غزوة الحُدَيْبيَة وصلح الحُدَيبية
رأى عليه الصلاة والسلام في نومه أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلِّقين رؤوسَهم ومقصِّرين، فأخبر المسلمين أنه يريد العمرة، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة ليكونوا معه، حذراً من أن تردّهم قريش عن عمرتهم، ولكن هؤلاء الأعراب أبطؤوا عليه لأنهم ظنوا ألاّ ينقلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى أهليهم أبداً، وتخلَّصوا بأن قالوا: شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا، فخرج عليه الصلاة والسلام بمن معه من المهاجرين والأنصار تبلغ عدّتهم ألفاً وخمسمائة، وولى على المدينة ابن أُم مكتوم، وأخرج معه زوجه أم سلمة، وأخرج الهَدْيَ ليعلم الناس أنه لم يأت محارباً، ولم يكن مع أصحابه شيء من السلاح إلا السيوف في القُرُب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرضَ أن يحملوا السيوف مجردة وهم معتمرون، ثم سار الجيش حتى وصل عُسْفان فجاءه عينه يخبره أن قريشاً أجمعت رأيها أن يصدّوا المسلمين عن مكة وألاّ يدخلوها عليهم عَنْوةً أبداً. وتجهزوا للحرب، وأعدّوا خالد بن الوليد في مائتي فارس طليعة لهم ليصدّوا المسلمين عن التقدم، فقال عليه الصلاة والسلام: هل من رجل يأخذ بنا على غير طريقهم فقال رجل من أسلم: أنا يا رسول الله. فسار بهم في طريق وعرة، ثم خرج بهم إلى مستوٍ سهل يملك مكة من أسفلها، فلما رأى خالد ما فعل المسلمون رجع إلى قريش وأخبرهم الخبر. ولما كان عليه الصلاة والسلام بثنيّة المُرَار بركت ناقته. فزجروها فلم تقم، فقالوا: خلأَتِ القَصْوَاء، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما خلأت وما ذلك لها بخُلق، ولكن حبسها حابسُ الفيل. والذي نفسُ محمد بيده لا تدعوني قريش لِخَصْلَة فيها تعظيمُ حرمات الله إلا أجبتهم إليها» مع أن المسلمين لو قاتلوا أعداءهم في مثل هذا الوقت لظفروا بهم، ولكن كَفَّ الله أيدي المسلمين عن قريش، وكَفَّ أيدي قريش عن المسلمين كيلا تُنتهك حُرمات البيت الذي أراد الله أن يكون حرماً آمناً، ويوطد المسلمون من جميع الأقطار دعائمَ أخوتهم فيه. ثم أمرهم عليه الصلاة والسلام بالنزول أقصى الحديبية وهناك جاء بُدَيلبن وَرْقَاء الخُزاعي رسولاً من قريش، يسأل عن سبب مجيء المسلمين، فأخبره عليه الصلاة والسلام بمقصده، فلما رجع بُديل إلى قريش وأخبرهم بذلك لم يثقوا به لأنه من خزاعة الموالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانت كذلك لأجداده وقالوا: أيريد محمدٌ أن يدخل علينا في جنوده معتمراً تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة، وبيننا وبينهم من الحرب ما بيننا؟ والله لا كان هذا أبداً ومنا عَيْن تَطْرف. ثم أرسلوا حُلَيْسَ بن علقمة سَيِّد الأحابيش وهم حلفاء قريش فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال هذا مِنْ قوم يعظّمون الهدْي، ابعثوه في وجهه حتى يراه، ففعلوا، واستقبله الناس يُلَبُّون، فلما رأى ذلك حُلَيْس رجع، وقال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا. أتحجُّ لخم وجذام وحمير، ويُمنع عن البيت ابن عبد المطلب؟ هلكْت قريش، وربِّ البيت إن القوم أَتَوا معتمرين.فلما سمعت قريش منه ذلك قالوا له: اجلسْ إنما أنت أعرابي لا علم لك بالمكايد، ثم أرسلوا عُرْوَةَ بن مسعود الثقفي سيد أهل الطائف فتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: يا محمد قد جمعتَ أوباشَ الناس، ثم جئت إلى أهلك وعشيرتك لِتَفُضَّها بهم إنها قريش قد خرجت تعاهد الله ألا تدخلها عليهم عَنْوة أبداً. وايمُ الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك. فنال منه أبو بكر وقال نحن ننكشف عنه ويحك وكان عروة يتكلم وهو يمسّ لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان المغيرة بن شعبة يقرع يده إذا أراد ذلك ثم رجع عروة وقد رأى ما يصنع بالرسول أصحابه لا يتوضأ وضُوءاً إلا كادوا يقتتلون عليه يتمسحون به وإذا تكلموا خَفَضوا أصواتهم عنده، ولا يُحِدُّون النظر إليه فقال والله يا معشر قريش جئتُ كسرى في ملكه وقيصرَ في عظمته فما رأيتُ مَلِكاً في قومه مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوماً لا يُسلمونه لشيء أبداً، فانظروا رأيكم، فإنه عرض عليكم رشداً فاقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح مع أني أخاف ألا تنصروا عليه فقالت قريش لا تتكلم بهذا ولكن نردّه عامنا ويرجع إلى قابل.
