياً فى ضوء انتفاء وندرة
الأدلة والوثائق فإن رواية أهل قمولا أقرب إلى الواقع وقد يكون الشيخ مات بالفعل فى كيمان المطاعنة وحاول أهله دفنه فى فرشوط مسقط رأسه مستخدمين المركب الذهبى فى نقله لكنه تعطل أمام قرية نقادة وتم دفنه فيها...
كان شيخ العرب همام رجلاً عظيماً وصاحب شخصية جديرة بالبحث والدراسة ولو لم تتحالف عليه قوة اكبر من طاقته ناهيك عن خيانة بن عمه الشيخ اسماعيل له لكان له في تاريخ الصعيد شأناً اعظم واكبر مما كان عليه ...
وظلت ذكرى شيخ العرب همام محفوظة على ألسنة كثيرين في أشعار ومواويل تأثر أصحابها بانهيار حلم الفارس الهواري يقول الشاعر في موال
قم يا همام وروح سنار ** وازرع وقوت عيالك
فرشوط قادت عليك نار ** والبيه عندي وجالك
في الأبيات السابقة ينادي الشاعر على شيخ العرب همام متمنيا لو كان قد اتجه إلى مملكة سنار في السودان بعيدا عن فرشوط وغضب البيه محمد بك ابو الدهب وهي الحسرة التي استخدمها الشاعر في موال آخر ينعي ذكرى قصر الأمير همام الذي قيل انه ضم 90 غرفة وتخرب على يد محمد بك أبو الدهب رجل السلطة المملوكية
هياك يا باب هياك ** بس ضبتك غيروها
تسعين أوضة وشباك ** في تلا يلك كسروها
منذ تلك الفترة ظلت صورة الفارس الهوارى تمثل نموذجا للفارس المحارب عدا ذلك قد تنتشر أبياتا مجهولة حفظتها الذاكرة الشعبية تمدح في فروسية الهوارة من أشهرها الأبيات التالية
انظر الي خيل هوارة تري عجبا ** فيسيرها عندما يسري بها الساري
لم تفخر الخيل قط براكبها ** ما لم يكن فوق السرج هواري
وهكذا إنتهت هذه الملحمة البطولية الشعبية التي كان بطلها شيخ العرب همام الهواري عظيم بلاد الصعيد والكهف الاظل الذي كان يحمي أهله ويظلهم ويعدل بينهم فمازال باقياً في قلوب ابناء الصعيد عامة وقبائل الهوارة خاصة
وفي ذاكرة الامة المصرية ...
وما كان قيسٌ هُلْكه هُلْكُ واحد ** ولكنّـه بُنيانُ قومٍ تهدّمـا
تم بحمد الله وتوفيقه
اعده الراجي لمغفرة ربه
هاني عسران الهواري
وكنيته أ بو محمد الصعيدي
مصادر اساسية
عجائب اللآثار في التراجم والاخبار / عبد الرحمن الجبرتي
الصعيد في عهد شيخ العرب همام / دكتور ليلي عبد اللطيف احمد استاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد بكلية الدراسات الانسانية جامعة الازهر ..
تعليق