
نتائج غزوة تبوك
كانت لغزوة تبوك نتائج عديدة لعل أهمها سيطرة المسلمين سيطرة كاملة على شمال الجزيرة العربية، وكان من نتيجتها أن سقطت هيبة الرومان وأعوانهم، وهذا سَهّل فيما بعد الفتوح الإسلامية في بلاد الشام.
الرجوع إلى المدينة ومحاولة اغتيال النبي
قرر رسول الله






وثانيًا: لأنه لا يملك بينة على أنهما هما اللذان حاولا قتله، والبينة المقصودة هنا هي البينة الشرعية، وليس البينة عن طريق الوحي، وذلك مثل دليل مادي أو قرينة أو شهادة شهود. وكل ذلك ليعلمنا ألا نقيم حدًّا أو حكمًا على أحد إلا ببينة، وأنه إن لم تكن معنا بينة فيكفي المدَّعَى عليه أن يحلف أنه لم يفعل ليصدق، ولا شك أن المنافقين سيحلفون على الكذب، ولذلك فالقاعدة الشرعية ستطبق في منتهى العدل، وهي عدم إقامة الحكم بدون بينة.
يقول رسول الله

وعند الدارقطني عن أبي هريرة: "وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، والْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، إِلاَّ فِي الْقَسَامَةِ".
ولا أعتقد أن هناك مستوى من العدل في أي دولة من دول العالم أرقى من هذا المستوى الذي رأيناه في موقف رسول الله

وقفة مع تبوك
وصل رسول الله

أين القتال الضروس الذي تخيله المسلمون يوم خرجوا؟!
أين الفتنة الرهيبة التي توقعها الخارجون في سبيل الله؟!
أين الامتحان الدقيق الذي سيُخْتبر فيه الصادق والكاذب، والمؤمن والمنافق؟!
ألم نَقُل أن تبوك امتحانٌ عسير للمسلمين؟
الواقع أن الامتحان تم بالفعل، ولكنه تم في المدينة المنورة على بُعد 700 كم من المكان المتوقع للامتحان.
لم يكن الامتحان في تبوك كما توقع الجميع، ولكن كان الامتحان في المدينة قبل الخروج.
لقد كان الامتحان هو القدرة على أخذ قرار الجهاد، فالذي تغلب على نفسه، وعلى ظروفه، وعلى شهواته، وعلى المعوقات التي في حياته، وعلى شياطينه، وعلى أقاويل المرجفين، الذي تغلب على كل ذلك، وأخذ قرار الجهاد، نجح يوم أخذ هذا القرار، حتى وإن لم يحدث بعد ذلك جهاد، والذي فشل في الاختبار هو الذي هُزم داخليًّا، فلم يستطع أن يخرج من أزمته النفسية، ومن جُبنه المقعِد.
قد تكون نجاتك في قرار تأخذه، فإن أخذته كفاك الله ما كنت تتوقع من مصائب، وإيذاء، وألم.. {وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ القِتَالَ} [الأحزاب: 25].
أخذت الغزوة بكاملها ذهابًا وإيابًا شهرًا واحدًا، أو أربعين يومًا على أكثر تقدير، ومرت الفترة العصيبة كما مرت شهور كثيرة قبل ذلك، ونُسيت آلامها وتضحياتها مع مرور الوقت، ولكن بقيت دروسها وفوائدها وعظاتها، وأعظم من كل ذلك بقي أجرها لمن بَذَل وقدّم. ونسأل الله الثبات عند الفتن.
الوصول إلى المدينة واعتذار المخلفين
وعندما وصل الرسول

الفريق الأول: هو فريق المؤمنين الصادقين الذين تخلفوا عن الجهاد بغير عذر، وذلك كهفوة عابرة، وخطأ غير متكرر، وهؤلاء لم يقبل رسول الله

وكان هؤلاء هم الثلاثة الذين تحدث عنهم القرآن، وهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع


الفريق الثاني: هو فريق المنافقين سواء من أهل المدينة، أو من الأعراب حول المدينة، وهؤلاء جاءوا يحلفون أنهم كانوا معذورين، ويعدون بأنهم سيخرجون مع المسلمين في أي قتال قادم، وهؤلاء كان يقبل منهم رسول الله

وبنهاية قصة تبوك علم العرب جميعًا أنهم لا طاقة لهم بالدولة الإسلامية التي فرت منها جيوش الرومان، وجيوش حلفائهم، وعلم الجميع أن الذي ثبت أقدام هذه الدولة ليس دينًا من صناعة رسول الله

عام الوفود
عندما عُلم كل ذلك جاءت الوفود من كل حدب وصوب، من كل أنحاء الجزيرة العربية لتعلن إسلامها بين يدي رسول الله

جاءت الوفود بكثرة عجيبة حتى عرف العام التاسع من الهجرة، وهو العام الذي تمت فيه غزوة تبوك بعام الوفود.
جاء وفد بني عبد القيس، ووفد بني حنيفة، ووفد أهل نجران النصارى، ووفد بني عامر، ووفد طيِّئ، ووفد أهل اليمن بشتى قبائلهم، ووفد كِندة، ووفد بَجيلة، ووفد بني أسد، ووفد بني عبس، ووفد بني مُرّة، ووفد بني ثعلبة، ووفد بني كلاب، ووفد باهلة، ووفد كِنانة، وغيرهم، وغيرهم.
وجاء أيضًا في هذه الفترة وفد ثقيف، وأشرنا إليه من قبل عند حديثنا عن غزوة الطائف، وما أعقبها من أحداث.
لقد أعلنت الجزيرة العربية بكاملها إسلامها، وقَرَّت عين رسول الله

د. راغب السرجاني
تعليق