بيعة الرضوان
ودعا الناسَ للبيعة على القتال فبايعوه تحت شجرة هناك سميت بعد بشجرة الرضوان على الموت فشاعَ أمر هذه البيعة في قريش فداخلهم منها رعب عظيم، وكانوا قد أرسلوا خمسين رجلاً عليهم مكرزُ بن حفص ليطوفوا بعسكر المسلمين لعلهم يصيبون منهم غِرَّة، فأسرهم حارس الجيش محمد بن مسلمة وهرب رئيسهم، ولما علمت بذلك قريش جاء جمع منهم وابتدؤوا يناوشون المسلمين حتى أسر منهم اثنا عشر رجلاً وقُتل من المسلمين واحد.
صلح الحُدَيبية
وعند ذلك خافت قريش وأرسلت سهيل بنَ عَمْرو للمكالمة في الصلح، فلما جاء قال: يا محمد إن الذي حصل ليس من رأي عقلائنا بل شيء قام به السفهاء منّا فابعث بمن أسرت، فقال: حتى ترسلوا مَنْ عندكم. وعندئذٍ أرسلوا عثمان والعشرة الذين معه، ثم عرض سهيل الشروط التي تريدها قريش وهي:
وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنوات.
من جاء المسلمين من قريش يردّونه، ومن جاء قريشاً من المسلمين لا يلزمون بردّه.
أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام، ثم يأتي العام المقبل فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش، فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب والقوس من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه فقبل عليه الصلاة والسلام كل هذه الشروط أما المسلمون فداخلهم منها أمر عظيم وقالوا سبحان الله كيف نَرُدُّ إليهم من جاءنا مسلماً ولا يردّون مَنْ جاءهم مُرْتداً فقال عليه الصلاة والسلام إنه من ذهب منّا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً أما الأمر الثالث وهو صدُّ المسلمين عن الطواف بالبيت فكان أشد تأثيراً في قلوبهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه رأى في منامه أنهم دخلوا البيت آمنين وقد سأل عمر أبا بكر في ذلك فقال رضي الله عنه وهل ذكر أنه في هذا العام.
رأى عليه الصلاة والسلام في نومه أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين محلِّقين رؤوسَهم ومقصِّرين، فأخبر المسلمين أنه يريد العمرة، واستنفر الأعراب الذين حول المدينة ليكونوا معه، حذراً من أن تردّهم قريش عن عمرتهم، ولكن هؤلاء الأعراب أبطؤوا عليه لأنهم ظنوا ألاّ ينقلب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى أهليهم أبداً، وتخلَّصوا بأن قالوا: شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا، فخرج عليه الصلاة والسلام بمن معه من المهاجرين والأنصار تبلغ عدّتهم ألفاً وخمسمائة، وولى على المدينة ابن أُم مكتوم، وأخرج معه زوجه أم سلمة، وأخرج الهَدْيَ ليعلم الناس أنه لم يأت محارباً، ولم يكن مع أصحابه شيء من السلاح إلا السيوف في القُرُب، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرضَ أن يحملوا السيوف مجردة وهم معتمرون، ثم سار الجيش حتى وصل عُسْفان فجاءه عينه يخبره أن قريشاً أجمعت رأيها أن يصدّوا المسلمين عن مكة وألاّ يدخلوها عليهم عَنْوةً أبداً. وتجهزوا للحرب، وأعدّوا خالد بن الوليد في مائتي فارس طليعة لهم ليصدّوا المسلمين عن التقدم، فقال عليه الصلاة والسلام: هل من رجل يأخذ بنا على غير طريقهم فقال رجل من أسلم: أنا يا رسول الله. فسار بهم في طريق وعرة، ثم خرج بهم إلى مستوٍ سهل يملك مكة من أسفلها، فلما رأى خالد ما فعل المسلمون رجع إلى قريش وأخبرهم الخبر. ولما كان عليه الصلاة والسلام بثنيّة المُرَار بركت ناقته. فزجروها فلم تقم، فقالوا: خلأَتِ القَصْوَاء، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما خلأت وما ذلك لها بخُلق، ولكن حبسها حابسُ الفيل. والذي نفسُ محمد بيده لا تدعوني قريش لِخَصْلَة فيها تعظيمُ حرمات الله إلا أجبتهم إليها» مع أن المسلمين لو قاتلوا أعداءهم في مثل هذا الوقت لظفروا بهم، ولكن كَفَّ الله أيدي المسلمين عن قريش، وكَفَّ أيدي قريش عن المسلمين كيلا تُنتهك حُرمات البيت الذي أراد الله أن يكون حرماً آمناً، ويوطد المسلمون من جميع الأقطار دعائمَ أخوتهم فيه. ثم أمرهم عليه الصلاة والسلام بالنزول أقصى الحديبية وهناك جاء بُدَيلبن وَرْقَاء الخُزاعي رسولاً من قريش، يسأل عن سبب مجيء المسلمين، فأخبره عليه الصلاة والسلام بمقصده، فلما رجع بُديل إلى قريش وأخبرهم بذلك لم يثقوا به لأنه من خزاعة الموالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانت كذلك لأجداده وقالوا: أيريد محمدٌ أن يدخل علينا في جنوده معتمراً تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة، وبيننا وبينهم من الحرب ما بيننا؟ والله لا كان هذا أبداً ومنا عَيْن تَطْرف. ثم أرسلوا حُلَيْسَ بن علقمة سَيِّد الأحابيش وهم حلفاء قريش فلما رآه عليه الصلاة والسلام قال هذا مِنْ قوم يعظّمون الهدْي، ابعثوه في وجهه حتى يراه، ففعلوا، واستقبله الناس يُلَبُّون، فلما رأى ذلك حُلَيْس رجع، وقال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا. أتحجُّ لخم وجذام وحمير، ويُمنع عن البيت ابن عبد المطلب؟ هلكْت قريش، وربِّ البيت إن القوم أَتَوا معتمرين.فلما سمعت قريش منه ذلك قالوا له: اجلسْ إنما أنت أعرابي لا علم لك بالمكايد، ثم أرسلوا عُرْوَةَ بن مسعود الثقفي سيد أهل الطائف فتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: يا محمد قد جمعتَ أوباشَ الناس، ثم جئت إلى أهلك وعشيرتك لِتَفُضَّها بهم إنها قريش قد خرجت تعاهد الله ألا تدخلها عليهم عَنْوة أبداً. وايمُ الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك. فنال منه أبو بكر وقال نحن ننكشف عنه ويحك وكان عروة يتكلم وهو يمسّ لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان المغيرة بن شعبة يقرع يده إذا أراد ذلك ثم رجع عروة وقد رأى ما يصنع بالرسول أصحابه لا يتوضأ وضُوءاً إلا كادوا يقتتلون عليه يتمسحون به وإذا تكلموا خَفَضوا أصواتهم عنده، ولا يُحِدُّون النظر إليه فقال والله يا معشر قريش جئتُ كسرى في ملكه وقيصرَ في عظمته فما رأيتُ مَلِكاً في قومه مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوماً لا يُسلمونه لشيء أبداً، فانظروا رأيكم، فإنه عرض عليكم رشداً فاقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح مع أني أخاف ألا تنصروا عليه فقالت قريش لا تتكلم بهذا ولكن نردّه عامنا ويرجع إلى قابل.
بيعة الرضوان
ودعا الناسَ للبيعة على القتال فبايعوه تحت شجرة هناك سميت بعد بشجرة الرضوان على الموت فشاعَ أمر هذه البيعة في قريش فداخلهم منها رعب عظيم، وكانوا قد أرسلوا خمسين رجلاً عليهم مكرزُ بن حفص ليطوفوا بعسكر المسلمين لعلهم يصيبون منهم غِرَّة، فأسرهم حارس الجيش محمد بن مسلمة وهرب رئيسهم، ولما علمت بذلك قريش جاء جمع منهم وابتدؤوا يناوشون المسلمين حتى أسر منهم اثنا عشر رجلاً وقُتل من المسلمين واحد.
صلح الحُدَيبية
وعند ذلك خافت قريش وأرسلت سهيل بنَ عَمْرو للمكالمة في الصلح، فلما جاء قال: يا محمد إن الذي حصل ليس من رأي عقلائنا بل شيء قام به السفهاء منّا فابعث بمن أسرت، فقال: حتى ترسلوا مَنْ عندكم. وعندئذٍ أرسلوا عثمان والعشرة الذين معه، ثم عرض سهيل الشروط التي تريدها قريش وهي:
وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنوات.
من جاء المسلمين من قريش يردّونه، ومن جاء قريشاً من المسلمين لا يلزمون بردّه.
أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام، ثم يأتي العام المقبل فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش، فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب والقوس من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه فقبل عليه الصلاة والسلام كل هذه الشروط أما المسلمون فداخلهم منها أمر عظيم وقالوا سبحان الله كيف نَرُدُّ إليهم من جاءنا مسلماً ولا يردّون مَنْ جاءهم مُرْتداً فقال عليه الصلاة والسلام إنه من ذهب منّا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فرددناه إليهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً أما الأمر الثالث وهو صدُّ المسلمين عن الطواف بالبيت فكان أشد تأثيراً في قلوبهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه رأى في منامه أنهم دخلوا البيت آمنين وقد سأل عمر أبا بكر في ذلك فقال رضي الله عنه وهل ذكر أنه في هذا العام.
تعليق